الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 733/رحلة إلى الهند

مجلة الرسالة/العدد 733/رحلة إلى الهند

بتاريخ: 21 - 07 - 1947

4 - رحلة إلى الهند

المسلمون والمؤتمر الأسيوي

للدكتور عبد الوهاب عزام عميد بكلية الآداب

في الهند اليوم حزبان يسيطران على شؤونها: حزب الرابطة الإسلامية وحزب المؤتمر والأول يمثل مسلي الهند إلا قليلا. والثاني يمثل الهنداك وقليلا من المسلمين وكان الحزبان على وفاق، كل يسير في طريقه غير محاذ للآخر. وكان زعماء الرابطة، ومنهم السيد جناح، عاملين في حزب المؤتمر.

وقد حدثت شؤون انتهت إلى القطيعة بين الحزبين سنة 1937 وأبانت على اختلافهما كل الاختلاف على الهند بعد استقلالها. أتقوم فيها دولة واحدة أم دولتان إحداهما إسلامية في أقاليم تسمي، باكستان، والأخرى هندوكية في أقاليم أخرى تسمي هندوستان.

ولست في مجال الإبانة عن هذا الخلاف، فقد تكلمت فيه من قبل، ونشرت في الصحف ما يغني من إعادة القول، وحسبي أن أقول هنا: أن المؤتمر الأسيوي دعي إليه معهد يسمي (المعهد الهندي لشؤون العالم) وهو ذو صلة وثيقة بحزب المؤتمر. وكان لهذا الحزب الإشراف على المؤتمر الأسيوي والسيطرة عليه، فرأت الرابطة الإسلامية أن تقاطعه.

وكانت وفود الدول الإسلامية في حرج من هذه المقاطعة، وكثيرا ما سألوا: ألم تعلموا أن المسلين قاطعوا هذا المؤتمر؟ إلا تعطفون على مسلمي الهند الخ.

وقد اختلفت الإجابة عن هذه الأسئلة، واتفق المسؤولون على أن يهتمون كل الاهتمام، ويعطفون كل العطف على مسلمي الهند.

وقد انتهي الجدال إلى الإجماع على أن قدوم الوفود الإسلامية إلى الهند في ذلك الحين، وشهودها هذا المؤتمر ينفع مسلمي الهند ولا يضرهم، إذا يبصر البلاد الإسلامية بأحوال الهند، ويعرفهم بحقيقة الأمر فيما شجر من خلاف بين المسلمين والهنادك.

ونشر بعض الوفود الإسلامية كلمة أعربوا فيها عن رأي الوفود الإسلامية كلها، هي أن اشتراكهم في المؤتمر لا يدل عل ي تأييدهم حزبًا من أحزاب الهند، وان هذا المؤتمر كما دعوا إليه وشهدوه ليس سياسيا.

وكان من الداعين إلى المؤتمر والمناصرين له جمعية علماء الهند، وقد حرصت طائفة م على الاتصال بالوفود الإسلامية والتحدث إليهم في الخلاف بين الرابطة والمؤتمر، ثم دعوا وفود البلاد الإسلامية إلى حفلة في فندق كبير حضرها مولانا أبو الكلام أزاد وزير المعارف في الحكومة الموقوتة، وشهدها كذلك جواهر لال نهرو رئيس هذه الحكومة، ووزعت على الحاضرين صحيفة كبيرة بالأردية فيها ترحيب بالوفود وبيان لمكانة جمعية العلماء في الهند وتاريخها في الجهاد للاستقلال، والرسالة صغيرة بالعربية في هذا المعنى.

وبعض المعاهد الإسلامية كالجامعة الملية الإسلامية في دهلي ضالعة مع المؤتمر أيضاً؛ ولكن الجمهرة العظمي من المسلمين يؤازرون الرابطة الإسلامية.

وقد حرص القائمون على المؤتمر الأسيوي، لهذا الخلاف بينهم وبين الرابطة، على أن تشترك الحكومات الإسلامية فيه، وأرسلوا دعاتهم على بعض الأقطار ليعملوا على استجابة المسلمين دعوتهم، ولاسيما البلاد العربية.

وقد حرصنا على لقاء زعماء الرابطة لنزيل استيائهم من حضورنا المؤتمر، ولنعرف حقيقة الخلاف بينهم وبين حزب المؤتمر.

وقد زرت رئيس الرابطة في داره أنا والسيد تقي الدين الصلح مندوب الجامعة العربية والساعة إحدى عشرة ونصف من صباح يوم. فتكلمنا عن اشتراكنا في المؤتمر فسئلنا هل قرأت جريدة الفجر - وهي لسان الرابطة باللغة الإنكليزية - ثم تناول عدد منها قرأ فيه شيئاً عن اشتراك الوفود الإسلامية في المؤتمر وتقدير مسلمي الهند نواياهم، واعترافهم بأن شهود المؤتمر عسى أن يكون خيرا: وقال أن هذا ينهي الكلام في هذا الموضوع.

وقد تحدثت عن مؤتمر إسلامي يجتمع في الهند أو حيث يشاء المسلمون ويتناول البحث فيها شؤون إسلامية كثيرة فيها ولاسيما شؤون مسلمي الهند، وانتهى حديثنا والساعة واحدة وربع على أن نلتقي يوم السبت الآتي.

ولما التقينا في الموعد حدثناه عن عبد الغفار خان زعيم ولاية الحدود، والذي يتقيل غاندي ويصاحبه كثيراً حتى سمي غاندي الحدود. وكان عبد الغفار قد حدثني مرة والمؤتمر على مائدة حضرها نهرو وبعض أعضاء المؤتمر ومرة أخرى حيث يقيم مع غاندي فشكا من الرابطة وقال إنه كتب إليهم طالبا أشياء يسيرة تكفل له إذا قامت دولة باكستان فلم يظفر منهم بجواب. وقال أن الإنكليز اضطهدونا فاستنجدنا الرابطة فلم تبال بنا، وتطوع حزب المؤتمر لنصرتنا والدفاع عنا فكان ميل الناس من ولايته إلى حزب المؤتمر طبعياً. فنقلت هذه الشكوى إلى السيد جناح أملا أن اقرب بينهما. فقالت السيد جناح إنه لم يتلقى رسالة ما من عبد الغفار خان وان الحوادث التي يشير إليها الخان كانت سنة 1929 ولم يكن للرابطة إذ ذاك قدرة على النجدة ولم تكن بلغت من الشان والنظام ما بلغت. ثم قال ومع هذا كافحت كثيراً من أجلهم حتى نالوا ما نالوه من النظام الذي يتمتع به الإقليم اليوم. وقال فليدخل عبد الغفار خان في الرابطة ثم يطلب ما يشاء. ولست مسيطرا على الرابطة ولكني واحد منها فلا أستطيع أن امنح أو أعد بما لم تأذن به.

وحدثته في تقسيم الهند وفي انحياز إقليم في باكستان إلى دولة هندوستان أو العكس، وفي دعوة المؤتمر والربطة في ولاية الحدود الشمالية الغربية. فقال إنه لا يملك أن يمنع الناس من الانحياز إلى جانب الذين يرغبون في الانحياز إليه، وإنه يعترف لأهل هذه الولاية بحقهم في الانحياز إلى هندوستان أن أرادوا. ولكن الرأي في هذا الأمر ليس لعبد الغفار خان وأمثاله ولكن لجمهور الناس. هم الذين يفصلون في انضمامهم إلى أحد الجانبين.

وتكلمنا عن مصر والسودان، فقال لا ترجعوا عن مطالبكم في السودان قيد شعرة. وانتقل الحديث إلى فلسطين فوكد حق العرب فيها وأوصى بأن لا تكون موضع مساومة.

وعدنا إلى الحديث عن مؤتمر إسلامي فاستحسن الرأي وقال سننظر أيكون في كراتشي أو دهلي أو مكان آخر.

ورجع إلى حديث عبد الغفار خان فوكد ما قاله من قبل غاضباً متحدياً. وفي ختام الحديث قال أيبلغ رئيس الوزراء النقراشي باشا أني لا أزال اذكر حديثه الودي وحفاوته بي ومبالغته في إكرامي حينما مررت بالقاهرة؟

ثم سأل كاتبه هل أعد رسالة عزام باشا، فعرض عليه الصحيفة مرقومة فأخذ عليه بعض الغلط وردها إليه فأصلحها. وقد حمل هذه الرسالة السيد تقي الدين الصلح مندوب الجامعة العربية في المؤتمر.

وقد تحدث عن باكستان في المرتين حديث المجاهد الموفي على غايته، الواثق بظفره. وكان في حجرته لوح صغير عليه خريطة باكستان الغربية والشرقية من الذهب أو مذهبة.

وهو رجل طويل نحيف معروق يجلل رأسه شعر اشمط يوحي إلى محدثه العزم والمضاء بكلماته وإشاراته.

وقد جزى الله جهاده وإخلاصه هو وأنصاره أن ظفروا بما أرادوا وبلغوا ما رجوا والله ولي توفيقهم.

(للكلام صلة)

عبد الوهاب عزام