مجلة الرسالة/العدد 751/النفوذ اليهودي
→ في منظار (الخفيف) | مجلة الرسالة - العدد 751 النفوذ اليهودي [[مؤلف:|]] |
حول جدل في الجامعة ← |
بتاريخ: 24 - 11 - 1947 |
بين الصحف الأميركية والصحف العربية
للأستاذ نقولا الحداد
صوت صاروخ فينا وفي سائر البلاد العربية أن اليهود محتكرو الصحف الأميركية للدعاية الصهيونية. وليس للهيئات العربية سبيل للرد على إفك اليهود وتشنيعهم بالعرب والدعاية لصهينة فلسطين. لأن اليهوديين يسيطرون على الجرائد الأميركية فلا يسمحون لجريدة أن تنشر كلمة حسنة عن العرب ولو بثمن غال.
لا تعتبوا يا قوم على الصحف الأميركية في حين أن بعض صحفنا المصرية ليست أقل خضوعاً لنفوذ اليهود من صحف أميركا ومن يتحقق هذه التهمة يجد أنها حقيقة ناصعة. ومن جملة الحوادث التي تؤيد هذه الحقيقة ما يأتي:
تقدم في حين من الأحيان إلى رئيس تحرير جريدة كبيرة مندوب من قبل هيئة عربية كبرى محترمة بكلمة موجزة ذات شأن عظيم لمصلحة العرب في المسألة الفلسطينية. فوعد الرئيس بنشرها. ولكن مضت بضعة أيام ولم تنشر. فعاتب المندوب رئيس تحرير الجريدة على عدم نشرها. فأجابه أن القيم على إعلانات الجريدة أبى أن تنشر لأن نشرها ليس من مصلحة الجريدة بل هو ضار بها. واعتذر الرئيس بأنه إذا نشر خبراً ضاراً بالجريدة، فالجريدة تضعف ولا تعود تستطيع أن تخدم الأمة والعرب عجباً! لا تستطيع أن تخدم الأمة إذا كان نشر خبر يضرها. وإذا كان الخبر ضرورياً لحياة الأمة وهي لا تنشره فإذاً متى وكيف تخدم الأمة؟
وما لبث المندوب أن عرف أن ذلك القيم على الإعلانات يهودي وحجته أنه إذا نشر الخبر انقطع عن الإعلان في الجريدة. فتأمل.!
حكاية ثانية: منذ نحو سنتين أو أكثر أرسلت إلى إحدى محلاتنا الكبرى مقالاً بعنوان (لمن فلسطين؟) وأثبت فيه بالإسناد التاريخية وغيرها أن اليهود الأجانب الذين يدعون الآن ملكية فلسطين ليسوا من نسل إسرائيل. بل هم أوروبيون تهودوا منذ تشتت الإسرائيليون في آسيا وأوربا فأغروا بعض الوثنيين باليهودية فتهودوا. فهم ليسوا ساميين كما كان هتلر يزعم. بل هم آريون أكثر من هتلر. ولذلك ليس لهم ضلع البتة في فلسطين. بل أ فلسطين لأهلها المقيمين فيها من قبل مرسى إلى اليوم. وقد غيروا ديانتهم من يهود إلى مسيحيين ثم إلى مسلمين حسب تقلبات الحوادث التاريخية والسياسية الخ. هذا كان فحوى المقالة.
ومضت أشهر ولم أر المقالة في المجلة فذهبت إلى إدارة المجلة عاتباً. ولكن سكرتير التحرير قابلني بأنه لا يدري سبب عدم نشرها. وصاحب المجلة كان وتغيباً فلم أتصل به فقلت: هاتها. فتبرم وقال لا أدري إن كنت أجدها.
فبحثنا بين أوراق التحرير. ومن حسن الحظ وجدناها ثم أرستها إلى مجلة أخرى رائجة. ومضت الشهور ولم تنشر فكتبت إلى إدارة التحرير مطالباً بها. ولم أحصل على جواب ففهمت أنها ذهبت في سلة المهملات. ثم علمت أنها لا تنشر لأنها ضد مصلحة اليهود الذين ينشرون إعلانات في المجلة.
ومنذ عهد غير بعيد كتب أديب لإحدى الجرائد اليومية بضعة عشر سطراً يطلب من اليهود الذين في مصر أن يعلنوا شجبهم للصهيونية وبراءتهم منها قولاً وعملاً وأن هذا الشجب من مصلحتهم ما داموا مواطنين لأكثرية ساخطة على الصهيونية فلم تنشر الجريدة هذه النبذة. ولما عاتب ذلك الكاتب رئيس تحريرها قال أن هذه النبذة صعبة ملعونة يعني أنها شبه تهديد لليهود. وهو لا يريد من جريدته لئلا يحرموها إعلاناتهم. فترى أن الجرائد تحت رحمة يهود البلاد بسبب إعلاناتهم.
هذا قليل جداً من كثير جداً من الأخبار المشينة المؤلمة عن سيطرة اليهود في مصر على بعض الجرائد الرائجة والمجلات المنتشرة.
فلماذا نلوم الصحف الأميركية إذا أذعنت لليهود بعدم نشر شيء من مصلحة العرب ولا سيما لأن قضية العرب ليست قضية الأمريكان ولا تهم الشعب الأميركي. ولماذا لا نلوم الصحف العربية التي تراعي خاطر اليهود في قضية العرب والقضية قضيتهم فبالله أهكذا تخدم الصحف العربية شعبها وعروبة قرائها؟ تخدم مصالح اليهود، واليهود يتذرعون بكل وسيلة لامتصاص مالية البلاد العربية والسيطرة على سياستها إلى غير ذلك مما هو معلوم.
لا نجهل أن الصحف في كل العالم تعيش على الإعلانات. وإيراد الإعلانات يعيش على رواج الجرائد، ورواج الجرائد يعيش على إقبال القراء عليها، وهذا الإقبال هو ثمرة جهاد المحررين وإدارة أصحاب الصحف وجهاد عمالها، ومتى تزايد عدد الفراء أو النسخ التي تطبع ارتفعت أجور الإعلانات، وهذه الإيرادات الأخيرة من الإعلانات تستغلها شركة الإعلانات اليهودية التي تتوسط بين المعلنين والجرائد.
لا نجهل هذا، ولكن لا نفهم لماذا تكون الوساطة بين المعلنين والجرائد في يد شركة يهودية تتحكم بالجرائد وأصحابها وأقلامها وعمالها وقرائها أيضاً فلا تسمح بنشر شيء ضد مصلحة الصهيونية أو ليس من مصلحة اليهود. وأصبحت الصحف والأقلام العربية مسخرة لليهود. هذه عبودية لا تطاق، واستخذاء عربي لليهود لا يكاد يصدق.
ولا ندري لماذا لا تكون الشركة الوسيطة بين المعلنين والصحف وطنية بحتة وتكون مكاسبها لمساهمين وطنيين ويكون الكتاب أحراراً فيما يكتبون لمصلحة بلادهم وإخوانهم العرب.
ترى هل فطن الصحفيون لهذا الضرر العظيم من جراء استلام اليهود لزمام الصحافة في البلاد يسيرونها على هواهم؟ أم أنهم فطنوا ولا يبالون؟ ألا يبالون أن يكون مصير القضية العربية وجميع القضايا المخالفة لمصالح اليهود الصهيونيين الخيبة؟
أم أنهم لا يبالون بالمصاب إلا إن وقع، ولا يبادرن إلى تدارك الخطر، ألا متى أبرق وأرعد، وحينذاك لا حين تداركه.
من المدهشات أن يتولى أمر الدعايات بالإعلانات والمقالات والأخبار في الصحافة العربية لأجل القضية الفلسطينية يهود هم أعداء العروبة الألداء.
أما وجد بين العرب أناس لهم ذكاء اليهود وماليته كمالية اليهود وحيلة كحيلة اليهود لكي يحلوا محل اليهود في هذه السيطرة على أقلام كتابنا وصحافتنا وإدارة الدعاية عندنا.
لماذا لا ينبري أناس ممن يفهمون فن الدعاية ويؤلفون شركة كبرى لتولي هذا العمل المنتج أي الوساطة بين المعلنين والجرائد، ثم تنازع الشركة اليهودية هذا العمل؟ وحينئذ على جميع جرائدنا أن تتحول من الشركة اليهودية إلى الشركة الوطنية المصرية الخالصة.
لا بد أن يتسرع بعض القراء إلى الاعتراض على هذا المشروع الوطني بأنه إذا برز إلى حيز الفعل انقطع اليهود عن الإعلان في الجرائد بواسطة هذه الشركة الوطنية. فلينقطعوا إذا كانت الجرائد لا تقبل وساطة الشركة اليهودية بتاتاً ولا تقبل إلا وساطة الشركة الوطنية. لا يستطيعون أن يقاطعوا الصحف لئلا تستأثر المتاجر والمصالح الوطنية بالدعاية وحدها فتروج هذه وتكسب تلك، لا يستغنون عن الدعاية والإعلانات، وليس لهم إلا الصحف الوطنية ووساطة الشركة الوطنية.
المشروع لا يحتاج إلا لقليل من الوطنية:
1 - يتصدى له متمولون قليلون، قد يتراءى لهم في أول الأمر محتاجاً إلى شيء من التضحية، ولكنه متى استتب رأوا أنه نتج بلا تضحية.
2 - على جميع الجرائد أن تتحول إلى وساطة الشركة الوطنية للحصول على الإعلانات. والشركة تخدمهم كما تخدمهم تلك.
3 - على التجار الوطنيين وأصحاب الأعمال أن يقبلوا على هذه الشركة في الدعاية لهم بالإعلانات وغيرها.
فأين الوطنية وأين الوطنيون، ينقذون الدعاية العربية من براثن الصهيونية؟ لماذا لا تسعى نقابة الصحفيين هذا السعي.
أن الصهيونيين عازمون على استعباد الشرق العربي كله ولسوف ينجحون إذا لم تنهض لمناهضتهم في الحال.
نقولا الحداد