الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 748/الفضاء والعدم

مجلة الرسالة/العدد 748/الفضاء والعدم

بتاريخ: 03 - 11 - 1947


للأستاذ نقولا الحداد

أستأذن الكاتب الكبير الأستاذ العقاد بان اقفي على مقاله (أساطين الآخرين) في 13 أكتوبر الحالي من الرسالة بكلمة في موضوع العدم والفضاء.

العدم اسم لغير مسمى. اعني انه لا يوجد في الوجود شئ أو كائن يصح أن يسمى (عدما) هو في غير لغتنا (لا شئ) وفي نفسنا هو لا شئ أيضا. واللاشئ ليس ذاتية حتى يعرف أو يوصف أو (تفسر له ماهية)

أما الفضاء فهو الحيز الذي تشغله أو تشغل بعضه مادة ذات حدود. وأما الخلاء فهو الفراغ بين مادة ومادة. والمادة تحده ولهذا يمكن أن يقاس بمقياس.

يستحيل علينا أن نتصور الفضاء مطلقا خلوا من مادة مهما أمعنا في التصور

لولا وجود المادة لما كان فضاء البتة. هل تستطيع أن تتصور فضاء فارغا لا شئ فيه. تصور وقل لي ماذا تتصور.

المادة كثيفة كانت أو لطيفة قضت بوجود الفضاء (الحيز) انف المادة ينتف الفضاء. هذا هو العدم - اللاشيء،

فهذا الحيز الذي نسميه فضاء لا بد أن يكون مشغولا بمادة حتما. المادة نوعان: كثيفة وهي الأجرام الفلكية التي نحس بوجودها بالحس البصري. ولطيفة هي الأشعة الموجبة الكهرطيسية (الكهربائية المغنطيسية) التي نحس بها بالبصر كالنور أو بالآلات الرصدية المختلفة كأمواج اللاسلكي غير المنظورة أما النور وكل درجة من درجات الكهرطيسية كالأشعة السينية وأشعة ما فوق البنفسجي وتحت الأحمر هي أمواج أو تموج فحقيقة لا شك فيها لان العمليات الامتحانية العديدة لاكتشاف طبيعة النور وحركة اللاسلكي في الفضاء أثبتت بوضوح إن هذه الأشعة الكهرطيسية هي موجات في الفضاء.

فلذلك تساءل العلماء فيما بينهم: ما هو هذا الشيء المتموج؟

لم يستطيعوا جوابا على السؤال إلا بفرض الأثير. وهو في نظرهم مادة متناهية في اللطف تملا هذا الفضاء. وذرات المادة أو ذريراتها السابحة في الفضاء الثائرة الحركة فيه تصدم هذا البحر الأثيري فيتموج وأمواجه تصدم مشاعرنا البصرية والعصبية فنحس بوجود تلك المواد الثائرة. فالكهرطيسية في نظرهم هي تلك الأمواج الأثيرية. وهي ما يسمونه بالإشعاع

ولكن هذا التعليل الكهرطيسية (التي منها النور) لم يكشف لهم أسرار الوجود. فقد رأى العلماء في سياق أبحاثهم أن هذا الإشعاع ليس مجرد صدم المادة أو ذراتها لبحر الأثير بل هو أيضا انتثار ذريرات من الجسم المادي في هذا البحر (ويسميها العلماء فوتونات) وهي من ضرب ذربرات الأثير بعينها. وبعض العلماء يعتقدون أن مادة الأكوان مؤلفة من فوتونات الأثير. أي إن الأثير هو اصل المادة - هو الهيولي.

ولهذا وجد العلماء أنفسهم أمام نظريتين مختلفتين بشان النور وكل إشعاع كهروطيسي: الأول أمواج أثيرية يحدثها اصطدام ذرات المادة ببحر الأثير. والثانية تدفق فوتونات المادة في هذا البحر انحلت إليها ذرات المادة، فجرت فيه كما يتدفق ماء المطر في البحر فيجري فيه. وهذا سمى تجايمس تجينز هذا الإشعاع الكهرطيسي مشتقة من وبغية جمع النظريتين في نظرية واحدة.

أعود إلى مظنة الزهاوي إن الله الأثير

والظاهر أن الزهاوي بقوله هذا يريد أن يعرفنا بحقيقة الله في الطبيعة فخاب قصدا. لان المفهوم من معنى الألوهية عند الكتابين أن الله روح غير منظور سرمدي (أبدي أزلي) خالق كل شئ وقادر على كل شئ وموجود في كل مكان وكل زمان وهذا الوصف لا ينطبق على طبيعة الأثير في كل شئ لا ينطبق عليه في أن الأثير خالق كل شئ بل كل المادة الكونية مؤلفة منه ولكنه لم يؤلفها هذا في رأي علماء هذا العصر. وليس الأثير قادر على كل شئ أو ليس له قدرة ولا قوة بحد ذاته وإنما هو الوسط الذي تتحرك فيه مادة الأكوان.

ولو قال إن قوة الجاذبية هي الله أو أنها الأداة التي في يد الله وبها يحرك الله الأكوان جميعا، وكل حركة كلية أو جزئية صادرة من قوة الجاذبية لربما اقترب من الحقيقة لان الجاذبية قوة سرمدية موجودة في كل زمان ومكان وبها تتحرك جميع الأكوان عظيمها وصغيرها من أدق الحركات الكونية إلى اعظم حركات الأجرام الفلكية. والله اعلم

نقولا حداد