مجلة الرسالة/العدد 745/فعلاء
→ أساطير الآخرين | مجلة الرسالة - العدد 745 فعلاء [[مؤلف:|]] |
من شوارد الشواهد ← |
بتاريخ: 13 - 10 - 1947 |
للأستاذ (السهمي)
أشكر لسيدي الكاتب الألمعي والأستاذ الباحث المتفنن السيد على العماري تشريفه إياي بما أمرني به وإحسانه إلى بإلباسي من عطفه على وقوله فيَّ ثوباً قد ضعت فيه ولم أبن ثم أقول:
لا حيرة بعد اليوم (إن شاء الله تعالى) ولا قلق، ولا بأس على (فعلاء) ولا على شقيقها (أفعل) ولا على جمعهما، فهما كما هما، وجمعهما كما أعربت العربية ونطق (الكتاب) وطريقة (الكتاب) هي المثلى، (وكلمة الله هي العليا) (ولله المثل الأعلى) وكما أملي (الخليل) على خريجه أو بصّر، فقيد (أبو بشر) ذلك بالكتاب في (الكتاب) وكما قال (أبو العباس) في (كامله).
قال (عمرو) في (البحر): (وأما أفعل إذا كان صفة فإنه يكسر على فعل. . . وذلك أحمر وحمر وأخضر وخضر وأبيض وبيض وأسود وسود. . . والمؤنث من هذا يجمع على فعل وذلك حمراء وحمر وصفراء وصفر. . .).
وقال (محمد بن يزيد) في (الكامل) الذي لم يتنقصه الدهر. وسأروي قوله بكماله على طوله حيث هو الحجة التي تشبث بها مانع (فعلاء) وليس له فيه أقل متشبث، قال:
(قال نبهان بن عَكيّ العبشمي:
يُقر بعيني أن أرى مَن مكانه ... ذُرا عقدات الأبرق المتقاود
وأن أرد الماء الذي شربت به ... سليمي وقد مل السرى كل واجد
وألصق أحشائي ببرد ترابه ... وإن كان مخلوطاً بسم الأساود
. . . بسم الأساود: يريد أسود سالخ، وجمعه على أساود لأنه يجري الأسماء، وما كان من باب أفعل اسماً فجمعه على أفاعل نحو أفكل وأفاكل، والأكبر والأكابر وكذلك كل ما سميت به رجلا تقول: أحمد وأحامد وأسلم وأسالم. فإن كان نعتاً فجمعه على فعل نحو أحمر وحمر وأصفر وصفر ولكن أسود إذا عنيت به الحية وأدهم إذا عنيت به القيد وأبطح إذا عنيت المكان المنبطح وأبرق إذا عنيت به المكان مضارعة للأسماء لأنها تدل على ذات الشيء وإن كانت في الأصل نعتاً، تقول في جمعها الأباطح والأبارق والأداهم والأساود، فإن أردت نعتاً محضاً يتبع المنعوت قلت مررت بثياب سود وبخيل دهم، وكل ما أسبه هذا فهذا مجراه).
قوله (إن أردت نعتاً محضاً) يقصد به مثل أسود وسوداء وأدهم ودهماء وأبيض وبيضاء وأحمر وحمراء لا مثل الأسود للحية والأدهم للقيد والأبطح والأبرق المضارعة للأسماء أو التي أصبحت تعد في الأسماء (تعينت لها الاسمية إذ فقدت الوصفية).
فهذه ليست بنعت محض حتى يسوغ لها أن تجمع على (فعل) إن هذا الجمع للنعت المحض الذي لا رائحة للاسم تشم فيه. . وأما التي نقلت من الوصفية إلى الاسمية فجمعها (أفاعل) لأنها ليست من النعت المحض ولا ينظر إلى أصلها وإن كان أصلها نعتاً وإنما يلتفت إلى ما قد حصل. . .
وقول المبرد هذا هو مثل قول سيبويه، وهو القاعدة في هذا الجمع ولا منع فيه لوصف مجموع بمفرد، ولا وجوب وصف مجموع بجمع ولا جوازه، وما أظن المبرد زاد شيئاً في (المقتضب) على ما قاله سيبويه وقاله هو في الكامل.
هذه هي قصة القضية في فعلاء وجمعها فهل للمولد - إذا ثبت عنده أن العرب لم يصفوا الجمع بذلك المفرد - أن يقيس وصف جمع على وصف جمع، وكم قاس في اللفظ والتركيب وكم ولد، وثلاثة أرباع اللغة مولد، ولاسيما إذا لم تجيء نصوص أئمة تمنع.
رأينا الجاحظ في (الحيوان) (ج2ص212) والمسعودي في (المروج) - ج1ص35 - والزمخشري في (الكاشف) - ج2ص383 - والتبريزي في (شرح الحماسة) في الطبعتين - ج4ص120 ج4ص244 - والصاحب في إحدى رسائله في (إرشاد الأديب) والمعري في جريدة كتبه في (الارشاد) وفي (رسائله) وفي (نهاية الأرب) وابن سيده في (المخصص) وابن طولون في (اللمعات البرقية في النكت التاريخية) - ص66 - رأينا هؤلاء القوم يصفون وصفهم، فاستدل المستدل على التجويز، وقيل: هؤلاء جلهم أئمة، والأئمة يُتبعون. وإذا حرف نسخ أو طبع أقوالهم فهل حرفت كلها جمع أو جمعاء؟
أنا استبعد كثيراً التحريف في كلام ابن سيده وفي (أيادي بيضاء) إن (المخصص) محقق، وضبط الشنقيطي إياه محكم، وعبارة المعري رواها القفطي في (إنباه الرواة على أنباه النجاة) وقد طير همزة بيضاء ناسخ عصري لكاتب (الإنصاف والتحري) فجاءت (أيادي بيضا) فهل كان هذا الناسخ ممن يتقززون من الهمز فقصر أو كان مستعجلا أو طوعت له نفسه أن يصحح كلام أبي العلاء؟. . و (الزهراء والجزاء والأرزاء) هن من مظاهرات (بيضاء) وما جلب تينك السجعتين في اعتقادي إلا هي.
وأوقن كل الإيقان أبا العلاء وصاحب المخصص لم يقولا (زهراء) و (وخضراء غبراء) إكراماً للجوار جوار (مثل) و (مضيئة) فما كان هذا الإمامان هذه (الفتوى اللغوية العصرية) هذا الكلام المفتلت، ولن يعثر على مثله عاثر عند أحد من المتقدمين ولا عند أحد من المتأخرين، أنه كلام لفته صاحبه لفتاً، والعلم ليس بشعوذة أو مخرقة.
من مشاهير العصريين الذين وصفوا الجمع بفعلاء المفردة الأب أنستاس ماري الكرملي في مجلته (لغة العرب) كما أشار إلى ذلك الدكتور مصطفى جواد في مقالة في (مجلة المجمع العلمي العربي) الغراء.
والشيخ إبراهيم اليازجي في مجلته الضياء (س1ج3) قال: (. . . وبوده أن يكون فداء عن أياديهم البيضاء وأن لا تعدم الآداب نفحات مكارمهم الفيحاء).
والأستاذ مصطفى صادق الرافعي في إحدى مقالاته في (الرسالة) الغراء قال: (. . . فصرخة واحدة من قلب الأزهر القديم تجعل هدير البحر كأنه تسبيح، وترد الأمواج نقية بيضاء كأنها عمائم العلماء).
وقد كتب الأستاذ الرافعي لم يتأمل قول المبرد في الكامل ملياً فجار على هذا المسكين البريء وغلطه وجهله. وكلام (أبي العباس) هو ما رويته آنفاً وما كان هذا الإمام فيه إلا موضحاً كيفية جمع مكسر ومقرراً قاعدته، ولم يغلط في توضيحه وتقريره، ولن يجسر ناح أن يخالفه فيما قال.
لقد كان (أبو السامي) يستعجل في بعض الأوقات في رده ويكربل ويكرمل في نقده. . .
إن أول من نبه على ما توهمه خطأ هو الأستاذ (كرنكو) العرباني الجرماني (رب ذلك الجمع) وهو الذي خطأ الأب أنستاس ونشر التغليط في مجلة (لغة العرب) ثم كانت تلك الفتنة في بلاد العرب. . .
السهمي