مجلة الرسالة/العدد 740/رحلة إلى الهند
→ اتقوا غضبة الشعب! | مجلة الرسالة - العدد 740 رحلة إلى الهند [[مؤلف:|]] |
ما أعرفه عن فارس الخوري ← |
بتاريخ: 08 - 09 - 1947 |
6 - رحلة إلى الهند
للدكتور عبد الوهاب عزام بك
- 1 -
أعود إلى الحديث عن مدينة دهلي، بعد أن ذكرت طرفا من أخبار المؤتمر الآسيوي. دخلت دهلي وملء نفسي ما قرأ وسمعت من تاريخها وأحداثها وآثارها. ولم يسعف الزمان ولا الحال بإطالة المقام فيها والتردد في نواحيها، واستقصاء مشاهدها وآثارها. وإنما كنت جولات سريعة في أرجائها. ووقفات قصيرة على بعض مشاهدها.
مدينة دهلي اليوم قسمان: دهلي الجديدة التي يخططها الإنكليز على نظام حديث، وجعلوا فيها دوراً للحكومة ومساكن لكبار الموظفين وهي مدينة واسعة الشوارع والحدائق يحيط بكل دار فيها حديقة كبيرة، ودورها في الأكثر ذات طبقة واحدة وفيها من الأبنية الفخمة الرائعة دار الحكومة ودار النيابة ومسكن نائب الملك هناك وما يتصل به من اعظم الأبنية وأوسعها وأجملها ظاهراً وباطناً. . .
وأما دهلي القديمة فهي على خط 77 من الطول الشرقي و28 من العرض الشمالي فهي تقارب عرض القاهرة ولكنها اشد منها حرا، وقد لقينا من حرها في شهري مارس وأبريل اشد مما نجد في القاهرة في الصيف المعتاد.
وتقع دهلي في الزاوية الجنوبية الشرقية من إقليم البنجاب على الضفة اليمنى لنهر جمنة، وكانت ألحقت بهذا الإقليم سنة 1858م. وهي في ولاية منفصلة ومن العجيب أن هذا الفصل بين دهلي والبنجاب يخرجها من دولة باكستان، وهي المدينة التي بقيت زهاء ثمانية قرون حاضرة دول إسلامية، وفيها من الآثار الإسلامية ما يصلها بتاريخ الإسلام دهورا. وكثير من المدن التي تحفظ الثقافة الإسلامية والتاريخ الإسلامي ليست داخلة في الباكستان مثل أجرا ولكهنوا وأحمد آباد وعليكره.
ودهلي ذات تجارة واسعة، وهي ملتقى طرق حديدية كثيرة وقد أتخذ الإنكليز من دهلي الجديدة وهي متصلة بالقديمة عاصمة للهند في هذا القرن وكانت العاصمة كلكتا. ولكن دهلي ليست كبرى مدن الهند؛ أكبر منها كلكتا وهي كبرى المدن الهندية ثم بمباي ولاهور.
- 2 - والبقعة التي تشمل دهلي الحاضرة وما حولها قامت فيها مدن عدة باسم دهلي فحول دهلي الحديثة أطلال ست مدائن سميت بهذا الاسم، تنتشر في خمسة وأربعين مربعاً.
وتاريخ المدينة الحاضرة يبدأ من القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) أسسها الملك الكبير المعمر الذي ترك في الهند آثارا لا تضارعها آثار في الهند ولا غيرها. شاهدهان ابن جهانكير بن اكبر بن همايون بن بابر. خامس الملوك العظام من هذه الأسرة العجيبة التي نشأت ستة ملوك كبار على نسق واحد سيطروا على الهند مائتي سنة وأورثوا أعاقبهم دولة بقيت مائة وخمسين سنة أخرى.
بنى شاهجهان المدينة الحاضرة وسماها آباد وكان طولها على ضفة النهر ميلين ونصف.
ولا تزال قطع من أسوارها قائمة يجتاز السائر في المدينة أبواباً فيها منها باب اجمير في الجدار الغربي من السور وباب كشمير في الجدار الشمالي وقد اجتزت هذا الباب كثيرا بين الفندق الذي نزلت به في دهلي القديمة ومكان المؤتمر في دهلي الجديدة، ويرى خارج هذا الباب تمثال لأحد قواد الإنجليز ومدافع قديمة هي من بقايا الحروب التي شهدها هذا السور وأخرها ثورة سنة 1273هـ (1857م).
- 3 -
وأعظم ما يرى السائر في الجادة الكبير التي تخترق المدينة في جانبها الغربي من الشمال إلى الجنوب بناءان عظيمان رائعان: المسجد الكبير الذي يسمى مسجد الجمعة (جمعة مسجد) والقلعة الحمراء (لال قلعة) منظران يفصلهما الطريق فيحتار الطرف بينهما، القلعة ذات الأسوار العالية والأبراج العظيمة والهندسة المحكمة الجملية، والجامع الكبير الرائع ذو القباب الثلاث البيضاء والمنارتين، وكلا البناءين الخالدين مبنى بالحجر الورد وهو يغلب في أبنية السلاطين التيمور بين ويجلب من اجرا. وهما نضيران لم تغير منهما الأحداث. ولم تنل منهما الغير ثبات الحق على كر العصور والمجد المؤثل على مر الدهور.
دخلت الجامع مغرب يوم الخميس 26 ربيع الثاني (19 آذار) يوم بلغت دهلي، صحبنا إليه الصديق القديم السيد محمد الفاروقي فادينا به صلاة المغرب ثم صلينا الجمعة التالية.
وهذا الجامع بناه شاهجهان بين سنتي 1058، 1060هـ بعد أن بنى القلعة بسنتين وهو على ربوة تزيده جلالا ورفعة. له بابان كبيران أحدهما يقابل القبلة والثاني إلى يسار الداخل من الباب الأول. والمسجد كله شكل مستطيل طوله نحو ثمانين مترا وهو يزيد على عرضه قليلا. وصحنه فسيح جدا مستطيل فيه ثلاثة صفوف من عمد الرخام الأبيض وجدرانه مغشاة بالرخام كذلك وله محاريب أوسطها أكبرها. ومنبره درج من الرخام قليلة. وكذلك المنابر التي رايتها في أجرا ولاهور ليس لها ما يعهد في البلاد العربية والتركية من الضخامة والارتفاع والحواجز على جانبي الدرج والنقش والحلي.
وأما جمال النقش، والانسجام بين الرخام الأبيض والأسود في أرضه والحجر الأحمر والمرمر الأبيض في الجدران فلا أطيل الحديث في تفصيله.
ويصعد إلى المسجد عند بابيه الكبيرين بدرج هائل لم أر نظيرها في الطول فهو يشبه مدرجا عظيما يتسع لآلاف الناس.
وإجمال الكلام أن هذا المسجد من أكبر مساجد المسلمين وأجلها وأجملها، وكان شاهجهان يؤدي الصلاة في مسجد في القلعة ويخرج أحيانا ماشياً للصلاة في هذا المسجد الكبير ولا سيما صلاة الجمعة.
(للكلام صلة)
عبد الوهاب عزام