مجلة الرسالة/العدد 744/الأدب والفنّ في أسبُوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 744 الأدب والفنّ في أسبُوع [[مؤلف:|]] |
البريدُ الأدبي ← |
بتاريخ: 06 - 10 - 1947 |
خلاف بين الأساتذة:
حينما كتبت الموضوع الذي عنونت له بـ (جدل في الجامعة) بالعدد (741) من الرسالة - كنت قد سمعت أحاديث عن حال واقعة بين بعض أساتذة كلية الآداب، قيل إنها أصل الجدل في مسألة الرسالة المقدمة من الأستاذ محمد أحمد خلف الله للحصول على (الدكتوراه) والتي موضوعها (القصص في القرآن).
وقد أمسكت عن الإشارة إلى ذلك الذي سمعته لأني لم أر فيه وقتذاك ما يخرج عن الأمور الشخصية، وقصدت إلى موضوع الرسالة وما أثير حوله إذ رأيت فيها ما ينبغي من أجله نقل المسألة من حيزها المحلي إلى ميدان الرأي الأدبي العام.
ولكن الأستاذ خلف الله أشار في آخر مقاله بالعدد الماضي الذي أوضح فيه بعض ما تضمنته رسالته بعد أن قرأ (جدل في الجامعة) - إلى ما كنت قد أمسكت عنه، وذلك بقوله: (المسألة لا تحتاج هذا الضجيج. لكنها العصبيات فأساتذة الجامعة يتعصبون ويتحزبون كما يتعصب ويتحزب رجال السياسة وإذا كان الأستاذ الخولي قد رفض رسالة الأستاذ المحاسني فيجب أن ترفض رسالة خلف الله).
وتفصيل ذلك - حسب ما سمعته - أن الأستاذ زكي المحاسني كان قد أعد رسالته بإشراف الأستاذ الشايب، ولما عرضت الرسالة على لجنة من الأساتذة أجازوها إلا الأستاذ أمين الخولي فقد رفضها، وحدث بعد ذلك أن رفضت رسالة (القصص في القرآن) التي أشرف عليها الأستاذ الخولي، وهذا هو صاحبها يعلل رفضها، وهو يرمي بهذا التعليل إلى نفي أن الباعث على هذا الرفض ما تضمنته من أراء متطرفة.
والذي نستخلصه من كل ذلك أن هناك خلافاً بين كبار الأساتذة في كلية الآداب، وقد كنا نقول إن الألسنة تمتد بالأقاويل والشائعات، لولا أن عضواً من هيئة التدريس بالكلية يقرر ذلك. .
والمسألة ذات بال وخطر، لأن ذلك الخلاف يتدخل في الحكم على رسائل الطلاب، وهذا هو ما يخرجها عن الحدود الشخصية، وقد تمتد أثر هذا الخلاف إلى غير الرسائل من تقدير كفايات الطلبة في الامتحانات! ولا أتقدم أكثر في هذا، بل أرجع فأقول: أيمكن أن يقع ذلك من أولئك الأساتذة الأعلام وهم يعلمون أنهم مثل عالية للطلبة الذين يضعون مصائرهم بين أيديهم. .؟
ولكن ما حيلتي. . وقد غضضت النظر عما سمعت، فإذا مدرس بالكلية يصرح به. .
القدر المشترك بين ناشئة العرب:
القدر المشترك من الثقافة العربية الذي يقدم لأبناء العروبة في جميع أقطارها، هو أحد الغرضين اللذين أعلنت الهيئة التحضيرية للمؤتمر الثقافي العربي أن أعماله تهدف إليهما، والغرض الثاني هو تحسين طرق تعليم اللغة العربية.
وقد وعدت في الأسبوع الماضي أن آتي بما يراه المؤتمر من الطرق والوسائل لتوفير القدر المشترك. وهاك ما وعدت به:
يرى المؤتمر أن الهدف الذي ترمي إليه دراسة القدر المشترك هو إثارة شعور المشاركة بين سكان الأقطار العربية في الحضارة والتاريخ، وفي منزلتهم من النشاط الدولي الحديث.
وهذا القدر ينبغي أن يكون في المرحلة الابتدائية يسيراً ملائماً لمدارك التلاميذ، وممهداً لقدر أرقى منه في المرحلة الثانوية ويمكن توفير هذا لقدر في المرحلة الابتدائية عن طريق:
1 - الأناشيد: فتختار منها مجموعة تكون موضوعاتها مناسبة لفكرة التعاون العربي والمشاركة في الشعور، توقع توقيعاً موسيقياً، ويحفظها بتوقيعها تلاميذ جميع الأقطار العربية.
2 - المحفوظات: تختار قطع سهلة، يلاحظ فيها أن تكون مما يشيد بالأخلاق العربية من نجده وبطولة وما إليهما، وأن يكون بعضها لأدباء من الأقطار العربية المختلفة، مع تعريف بسيط بهم، وهذه يحفظها جميع التلاميذ.
3 - القصص: فيختار منها عدد يحقق الفكرة السابقة، من تصوير الكرم والإباء وعزة النفس وغيرها، مما يبعث في نفوس التلاميذ الإعجاب بتاريخ العرب وأبطالهم قدامى ومحدثين.
4 - المطالعة: فتتناول بعض كتبها في كل قطر موضوعات تعين على تقوية الروابط العربية، كوصف بعض المشاهد والآثار القائمة في مختلف الأقطار العربية، وكالحديث عن فضائل العرب وفتوحهم ودولهم، وثقافاتهم وفنونهم.
ويلاحظ أن يدرس هذا في مرحلة التعليم الابتدائي مؤيداً بالصور والرسوم، أو مصاحباً للموسيقى، أو قائماً على التمثيل والحوار، مما هو مقرر في أساليب التربية.
ويوصى المؤتمر أن يسار في دراسة القدر المشترك في المرحلة الثانوية على النهج الذي قرر في مرحلة التعليم الابتدائي، مع التوسع في الثانوي بما يقتضيه في الدراسة واتساع مدارك التلاميذ وآفاقهم.
ويرى المؤتمر أن الاتفاق على منهج واحد لا يكفي لتقريب الثقافة والنهوض باللغة العربية إذا لم يعد لتعليم هذا المنهج معلمون على حد كبير من العلم وسعة الأفق والقدرة على التدريس، ولذا قرر أنه لابد من إنشاء معاهد علمية موحدة النظام في الأقطار العربية لتخريج ذلك النوع من المعلمين.
ويرى أن القدر المشترك إنما يصلح منهجاً لطلاب الثقافة العامة أما الطلاب الذين يرغبون في التخصص أو يعدون لتدريس اللغة العربية فيكون لهم منهاج أوسع وأعمق (وأنا لا أدري لم لا يصلح المنهاج الأوسع الأعمق ليكون قدراً مشتركا بين المتخصصين ومن يعدون للتدريس في جميع البلاد العربية وخاصة في المعاهد التي قرر المؤتمر انه لابد من إنشائها؟).
ويرى عقد مؤتمرات دورية لمعلمي اللغة العربية تشخص إليها وفودهم من مختلف البلاد للبحث وتبادل الرأي في أساليب التعليم كي يستفيد بعضهم من تجارب بعض، وكي يتحدوا في الوسائل والغايات وينهضوا باللغة العربية وآدابها.
مدى نجاح المؤتمر الثقافي:
وبعد فهذه التوصيات إلى ما عرضناه في العددين الماضيين من الرسالة، هي أهم مقررات لجان المؤتمر الثقافي التي وافقت عليها الهيئة العامة للمؤتمر وأوصت بأن تأخذ بها البلاد العربية المخلفة لتوحيد الثقافة بين بنيها، وكل تلك التوصيات تتجمع في (القدر المشترك) من حيث التوحيد، ومن حيث تكوينه من مواد نافعة، وكان ذلك في اللغة العربية وفي المواد الاجتماعية لأنها هي التي تتمثل فيها الروابط القومية والثقافية بين البلاد العربية.
ولا شك أن المؤتمر بذلك وضع الخطط الأساسية التي ينبغي أن تسير عليها الثقافة العربية في المدارس الابتدائية والثانوية، ولو صرفنا النظر عن المناهج والتفصيلات التي قد يجد فيها متفحص ما لا يروقه، فإن الذي لا شك فيه أن المؤتمر نجح في بناء الهيكل العام، وهذا كسب ليس بالقليل وخاصة إذا لاحظنا أنه الباكورة الثقافية للجامعة العربية، وقد تم نجاح آخر لا يقل قيمة عن هذا النجاح إن لم يزد عنه، وهو التقاء هذه الجمهرة العظيمة من رجال الفكر في الأقطار العربية، وما شعروا به، بعضهم نحو بعض، من المودة والأخوة، وما لمسوه من التجاوب الفكري بينهم، وقد وقفت، من أحاديث العائدين، على ما ساد اجتماعات اللجان من روح طيبة في حسن التفاهم والتوافق على الأغراض، وعلى ما استقبل به اللبنانيون إخوانهم العرب الوافدين عليهم من الحفاوة والترحيب.
ملاحظات على المؤتمر:
على أن كل ذلك لا يمنع من تسجيل الملاحظات الآتية:
1 - قام برنامج المؤتمر على أن له غرضين: تحقيق القدر المشترك، والنظر في الوسائل المؤدية إلى تحسين طرق تدريس اللغة العربية. أما الغرض الأول فقد عرفت جهد المؤتمر فيه، وأما الغرض الثاني فقد أهمل إهمالا، وكأني بالمؤتمر قد ضاق به فرأى في تثاقل أنه لابد من إنشاء معاهد علمية موحدة النظام في الأقطار العربية لتخريج معلمين للغة العربية، وأوصى بعقد مؤتمرات دورية لمعلمي اللغة العربية، وليس هذا ولا ذاك بجهد ناجز في (تحسين طرق تدريس اللغة العربية) الذي جعله المؤتمر أحد غرضيه.
2 - كانت الحفلات التي أقيمت للحفاوة بأعضاء المؤتمر عامرة بنشاط أدباء لبنان الذين أفاضوا وأمتعوا بالشعر والنثر والزجل، وكان من الطبيعي ان يجاوبهم أدباء مصر، ولكن الذي حدث أنه لم يعن بتقديم هؤلاء، واكتفى بنشاط بعض الكبار من وفد مصر، ولم يخرج عن هذا النطاق إلا الجارم بك.
3 - لم تهيأ لممثلي الصحف الأسباب التي تكفل لهم سرعة الاتصال بصحفهم، فلم يكن أمامهم إلا البريد الذي يبلغ القاهرة في بضعة أيام. ومن الطريف أن الأنباء التي نشرت عن المؤتمر في خلال انعقاده لم تكن عن طريق المراسلين، وإنما أخذت أنباء حفلة الافتتاح عن الإذاعة اللبنانية، أما ما نشر من أخبار المؤتمر بعد ذلك فكانت تتلقاه بالتليفون إدارة الصحافة بالجامعة العربية بالقاهرة، وتدفعه إلى الصحف فتنشره.
موضوعات السينما والأفلام الخرافية:
قال الأستاذ محمود بيرم التونسي في بيان الموضوعات التي لم تعالجها السينما المصرية بمجلة (الاستديو): (هي الموضوعات المصرية البحتة، لأن المشتغلين بالسينما عندنا يأتون بروايات أجنبية ويخلعون عنها القبعات ويضعون بدلا منها طرابيش ولاسات وعمائم، حتى لقد أفهمونا بالقوة أن حياتنا هي هذه الصالونات والحفلات وأننا نفتح بيوتنا للشبان باسم الخطوبات حتى أصبحنا كذلك فعلا، والجرم الأول يقع على عاتق السينما المصرية لأنها هي التي فرضت علينا هذه الحياة).
ولفتة الأستاذ إلى تأثير السينما بالإيحاء في حياتنا لفتة بارعة والحق أن أصل الداء في هذا الأفلام هو اختطافها من الأفلام الأجنبية على الوجه الذي صوره بيرم.
وقد كثر النعي على ذلك، وأفاض النقاد في التوجيه إلى ما يجب أن تعالجه السينما من الموضوعات التي عُدّ منها مواقف البطولة في تاريخنا المجيد، ولكن من توجه؟ فيظهر أن بعض الناس قد فهم أن هذه المواقف هي تلك الأساطير والقصص الخرافية التي تقوم على الأعمال الخارقة والبطولة التي لا يغلبها غالب، فظهرت أخيراً عدة أفلام من هذا النوع، وليت هذه الحوادث يقصد منها فكرة ترمي إلى هدف يبرر هذا التهريج.
وأصل هذه الأفلام هو أصل تلك الروايات التي أفسدت المجتمع، فإنه يحلو للغربيين أن يعرضوا صوراً وأحداثاً خرافية على أنها تمثل حياة الشرق، وقد أخذوها حقاً عن أصول عربية وضعت في أزمان غابرة، ولكنهم حرفوها عن مواضعها، فجاءت بعيدة عن حياة الشرق حتى في تلك الأزمان.
ثم جاء أصحابنا الذين توجههم فلا يأتون بخير، فحوروا أو ألفوا على ذلك الغرار. . . وإنا لنخشى أن يفسدوا الأذواق بهذا العمل كما أفسدوا المجتمع بتلك الروايات.
وأصل الداء كله يرجع إلى العجز عن معالجة موضوعات حياتنا، واستسهال الأخذ والتحوير؛ والمنتجون يستريحون إلى ذلك ليسره ورخصه وإثارته عواطف السذج والبسطاء. فالسينما المصرية في حاجة إلى أقلام جديدة أكثر من حاجتها إلى وجوه جديدة.
(العباس)