مجلة الرسالة/العدد 739/أدب العروبة في الميزان
→ الخلان والزمان | مجلة الرسالة - العدد 739 أدب العروبة في الميزان [[مؤلف:|]] |
نشوة الخيام ← |
بتاريخ: 01 - 09 - 1947 |
للأستاذ علي متولي صلاح
- 3 -
ليست علاقة الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة باشا بالأدب قريبة ولا واهية وإنما هي علاقة قديمة وثيقة انحدرت إليه من آبائه وأجداده الذين كانوا يحتفون بالأدب ويحتشدون لأهله ويبذلون لهم المكرمات والمروءات بذل السماح. ولعل من أطرف ما يروى في هذا الصدد خبر الغرفة التي أقامها الأستاذ إبراهيم دسوقي أباظة باشا في بيته بقرية (غزالة) لحافظ إبراهيم يلم بها بين الحين والحين فيجد العيش اللين، والرزق الوفير، والحياة الرتيبة، والتي أطلق عليها اسم (غرفة حافظ) وجعلها حراماً على سواه، وما زالت مغلقة إلى الآن لا يغشاها إنسان؟
ولعل بعض القراء ما زال يذكر المقالات الطويلة والفصول الضافية التي كان يدبجها معال الأستاذ في جريدة (السياسة الأسبوعية) في صدر حياتها وفي (السياسة اليومية) في أول نشأتها بقلم يشهد له البلاغة والبيان، وأنا أعلم أن شوقي كان يسعى إليه جاهداً بكل رواية من رواياته الأخيرة ويأبى إلا أن يهدي إليه أول نسخة تخرجها المطبعة! ولعل الكثير من القراء لا يعرف أنه شاعر تلين له القوافي لأنه لم يجتمع له ديوان منشور، ولأن أغلب شعره إما أن يكون معارضة لطيفة، أو نكتة طريفة أو جواباً عن سؤال، أو تزجية بشرى، أو إرسال تهنئة، وما إلى ذلك من مختصر القول ومقتضب الكلام، وأنا أسوق إلى القراء نموذجاً واحداً منه يدلهم على مبلغ أصالته في الشعر وعراقته فيه قاله في تهنئة صديقنا الشاعر طاهر أبو فاشا على زواجه منذ أعوام قريبة في قصيدة طويلة منها:
بنيت بالأمس سراً ... شحاً وبخلاً وغدراً
هلا دعوت ضيوفاً ... لا يسألونك كثراً
غر ميامين جاءوا ... دمياط براً وبحراً
إن شئت قدمت فولاً ... جرى بدمياط ذكراً
(التابعيّ) طهاه ... فكان في الصحن تبراً!
إلى أن قال في خاتمها: دفعت بالله مهراً ... أم كان شعرك مهراً
أعطاك ربك ألفاً ... من البنين وعشراً
وصاغ منك ومنها ... صنوين: شمساً وبدراً
فكان أمراً طبيعياً أن ينعقد له لواء رياسة جماعة أدبية كل وكْدها خدمة الأدب والأدباء (وبعث مجد الضاد وآدابها) كما يقول، (وإحياء التراث الإسلامي والمفاخر العربية) كما يقول سكرتير الجماعة.
والمتأمل في منهاج هذه الجماعة وهو منهاج حافل حاشد كما صوره رئيسها وبعض رجالها يجدد أن الجامعة لم تحقق أو لم تكد تحقق منه شيئاً! فمن منهاجها (أن تحيي التراث الإسلامي) وهي لم تصنع في ذلك شيئاً.
ومن منهاجها (تزويد المكتبة العربية بزاد متصل من الآراء الحرة الكريمة) وهي لم تزود المكتبة العربية بعد إلا بكتابها هذا الذي نحن بصدد الحديث عنه.
ومن منهاجها (النهوض بالفكر الإسلامي والبيان العربي) وهي لم تنهض بشيء من ذلك إلا طيفاً لا يكاد يرى!
ومن منهاجها (تقوية الصلات الفكرية والروحية والثقافية بين مصر والبلاد العربية) وهي لم تصنع في هذا الصدد شيئاً أصلاً. .
ومن منهاجها (أن تشعل في الشعب روح النضال والانتصار وأن توحد له الأهداف والأغراض وأن تفسح له آفاق الحياة وأحلام المجد) ونحن نعرف أن ذلك لا يكون إلا بالأناشيد التي تبعث في الشعب الحياة والطموح والعزة، وبالروايات التي تعيد إليه سابق مجده، وماضي تاريخه، وتستنفره للجهاد في سبيل استرجاعه وإعادته، وبقصص البطولة والتضحية - والتاريخ المصري مليء بحوادثهما - تذكي فيه العزائم الواهية، وتحيي منه موات الهمم. وما نرى جامعة أدباء العروبة فعلت من ذلك شيئاً
ولكن عذيرها في ذلك أنها لم يكد ينقضي على إنشائها إلا عام وهو - عندنا - عذر يشفع لها بذلك، ولكننا ننبهها إلى ما أخذت به نفسها، وما عاهدت الله والناس عليه وإنا لمنتظرون
على أننا نريد أن تضيف إلى منهاجها هذا أموراً هي عسية أن تحلها الصدر من منهاجها إن هي كانت جادّة في السعي لرفع شأن الأدب والأدباء، فعليها أن تعين رقيقي الحال من الأدباء وتمدهم بما يمكنهم من طبع نتاجهم ونشره بين الناس، وعليها أن تحيي الكنوز الدارسة من كتب الأدب العربي القديم وتعنى بتصحيحها وتنقيحها وإخراجها في ثوب قشيب فذلك أجدى عليها وعلى الأدب من ألف مهرجان ومهرجان. وعليها أن تعمد إلى أمهات الكتب الأجنبية - وبخاصة القصص الرفيعة - فتترجمها إلى اللغة العربية فتزيدها ثروة وذخيرة. وعليها أن تسعى جاهدة لدى الحكومة لتقرِّر ما ينتجه كرام الأدباء في مكتباتها وفي مدارسها فينتفع الأدباء وينفعون، أما أن يكون كل عملها الطواف هنا وهناك وإلقاء كلمات مبتسرة ينشئها بعض أصحابها وهم في القطار ثم تجمع ذلك في كتاب تذيعه على الناس دليلاً على وجودها وسجلاً لمجهودها فذلك عمل ضحْل قليل الغناء. . . وكتاب (أدب العروبة) الذي نحن بصدد الحديث عنه كله - إلا القليل - من عمل أعضاء جامعة (أدباء العروبة) والمتأمل فيهم لا يجد بينهم واحداً من شيوخ الأدب وسندته القدامى، وكلهم لم يجاوز بعد مرحلة الشباب إلا الصديق الدكتور إبراهيم ناجي والصديق الأستاذ محمد مصطفى حمام فقد أوشكا أن يجاوزاها!
ويتألف الكتاب من الكلمات والقصائد التي ألقيت في سبعة مهرجانات أقامتها الجماعة في القاهرة وبعض المدن لمناسبات متفرقة أو للتنويه بشأنها والتذكير بوجودها، ويفتتح الأستاذ الرئيس كل مهرجان بكلمة منه مختصرة تشرح أغراض الجامعة وتنبه إلى رسالتها وأهدافها، وتمهد القول لمن يلونه من الخطباء والشعراء. . . ويجد القارئ في الكتاب للأستاذ الدكتور محمد وصفي نائب الرئيس سبع كلمات لكل مهرجان كلمة، وفي كلام الرجل لازمة خاصة يتميز بها، فهو يجنح جنوحاً قوياً شديداً تدفعه إليه طبيعته الخاصة حتى لا يملك عنه منصرفاً إلى الاستشهاد الدائم بالقرآن الكريم وبالحديث الشريف، وهذا حسن في ذاته ولكنه هو كل ما يصنع! فهو يعمد إلى الآيات الكريمة التي تتصل بسبب قوي أو ضعيف إلى المناسبة القائمة، ويجدّ في البحث والتنقيب عنها، ثم يشرح معانيها التي احتوت عليها جميعاً ويسوقها معنىً معنىً حتى إذا استوفاها جميعاً ذكر نص الآية حتى ليخيل للقارئ أنه أتى بالآية استشهاداً لما قدمً من المعاني ومطابقة له والحقيقة أنه اهتدى إلى الآيات أولاً وأعدها للقول وأخذ في تفسيرها مقدماً حتى إذا أنمَّه جاء بالنص! ولو أننا أخرجنا من كلامه الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ما بقي بعد ذلك شئ؟ فليس له وراء ذلك إنشاء أو ابتداع أو كتابة فهو إلى المفسرين أقرب من إلى الأدباء. .
وعجيب أن يقول الأستاذ طه عبد الباق سرور سكرتير الجماعة في الكتاب ثماني كلمات ليست بالقصيرة ثم إنك لا تكاد تجد بينها فرقاً يحس أو اختلافاً يشعر به، فالكلمات متشابهة متماثلة حتى لو أنك وضعت أي واحدة منها تحت أي عنوان منها ما أحسست نبواً ولا قلقاً ولا انحرافاً! وكلامه - في عمومه - كلام عام لا خاصة له وأكاد أقول لا معنى له، فهو يسوق الكلام يجر بعضه بعضاً دون حساب ولا تمهل ولا أناة فيقول فيما أسماه (فلسفة الربيع) (والربيع عصر المودة والسلام والإخاء إذا انطبعت روح الإنسان بتلك المعاني. وعهد حروب ودمار وخصومة وبغضاء إذا ثار في الإنسان جانب من جوانب الالتواء) فأي كلام هذا؟ وأي شئ فيه يجده القارئ؟ وما علاقته بفلسفة الربيع هذه؟؟ وهو يقول كذلك إن الإنسان (إن شاء أحال الوجود نعيماً وهناء وسلاماً وإن أراد كان الوجود جحيماً ورعداً وحرباً) وذلك كلام معاد قريب أين هو من الربيع وفلسفته؟ وهو يقول مخاطباً القمر معدداً محاسنه (قد تمنى اسمك بنات حواء) وذلك إلى كلام العامة أقرب، ويقول عنه إنه (يمين أقسم به الديّان) ونسي أن الديان أقسم أيضاً بالتين والزيتون؟ ولكنه السجع الذي يريد التزامه فتنبهر أنفاسه وتخرج سجعاته قلقة نابية غير مستقرة.
وكلمات الأستاذ ملأى بالأخطاء اللغوية التي كنا نود لو تنزّه عنها سكرتير جماعة أدبية نريد لها النهوض والسير الحثيث والتقدم المطرد، فهو يقول مقدماً الكتاب (هذا بعض تراثنا في عام) والتراث ليس نتاج الأحياء إنما هو ما خلف الأموات. ويقول عن الإنسان أن فيه معجزة كبرى (أودعها الله في روحه) والصواب أن يقول (أودعها الله روحه). ويقول عن مهرجان القمر إنه (مهرجان النور والضياء) والله يقول (وجعلنا الشمس ضياء والقمر نوراً). ويقول مخاطباً الغنسان (فانعمْ ولا تشقى) والصواب أن يقول (فانعم ولا تشق) بحذف الياء وليس هذا تطبيعاً لأن السجعة التي يليها (وسبّح بحمد ربك الأعلى) فيوقعه السجع في هذا الخطأ غير المقبول. ويقول في وحي الهجرة (غننا في مطلع عهد جديد وسعيد يهاجر فيه العالم الإسلامي للمرة الثانية إلى حياة الحرية والعزة والقوة ومن نذره وبوادره هذا المهرجان) والنذر - وهي لغة الإنذار والإبلاغ - لا تكون إلا في التخويف ومنه قوله تعالى (فكي كان عذابي ونذر؟) ويقول (ولقد كانت القبائل العربية قديماً تتناظر وتتبارز بالبيان واللسان) والمبارزة لا تكون إلا في الحرب. ويقول متمماً هذا الكلام (فإذا غلب شاعر قبيلة شاعر القبيلة الثانية) والأولى أن يقول (فإذا غلب شاعر قبيلة شاعر قبيلة أخرى) حيث لا ثالثة لهما. ويقول في عيد الفاروق (في مثل هذا الشهر من العام الماضي احتفل أدباء العروبة بعيد الربيع) والصواب أن يقول في مثل هذا الشهر من السنة الماضية، فالفرق بين العام والسنة لا يخفى على أديب.
كثيراً جداً أن تحتوي كلمات سكرتير جماعة أدبية على أمثال هذا الخطأ، وأنا أرجو جاهداً من معالي الأستاذ الرئيس أن يراجع هذه الكلمات قبل نشرها وإذاعتها على الناس - وهو الأديب العالم المدقّق الذي لا يجوز عليه هذا الخطأ - حفائاً على قدر هذه الجماعة وسمعتها بين الناس؛ وصيانةً لعرضها أن يثلمه إنسان فشعر الفتى عرضه الثاني كما يقول إسماعيل صبري
(المنصورة)
علي متولي صلاح