مجلة الرسالة/العدد 731/الأدب والفن في أسبوع
→ تعقيبات | مجلة الرسالة - العدد 731 الأدب والفن في أسبوع [[مؤلف:|]] |
البريد الأدبي ← |
بتاريخ: 07 - 07 - 1947 |
بين أدبائنا الكبار:
كتب الأستاذ محمود تيمور بك مقالا في (الهلال) عن (طه حسين) في باب (صور وصفية لشخصيات لامعة) قصد فيه إلى تصوير حياة الدكتور طه حسين بك منذ طفولته. والواقع أن الدكتور طه لم يغادر في حياته الأولى (من متردم) بصنيعه في كتاب (الأيام) وقد جنى هذا الصنيع على الشطر الأول من مقال الأستاذ تيمور، فهو يبدو لقارئ الأيام وصفاً موجزاً مجملا لتلك الحياة التي فصلها صاحبها وحللها صادقاً مجيداً.
ولكن الأستاذ تيمور أجاد حقاً في تصوير شخصية (طه حسين) من حيث أنه (مزاج قوي بين حضارتين متغايرتين: حضارة الشرق وحضارة الغرب، وعصارة طيبة من معهدين مختلفين: الأزهر، وجامعة باريس) كما قال الأستاذ في مقاله، وكما قال أيضاً: (وإذا كان طه حسين قد جمع في شخصه بين الشيخ والدكتور، فقصارى ما فعل أنه لاءم بين نشاطين من ضروب النشاط الذهني للإنسان، وكان بهذه الملاءمة نموذجاً مثالياً للأديب الشرقي المعاصر.
(وحسبنا، لكي تتجلى مزية هذه الملاءمة، أن نتمثل طه أزهرياً استأثرت به أزهريته، أو جامعياً لم يفز من الثقافة العربية في غمارها الملتطم بنصيب.
(فإن الأزهري أو الجامعي قد يكون له أثره وخطره، ولكنه لن يكون تلك الشخصية المثالية المكتملة التي نسميها طه حسين).
وختم الأستاذ تيمور مقاله بالإشادة بأسلوب الدكتور طه حسين الذي عده مظهراً رائعاً من مظاهر ازدهار البيان العربي في الوقت الحاضر.
وأخلص من هذا كله إلى كلمة صريحة: هي أن الأستاذ محمود تيمور، وهو بصدد التصوير الوصفي لشخصية طه حسين وأدبه، قد أعطى له كتابه بيمينه. . . وأهمل شماله إهمالا تاماً، فهل يعتقد فيه وفي أدبه الكمال المطلق الخالص، أو هو يجامله، وهل تتفق هذه المجاملة مع رسالة الفن والأدب التي نعتقد أن الأستاذ تيمور من أخلص الناس لها؟
ولعله ذهب في ذلك مذهب الدكتور طه الذي جرى عليه أخيراً في الكتابة عن بعض المعاصرين، ذلك المذهب الذي يكاد يخرج عن نطاق النقد ذي الكفين. . .
وإذا كان كبار أدبائنا من طبقة الكهول قد رضوا لأنفسهم (ولا أقول للأدب) هذه المجاملات، فما أظن أن هذا مما ينبغي أن يتأثرهم فيه الجيل الجديد.
أقدم مسرحية:
أثبتنا في عدد مضى من الرسالة ما قال به الأستاذ سليم حسن بك من أن المصريين الأولين هم أول من كتب الدرامية التمثيلية والقصة الخرافية، لا اليونان كما هو شائع.
ولابد أن يكون للدرامة التمثيلية مسرح تمثل عليه. ويدلنا على هذا المسرح مقال بجريدة (المصري) عنوانه (مصر أول من أقام المسرح في العالم) قال كاتبه: (كان الشائع أن الإغريق هم الذين أوجدوه (يعني المسرح) ولكن الحقيقة المكتوبة على ورق البردي وعلى جدران المعابد المصرية القديمة أنارت السبيل للمؤرخين وأثبتت أن المصريين لا الإغريق هم أول من أقام المسرح في العالم).
وذلك أنه كان في التاريخ المصري القديم أشياء لم يفهم لها المؤرخون تعليلا مقبولا، مثل الساحات الواسعة أمام المقابر والأهرام وبعض المعابد. فلما أصبح من المستطاع قراءة اللغة الهيروغليفية أسفر البحث عن أن تلك الساحات كانت مسارح.
وقد وقف الباحثون على بعض المسرحيات التي كانت تمثل بتلك المسارح، منها (مسرحية الأهرام) وتعد أقدم مسرحية في العالم، لأن بعض نصوصها يرجع إلى سنة 4000 قبل الميلاد، وموضوعها جزء من العقائد المصرية القديمة يدور حول صعود روح المتوفي وبعث الجسد الميت. والأدوار الرئيسية فيها هي (أوزوريس) وهو رمز للجسد الميت ويؤديه أحد الكهنة و (حورس) ويمثله رئيس الكهنة أو فرعون نفسه؛ وتظهر فكرة المسرحية عندما يقف الكاهن أمام جسد الميت مخاطباً روحه قائلاً: (أيها الملك أونيس، إنك لن ترحل ميتاً بل حياً) وذلك عندما يكون التمثيل في الجزء الخاص بصعود الروح. أما في الجزء الخاص بالبعث فيقول الكاهن للجسد الميت (انزع لفائفك وانفض عنك الرمال، ثم ألق عنك الحجارة، هيا. . . قياماً أيها الجسد المسجى).
وقد أثبت البحث أن المصريين القدماء استخدموا الأقنعة و (الماكياج) في تمثيل الشخصيات المختلفة أو في أدوار الحيوان.
تمثيلية عربية: ومن المعروف أن العرب لم يكن لهم شغل بالتمثيل، ولم يلقوا إليه بالا، ولكني وقفت على خبر غريب أتي به صاحب (العقد الفريد) في (أخبار الممرورين والمجانين) بالجزء الرابع.
ذلك الخبر هو ما أعني بالتمثيلية العربية، وذلك أنه كان في زمن المهدي رجل صوفي، وكان عاقلا عاملا، وكان يتلمس السبيل إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فكان يركب قصبة في كل جمعة يومين: الاثنين والخميس، فإذا ركب في هذين اليومين فليس لمعلم على صبيانه حكم ولا طاعة، فيخرج ويخرج معه الرجال والنساء والصبيان، فيصعد تلا يتخذه مسرحاً. ثم يبدأ فينادي بأعلى صوته: هاتوا أبا بكر الصديق. فيتقدم إليه غلام ويجلس بين يديه، فيقول: جزاك الله خيراً أبا بكر عن الرعية، فقد عدلت وقمت بالقسط، وخلفت محمداً عليه الصلاة والسلام أحسن الخلافة، اذهبوا به إلى أعلى عليين. ثم ينادي: هاتوا عمر. فيجلس بين يديه غلام فيقول: جزاك الله خيراً أبا حفص عن الإسلام، قد فتحت الفتوح، ووسعت الفئ، وسلكت سبيل الصالحين، وعدلت في الرعية، اذهبوا به إلى أعلى عليين بحذاء أبي بكر. ثم يأتي عثمان، فيقول له: خلطت في تلك السنين، ولكن الله تعالى فيقول: (خلطوا في تلك السنين، ولكن الله تعالى يقول: (خلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً عسى الله أن يتوب عليهم) اذهبوا به إلى صاحبيه في أعلى عليين. ثم يتقدم علي بن أبي طالب، فيقول له: جزاك الله عن الأمة خيراً أبا الحسن، فأنت ولي النبي، بسطت العدل، وزهدت في الدنيا، واعتزلت الفئ، فلم تخمش فيه بناب ولا ظفر، وأنت أبو الذرية المباركة وزوج الزكية الطاهرة، اذهبوا به إلى أعلى عليين الفردوس.
ومما يقول لمعاوية: أنت الذي جعل الخلافة ملكا، واستأثر بالفئ، وحكم بالهوى، واستبطر بالنعمة، وقام بالبغي، اذهبوا به فأوقفوه مع الظلمة ويقول ليزيد: أنت الذي قتلت أهل الحرة وأبحت المدينة ثلاثة أيام، وانتهكت حرم رسول الله، وآويت الملحدين، وتمثلت بشعر الجاهلية:
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخرزج من وقع الأسل
وقتلت حسيناً، وحملت بنات رسول الله سبايا على حقائب الإبل، اذهبوا إلى الدرك الأسفل من النار. وهكذا يتتابع أمامه الخلفاء حتى يأتي دور عمر بن عبد العزيز، فيقول له: جزاك الله خيراً عن الإسلام، فقد أحييت العدل بعد موته، وألفت القلوب القاسية، وقام بك عمود الدين على ساق بعد شقاق ونفاق اذهبوا به فألحقوه بالصديقين.
ولما بلغ دولة بني العباس سكت، فقيل له: هذا أبو العباس أمير المؤمنين. قال: فبلغ أمرنا إلى بني هاشم، ارفعوا حساب هؤلاء جملة، واقذفوا بهم في النار جميعاً.
وإذا كان لابد لهذه التمثيلية من اسم كسائر التمثيليات، فليكن اسمها (مسرحية الخلفاء) أما مؤلفها ومخرجها وممثلها فلم يسمه الرواة، واكتفوا بأنه رجل صوفي عامل عاقل وإن كان ذكره ورد في أخبار المجانين!
التعاون الإذاعي العربي:
كانت بعض الصحف اللبنانية قد رددت فكرة التعاون الإذاعي العربية بإيجاد برامج عربية مشتركة، كأن تخصص جميع محطات الإذاعة العربية يوماً في الأسبوع مثلا لتنقل إلى مستمعيها برنامج محطة عربية واحدة.
وقد قيل إن مديري الإذاعات العربية ينتظرون سنوح الفرصة لهم لعقد مؤتمر إذاعي كبير يدرسون فيه المسائل الإذاعية، من حيث البرامج المشتركة وتقريب الفنون والثقافات العربية بعضها إلى بعض بوساطة المذياع.
ولما كان من أهداف الجامعة العربية الثقافية تنوير الجمهور العربي ورفع مستواه الثقافي بالوسائل العامة كالصحف والسينما والإذاعة. فقد فكرت الإدارة الثقافية بالجامعة في الإذاعة العربية العامة، فوجدت أنه وإن لم يكن ميسراً لها في وقت الحاضر إنشاء محطة عربية كبرى تضم هيئات أدبية وفنية من كافة الدول الأعضاء بالجامعة، إلا أنه يمكن تنظيم إذاعتين شهريتين: إحداهما للثقافة والأخرى للتسلية؟ تذيعهما كل من المحطات العربية مرة كل شهر.
وعرضت الفكرة على ممثلي الدول العربية فصادفت ارتياحاً وموافقة منهم جميعاً، وفوتحت فيها محطة الإذاعة المصرية فرحبت بها، ولكنها اشترطت أن تقوم الأمانة العامة للجامعة بالنفقات اللازمة للتسجيل وغيره. ولم تجتز الفكرة هذه المرحلة، ونرجو أن تسرع إلى الظهور، فلا أقل منها في تحقيق التعاون الإذاعي العربي.
معهد عربي بأمريكا: من أنباء نيويورك أن إدارة (معهد آسيا) بها قررت إنشاء فرع يسمى (معهد الدراسات العربية) إلى جانب فروع المعهد الحالية وهي (المعهد الإيراني) و (المعهد الصيني) و (المعهد الهندي).
وقد اختير الأستاذ إسماعيل راغب الخالدي مساعداً لمدير المعهد الجديد، وسيقوم في هذه الأيام برحلة إلى الأقطار العربية، لعرض هذا المشروع على حكوماتها، وليجتمع بالأدباء العرب البارزين ممن يهمهم تحقيق هذه الأمنية. وسيعني (معهد الدراسات العربية) بدرس حاضر العالم العربي من جميع نواحيه العلمية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وسيعمل فيه نخبة من الأدباء والمختصين العرب والأمريكيين.
وهذا المعهد الجديد، المأمول له التمام والنجاح، سيكون صفحة جديدة تضاف إلى صفحات الجهود المجيدة التي يقوم بها مهاجرو العرب لإعلاء شأن الأدب والثقافة العربية ونشرهما في العالم الغربي، تلك الجهود التي توازن ما يقوم به الغربيون من نشر ثقافاتهم ببلاد الشرق، وهي جهود توسع آفاق الدراسات العربية وتكسبها صفة العالمية أو تزيد فيها.
بالعربي:
يعجبني من القائمين بأمر الإذاعة إفساح صدورهم للنقد، وإعلانهم الترحيب به والانتفاع بالمحق الممكن منه. وقد عددت من هذا القبيل ما أفضى به مدير الإذاعة الجديد إلى بعض الصحف من أن اللغة العربية في مقدمة ما تعني به إدارة الإذاعة من وجه الإصلاح؛ وهذا على أثر ما كتبناه عن الإذاعات العامية وعن عدم الاهتمامبلغة الأحاديث وصحة النطق.
سرني ذلك الذي أفضى به الأستاذ محمد قاسم بك وبعث في نفسي الأمل، ولكن في ليلة من الليالي الفائتة سمعت محدثاً في المذياع عن (الكتلة الإسترلينية) فأصغيت لعلي أفهم شيئاً في هذا الموضوع الذي لا أراني أجهل شيئاً أكثر منه. . . سمعت المتحدث يقول: إذا أريد أحد أن يرسل نقوداً إلى قريب له في بلد من غير بلاد الكتلة الإسترلينية، فإنه يسأل، فيما يسأل عن قرابته ويطلب منه أن يحدد مداها. ثم يقول: (يعني بالعربي أريبه أوى ولا أرابه كده من بعيد. . .).
يا سبحان الله! كأن أخانا كان يتكلم بلغة أعجمية، فلما أحس أنها غير مبنية أراد أن يعبر بكلام عربي مبين، فأتي بما بين القوسين!!!!
مأدبة وأدب
دعا الدكتور زكي المحاسني وقرينته الأديبة السورية المعروفة السيدة وداد سكاكيني، طائفة من رجال الأدب والصحافة، إلى مأدبة شاي، في دار الاتحاد العربي.
وقد قصد الداعيان أن يهيئا فرصة اجتماع أدبي ودي بين أصدقائهما من أدباء سوريا وأدباء مصر، قبيل انتهاء إقامتهما في مصر التي ختمت بنيل الأستاذ المحاسني دكتوراه الآداب من جامعة فؤاد الأول.
وما فرغ الجميع من المأدبة حتى ائتلف منهم مجلس أدبي تناقلوا فيه الطرف وتناشدوا الشعر، ومما كان أن السيد نزار القباني أنشد قصيدة من شعره كان يقف في بعض أبياتها على كلمات بالسكون، فلم تعجب هذه الطريقة الأستاذ خليل بك ثابت، وسأل الشاعر: لم لا تضبط الكلمات بحركاتها وتقف عند آخر الشطرات والأبيات؟ وقال إنه يلاحظ شيوع هذه الطريقة في الإنشاد بين كثير من شعراء الشباب، وقد دارت المناقشة في هذه المسألة بين محبذ للتسكين ومنكر له، وأهم ما استند إليه مؤيدو التسكين أنه وقوف عند الكلمات التي يعمق إحساس الشاعر بمدلولها، وكان من رأى المنكرين أن التسكين إخلال بالوزن العروضي وبموسيقى البيت. وأخيرا وفق الأستاذ عادل الغضبان بين الرأيين بأنه يمكن الوقوف الخفيف مع التحريك، فيؤدي الشاعر غرضه مع الاحتفاظ بسلامة الوزن وموسيقاه.
(العباس)