الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 737/حول التنويم المغناطيسي

مجلة الرسالة/العدد 737/حول التنويم المغناطيسي

مجلة الرسالة - العدد 737
حول التنويم المغناطيسي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 18 - 08 - 1947


للأستاذ أحمد فؤاد الأهواني

1 - يذكر التنويم المغناطيسي محاطاً بالغموض والإبهام. فهل هو علم ثابت الأساس، أم شعوذة وإيهام؟ وما مدى اتصاله بعلم النفس.

2 - هل هناك من خطر في تعلمه. وإن كان هناك خطر فما هو؟ وهل يتعارض والدين؟

3 - ألا ترى أنه يعصف باليقين بنتائجه الخارقة المدهشة؟

(ج. ع. م)

كوستي السودان

التنويم المغناطيسي ظاهرة طبيعية لا تعد من الخوارق، فهي كالنوم الطبيعي، إلا أن النوم المألوف يحدث من الإنسان لنفسه والمغناطيسي يحدث بتأثير شخص آخر. ويسمى النائم في عرفهم (الوسيط) إذا كان متصلاً بالمنوم اتصال تجارب وعمل. ويتم النوم المغناطيسي بشروط، الشرط الأول قابلية الشخص أو الوسيط للنوم، إذ ليس كل شخص قابلاً للنوم المغناطيسي. ومما يذكر في هذا الصدد أن المشتغلين بالتحليل النفساني ونعني بهم فرويد ومدرسة شاركو في فرنسا بدءوا حياتهم الطبية في العلاج بطريقة التنويم المغناطيسي، ولكنهم عدلوا عنها لأسباب منها أنه ليس جميع المرضى يخضعون للنوم، ومنها عدم جدوى هذه الطريقة

وهناك بعض الناس يسهل تنويمهم وخضوعهم، وهؤلاء يكونون خير وسطاء.

وأول من اهتدى إلى التنويم المغناطيسي هو العالم (مسمر) وكانت تسمى طريقته بالمسمرزم نسبة إليه. واشتهر أمره في القرن الثامن عشر، واختلف الناس في أمره، وافتتنوا بأعماله، فكلفت الحكومة الفرنسية العالم الكيميائي لافوازييه أن يبحث هذه الظاهرة العجيبة في ضوء العلم. واستمر افتتان الناس والعلماء بهذا الفن حول قرن من الزمان حتى أصبح مألوفاً وعرفوا أنه لا يثمر نتيجة في العلاج من الأمراض العصبية، فانصرفوا عنه في أواخر القرن الماضي كما ذكرنا، وأخذوا بطريقة التحليل النفساني.

والشرط الثاني استعداد المنوم وقوة تأثيره، وهذا الاستعداد منه طبيعي موهوب، ومنه صناعي مكسوب: ويكسب المرء قوة التأثير بتدريب نفسه في إلقاء الصوت النافذ الذي يشبه الأمر الصارم، وفي حدة النظر، وحسن الهندام، وبالجملة اكتمال الشخصية في جميع نواحيها بحيث تصبح قوية، فما لا يتسع المجال لتفصيله. . .

والشرط الثالث المعرفة بالأساليب الصناعية في التنويم، كالجلسة الخاصة، والوقفة المناسبة، وتوجيه النظر بالعين أو بالكرة المغناطيسية، وإحداث السحابات المغناطيسية وهي المرور باليدين من أعلى إلى أسفل بالقرب من جسم الوسيط مبتدئاً برأسه.

واعلم أن التنويم المغناطيسي يحدث حولنا دون أن ننتبه إليه ودون أن يعرف المنومون والمنومون ماذا يجري منهم. فالأم تهدهد طفلها، وتربت على جسمه بيديها، وتغني له وتأمره بعد ذلك بالنوم فينام. وكثيراً ما تلاطف قطة في دارك، فتهدأ، وتغمض عينيها، وتخضع لك مادمت تمر بيدك على جسمها. ولهذا كان من الجائز وليس من الغريب تنويم الحيوان. وقد رأيت في السينما ذات مرة شخصاً ينوم دجاجة بأن يجمعها على الأرض ويخط أمام منقارها خطاً مستقيماً فإذا بها تذهب في النوم.

وللنوم درجات أعلاها التخشب

وهم يدربون الوسطاء على قراءة الفكر وهي ظاهرة مألوفة معروفة، فينقل المنوم ما يريد من أسئلة إلى الوسيط كما ينقل إليه الإجابة أيضاً. وهؤلاء هم طائفة المشعوذين الذين يوهمون المتفرجين أن في مقدرة الوسيط أن تسبح روحه في عالم الغيب فيطلع على المستقبل المخبوء ويعرف أسرار الناس وما تخفي الصدور. وهذا كله وهم وخداع، إذ ليس في قدرة الوسيط أن يعلم إلا ما يعلمه له المنوم وينقله إليه.

أما النظرية القائلة بأن التأثير الحادث في التنويم المغناطيسي يرجع إلى اتصال الروح بالروح، فهي نظرية لم يقم عليها دليل ثابت أو برهان قوي يرغم على الاعتقاد به، أما النظريات التي يأخذ بها العلماء المتثبتون إلى أن يظهر ما يبطلها أو يكون أقرب منها إلى التفسيرات العلمية، فهي أولاً صدور (سيال) مغناطيسي بين المنوم والمنوم، ولم يصلوا إلى كنه هذا السيال ولهذا عدل عن الأخذ بهذا التفسير جمهرة العلماء. ونظرية ثانية حديثة تشبه المخ البشري كأنه (بطارية) كهربائية، أو كجهاز الإرسال والاستقبال مثل المذياع، فكأن ما يحدث بين المنوم والوسيط هو تبادل الرسائل على أمواج الأثير. وأنا شخصياً أميل إلى الأخذ بهذا التفسير.

ولا نزاع في أن فن التنويم فيه عنصر مادي وآخر معنوي. فالعنصر المادي هو ذلك الذي بسطناه من قبل كالنظرات والسحابات. . .

وأستطيع أن أشم جسم الإنسان بزجاجة، وما فيه من لحم وعظم ودم ببرادة الحديد. فإذا مر قضيب المغناطيسي بهذه البرادة انتظمت في داخل الزجاجة وتأثير الجاذبية. كذلك جسم الإنسان يتأثر بالتيارات المغناطيسية التي يوجهها المنوم توجيهاً صناعياً فتنتظم ذرات جسمه. ويقال في هذا الباب إن المرء إذا أراد أن يكسب جسمه قوة مغناطيسية فعليه أن ينام ويجعل رأسه إلى الشمال ورجليه إلى الجنوب، والشمال كما نعلم هو القطب المغناطيسي للأرض. .

وليس في تعلم التنويم أي خطر، وإنما الأولى أن نسأل ما هي الثمرة التي نجنيها من تعلمه، وهل تستحق أن ينفق فيها المرء الجهد والزمن؟ ونقول إن للتنويم ثمرتين، الأولى في العلاج من الأمراض العصبية، والثانية في معرفة المستقبل. وقد ثبتت عدم جدوى التنويم في العلاج كما ذكرنا، ولم يثبت أن الوسطاء يعلمون الغيب. وقد نشط العلماء خلال الحرب الأخيرة يجربون تجارب حديثة تختص بفوائد التنويم، منها الاستغناء في العمليات الجراحية عن التخدير بالعقاقير، والاستفادة من التنويم المغناطيسي وما يحدثه من تأثير. ولا تزال هذه التجارب في البحث.

الخلاصة أن التنويم المغناطيسي علم وفن، له أعظم الصلة بعلم النفس بل هو فرع منه، وهو على التحقيق فصل من باب الإيحاء؛ فإذا العلم بالنفس يتعارض مع الدين، فالتنويم المغناطيسي يتعارض بطبيعة الحال. غير أنه لا وجه للتعارض بين علم النفس والدين، بل العلم بها مطلوب للوصول إلى اليقين، وفي ذلك قال تعالى (وفي الأرض آيات للموقنين، وفي أنفسكم أفلا تبصرون).

ويمكن أن ننقل القضية إلى ميدان أوسع فنقول: هل يتعارض العلم إطلاقاً مع الدين؟ وهذا بحث شغل أذهان الباحثين خلال القرن التاسع عشر، ثم خفت حدة الخلاف وتم الوفاق أخيراً بين العلم والدين. وهذه النزعة التي نشاهدها الآن في أوربا وأمريكا حيث يسود العلم تبين لنا اتجاه الناس نحو الدين بعد موجة الإلحاد والزندقة.

ومع ذلك يقول بعض العلماء إن التقدم في علم النفس، وبخاصة في أحد فروعه وهو التحليل النفساني، من الأسباب القوية التي تصرف الناس عن الإيمان، لأن هذا العلم يستند إلى المبدأ القائل بالحتمية النفسية أي اتصال سلوك الفرد بأسباب محتومة تستقر في نفسه منذ الصغر وبحكم البيئة. فإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي أن نحاسب السارق أو القاتل، لأن الأسباب الدافعة للمجرمين في اعتدائهم، لابد أن تمضي إلى نهايتها فتحدث نتائجها ولا يستطيع المجرم أن يتخلص منها. ولكن هذا بحث آخر لا يدخل فيما وجه إلينا من أسئلة فنكتفي بهذا القدر وفيه الكفاية.

(رأس البر)

أحمد فؤاد الأهواني