الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 747/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 747/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 747
الأدب والفن في أسبوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 27 - 10 - 1947


احتفاء صامت:

هو الاحتفاء بذكرى شوقي، ولم نفرغ بعد من هذه الذكرى، وما ينبغي أن نفرغ منها إلا بعد كثير. . وأعني بصمت الاحتفاء بها أنه جرى على الأقلام وبدا على صفحات الصحف والمجلات على نطاق واسع وفي منظر لم يكن معهوداً من قبل، على حين لم يقم لهذه الذكرى ما يناسبها من المحافل

لم بخل أكثر الصحف والمجلات في هذا الأسبوع من ذكر شوقي، كل

على طريقتها وحسب مزاج قرائها، فهذه فصول في دراسة شعر شوقي

من نواحيه المختلفة، وهذه معلومات وطرائف عن شوقي (لم تنشر)

وهذه روائع من شعره، وهذه صور لمنزل شوقي (كرمة ابن هانئ)

وغرفه وأبهائه وحديقته وأثاثه، فهذا سرير شوقي، وهذا مكتبه، وعلى

ذلك الكرسي الطويل كان يتمدد بعد الغداء، وكثيراً ما كان يهبط عليه

وحي الشعر على هذه الحال، وفي هذا الكوب كان يشرب، وهنا كتبه

المختارة وعلى هامش صفحاتها أبيات كانت تواتيه فيسرع في تدوينها

على أقرب شئ منه. وقد استصحبت عدسة (المصور) إلى كرمة ابن

هانئ الأستاذ أحمد رامي الذي وصفته بأنه شاعر الشباب في دولة

أمير الشعراء. وهو الآن بعد تلك الدولة (شاعر شباب القرن التاسع

عشر) وذلك ليدلها على معالم هناك تعاهدها في صحبة أمير الشعراء،

فأتى لها بطائفة من الصور ذات الموضوع.

وصف شوقي للكوليرا:

وهكذا افتنت صحفنا في الاحتفاء بذكرى شوقي، حتى أن إحداها، وهي مجلة الصباح، أتت بأبيات في وصف وباء الكوليرا الذي كان بمصر سنة 1902 من قصيدة لشوقي يهنئ فيها الخديوي عباس بعودته من الخارج ويصف ذلك الوباء، قال شوقي:

الدهر جاءك باسط الأعذار ... فاقبل فأمر الدهر للأقدار

هل كنت تدفع حاضراً أو غائباً ... عن مصر حكم الواحد القهار

ذاقت نواك وروعت بثلاثة ... بالداء بعد المحل بعد النار

ودهى الرعية ما دهى فتساءلوا ... في كل ناد أين رب الدار

ذكروك والتفتوا لعلك مسعد ... ذكر الصغير أباه في الأخطار

فأسى جراحهو وبل صداهمو ... طيب الرسائل منك والأخبار

لهفى على مهج غوال غالها ... خافي الدبيب محجب الأظفار

خمسون ألفاً في المدائن صادهم ... شرك الردى في ليلة ونهار

ذهبوا فليت ذهابهم لعظيمة ... مرموقة في العصر أو لفخار

فالموت عند ظلال (موشا) رائع ... كالموت في ظل القنا الخطار

خلفاء شوقي:

وكتب الأستاذ سعيد العريان في جريدة النداء فصلاً بعنوان (خلفاء شوقي) بين فيه آثار حملات النقد التي وجهت إلى شعر شوقي فقال في هذه الحملات: (قد تركت أثراً في نفوس الشباب من القراء لذلك العهد، فنزل شوقي عند طائفة منهم دون منزلته، إذ زعم لهم من زعم أن للشعر مقاييس وأوزاناً فنية لا يقاس بها شعر شوقي ولا يوزن) إلى أن قال:

(وهكذا نشأ جيل من القراء لا يؤمن بشوقي ولا يعتده شاعراً من طبقة الأمراء، أو لعلي أستطيع أن أقول أن جيلاً من القراء قد نشأ غير مؤمن بالشعر في جملته، لأن الذين حطموا التمثال الجميل الذي كان هؤلاء القراء يتعبدون له - لم يستطيعوا أن يقيموا مكانه تمثالاً آخر قد جمع من عناصر الجمال والقوة على مقياسهم ما يحملهم على الإيمان به، إذ لم يبق في مكان التمثال المحطم إلا أشلاؤه المتناثرة)

والحق - الذي أراه - أن النقد الذي وجه إلى شوقي لو نفضنا عنه الغبار لوجدنا فيه كثيراً من العناصر الصالحة التي نبهت على كثير من الحقائق الأدبية التي انتفع بها الشعر العربي والأدب على العموم في هذا العصر ومن الحق أيضاً أنه (لم يبق في مكان التمثال المحطم إلا أشلاؤه المتناثرة) فلم يملأ أحد مكان شوقي. وما ذلك - كما أرى - إلا لأن الذين ساروا في مذهبه تنقصهم أدواته، كما ينقصهم عصره، فقد صرنا إلى عصر غيره يتطلب جديداً، والفلك دوار. . ولأن الذي سلكوا غير مسلكه ينقص المجيد منهم الماء الذي يجعل العود أخضر. . . وكثيراً منهم يخبطون ويعتسفون.

الفن القصصي في القرآن:

كان لما بيناه من أمر رسالة (الفن القصصي في القرآن) التي قدمها الأستاذ محمد أحمد خلف الله للحصول على الدكتوراه من كلية الآداب - صدى كبير وخاصة في البيئات الدينية الإسلامية، لاحتوائها على ما يعد نفياً للصدق التاريخي في القرآن الكريم. وقد تلقينا كثيراً من الرسائل في هذا الموضوع، منها رسالة من (جبهة علماء الأزهر) مصحوبة بمذكرة مرفوعة إلى (حضرة صاحب الجلالة الملك ورجال دولته الأكرمين) وقد وقع عليها رئيس الجبهة الشيخ محمد الشربيني والأمين العام لها الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني، وقد جاء في هذه المذكرة (ولقد مضى على نشر هذا النبأ وقت يسمح بتكذيبه لو كان كاذباً، لكن أحداً لم يكذبه، لا المؤلف ولا المشرف عليه، ولا عمادة كلية الآداب التي جاء في الخبر أنها تنتظر بالرسالة حتى ينعقد مجلس الكلية؛ وذلك يدلنا على أن الأمر خطير يجب الإسراع بعلاجه لأنه وباء جديد أشد فتكاً وأفظع أثراً من وباء الكوليرا في هذه الأيام فإنه يجني على الأرواح لا على الأشباح ويصيب الأمة في دينها وهو أعز عليها من حياتها)

وقد أرسل مقدم الرسالة إلى صحيفة (الإخوان المسلمون) يقول إنه مستعد لأن يشعل النار بيديه في رسالته على مشهد من الأساتذة والطلاب إن ثبت أن فيها ما يخالف الدين الذي استمدت أصوله من القرآن، ومستعد لمساجلة الأستاذ أحمد أمين بك على صفحات مجلة الرسالة التي نشرت تقريره. ولكن الإخوان عقبت على ذلك بقولها: (إذا ثبت أن ما نقل من فقرات عن رسالة (الفن القصصي في القرآن الكريم) قد ورد فيها كما نقل، فلا يكفي أن يحرقها مؤلفها بيديه أو بيدي غيره على مرأى ومشهد الأساتذة والطلاب، بل لابد أولاً أن يعلن رجوعه إلى الإسلام، وأن يحدد عقد نكاحه على زوجته إن كان متزوجاً) وقالت له إن حرق الرسالة لا ينفع (بل يجب قبل ذلك أن تحرق الشيطان الذي ملأ نفسك بهذا الهذيان وأملاه عليك فإذا أحرقت هذا الشيطان فاعتزل كلية الآداب ودكتوراها والزم غرفة تنزوي فيها وتبكي على ما انخدعت به للشيطان وحزبه إلى أن يتوب الله عليك)

وقال لي صديق من الجامعة قد جاء في الحديث ذكر هذا الموضوع: - لقد فاتتكم نقطة هي أن الجامعة أرسلت من قبل كتاباً إلى خلف الله تقول فيه أنها موافقة على أن يعد رسالة في (الفن القصصي في القرآن) وألق بالك إلى كلمة (الفن) أفلا ترى في ذلك كأنها تكلفه أن يقول إن قصص القرآن (فن)؟

قلت للصديق الجامعي: ما كان أغنى الجامعة عن هذا الموضوع!. .

كوليرا الإذاعة:

رأيت غير مرة في برنامج الإذاعة ما يلي:

(برنامج خاص (الكوليرا) وانتظرت في المواعيد المحددة فلم أسمع (الكوليرا) وكانت آخر مرة مساء يوم الخميس الساعة الثامنة إلا ثلثاً، وقد سمعت بدلاً من (الكوليرا) تمثيلية (عذراء الربيع) وليس من القليل أن تقرأ في البرنامج شيئاً وتسمع من المذياع غيره! ولكن استرعى انتباهي تكرر وضع (البرنامج الخاص بالكوليرا) في برنامج الإذاعة مع عدم إذاعته وشغل وقته بأي شئ ولو (تقاسيم نهاوند)

فماذا يا ترى يمنع من إذاعة برنامج الكوليرا؟

دفعت هذا السؤال الأمامي. . . حتى وصلت إلى أن برنامج الكوليرا المذكور في (الحجر الصحي) ولوقوعه في هذا الحجر قصة:

وضع ذلك البرنامج الأديب المفتَن الأستاذ طاهر أبو فاشا وقدمه إلى محطة الإذاعة فأحالته إلى وزارة الصحة للموافقة على إذاعته، فقالت وزارة الصحة لابد أن يعتمده طبيب. . . وأخذه الأستاذ طاهر إلى أحد الأطباء، فأقره، وأعيد البرنامج إلى وزارة الصحة، فوافقت عليه، ثم تصرف في تنظيم عرضه مخرج الإذاعة، وأُعلن عنه، فطلبته وزارة الصحة ثم قالت ليس هذا هو البرنامج الذي أقره الطبيب، ولا يذاع إلا الأول. مع أن المعلومات الطبية هي هي في البرنامج قبل الإخراج وبعده.

قصة طويلة مملة رغم اجتهادي في اختصارها، ولا أدري ماذا تم فيها، ولكن مما يدعو إلى الأسف أن يحال دون الانتفاع بالفن، أو يؤخر، في بلاء واقع يشغل بال الجميع هو وباء الكوليرا

والأكثر من ذلك استدعاء للأسف، هو تثبيط همم الأدباء الذين يرجى أن يقبلوا على الإنتاج للإذاعة، وحسبهم ما يلاقون من إدارة الإذاعة نفسها من سوء التقدير الأدبي والمادي، فالأديب الذي يضع عصارة نفسه وفكره فيما يقدم للإذاعة يعد لديها شخصاً ثانوياً بالنسبة للمخرج الذي قد لا يزيد عمله على الترتيب الشكلي، وإن زاد فلا يتعدى بعض التبديل والتغيير، فيهتف المذيع باسم المخرج في البلاء قائلاً: (فلان يقدم. . .) ثم يجبر خاطر المؤلف المسكين فيذكر بعد ذلك اسمه في صوت خافت

ولا أنكر أن كثيراً من المؤلفين للإذاعة جديرون بهذا الوضع. . وخاصة مؤلفي الأغاني التي يشكو الجميع من ضعفها وسخفها، ولكن يجب تهيئة الجو الصالح لكرام الأدباء، لأن الاستمرار على مثل هذه المعاملة يزيد في إعراضهم عن الإذاعة

أما التقدير المادي فحسبك أن تعلم من سوئه أن مؤلف التمثيلية أو البرنامج الخاص لا يزيد أجره على ثمانية جنيهات، وتصور كم قضى الأديب، وكم بذل من جهد، وكم استوحى مصادر فنه، في هذا النتاج؟ وقد يكون هذا مقبولاً وقد يطلب من الأدباء ألا ينظروا إلى الكسب المادي لولا أن محطة الإذاعة تغدق المال من جانب آخر على الموسيقيين والمطربين والمطربات فقد حسب ما يكسبه أحد الموسيقيين من الإذاعة فبلغ نحو أربعمائة جنيه في الشهر، وكيف يصح أن تقول أم كلثوم لمحطة الإذاعة: (أذنت لك في إذاعة ما لديك من مسجلاتي) فتنال على هذه الجملة آلافاً من الجنيهات. . ويبذل أديب نابغ كطاهر أبو فاشا ما يبذل في نتاج قيم، وتحقي قدماء بين محطة الإذاعة وبين وزارة الصحة، ليحصل على ثمانية جنيهات. .!

ليست آلاف الجنيهات كثيرة على أم كلثوم التي تهدي الطرب إلى القلوب. . . ولكنها جاءت في طريق المقابلة الذي دفعنا إليه سوء تقدير الأدباء بمحطة الإذاعة، الذي يحيق ضرره بها، من حيث قيمة ما تقدمه، أكثر مما يحيق بالأدباء، لأنهم يستطيعون أن يعتصموا بالرغبة عن الإذاعة للوقاية من تحيفها لهم.

مخطوطات أندلسية:

تلقت الإدارة الثقافية بالجامعة العربية من وزير أسبانيا المفوض في مصر ستة كتب من المخطوطات العربية مصورة، هدية من مكتبة (الاسكريال) الأسبانية، وهي:

1 - جزء من مسائل لصفي الدين الحلي (في الأغلاط الشائعة على الألسن) يبدأ بحرف (س)

2 - (إصلاح المنطق) لابن السكيت.

3 - (رسائل في المنطق والفلسفة والطب) لابن سينا.

4 - ديوان أبي الحسن الششتري

5 - من تراسيل ابن نباتة

6 - الكامل للمبرد

وقد كان لهذه الهدية موقع حسن في قسم المخطوطات بالإدارة الثقافية بالجامعة العربية، لأنه يهتم بجميع المخطوطات العربية الثمينة المبعثرة في مكتبات الدول الأوربية أو على الأقل الاحتفاظ بصور لها.

وقد جاءت هذه الهدية الثمينة نتيجة لمسعى السنيور جارسيا جومز المستشرق الأسباني الذي قدم إلى مصر في العام الماضي وزار الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، فتباحث معه الأستاذ أحمد أمين بك مدير الإدارة الثقافية في مسألة تصوير المخطوطات العربية الموجودة في أسبانيا، ورحاه حث الهيئات الثقافية في أسبانيا على مد الجامعة العربية بنسخ مصورة من هذه المخطوطات فأبدى المستشرق الأسباني روحاً طيباً ووعد بالاتصال بالهيئات الأسبانية المختصة.

(العباس)