مجلة الرسالة/العدد 736/العلاقات الدبلوماسية الجديدة بين إندونيسيا وهولندا
→ الخلان والزمان | مجلة الرسالة - العدد 736 العلاقات الدبلوماسية الجديدة بين إندونيسيا وهولندا [[مؤلف:|]] |
من وراء المنظار ← |
بتاريخ: 11 - 08 - 1947 |
(بمناسبة عرض القضية على مجلس الأمن)
للأستاذ محمد جنيدي
في 17 أغسطس سنة 1945 - أعلن الإندونيسيون استقلالهم السياسي التام وقيام حكومة جمهورية ترعى كيان الوطن. وتحفظ حقوق الشعب. وانتخب الزعيم الإندونيسي الشهير الدكتور سوكارنو رئيساً للجمهورية. ثم ناشد الدول العظمى الاعتراف بها كدولة مستقلة ذات سيادة تامة.
إذن. . . لقد دخلت إندونيسيا في عهد جديد. فقد تحررت من الحكم الهولندي ومن الاحتلال الياباني.
وفي شهر سبتمبر سنة 1945 - تدفقت القوات الإنكليزية التي تمثل القوات المتحالفة إلى إندونيسيا لتجريد أسلحة القوات اليابانية وتسريح المعتقلين الأوربيين. وتولى قيادتها اللورد مونتباتن. وقد انحشرت القوات الهولندية في القوات الإنكليزية لتقوم باستعادة إندونيسيا وإرجاعها إلى حظيرة الاستعمار الهولندي. وقد دارت رحى الحرب بين القوات المتحدة والفرق الإندونيسية المجاهدة. واستمرت هذه الحرب دائرة حتى 17 نوفمبر سنة 1946 - ذهب خلالها ثلاثة ملايين إندونيسي.
وفي سبتمبر سنة 1946 - ظهرت القوات الهولندية في بعض المدن الإندونيسية، فعبثت بالسلام؛ ثم اصطدمت مع القوات الإندونيسية في معارك عنيفة لم تنته حتى الآن. وأن معارك (موجوكارنو) الأخيرة تدل على أن الحكومة الهولندية تريد خلق اضطراب في أداة الحكومة الإندونيسية في جميع ولاياتها ومناطقها وإساءة سمعتها في الدوائر السياسية العالمية.
ومضى الزمن مسرعاً طاوياً في أعماقه الصفحة الأخيرة من صفحات الاستعمار الغربي.
وهناك الرقباء ومندوبو الدول الشرقية والغربية يراقبون ثم يقررون دقة السياسة السلمية والحربية الإندونيسية، وانتشار الروح الديمقراطية بين الشعب وانتظام الحياة الاقتصادية في أنحاء الجمهورية. فتضطر الحكومة الهولندية إلى إشعار ممثلها الدكتور فان موك بإجراء محادثات سياسية مع زعماء الجمهورية للوصول إلى نتيجة مرضية لها. وفي 31 أكتوبر سنة 1945 اجتمع ممثلو الجمهورية الإندونيسية مع ممثلي الحكومة الهولندية بمدينة جاكرتا (بتافيا) وترأس مندوبي الحكومة الإندونيسية الدكتور أمير شريف الدين رئيس الوزارة الإندونيسية الحالي واشترك معه الدكتور محمد حسني نائب رئيس الجمهورية والدكتور أحمد سوبارجو وزير الخارجية الإندونيسية السابق والحاج أغوس سالم وزير الخارجية الإندونيسية الحالي كما ترأس مندوبي الحكومة الهولندية الدكتور فان موك. وحضر معه المستر فاندر فلاس، والمستر ايدنبورخ، وحضر الاجتماع أيضاً المستر مايرلاي ممثلاً للورد مونتباتن.
بحث في هذا الاجتماع الحالة السياسية الإندونيسية. ثم عرض الدكتور فان موك (الحكم الذاتي) لإندونيسيا فرفضه المفاوضون الإندونيسيون. وانفض عقد الاجتماع.
وفي 16 نوفمبر سنة 1945 - طلب ممثل الحكومة الهولندية من الحكومة الإندونيسية للدخول في مفاوضات أخرى لبحث المسائل السياسية المعلقة بين إندونيسيا وهولندا. واجتمع ممثلو الحكومتين الإندونيسية والهولندية. وكان رئيس ممثلي إندونيسيا الدكتور سودان شاهرير رئيس الوزارة الإندونيسية السابق، ورئيس ممثلي هولندا الدكتور فان موك. وفي هذا الاجتماع عرض الدكتور فان موك نظام (الدومنيون) لإندونيسيا فرفضه ممثلو الحكومة الإندونيسية.
ومضى الزمن مسرعاً طاوياً في أعماقه الصفحة الأخيرة من صفحات الاستعمار الغربي.
وفي يناير سنة 1946 - أثار الدكتور مانوليكي مندوب أوكرانيا المسألة الإندونيسية في مجلس الأمن الدولي شارحاً لمندوبي الدول المتحدة خالة الجمهورية الإندونيسية ومدى اشتداد القتال فيها بين القوات الهولندية والبريطانية متحدة، والقوات الإندونيسية، وطلب إرسال لجنة تحقيق دولية إلى إندونيسيا للوقوف على حالة الجمهورية الإندونيسية، والتحقيق عن أسباب القتال. فرفض ممثلو هولندا وبريطانيا طلبه، كيلا ينكشف عملهما الحربي. ثم أسدل الستار على المسألة الإندونيسية. وقد استفادت إندونيسية من عرض أوكرانيا لمسألتها فائدة كبرى إذ عرف العالم ماذا يجري فيها، وما هو موقفها، وسياستها السلمية، إزاء العدوان الاستعماري المتحد.
وفي فبراير سنة 1946 - بعثت الحكومة البريطانية سفيرها في موسكو السير ارشيبالد كلارك كير إلى إندونيسيا للاشتراك في المباحثات السياسية بين ممثلي هولندا وإندونيسيا.
وفي 10 فبراير سنة 1946 - عقد ممثلو الحكومتين اجتماعاً بدار السير ارشيبالد بجاكرتا. وفي هذا الاجتماع قدم الدكتور فان موك المشروع الذي وضعه مشتركاً مع المستر اتلي في لندن إلى ممثلي الحكومة الإندونيسية. ويحتوي على خمس عشرة مادة وهو مشروع يخول لإندونيسيا إنشاء (كومونويلث) على غرار الحكومة الأسترالية؛ فرفضه ممثلو الحكومة الإندونيسية قائلين لممثلي هولندا (إننا لن نقبل غير اعتراف حكومتكم باستقلال الجمهورية الإندونيسية التام) ثم انفض الاجتماع وأسفر عن رفض الحكومة الإندونيسية لمشروع الحكومة الهولندية.
ومضى الزمن مسرعاً طاوياً في أعماقه الصفحة الأخيرة من صفحات الاستعمار الغربي. . .
وفي 30 مارس 1946 - قدم الدكتور فان موك مقترحات أخرى لرئيس الحكومة الإندونيسية.
وفي أول إبريل سنة 1946 - رد الدكتور شاهرير على مقترحات فان موك بشأن العلاقة الجديدة بين هولندا وإندونيسيا ثم سافر وفد دبلوماسي إندونيسي إلى هولندا مكون من الدكتور سواندي رئيساً والدكتور سودارسونو والدكتور عبد الكريم فرينغديغديغو أعضاء لشرح غاية استقلال الجمهورية الإندونيسية للحكومة الهولندية. وقد كانت الحالة السياسية في هولندا مضطربة في ذلك الظرف، لسياسة الحكومة الهولندية المتطرفة إزاء الحكومة الإندونيسية، فالشعب الهولندي يريد السلم والاتفاق مع الشعب الإندونيسي ولكن المستعمرين الرأسماليين منهم أمثال المستر (وولتر) وزير المستعمرات الهولندية السابق يريدون التشدد في بقاء السيادة الهولندية على إندونيسيا. بعد أن أعلنت للعالم حريتها واستقلالها.
هذه مراحل المباحثات السياسية بين إندونيسيا وهولندا وقد ظهر منها أن الحكومة الهولندية قد عرضت على الحكومة الإندونيسية المستقلة أنواعاً من الحكومات بعد أن يئست من الوصول إلى استعادة سيادتها على إندونيسيا. . . وهذه الحكومات هي. . (1) الحكم الذاتي (2) الدومنيون (3) الكومونويلث وقد رفضتها إندونيسيا لأنها متمسكة باستقلالها التام.
ومضى الزمن مسرعاً طاوياً في أعماقه الصفحة الأخيرة من صفحات الاستعمار الغربي. . . وفي 17 نوفمبر 1946 اجتمع ممثلو الحكومة الإندونيسية والهولندية واشترك معهم ممثلي الحكومة البريطانية اللورد كايرن. وفي هذا الاجتماع اتفق الطرفان الإندونيسي والهولندي على عقد اتفاق سياسي بين حكومتيهما يوضح علاقة كل منهما بالأخرى. ثم وضعا مواد الاتفاق، وعرف هذا الاتفاق باسم (اتفاقية لنجرجاتي) وهي تحتوي على سبع عشرة مادة ونحن نقدمها للقارئ العربي ليعرف مدى السيادة الإندونيسية على إندونيسيا وعلاقة إندونيسيا بهولندا في المستقبل.
نص الاتفاق السياسي بين إندونيسيا وهولندا المتفق عليه في
17 نوفمبر 1946
المادة الأولى: تعترف الحكومة الهولندية بسلطة الحكومة الجمهورية الإندونيسية على جزيرة جاوا وسومطرا ومادورا وتضم المدن التي تحتلها القوات المتحدة والقوات الهولندية الداخلة في نطاق هذه الجزائر إلى الحكومة الجمهورية الإندونيسية قبل أول يناير 1949.
المادة الثانية: تتعاون الحكومتان الهولندية والإندونيسية على إنشاء دولة حرة ذات سيادة تامة تسمى (دولة إندونيسيا المتحدة)
المادة الثالثة: تتكون دولة إندونيسيا المتحدة من جميع أراضي جزر الهند الشرقية ما عدا الأراضي التي تقرر ذلك. فسننشئ لها علاقة خاصة مع الحكومة الإندونيسية وهولندا.
المادة الرابعة: تنشأ دولة إندونيسيا المتحدة على النظام الديمقراطي.
المادة الخامسة: القسم الأول. إن قانون دولة إندونيسيا المتحدة تقرره هيئة خاصة لتنظيمه. حسب القواعد الديمقراطية الصحيحة. وهذه الهيئة مكونة من ممثلي الحكومة الإندونيسية وأعضاء الولايات المنضمة في الدولة الإندونيسية المتحدة، وملاحظة ما يشير إليه القسم الثاني من هذه المادة.
القسم الثاني: إن إنشاء هذه الهيئة يكون باشتراك ممثلي الحكومة الجمهورية وممثلي الولايات. ويسمح أيضاً بالاشتراك في هذه الهيئة لطبقات الشعب التي لم يتم لها وكلاء يمثلونها في هذه الهيئة.
المادة السادسة: تتعاون الحكومتان الإندونيسية والهولندية على إنشاء رابطة بينهما وتحل وصية المملكة الهولندية السابقة المكونة من هولندا، سورينام، كاراكاو، الهند الهولندية وتجزأ إلى قسمين:
1 - هولندا، سورينام، كاراكاو.
2 - إندونيسيا المتحدة.
المادة السابعة: القسم الأول. لتوثيق العلاقة بين المملكة الهولندية ودولة إندونيسيا المتحدة يكون كلاً منهما مجلساً خاصاً.
القسم الثاني: إن الوسائل لإنشاء دولة إندونيسيا المتحدة تشترك في القيام بها الحكومة الجمهورية والحكومة الهولندية.
القسم الثالث: إن العلاقات بين دولة إندونيسيا المتحدة والحكومة الهولندية ستكون في الدفاع والتمثيل الخارجي. وإذا احتاجت الظروف ستكون أيضاً في الاقتصاد والثقافة والمالية.
المادة الثامنة: لتمثيل العلاقات بين هولندا ودولة إندونيسيا المتحدة يشكل مجلس فيه مظاهر التعاون بين الحكومتين.
المادة التاسعة: تنشأ هيئة عالية من ممثلي دولة إندونيسيا المتحدة وممثلي الحكومة الهولندية للعمل لتقدم الدولتين.
المادة العاشرة: أن تعاون الدولتين - الهولندية وإندونيسيا المتحدة - يشمل:
(أ) ضمان كل دولة القيام بواجبها إزاء الأخرى.
(ب) تنفيذ إجراءات الدولتين - الهولندية وإندونيسيا.
(ج) ترتيب كيفية تبسيط الإجراءات إذا كانت هيئة التعاون لم تتوفق إلى الموافقة في قرارها.
(د) تنظيم كيفية مساعدة الحكومة الهولندية لدولة إندونيسيا المتحدة.
(هـ) إن أصول معاهدة التحالف تعرض على هيئة الأمم المتحدة للتصديق عليها.
المادة الحادية عشرة: إن نظام التعاون يضعه مجلس مكون من مندوبي الحكومة الهولندية ودولة إندونيسيا المتحدة.
القسم الثاني: إن هذا النظام ينفذ مفعوله حينما يصدق عليه مجلس نواب الدولتين.
المادة الثانية عشرة: إن الحكومة الجمهورية الإندونيسية والحكومة الهولندية تبذلان جهودهما إنشاء دولة إندونيسيا المتحدة قبل أول يناير 1949.
المادة الثالثة عشرة: تسعى الحكومة الهولندية بضم دولة إندونيسيا المتحدة إلى منظمة الأمم المتحدة.
المادة الرابعة عشرة: تعترف الحكومة الجمهورية الإندونيسية بأملاك الأجانب الموجودة في نطاق دوائرها الجمهورية، ولإعادتها إليهم تشكل لجنة من الطرفين - الهولندي والجمهوري - للنظر فيها.
المادة الخامسة عشرة: لتغيير وضعية المملكة الهولندية تعدل الحكومة الهولندية تنظيماتها في الهند الهولندية مؤقتاً حتى يتم التصديق، وتقرر وضعية هولندا الجديدة.
المادة السادسة عشرة: بعد إبرام الاتفاق ينقص الطرفان قواتهما العسكرية، ويجتمعان لتعيين سبيل النقص ووقته. وكذا يبحثان مسألة التعاون العسكري بينهما.
المادة السابعة عشرة: القسم الأول: للتعاون المشترك بين الحكومة الهولندية والحكومة الجمهورية الإندونيسية، ينشأ مجلس مكون من ممثلي الحكومتين وهيئة سكرتارية.
القسم الثاني: إذا حدث خلاف بين الحكومة الهولندية والحكومة الجمهورية الإندونيسية تعرضانه على المحكمة العدلية العليا.
هذه خلاصة مشروع (اتفاقية لنجرجاتي) وقد حدثت مناقشات حادة في الدوائر السياسية الإندونيسية والهولندية حولها وحاول الهولنديون نقضها؛ لأنهم غلبوا في ميدان السياسة واستمروا في التشبث ببعض المواد والتفسيرات في هذه الاتفاقية التي ترتكز سيادتهم في إندونيسيا رغم أن الدولة المراد إنشاؤها (دولة إندونيسيا المتحدة) مؤقتة لنهاية 1948.
وفي مارس 1947، وقع مندوبو الحكومة الهولندية والإندونيسية على اتفاقية لنجرجاتي رسمياً. وقد وضحت موادها العلاقات السياسية والاقتصادية الجديدة بين إندونيسيا وهولندا؛ فالمادة الأولى منها تشير إلى أن الحكومة الهولندية تعترف بسلطة الحكومة الجمهورية الإندونيسية على جزيرة جاوا وسومطرا ومادورا. ومعنى هذه المادة أن الجمهورية الإندونيسية دولة حرة مستقلة استقلالاً تاماً. فبعثت مندوبيها السياسيين إلى ممالك الشرق والغرب لعقد العلاقات السياسية والاقتصادية، رغبة منها في تركيز أساس السلام العالمي، وإنعاش الحياة الاقتصادية المالية، واشتركت الحكومة الإندونيسية في المؤتمرات الدولية لبحث الوسائل المنتجة لتثبيت دعائم السلام في المعمورة.
وفي يونيو 1947عقدت الجمهورية الإندونيسية مع الحكومة المصرية معاهدة إخاء وتجارة مؤقتة. وتدل هذه المعاهدة على حرية الجمهورية الإندونيسية التامة. وسوف تظهر الأيام وقرارات مجلس الأمن مقدرة الجمهورية الإندونيسية في الاحتفاظ باستقلالها، ومركزها الدولي الجديد.
محمد جنيدي