مجلة الرسالة/العدد 734/الأشغال الشاقة المؤبدة
→ هوى المرأة | مجلة الرسالة - العدد 734 الأشغال الشاقة المؤبدة [[مؤلف:|]] |
تعقيبات ← |
بتاريخ: 28 - 07 - 1947 |
للأديب فؤاد السيد خليل
قالت: ما هي مدة الأشغال الشاقة المؤبدة؟ قال: خمس وعشرون سنة، ينقص ربعها الذين يحافظون على النظام والطاعة في السجن، فهل تريدين ارتكاب جناية؟ فابتسمت وقالت: لقد تزوجت! وعلى الرغم من محافظتي على النظام والطاعة، وتبرعي بما هو أكثر من النظام والطاعة، لم تنته مدة عقوبتي بعد نيف وعشرين سنة ولا أظنها تنتهي أبداً! قال: إنما كنت اعرضها للسعادة! قالت: هذه أمنية! قال: على كل حال كانت محاولة لم تنجح وشكرا لك. وما هي الأشغال الشاقة التي تفعلينها؟ ألا يقوم الخدم بأعمال المنزل؟ قالت: أيقومون بها دون مساعدتي بل اشتراكي الفعلي؟ ومع ذلك فهذه أمور يسيرة! قال: أعندك بعد هذا ما يسمى أشغالاً شاقة؟! قالت: نعم! الفكر والصبر، والقهر! قال: لا تبالغي! قالت: إنك لا تنكراننا لا نبلغك (كوارثنا) إلا بالتدريج، وبعد أن ننتهي من علاجها أن استطعنا وإنك قد تأتي من الخارج أو تصحو من نومك فلا تعلم كيف قضينا النهار أو الليل في قضايا وإسعاف وتمريض! قال: ولا تنكري أنني لا أبلغكم مصائبي أبداً، وأنني أعمل كالرجل الذي كان إذا أراد أن يدخل منزله ركع وقال للتعب والهم اركبا الآن يا ابني الزمان! قالت: ولكننا نقرا كل شيء في وجهك ونخبرك به! فهل استطعت أنت مرة أن تقرا ما نخفي عنك؟ قال: أشهد أنني أمي في قراءة الوجوه الناعمة! فخبريني بما عندك، وبالتدريج من فضلك. قالت: ابنك الكبير لم يكتب إلينا منذ بضعة شهور. قال: لأننا نكتب إليه، ونسأل عنه، ونحبوه عطفنا قبل أن يحتاج إليه، فهل تحبين أن نضطره إلى الكتابة؟ قالت: وهذا الطفل لا (يتعاطى) إلا الماء والشاي والبطيخ! قال: أخشى أن يأتي يوم تشتكين فيه من أنه (يتعاطى) كل شئ! قالت: لا تمزح، فإني لم أبلغك إلا أخف الأخبار! قال: فما الأخبار الثقيلة؟ قالت: هذه البنت تلزمها عملية جراحية وقد تموت فيها. قال الأعمار بيد الله، والحكومة (الله يسترها) تنقل الموتى من الموظفين وعائلاتهم إلى بلادهم على نفقتها، أما الإحياء فإنها تتركهم إلى أن يموتوا! قالت: فما كنت تريد؟ قال: كنت أفضل أن تنقل الإحياء كل عشر سنوات (بدل وفاة) ولا تتركهم يموتون من الحر والقهر! قالت: وإذا ماتوا؟ قال: تدفنهم حيث يموتون فليسوا خيرا من رسول الله ﷺ! قالت: تخرج عن الموضوع، فقد تشفى البنت و. . . قال: وهذه مصيبة أخرى! قالت: ألا تنظر ابعد من أنفك؟! ألا تعلم ما يلزم لكل فتاة؟ إنه هم ثقيل. قال: لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. قالت: فإني لم أبلغك بعد اثقل الأخبار! قال: هاتي اثقل ما عندك! فابتسمت بحرارة وهي تقول: ابنك الثاني رسب في الامتحان كما تعلم و. . . قال: نعم، وسينجح في الملحق. قالت: كلا! إنه يأبى أن يذاكر ولا يريد أن يدخل المدارس! قال: لا شك أنه جن! قالت: لم يجن بعد، ولكنه في دور المراهقة وأنت تعلم خطورة هذا الدور عليكم معاشر الذكور. قال: إنني لا اعلم هذا الدور علي التحقيق يا عزيزتي، لأنني ولدت بعده! قالت: لا يغنك أن عصمك الزواج المبكر، فإن بعض الشيوخ يموتون وهم لا يزالون في دور المراهقة! قال: أتعنين أنه (كالحصبة) لا بد أن يمر به كل إنسان؟ قالت: نعم، وهو على الكبار اخطر! قال: فما العلاج؟ قالت: للصغار الرياضة وللكبار الزواج. قال: فهل تنصحين لي إذن بالزواج؟ فابتسمت وقالت: نعم! إذا مت أنا ووجدت من ترضى بك! قال: أرجو إذن أن تموتي الآن أو لا تموتي أبدا! قالت: اسأل الله أن أموت قبلك! قال: بل اسأليه أن يعيش أحدنا حتى يربي الأطفال قالت: وبم أربيهم أنا إذا بقيت لا قدر الله؟ قال: بالمعاش! قالت: وكم يكون هذا المعاش، ومن يستطيع الحصول عليه؟ ألم تقرأ أن والدة كاتب النيابة الذي قتله (الخط) في العام الماضي لا زالت تسعى للحصول على معاش ابنها بدون جدوى قال أعجزت النساء أن يلدن من يستطيع حل هذه المشكلة؟ قالت: إن النساء لم تعجز، ولكن الرجل عجزوا! قال: كان خيراً لنا والله أن ندفع ما ندفعه في المعاش لإحدى شركات التامين على الحياة! قالت: ولم لا تنشأ شركة للتأمين على المعاش؟ قال: كيف ذلك؟ قلت: تؤلف شركة يرأسها (خواجه) أو على الأقل (باشا) تحصل للمستحقين على معاشهم في مقابل نسبة مئوية من المعاش. وأؤكد أنها ستحصل على أي معاش قبل مضي شهر على تاريخ الوفاة. قال: توجد الآن طريقة أخرى، فقد سمعت أن أحد المحالين على المعاش أمكنه الحصول بسرعة على معاشه بواسطة صديق له من صغار الموظفين أهدى إليه (صفيحة ملوحة)! قالت: إنها تشنيعا من تشنيعاتك! قال: من يدري، فلعل ما خفي اعظم قالت: وما السبب؟ قال: كثرة اللوائح والتعليمات وقلة المرتبات. قالت: فما العلاج؟ قال: أما عن المستقبل، فالعلاج عدم التوظيف وعدم الزواج! وقالت: عن الماضي؟ قال: إني أرى أن كثرة اللوائح والتعليمات والتعقيدات لا لزوم لها، فإن أية مصلحة حكومية في أي بلد يمكنها صرف المكافأة أو المعاش في بضعة أيام، كما تفعل شركات التامين، بغير أن تلزم الموظف أو أسرته بالجري سنين في وزارة المالية! قالت: وكثرة الموظفين وقلة المرتبات؟ قال: على الحكومة إبقاء الموظفين اللازمين وزيادة مرتباتهم وفصل الباقين! قالت: وماذا يصنع الباقون؟ قال: صحيح. . . إلى السودان! قالت: إنهم لا يستطيعون! قال: فإلى إنجلترا إذن! قالت: فإن لم يستطيعوا يهاجروا إلى روسيا! قال: هذا إذا لم تهاجر روسيا إليهم!
فؤاد السيد خليل
خواطر مسجوعة
المرأة
هي الناعمة الجبارة، واللينة القهارة، ذات الأدوار الغريبة والأطوار العجيبة. . .
أردت وصفها فأبدت زيفا، وتنكرت كما وكيفا؛ والمرأة أن تنكرت عكرت. وإن تغيرت حيرت. وإن ألغزت أعجزت.
فمعذرة يا قارئي إن بحثت عن حقيقتها فلم أجد، ورسمت صورتها فلم أجد، فليست لها صورة واحدة بل صور متعددة. وكلما زادت معرفتي لها ازداد الأشكال تعقدا، وزادت الأشكال تعددا؛ وأي قيس لم تخامره في ليلاه الحيرة، وأي رجل لم تساوره على أنثاه الغيرة؟! وإذا كان ذلك شأن من أبلى وتعلم، فما بال من لم. .؟!.
رأيت المرأة كالضلع على اعوجاجها حانية، وعل صنوها صلبة قاسية!
رأيتها - إن أخلصت - رحمة، وفضلا من الله ونعمة، ورأيتها - إن تنكرت - ليلا مظلما، ولغزا مبهما!
ترضى فتظهر الجميل، وتقنع بالقليل وتستر العيب، وتؤمن بالغيب، وتشفي العلة، وتروى الغلة، وتنير الظلام، وتنيل المرام.
وتغضب فتكدر الصفاء، وتجلب الشقاء، وتقبح الحسن، وتضمر الفتن؛ وتعمد إلى التدمير والتخسير فتبدد الكثير واليسير.
وللمرأة مقدرة في حروبها، وقوة لا يستهان بها؛ تحسبها عزلاء وكلها أسلحة وكلما حاربت كانت هي المفلحة وهل ترى سلاحا أقطع من دموعها الكذابة، وكلمتها الخلابة؟!.
تحسن المظاهر والله اعلم بالسرائر فتبكي إذا شاءت وتضحك كلما أرادت!
تذهب إلى المناحة كمحزونة ثكلى، وتعود إلى الزفاف كعروس تجلى! وقد تراها في المرقص راقصة لاعبة، وفي المعبد عابدة راهبة!.
تتقن المائد، وتتفنن في لامكائد؛ ومن عجب أنها على قسوتها مرحومة، وعلى جنايتها مظلومة، وعلى رقتها مرهوبة، وعلى إساءتها محبوبة!.
تبذل الجهود لأجلها ويستهان بالصعاب في سبيلها. ساكنة وهي المحركة، آمنة وهي اصل المعركة. فهي في خدرها ذات قيادة وصاحبة سيطرة وسيادة توقظ الهامة وتحبي العزيمة، وتفتق الذهن، وترفع شأن الفن؛ وهل ننسى ما لها من الأثر الهام، في الوحي والإلهام؟ وأهم من ذلك وأعم، إن كل عبقري ولدته أم؛ فللوالدة فضل المولود، بل عليها قوام الوجود. . . .
حامد بدر