مجلة الرسالة/العدد 751/بحث الكولرا
→ حول جدل في الجامعة | مجلة الرسالة - العدد 751 بحث الكولرا [[مؤلف:|]] |
الفن القصصي في القرآن ← |
بتاريخ: 24 - 11 - 1947 |
للدكتور فضل أبو البكر
(تتمة ما نشر في العدد الماضي)
العلاج وطرق الوقاية
أن الحكمة القائلة (الوقاية خير من العلاج) هي من أصدق الحكم ويجب تطبيقها على الدوام وعلى سائر الأمراض. وهي أصدق ما تكون في حالة الكولرا إذ من السهل جداً الوقاية منها وعلى النقيض من ذلك يصعب علاجها وقد يتعذر إذا حل مكروبها بالإنسان وظهرت عوارض المرض إذ لم يوجد إلى الآن دواء حاسم غير الدواء الواقي كما وجدت الكينا للملاريا والطرطير للبلهارسيا والزرنيخ والزئبق للزهري والبنسلين لكثير من الأمراض ليس من ضمنها الكولرا من سوء الحظ.
أما العلاج الواقي الذي تتوقف عليه نجاة الفرد ونجاة المجموعة فهو الحقن بالمصل الواقي يحقن الفرد باللقاح مرتين تحت الجلد يكون مقدار الأولى سنتيمتراً مكعباً وبعد ثمانية أيام من الأولى يحقن مرة ثانية بكمية قدرها سنتيمتران مكعبان. تبدأ مناعة الجسم في اليوم الخامس وتكون من أشدها بعد اليوم الخامس عشر ويستمر مفعولها مدة ستة أشهر.
أما تطعيم (حامل المكروب) فقد وجد في بعض الأحيان غير كاف ويمكن معرفة هؤلاء (الحملة) بتحليل البراز مرتين وتكون المرة الثانية بعد أسبوع من الأولى ويجب أن تكون النتيجة سلبية في المرتين وإلا كان الفرد من حامل المكروب وفي هذه الحالة زيادة على حقنهم يعطونهم ما يسمونه (بالباكتربوفاج) أي آكل البكتريا ولكل مكروب آكل خاص.
طرق الوقاية
1 - حقن جميع الأفراد في المناطق التي يظهر فيها الوباء أولاً وتعميم الحقن على جميع السكان على قدر الإمكان.
2 - عزل المريض في الحال بأماكن العزل بالمستشفيات الخاصة بالأوبئة.
3 - منع التعرض لجثة المريض بحال من الأحوال واقتراب ذويه منها لغسل الجثة وتكفينها والمشي في موكب لدفنها، بل المصلحة العامة - وهي فوق كل الاعتبارات - تسمح بذلك.
4 - تطهير كل إفرازات المريض قبل أن يدفع بها إلى المراحيض كذلك تطهير كل ما لامس المريض عن طريق مباشر أو غير مباشر بإحدى المواد الكيمياوية وهي كثيرة متوفرة.
5 - تطهير الغرف والأثاث كذلك تطهير ملابس الممرضين والممرضات وكذلك أحذيتهم وبعناية تامة يومياً وعدم السماح لهم بالأكل في حجرات المرضى.
6 - مراقبة الناقهين والبحث عن (حامل المكروب) وفحصهم طبياً.
7 - تطهير الخضراوات والفواكه وقد يكون أضمن وأسلم طبخها قبل استعمالها. كذلك يستحسن عدم الإفراط في الأكل أو تعاطي الأطعمة عسرة الهضم أو المواد التي تلهب الأغشية المخاطية للأمعاء مثل التوابل والبهارات.
8 - العناية التامة بمياه الشرب وتحليل عينات منها كل يوم أما السكان بالقرى الذين لم يتوفر عندهم الماء الصالح والذين يشربون من ماء الأنهر والآبار فيجب غلي الماء أو تعقيمه بمادة مطهرة قبل شربه أو استعماله بطريقة ما.
9 - محاربة الحشرات ولا سيما الذباب بجميع الطرق المؤدية لإبادته وحفظ الأطعمة بمعزل عنه. كذلك حرق القمامات وفضلات الأكل أولاً بأول وهي الأوكار والمراتع الخصبة للذباب يقتات منها ويبيض على هاماتها.
هذا بحث موجز عن وباء الكولرا ذكرنا فيه باختصار بعض ما يهم الجمهور معرفته عن هذا الداء الوبيل وعن طرق الوقاية منه عسى أن يكون فيه بعض النفع.
ولا يفوتني أن أذكر اهتمام الرأي العام الدولي بهذا الداء وقد علم القارئ مما سلف أن ظهور وباء في بقعة من الكرة الأرضية فيه خطر يهدد سلامة العالم بأسره وخصوصاً أوربا وقد أضحت جائعة عارية بعد الحرب لهذا بادرت الدول الغربية لنصرتنا ومدت يدها بالمعونة لنا كما تقضي بذلك الإنسانية وكما تتطلب ذلك سلامتها نفسها وسلامة الإنسانية جمعاء.
غير أن بعض المستعمرين بدأوا يستغلون هذا الحادث استغلالاً دنيئاً مغرضاً وأداة للدعاية ضدنا كما يبالغون في نعت عامة الشعب بالجهل والتأخر ونلمح من حين لآخر خلال ما يكتبون شماتة ظاهرة وذلك ما يؤلمنا حقاً ويذكرنا بقول من قال.
كل المصائب قد تمر على الفتى وتهون غير شماتة الحساد مع أن المنصفين من الغربيين أثنوا على ما تبذله الأمة حكومة وشعباً من مجهودات جبارة لمكافحة الداء إلى أن قال بعض الأمريكيين بأنه لو أصيبت أمريكا بهذا الوباء لما أمكنها أن تعمل أكثر مما يعمله ولاة الأمور في هذا الصدد.
ولكن بعض المستعمرين لا يحلو لهم إلا أن يرمونا بالجهل والتقهقر. الجهل الذي بدأنا نحاربه والذي كان الاحتلال يشجعه ويذكي ناره. الجهل الذي كان (دنلوب) يحمل لواءه ويحمي حماة بل يحارب من يحاربه هذا ويعلم القارئ مما تقدم بأن هذا الوباء لم تنج منه أمة وقد اكتسح العالم عدة مرات ولم يكن وقفاً علينا دون غيرنا ولا أكون مبالغاً إن قلت إننا كنا أقل إصابة من غيرنا من الدول الأوربية خلال الأوبئة الماضية مع كوننا أقرب منهم إلى الهند موطن الداء ومعقله.
أن هذا الوباء مهما اشتدت وطأته لا يمكنه أن يلهى شعب وادي النيل عن عزمه لنيل مطالبه وهي جلاء الدخيل عن أرضه بدون قيد ولا شرط بل بعكس ذلك من شأنه أن يزيدنا كراهية وحنقاً على الدخيل المغتصب سيما وقد تحددت مسئوليته عن نشر هذا الداء ولو بطريقة غير مباشرة أو مقصودة مهما تنصل من ذلك.
أن سكان الوادي سوف يقضون بإذن الله على مكروب الكولرا كما سوف يستأصلون مكروب الاستعمار ويفتكون بجراثيمه وهم يعلمون أنها أدهى وأشد فتكاً من الكولرا.
باريس
دكتور فضل أبو بكر