مجلة الرسالة/العدد 74/الكتب
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 74 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 03 - 12 - 1934 |
(الخطابة): تأليف محمد أبو زهر
(الأدب العربي في آثار أعلامه): وضع لجنة من أدباء لبنان
(نسمات الأصيل): تأليف عبد العزيز رمضان وعبد الفتاح
العشري
(الثعابين): تأليف الدكتور حسين فرج زين الدين
(ابنة استريا): تعريب محمد عبد الفتاح إبراهيم
(ظلال القمر): نظم أحمد مخيمر
تدل هذه المجموعة من الكتب، فضلاً عما تظهر من نشاط التأليف في العالم العربي، على بعض مظاهر الحركة الفكرية عندنا، من حيث تشعبها واتجاهها ومقدار ما دخل عليها من تطور في طريقة عرض الآراء وبسطها وتوجيهها، وما دخل على المشاعر من آثار التجديد. أما أولها فبحث قيم في الخطابة وأصولها وتاريخها في أزهر عصورها عند العرب، اضطلع بوضعه الأستاذ محمد أبو زهرة أستاذ تاريخ الخطابة بكلية أصول الدين بالجامعة الأزهرية، وهو كتاب كبير يقع في نحو أربعمائة صفحة من القطع الكبير جعله مؤلفه قسمين، فتناول في القسم الأول أصول الخطابة، فعرف هذا العلم وبين علاقته بالمنطق وعلم النفس وعلم الاجتماع، ثم تكلم عن فائدة الخطابة وطرق تحصيلها وقواعدها كالإيجاد والأدلة وموضعها الذاتية والعرضية، وآداب الخطيب وصفاته وما يتخللها من إثارة الأهواء والميول واستغلال العواطف، وغير ذلك من أصول هذا العلم كالتنسيق وما يدخل فيه من مقدمة وإثبات، ثم التعبير وحسن الأداء وما يصحبهما من موقف الخطيب وإشاراته وصوته، ولم يفته أن يبين في وضوح أنواع الخطب من سياسة ومن قضائية حتى الوعظ الديني والمحاضرات العلمية والخطب العسكرية. . الخ وفي القسم الثاني تكلم عن تاريخ الخطابة في العصر الجاهلي وصدر الإسلام، وفي العصر الأموي وصدر العصر العباسي مع إيراد نماذج لكل من هاتيك العصور. فأنت ترى أنه بحث قيم جدير بالثناء، كما ترى أنه موضوع طريف في مسألة لها أهميتها وخصوصاً في عصرنا هذا. عصر الرقي الاجتماعي والاتصال الفكري، عصر المجادلات السياسية والمناقشات البرلمانية والمحاضرات العلمية والوعظية في المجتمعات والنوادي وفي الراديو وغيره. وأني وأن كنت أشايع المؤلف الفاضل في رأيه أن الخطابة ملكة وهبة وطبيعية، فأني أرى معه أيضاً أن الأصول والقواعد الفنية لابد منها حتى للموهوبين، فما أبدع الجمع بين الاستعداد الفطري والأوضاع الفنية، هذا ولو لم يقتصر الأستاذ الفاضل على الخطابة عند العرب فتناول الخطابة عند أمم الغرب لكان موضوعه أتم، وكانت فائدته أعم، إذ
تتسنى بذلك المقارنة. ولا شك أن ما طرأ على الأمم من تغيير في نظم الاجتماع وطرق التفكير قد أدخل على الخطابة في العصر الحاضر عناصر أخرى جديرة بالبحث، والمؤلف كما يظهر في كتابه جدير بأن يفرد لها رسالة أخرى لا يتقيد فيها ببرنامج الدراسة وحدوده.
وأما الكتاب الثاني فعبارة عن نصوص منتخبة من النظم والنثر وفقاً لمنهاج البكالوريا اللبنانية قام بوضعه الأساتذة واصف بارودي، وفؤاد افرام البستاني، وخليل تقي الدين، وفي يدي الآن الجزء الأول منه، ويشمل الجاهلية وعصر صدر الإسلام، ويقع في نيف ومائتي صفحة من القطع الكبير، وقد طبع طبعاً أنيقاً في بيروت، أختار مؤلفوه الأفاضل من عصر الجاهلية شيئاً من أشعار امرئ القيس وطرفة بن العبد وزهير وعنترة والنابغة الذبياني مع إيراد ترجمة قصيرة لكل منهم، وبيان ظروف معلقته، واختاروا من عصر صدر الإسلام للأخطل وفرزدق وجرير وعمر بن أبي ربيعة والحجاج بن يوسف وعبد الحميد الكاتب، على نحو ما فعلوه في العصر الجاهلي مع الإشارة هنا إلى الدواوين أو المؤلفات. وقد يظن القارئ أن مثل هذا العمل قليل الخطر، ولكن الواقع أنه من أدق الأعمال الأدبية، فالاختيار يحتاج إلى توخي الفائدة وإلى التقيد بالذوق العام، ومراعاة سن القارئ ودرجة استعداده، ثم ملاحظة القطع المختارة ومقدار دلالتها على تفكير صاحبها ونوازعه في الشعر والكتابة وما ينعكس فيها من أخلاقه وصفاته، وهذا بلا شك يزيد في قيمة النصوص، فالنصوص كما لا يخفى أمر لابد منه لدراسة الأدب وتذوقه، وهي الخطوة السابقة للنقد بل الأساسية له. هذا وكثير من النصوص ما تزيد قيمته في نفس الجمهور بحسب من أختارها لا من حيث هي في ذاتها. فإذا كان من يختار سليم الذوق طليعاً في فنه، جاءت مختاراته على قدر منزلته، وهذه النصوص التي أحدثك عنها تدل على ذوق وفن عظيمين.
وتجد ثالث تلك الكتب من نوع سابقه فهو عبارة عن مختارات من النظم والنثر، غير أنه يختلف عنه في طريقته، فلم يراع فيه ترتيب ولا تبويب، كما لم ينظر فيه إلى درس أو غاية فنية اللهم إلا الاستمتاع والغداء العقلي الذي يستمد من الآثار الأدبية عامة أياً كان شكلها أو موضوعها، وإنك لتجد فيه المقالة المعربة إلى جانب القطعة المختارة، إلى جانب الترجمة لشاعر أو كاتب، إلى قطع شعرية قديمة وحديثة متناثرة هنا وهناك دون أن تستطيع أن تعرف السر في اختيارها، اللهم إلا أنها قد أعجبت مختاريها، وبينما تجد بعض القطع منسوبة إلى أصحابها من أعلام الشعراء والكتاب تجد غيرها غفلا من كل إشارة، وتكاد لا تساوي شيئاً في معناها أو في أسلوبها. لذلك يحق لي أن أعتب في رفق على الأديبين المختارين عدم تنظيم
كتابهما، فان فيه الكثير من التحف الأدبية لو أنها عرضت بطريقة منظمة لكان ذلك أجمل وأدعى إلى الاستمتاع والانتفاع.
أما كتاب الثعابين فهو بحث يتناول الثعابين عامة والأنواع المصرية منها خاصة، قام بتأليفه أستاذ متخصص في علم الحيوان هو الدكتور حسين فرج زين الدين، وإن اختيار المؤلف الفاضل لهذا الموضوع الذي لم يسبقه إليه غيره في اللغة العربية، لدليل واضح يضاف إلى كثير غيره من الأدلة على مجاراة المصرين غيرهم من أمم الغرب في التخصص العلمي، وتناول المسائل العلمية على أمثل الطرق، والكتاب مملوء بالصور الدقيقة لأنواع الثعابين، والمصري منها خاصة، ولن أجد في وصفه أحسن مما قاله في مقدمته الفريق الدكتور أمين باشا المعلوف (قرأت الكتاب من أوله إلى أخره فوجدته مكتوباً بلغة علمية فصيحة، وأسلوب علمي سهل المنال، مما يثبت أن اللغة العربية غير قاصرة عن التعبير العلمي لمن أراده. هذا من جهة اللغة، أما العلم فقد بحث المؤلف الثعابين بحثاً وافياً ولا سيما ما كان منها في مصر وما جاورها وذكر أسمائها العربية الفصيحة والعامية، وإذا لم يجد لها اسماً فصيحاً ذكر الاسم العامي. وبحث في الحيات والإنسان وأنواع الحيات وأشكالها بوجه عام ثم بحث في تشريحها. . . الخ ثم بحث في السم وأنواعه وأعراض التسمم والمصل في علاج الملدوغين). ونحن نتقدم بجزيل الثناء للدكتور المؤلف على مجهوده المحمود.
وأقدم للقارئ بعد ذلك تلك القصة المعربة وهي (ابنة استريا) وتقع في جزأين، ولقد نشرت تباعاً في جريدة الأهرام ومعربها هو الأستاذ محمد عبد الفتاح إبراهيم، أما مؤلفها فهو الروائي الإنكليزي الذائع الصيت فيلبس اوبنهايم، صاحب الروايات المحبوبة عند جمهور القراء في الإمبراطورية البريطانية، وليس لدى الأصل الإنكليزي حتى أستطيع أن أحكم على ما إذا كان التعريب جيداً، غير أني أجد في جودة العبارة وسلامتها من الركاكة ما يرجح عندي هذا، أما موضوع القصة فموضوع غرامي ساحر ملئ بكثير من المواقف المدهشة والأوصاف الساحرة. (كتبه اوبنهايم بعد أن زار جزيرة (استريا) وسط المحيط الجنوبي وسمع القصة بأذنيه).
يبقى الكتاب الأخير (ظلال القمر) وهو ديوان صغير الحجم يقع في نحو تسعين صفحة للأديب أحمد مخيمر، مطبوع طبعاً أنيقاً على ورق جيد، ومحلى بعدة صور ريفية بديعة.
وتدور معظم قصائده على وصف المناظر الريفية، وهي نزعة أحمدها للشاعر الفاضل فقد تناول البيئة المصرية المحبوبة، ولم يجر كغيره وراء أخيلة وصور لا تمت إلينا بصلة، ولذلك تلمس في شعره الروح القروية الرقيقة. وكثير من قصائده في القمر والحقول يقنعك بأن الشاعر لا يعرف التكلف، وحبذا لو اتجه شعراؤنا إلى الريف المصري فوصفوا جماله واستلهموا سحره، واستوحوا صفاءه وبهجته. ولكني إذ أغتبط بنزعة الشاعر من حيث الموضوع أقرر مع الأسف أنه كثيراً ما يسف في شعره إسفافاً قد يقربه به من الابتذال، ولكنه يسمو أحياناً سمواً يبشر بأنه مع الصبر والتجويد قد يأتي في المستقبل بما يجعل منه شاعراً مصري الروح والعاطفة.
الخفيف
1