الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 730/اللغة العامية والحروف اللاتينية

مجلة الرسالة/العدد 730/اللغة العامية والحروف اللاتينية

مجلة الرسالة - العدد 730
اللغة العامية والحروف اللاتينية
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 30 - 06 - 1947


للأستاذ السهمي

ذكرنا حديث الأستاذ البارع (الجاحظ) في الرسالة (726) ص (626) عن قصة هذا الغامية ذات العمى والبكم والصمم بمقال فائق للعلامة اللغوي الكبير الشيخ إبراهيم اليازجي ترجمته أو عنوانه (اللغة العامية واللغة الفصحى) كتبه سنة (1902) مظهراً فيه نيات أبناء (جنبل) الخبيثات المخيفات ومذكراً ومنذراً. وقد رأيت أن أروي في (رسالة العربية) الهادية الكريمة جملاً من ذلك المقال المحقق المحكم وهو أكثر من ثلاثين صفحة. وليعلم من يتجاهل أو يجهل أن الذي نزل وحفظ قرآنه، حافظ أبد الأبيد لسانه.

قال الشيخ إبراهيم اليازجي:

(نشر بعضهم من سنوات رسائل متتابعة يدعو فيها علماء العربية وكتابها إلى استبدال اللغة العامية من اللغة الفصحى واعتمادها في الكتب والجرائد وغيرها ورسم لها حروفاً جديدة تكتب بها هي الحروف اللاتينية. . . وقد انتهي إلينا بعض ما نشره من تلك الوسائل وفيه أمثلة من حكايات وغيرها باللغة العامية المصرية كتبها بالحروف المذكورة فكانت نوعاً من الكرشوني.

وإذا قرئت جاء لفظها أشبه بلفظ رجل إفرنجي يتعلم العربية ولا سيما في أمر الحركات التي عبر عنها بأحرف المد فإذا نطق بها العربي توهم سامعه أن يقلد كلام أحد الإفرنج المقيمين في هذه الديار. وأغرب من ذلك أنه زعم أن تعلم هذه الحروف أسهل تناولا على الأمي من أبناء مصر وأنها أفضل ذريعة لتعميم القراءة في القطر. . .).

(. . . على أن الأمر طوى من ذلك الحين ولم يصادف من أحد اهتماماً إلى أن ظهر في هذه الأيام كتاب ألفه المستر (ولمور) أحد قضاة محكمة الاستئناف الأهلية عن الطريقة المذكور جمع فيه ما تسنى له من قواعد اللغة العامية المصرية على وجه يقرب من الأجنبي تناولها والتكلم بها. . .

(. . ولكن المؤلف وبعض إخوانه من علقوا التعاليق وممن قرظوه في جرائدهم لم يقفوا عند هذا الغرض من صنيع المؤلف ولكنهم ذهبوا إلى ما وراء ذلك من وجوب نسخ اللغة الفصحى في البلاد وإحلال اللغة العامية مكانها مع كتابتها بالحرف اللاتيني على مث ذهب إليه صاحب الرسائل المقدم ذكرها).

(. . . ويؤخذ من كلام المؤلف وبعض الجرائد الإنكليزية في القطر الإيماء إلى لزوم إدخال هذه الطريقة في المدارس أي مدارس الحكومة مع جعل التعليم إجبارياً بحيث أنه لا يمضي زمن قصير حتى يعم استعمالها في البلاد وتكون الضربة القاضية على اللغة الفصحى وأسفارها. . .

(. . . ولكن ذلك (الفرق بين العامية والفصحى) وهم دسه على أولئك القوم الجهل بلغة البلاد؛ لأنهم لو كانوا يعرفون العربية كما يعرفها أهلها لعلموا أن معظم الفرق بين اللغتين مقصور في الغالب على إهمال علامات الإعراب من اللسان العامي بحيث أصبح مسموع اللفظين متبايناً على الجملة. إلا إن هذا إنما تتنكر به اللغة في سماع الأجنبي لا في سماع أهلها. . . ومن أعظم الشواهد على ذلك أن في العامة من يقرأون ويسمعون الجرائد وكتب الروايات والأقاصيص الحديثة والقديمة من مثل سيرة بني هلال وعنترة وألف ليلة وليلة وغيرها ويفهمونها ويروونها مع أن جميعها مكتوبة باللغة الفصيحة. . .).

قلت: يدل كلام الشيخ إبراهيم على أن العامة في مصر كانوا يفهمون اللغة الفصيحة سنة (1902) فهل تقهقروا، هل تأخروا هذا التأخر الفظيع في الفهم والرواية سنة (1947) - بعد هذا الدهر الطويل وبعد هاتين الحربين المدهشتين، وبعد أن تبدلت الأرض غير الأرض والسماوات - حتى تقول رجال الإذاعة في العامة والمساكين مقولتهم التي أشار إليها الأستاذ الالمعي (العباس) في الرسالة 727 ونقدها محسناً ومصيباً.

أيتها الحكومة المصرية، حرمي حرمي في داريك: دار الإذاعة ودار التمثيل وغيرهما من الدور اللغة العامية؛ إنك إلا تفعلي تحرجي. . .

(. . . وأما مسئلة الكتابة وعدم وجود صور لأصوات الحركات في رسم الهجاء العربي فما لا يبالي به بالقياس إلى الأمة نفسها إن كان النظر إليها مجرداً. . . إن للحركات عندنا مقادير لا تتعدها فإذا رسمت بالحروف كما هو الشأن في اللغات الأوربية جاء لفظ الكلمات منكراً، وربما التبس بعضها ببعض فلم يبق فرق بين سلم مثلاً وسالم وسليم إذ يكون بعد السين ألف وبعد اللام ياء في الكل، وقد يجيء ما هو أنكر من ذلك كما مثل قتل وقاتل لما هناك من الاختلاف الفاحش في المعنى، وحينئذ لا يبقى غنى عن وضع علامات تميز الحركة من الحرف فعاد الأمر إلى الشكل وهو يغني وحده بدون الحروف. وذلك فضلاً عما في التزام التحريك في الرسم سواء كان بالحرف العربي أم اللاتيني من إطالة هجاء الكلمات واقتضاء الكتابة زمناً أطول إلى ضعف آخر في الأقل. فجملة ما يقال إن الحركات في العربية لا تكتب إلا بصورة حركات لأن لفظها ليس لفظ الحروف الكاملة ولا هي داخلة في بنية الكلمات وإنما الغرض الأصلي منها الانتقال من مقطع إلى مقطع، لكن غاية ما هناك أنه يمكن استنباط طريقة تمكن المطالع من وضع الحركات على وجه أسهل؛ وحينئذ لا يشكل إلا الحرف الذي يمكن التباسه ولو على الأجنبي).

(بقى أنه على تقدير خروج هذا الرأي إلى الفعل فإن ما يتخلص منه الأجنبي يقع فيه الوطني بل يقع في أشد مضضاً منه على ما سنذكره. ونعني بالوطني هنا المسلم الذي هو العنصر الغالب في البلاد، فإنه مع تعليمه قواعد اللغة العامية لا يستغني عن تعلم اللغة الفصحى لإحكام قراءة القرآن وتلقي الحديث وفهم نصوص الشرع المبنية عليهما. ولابد لبلوغ هذه المنزلة من قراءة كتب النحو والبيان واللغة وسائر علوم الأدب. وهذه كلها إن لم يتعلمها في مدارس البلاد لزمه أن يتعلمها في مدارس أخرى خاصة أو يدرسها في منزله وكلاهما لا يستطيعه إلا الأغنياء فضلاً عما فيه من المشقة وإضاعة الزمن. وكذلك يلزمه أن يتعلم قراءتين أحدهما بالحرف العربي لتلاوة القرآن لأنه لا يجوز له أن يكتبه بحرف أجنبي. . . والأخرى بالحرف اللاتيني المصطلح عليه في البلاد لمطالعة ما ينشر فيها من الكتب والجرائد ولدراسة العلوم العصرية التي يرام كتابتها باللغة والحرف المذكورين على ما أشير إليه في التأليف ولا نخال التسليم بذلك كله من الأمور المستسهلة. ومن هنا يعلم المؤلف وغيره أن العربية لا تقاس في ذلك بالطليانية واليونانية إذ ليس في هاتين اللغتين شيء من الأمر الديني الذي أشرنا إليه، بل فيما حدث أخيراً في أمر ترجمة الإنجيل إلى اليونانية الحديثة عبرة كافية مع انتفاء المحذور الذي ذكرناه. وبقى وراء ذلك كله ما يترتب على هذا الانقلاب من الخسران الجسيم بضياع ما لا يحصى من كتب العلم والتاريخ وغيرها بحيث يتعذر نقل الكتب بأسرها إلى الحرف الجديد ولا يبقى سبيل للأعقاب إلى تناول ما فيها إذا تغير الحرف الذي يقرأون به).

(ولذلك فالذي نراه لواضعي هذه الطريقة أن يقتصروا فيها على تعليم الأجنبي لغة البلاد ولا يتجاوزوا إلى ما وراء ذلك من شؤون الأمة فإن محاولة هذا الإحداث فيها ليس في شيء من الحكمة ولا هو من الأمور التي يساعدها الإمكان).

قلت: قد كان لقوم دنلوب في أيام الشيخ سلطان فعبر في الجمل الأخيرة من مراده بهذا التعبير، والمقصود متضح، وفحواه أن الإقدام على هذا الإجرام سيدفع الأمة إلى الثورة. وإنا لنعلن أن من يثورون على أجنبين أو أجنبيين وكافرين يريدون سوءاً بلغتهم، ولغة بلادهم، ولغة آبائهم وأجدادهم، ولغة آدابهم، ولغة علومهم، ولغة دينهم ولغة قرآنهم، ولغة نبيهم - إن من يثورون على ذلك العدو اللعين سيثورون على عربيين مصريين، وعلى مسلمين مؤمنين، وعلى أولياء وقديسين، وعلى من هم فوق الأولياء والقديسين إن أرادوا أن يكيدوا لهذا اللسان المبين كيد الدنلوبيين.

(يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواهم، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ولو كره الكافرون)

صدق (الكتاب) ومنزله

روى كلام اليازجي عن (ضيائه):

السهمي