الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 741/الأدب والفنّ في أسبُوع

مجلة الرسالة/العدد 741/الأدب والفنّ في أسبُوع

مجلة الرسالة - العدد 741
الأدب والفنّ في أسبُوع
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 15 - 09 - 1947


جدل في الجامعة:

كان الأستاذ محمد أحمد خلف الله المعيد بكلية الآداب بجامعة فؤاد الأول - قدم رسالة للحصول على (الدكتوراه) موضوعها (القصص في القرآن) وقد أعدها بإشراف الأستاذ أمين الخولي ومعاونته وألفت لجنة من الأستاذين الشايب وأحمد أمين بك للنظر في صلاحية الرسالة للمناقشة، وكتب كل من الأستاذين تقريره عنها، أما الأستاذ أحمد أمين فقال إنها لا تصلح لضعف منهجها العلمي، وأما الأستاذ الشايب فرأى أن بها ما يمس الناحية الدينية، لأن صاحبها يقول فيها إن القصص القرآني لم يراع الحقيقة التاريخية وإن المقصود منه غرض فني فلسنا ملزمين بتصديق حقائق هذا القصص، وإنما نقدر فيه الغاية الفنية.

ويقول إن القصص مستمد من مصادر أخرى غير عربية كالتوراة والأدب اليوناني والأدب الفارسي، وإن فيه أساطير لا أساس لها. لذلك رأى الأستاذ الشايب أنه لا يجوز أن تعرض رسالة تتضمن هذه الآراء للمناقشة في لجنة الدكتوراه.

وعلم الأستاذ الخولي بفحوى تقرير الأستاذ الشايب، فرد عليه بتقرير قال فيه إنه متضامن مع مقدم الرسالة في كل حرف منها وإنه لا ينبغي الوقوف أمام حرية الفكر. وهذه التقارير كلها لدى العميد تنتظر اجتماع مجلس الكلية.

وتتحدث البيئات الجامعية في هذه المسألة، وأقوم ما يقال فيها أن (الدكتوراه) إجازة من إجازات الدولة التي دينها الإسلام، فكيف تمنح لمن يرى هذه الآراء في القرآن؟

افتتاح المؤتمر الثقافي:

افتتح المؤتمر الثقافي العربي الأول في اليوم الثاني من سبتمبر الحالي بفندق بيت مري بلبنان، وقد افتتحه رئيس الجمهورية اللبنانية بخطاب ترحيبي أشاد فيه بفكرة المؤتمر وماضي العرب في خدمة الفكر والثقافة، وتلاه وزير المعارف اللبنانية ومندبو البلاد العربية بكلمات افتتاحية نوهوا فيها بجهود لبنان في ميدان الثقافة ونشر اللغة العربية وآدابها، كما نوهوا بأهمية هذا المؤتمر وما يرجى منه من إنهاض الآداب العربية ورفع مستوى الثقافة وتوحيد أهدافها ببلاد العروبة. وألقى بعده الأستاذ على الجارم بك قصيدة خصصتها بكلمة تراها بعد هذا.

وقد ألفت لجنتان عامتان، الأولى للمواد الاجتماعية يتفرع عنها لجنة للتاريخ برياسة الدكتور جواد علي (العراق) ولجنة الجغرافيا برياسة الأستاذ وصفي العنبتاوي (فلسطين)، ولجنة التربية الوطنية برياسة الدكتور قسطنطين زريق (سوريا).

واللجنة العامة الثانية للغة العربية، ويتفرع عنها لجنة الأدب برياسة الأستاذ أحمد أمين بك (مصر)، ولجنة اللغة والقواعد برياسة الأستاذ محمد بهجت الأثري (العراق).

وتواصل اللجان اجتماعاتها بفندق بيت مري الذي تقول الأنباء إنه تحول باجتماع المؤتمر فيه إلى قصر للعروبة تخفق على أبراجه رايات الدول العربية التي تبدو بالليل بين الزينات والأنوار

ولم يشترك في المؤتمر من النساء سوى ثلاث لبنانيات، وقد ظهر أن ما أذيع قبل من أن أربعين سيدة عربية سيشتركن في المؤتمر مصدره أن هؤلاء السيدات هن زوجات الأعضاء آلائي جعل لهن ما لأزواجهن من تخفيض في نفقات السفر والإقامة مع دفع رسوم المؤتمر.

قصيدة الجارم:

سمعنا هذه القصيدة، قبل أن تنشرها الأهرام، من الإذاعة المصرية في مساء اليوم الذي ألقيت فيه بالمؤتمر، وكان المذيع في حديقة الأندلس يذيع من هناك حفلة ساهرة، فما انتهى المطرب أعلن الانتقال إلى (الاستديو) فسمعنا المتحدث يقول: ألقى الأستاذ على الجارم بك اليوم قصيدة (العروبة) في المؤتمر الثقافي بلبنان وقد استطعنا الحصول عليها، ويقرؤها عليكم الآن عبد الوهاب يوسف. . . وابتدأ إنشاد القصيدة، وإذا الصوت صوت المذيع الذي سمعناه من حديقة الأندلس وهو عبد الوهاب يوسف! فهل انتقل المذيع على الأثير من الحديقة إلى (الاستديو) ليلقي قصيدة الجارم!

المسألة يا سيدي بسيطة. . . الجارم باك قال هذه القصيدة في مصر ودفع نسخة منها إلى محطة الإذاعة فسجلتها بإلقاء عبد الوهاب يوسف قبل ظهر ذلك اليوم، ثم أذيع (المسجَّل) في المساء على النحو الذي وصفت. . .

وبعد فأعدِّي عن هذه (الطريقة التمثيلية) لأقول إن سياق القصيدة يدل على أن الشاعر استوحاها في لبنان كما في قوله عن نفسه:

بدت له جارة الوادي الخصيب ضحا ... كل الأحبة في لبنان جيران

ويمكن أن يقال إنه، وهو في مصر، تمثل لبنان وقد تعاهدها أي أنه جرى على (الطريقة التمثلية).

أما القصيدة ذاتها فهي سبعة وثمانون بيتاً، نحو نصفها في الهوى والغيد وذكريات الشاعر في لبنان وتحسره على أيام في عهد الشباب، وقد أجاد في ذلك إجادة شيخ يتلفت قلبه إلى ما بلغه وما لم يبلغه من لذات الشباب وأمانيه. يقول:

أين الصبا؟ أين أوتاري وبهجتها ... طوت بساط لياليهن أزمان

أرنو لها اليوم والذكرى تؤرقني ... كما تنبه بعد الحلم وسنان

لا الكأس كأسي إذا طاف الحباب بها ... بعد الشباب، ولا الريحان ريحان

ثم انتقل الشاعر من هذا الغزل (السلفي) إلى العروبة فأشاد بمجد العرب وخص كلا من فلسطين ومصر وموضوع المؤتمر ببضعة أبيات ويظهر أنه كان قد استنفذ طاقته فجاء كلامه في الأغراض الأخيرة عابراً قليل الحرارة، وهذا كل ما قاله في قضية مصر:

ومصر والنيل ماذا اليوم خطبهما؟ ... فقد سرى بحديث النيل ركبان

كنانة الله حصن الشرق يحرسه ... شيب خفاف إلى الجلى وشبان

أبوا علي القسر أن يرضوا معاهدة ... بكل حرف بها قيد وسجان

وكم مشوا للقاء الموت في جزل ... والموت منكمش الأظفار خزيان

لكل جسم شرايين يعيش بها ... ومصر للشرق والإسلام شريان

والشاعر من (الشيب) ولكنه لم يخفف إلى الجلي، ولست أقصد أن يمشي للقاء الموت في الميدان، وإنما أعني جلى الشعر.

أفتكون هذه الأبيات هي كل بلائه في هذه الجلى؟ كان يجب عليه وقد تصدى لقضية مصر أن يشتم الإنجليز بسبعة أو ثمانية أبيات على الأقل، ولست أدري كيف يتهيأ لشاعر مصري أن يقول شعراً فيما نحن فيه الآن دون أن يمس هؤلاء الأعداء بحرف!

ذكرى شوقي في (الأوبرج):

منذ أسابيع أقرأ في بعض الصحف والمجلات أن حفلا سيقام في (الأوبرج) لتخليد ذكرى شوقي، وأن هذا الحفل أجل إلى 12 أكتوبر القادم بعد أن عين له 14 سبتمبر الحالي، وأنه سيشترك في الحفل الأدباء والشعراء والمطربون والمطربات والموسيقيون والراقصات والملهُّون والملهيات.

وأخيراً قرأت في مجلة (الاستديو) ما يلي:

(يتساءل الوسط الفني عن معنى إقامة حفلة تخليد ذكرى شوقي بك في الأوبرج وتحديد أسعار لها. . . ويقولون: هل أصبحت ذكرى شوقي وسيلة للاتجار والكسب؟).

ولي في هذا الموضوع نظرتان: الأولى في هذه الطريقة الجديدة في إحياء الذكرى التي ستصبغ الحفل بصبغة اللهو والطرب، وإذا كان لابد من الطرب فمن المقبول أن يكون إلى جانب الكلمات والقصائد غناء بعض قطع من شعر شوقي وتمثيل فصل من إحدى رواياته، ولكن ماذا في هز الأرداف وتحريك البطون وما إلى ذلكم من تخليد ذكر شوقي؟!

النظرة الثانية في تسعير حضور هذا الحفل بأسعار (الأوبرج).

إن الذين يرتادون (الأوبرج) ويدفعون أسعاره أكثرهم لا يهتمون بالأدب والشعر، وعلى خلافهم أكثر الذين يعنون بشهود الحفلات الأدبية.

وعلى ذلك نسأل: هل ستكون حفلة ذكرى شوقي لتمجيده وتقدير شعره، أو ستكون حفلة طرب ولهو ذات غلة وإيراد. . . يخرج منها الجمهور وليس بنفسه من شعر عُشر مقدار ما بها من (اللباريق) و (البسطجية اشتكوا). . . أما تصور حركات الخصور والقدود فإنه يُعفّى على كل أثر للأدب. . .

مالك الحزين:

من أبرز الصفات الشخصية في الأستاذ أحمد أمين بك - الحزن، ترى سماته بادية عليه، وتلمس آثاره في تفكيره وكتابته، وتمتزج تلك السمات بالوقار والاتزان؛ ولكن الذي يجالس الأستاذ ويخالطه، أو يتأمل فيما يكتب من خواطره، يدرك أنه يضيق بما يغلب عليه من الحزن، ويعلم للتحرر منه باستجلاب المرح.

وقد كتب الأستاذ كثيراً في أسباب حزنه، فبين أنها ترجع إلى نشأته وأحوال أسرته، وقال في إحدى المرات إنه رضع اللبن الحزين فامتزج الحزن بدمه. وأخيراً كتب بالهلاب مقالا عنوانه (كيف تتغلب على الأحزان؟) ذكر به عدة وصفات للتغلب على الحزن، منها الفلسفة القائلة بأن ما يحدث في العالم من كوارث أمور لابد منها، وظواهر طبيعية للعالم الذي نعيش فيه كشروق الشمس صباحاً وغروبها مساء، فيجب أن نوطن أنفسنا على استقبال الأحداث، وإذا مرنا على ذلك أنفسنا لم نحزن، ومنها نصيحة علماء النفس بألا يطيل الإنسان التفكير في أسباب الحزن كما نفعل في سياسة الطفل إذا بكى بتوجيه نظره إلى لعبة أو حلوى لينصرف عن بكائه ويلتفت إلى الشيء الجديد، ومنها حديث النفس بأن لا فائدة للحزن إلا أن يضعف الجسم ويفسد الصحة، وأن الزمن سيمسح الهموم أن يضعف شأنها، فلماذا لا نساعده ونخفف الأحزان عنا في الحاضر؟

وصف الأستاذ كل ذلك لمقاومة الحزن، وأبان (كيفية استعماله)، وكان ذلك من نتاج ما أسميه (مركب الحزن)، وإن كنت أود للأستاذ الجليل أن يكون هو قد انتفع بهذا العلاج، وألا يكون كمالك الحزين الذي رأى الرأي للحمامة ولم يره لنفسه. . . كما قال ليدبا الفيلسوف. . .

جوائز الآداب والاجتماع:

يذكر القراء أنه صدر مرسوم ملكي في العام الماضي بإنشاء جوائز فؤاد الأول وجوائز فاروق الأول، وخصصت الأولى للآداب والقانون، والعلوم الرياضية والطبيعية والفلكية، ونص المرسوم على أن تشمل الآداب التاريخ والجغرافيا والفلسفة والآثار، إلى جانب الآداب البحتة.

وخصصت جوائز فاروق الأول لعلوم الحياة، والعلوم الكيميائية، والعلوم الجيولوجية.

وقد رأت وزارة المعارف أخيراً أنه لم يرد في المرسوم ذكر علم الاجتماع وعلم النفس والتربية ضمن المواد التي تمنح الجوائز عن الإنتاج فيها، مع خطر قدر هذه العلوم وتقدم البحث فيها في العصر الحاضر عامة وحاجة مصر إلى التزويد منها بصفة خاصة في عهد التطور الاجتماعي والنهضة التعليمية الذي تجتازه البلاد الآن. . .

لذلك رأت الوزارة أن تخصص إحدى جوائز فاروق الأول للعلوم الاجتماعية على أن يضم إليها التاريخ والجغرافيا والفلسفة والآثار، لأن هذه المواد تجري طرائقها على أساليب البحث العلمي المنظم، فهي بذلك أقرب إلى العلوم.

وبذلك يصبح التاريخ والجغرافيا والفلسفة والآثار معدودة من العلوم الاجتماعية، وتخلص جائزة الآداب للآداب البحتة مثل الأدب القصصي، والأدب التصويري، والأدب الاجتماعي، والشعر، والبحوث الأدبية (النقد، البحوث اللغوية، الدراسات الإسلامية الأدبية).

وقد رفع مشروع مرسوم بهذا التعديل إلى مجلس الوزراء فأقره

(العباس)