مجلة الرسالة/العدد 756/رحلة إلى الهند
→ حسن، مرقص، كوهين | مجلة الرسالة - العدد 756 رحلة إلى الهند [[مؤلف:|]] |
إياكم والمهادنة ← |
بتاريخ: 29 - 12 - 1947 |
16 - رحلة إلى الهند
للدكتور عبد الوهاب عزام بك
وزير مصر المفوض في المملكة السعودية
شاهجهان وزوجه
السلطان شهاب الدين شاه جهان بن جلال الدين أكبر وخامس الملوك التيموريين في الهند تولى الملك سنة 1037هـ (1628م) ودام له السلطان اثنتين وثلاثين سنة.
ولى والدولة في عنفوانها، قد ذلل له الصعاب، ووطد له السلطان أبوه جلال الدين، وكان كلفاً بتشييد الأبنية الضخمة وتجميلها، فترك أجمل آثار الهند، بل آثار العالم كله.
تزوج الأمير خزم (وهو اسم شاهجهان قبل أن يلي الملك) سيدة من قرابته اسمها أرجمند بانو (أي السيدة الفاضلة) وهي التي لقبت من بعد بلقب (ممتاز محل).
وهذه السيدة بنت الوزير آصف جهان الذي ذكرناه قبلاً، وهو أخو السيدة نورجهان امرأة السلطان جهانكير.
كان زواج الأمير خزم بالسيدة أرجمند بانو سنة 1022هـ قبل أن يرث الملك بخمسة عشر عاماً، وعاشا سعيدين متحابين، بأنس الأمير ثم السلطان بزوجه ويسكن إليها، ويفزع في الملمات إلى رأيها، ودامت صحبتهما ثمانية عشر عاماً.
وسنة 1040هـ لثلاث سنين مضت من ملك شاه جهان، بينما السيدة ممتاز محل مع زوجها في مدينة برهان بور، ولدت للمرة الرابعة عشرة وليدة سميت جواهرآرا، وماتت الأم أثر الوضع.
وقد أرخ أحد الشعراء موتها ببيتين بالفارسية ينتهيان بهذا المصرع (جاي ممتاز محل جنت باد)، (لتكن الجنة مثوى ممتاز محل). وحساب هذا المصرع بالجمل: 1040.
صدعت وفاتها قلب زوجها، فولهه الحزن، حتى صدف عن متع الدنيا، وهم بأن يعتزل الملك والناس، ثم صبر حزيناً لا تفارقه ذكرى صاحبته.
بقى جثمان السيدة في برهانيور ستة أشهر، ثم نقل إلى أكرا وأودع موضعاً في حديقة تاج محل المعروفة اليوم، وبعد ستة أشهر أودعت مستقرها الأخير الذي شيد عليه المز الرائع المسمى (تاج محل)، وسنذكره بعد.
أراد السلطان أن يشيد لزوجه بناء يضارع مكانتها في قلبه، ويعرب عن حبه ووفائه وحزنه، فتحدى كل من شاد الملوك، وما أبدعت فيه أيدي الصناع، فشاد هذا البناء جميلاً كممتاز محل، عظيماً كحب شاه جهان ووفائه، بل أقام تمثالاً للجمال والحب والوفاء، كما أبدع فيها خيال الشعراء.
دعا المهندسين من أقطار الأرض، فخطوا ما شاءت خبرتهم وقدرتهم، فأختار واحدة من الخطط اتخذ لها نموذجاً من الخشب شيد على مثاله البناء الرائع، وحشر مهرة الصناع من الأقطار، وكان منهم النقاش محمد عيسى أفندي من الروم (تركيا)، ومحمد شريف من سمرقند، وكان لكل منهم ألف روبية في الشهر.
وأشرف على العمارة الأمير عبد الكريم ومكرمت خان، وعملت أيدي البناءين والنحاتين والنقاشين، وقدرة السلطان وثروته في هذا البناء ثمانية عشر عاماً كالحقبة التي أمضتها السيدة في صحبة زوجها، فتم سنة 1057هـ (1647م) هذا التمثال المعجز في بلاغة البناء.
(للكلام صلة)
عبد الوهاب عزام