مجلة الرسالة/العدد 729/تفسير الأحلام
→ من البطل فوزي القاوقجي إلى الشعر علي محمود | مجلة الرسالة - العدد 729 تفسير الأحلام [[مؤلف:|]] |
من وراء المنظار ← |
بتاريخ: 23 - 06 - 1947 |
8 - تفسير الأحلام
للعلامة سجموند فرويد
سلسلة محاضرات ألقاها في فيينا الأستاذ محمد جمال الدين
حسن
الرموز في الأحلام:
رأينا أن التحريف الذي يعوقنا عن الفهم الصحيح للأحلام ينشأ عن النشاط الذي تبذله الرقابة للتغلب على الدفعات اللاشعورية لرغبات لا تقرها الذات، بيد أننا لم نجزم بأن الرقابة هي العامل الوحيد المسئول عن التحريف؛ والواقع أن دراسة أخرى للأحلام ترينا أن هناك عوامل غيره تشترك في هذا التأثير، بمعنى أنه حتى على فرض أن الرقابة رفعت عن الأحلام فإننا مع ذلك لن نتمكن من الوقوف على معناها ولن يأتي المحتوى الظاهر مطابقا للمحتوى الباطن.
وهذا العامل الآخر الذي يتسبب في غموض الأحلام والذي يساعد على زيادة التحريف، يتجلى لنا عندما نلاحظ أن هناك ثغرة في طريقتنا التي استخدمناها في التفسير. فقد سبق أن سلمت لكم بأن هناك حالات قد لا يجد فيها الأشخاص الذين نحللهم أفكارا مترابطة لديهم لبعض عناصر الحلم. ومن المحقق أن هذه الحالات لا تقع بالكثرة التي يزعمونها ففي معظم الأحيان قد نتمكن من الوصول إلى تبيان الأفكار المترابطة بالكد والمثابرة، ولكن هناك مع ذلك بعض حالات معينة يخفق فيها الترابط إخفاقا كليا، أو نجد أن الشيء الذي نستخرجه أخيرا بالعنوة ليس هو ما نحن في حاجة إليه. وهذه الحالة عندما تقع أثناء العلاج بالتحليل النفسي فأنها تدل على مغزى معين لا يهمنا فيما نحن بصدده هنا؛ ولكنها تقع كذلك في أثناء القيام بتفسير أحلام الأشخاص العاديين أو عندما نقوم بتفسير أحلامنا الخاصة. فإذا اقتنعنا في مثل هذه الحالات بأنه لا فائدة ترجى من الحث والإلحاح، فإننا قد نكتشف أخيرا أن هذه الحالات المتشابهة تظهر على غير ترحيب منا كلما كانت بعض العناصر الخاصة تحت الاختبار؛ ومن ثم نبدأ في إدراك أن هناك قاعدة جديدة تعمل عملها بينما كنا نظن في مبدأ الأمر أننا صادفنا فقط حالة شاذة أخفقت فيها طريقتنا في التفسير.
وهذا يؤدي بنا إلى محاولة تفسير هذه العناصر (الخرساء) والاستعانة على ترجمتها بالرجوع إلى مصادرنا الخاصة. ولا شك في أننا سندهش كثيرا عندما نجد أننا سنتمكن، في كل مرة نقدم فيها على هذه الطريقة، من الوصول إلى معنى مقنع بينما يظل الحلم مفككا لا معنى له ما دمنا لم نعقد العزم على استخدامها وتجمع كثير من أمثال هذه الحالات المتشابهة يشد من أزرنا إذ أننا قد أقدمنا على التجربة في مبدأ الأمر في تهيب ووجل.
وبهذه الطريقة سنصل إلى ترجمة ثابتة لسلسلة من عناصر الحلم، كما هو الحال في الكتب العامية عن الأحلام حيث نعثر على مثل هذه التراجم لكل شيء يحدث في الحلم تقريبا. ولعلكم لم تنسوا بعد أننا عندما كنا نطبق طريقة الترابط المطلق لم نكن نقابل مثل هذه التراجم الثابتة لعناصر الحلم.
أظنكم ستقولون الآن إن هذا النوع من التفسير يبدو لكم أنه أقرب إلى الشك وأكثر تعرضا للنقد من طريقة الترابط المطلق السابقة، ولكن مهلا! فنحن لم نفرغ بعد كل ما في جعبتنا؛ فنحن عندما يتجمع لدينا من التجارب الواقعة عدد لا بأس به من أمثال هذه التراجم الثابتة، فإنه يتحقق لدينا بصفة قاطعة أنه كان في إمكاننا فعلا أن نملأ هذه الثغرات في التفسير إذا رجعنا إلى مصادرنا الخاصة، وإننا كنا في الحقيقة سنصل إلى معناها في غير ما حاجة إلى الأفكار المترابطة للشخص الحالم.
وهذا النوع من العلاقة الثابتة بين عنصر الحلم وترجمته يطلق عليه علاقة (رمزية) أما العنصر نفسه (فرمز) للفكرة اللاشعورية التي يعبر عنها الحلم. تذكرون أنني سبق أن قلت لكم عندما كنا نبحث في العلاقات المختلفة بين عناصر الحلم والأفكار الباطنة التي تستتر وراءها أن هناك ثلاثة أنواع من هذه العلاقات وهي: الاستعاضة بالجزء عن الكل، والإشارة أو التلميح، والتمثيل البصري. وقد قلت لكم عندئذ إن هناك علاقة رابعة ولكني لم أبين لكم نوع هذه العلاقة، أما الآن فإنني أقدمها إليكم وهي (الرمزية). وهذه العلاقة يرتبط بها كثير من النقط الهامة التي تصلح للدراسة، وعلى هذا فسنوجه إليها التفاتنا قبل أن نضع أمامكم ملاحظاتنا الخاصة عن الموضوع. فالرمزية قد تكون أهم جزء في نظريتنا عن الأحلام.
نرى قبل كل شيء أن الرمزية بما أنها علاقة ثابتة لا تتغير بين الرمز والفكرة التي يرمز إليها، فهي بذلك تحقق على نحو ما الفكرة القديمة والفكرة العامية عن تفسير الأحلام، وهي الفكرة التي بعدنا عنها كثيرا في طريقتنا في التفسير. فالرموز قد تجعل من السهل علينا في بعض الأحيان أن نفسر الحلم دون استجواب صاحبه الذي لا يستطيع في الحقيقة أن يدلنا بأية حال من الأحوال على ماهية هذه الرموز. فإذا قدر لنا أن نقف على معنى الرموز التي تظهر كثيراً في الأحلام، وأن نلم بشيء عن شخصية الحالم والظروف التي تحيط بحياته، والتأثيرات العقلية التي أعقبها حدوث الحلم، فإننا غالبا ما نجد أنفسنا في مركز يسمح لنا بتفسير الحلم فوراً، أو قل ترجمته من أول نظرة. ومثل هذه المهارة بلا شك ترضى غرور الشخص الذي يقوم بالتفسير كما أنها تستأثر بإعجاب الحالم، فثم فرق شاسع بين هذه الطريقة السهلة وبين الطريقة الشاقة التي تعتمد على استجواب الشخص الذي رأى الحلم. ولكن حذار من الاندفاع وراء هذا الرأي، فالشعوذة ليست جزءا من العمل الذي نقوم به، كما أن هذه الطريقة التي تعتمد في التفسير على معرفة بالرمزية، لا تستطيع بأية حال من الأحوال أن تحل محل طريقة الترابط المطلق أو حتى تقارن بها، فهي متممة لها والنتائج التي تستخلص منها لا تصبح ذات فائدة إلا إذا طبقت بالاشتراك مع الترابط المطلق. وفضلا عن ذلك فيجب أن لا يغيب عن بالكم أنكم لا تقومون فقط بتفسير أحلام الأشخاص الذين تعرفونهم حق المعرفة، بل المفروض أنكم كقاعدة عامة لا تعلمون شيئاً عن آثار اليوم السابق التي حركت الحلم وأن الأفكار المترابطة للشخص الحالم هي المصدر الوحيد الذي نستطيع أن نحصل منه على معرفة ما نسميه بالحالة العقلية.
ومما يستحق النظر بوجه خاص أن هناك معارضة قوية ضد هذه الفكرة القائلة بوجود علاقة رمزية بين الحلم واللاشعور؛ فكثير من الأشخاص الذين اتصفوا بحصافة الرأي وممن سايروا التحليل النفسي في كثير من النقط الأخرى قد عادوا فتنصلوا من آرائهم عند هذه النقطة. وهذا السلوك قد يستغرب كثيراً عندما نتذكر شيئين اثنين، أولا أن هذه الرمزية ليست ملكا للأحلام ولا هي وقف خاص عليها، وثانيا إن استخدام الرموز في الأحلام ليس من اكتشافات التحليل النفسي ولو إن هذا العلم لا تعوزه الاكتشافات الغريبة. وإذا كان لأحد في العصر الحديث أن يدعي الأسبقية في هذا المضمار، فهو بلا شك الفيلسوف (شرنر) وقد جاء التحليل النفسي فعزز اكتشافه، وإن كان قد عدل في بعض النقط الهامة.
أظنكم ترغبون الآن في معرفة شيء عن طبيعة الرمزية في الأحلام وتودون الاطلاع على بعض الأمثلة. وإني ليسرني أن أقدم لكم كل ما أعلم عن هذا الموضوع، ولكني أعترف أمامكم أن معلوماتنا في هذا الشأن اقل مما كنا نرغب فيه.
العلاقة الرمزية في أساسها علاقة مقارنة ولكنها ليست مقارنة من أي نوع كان، فنحن نشتبه في أنها تخضع لشروط معينة ولو أننا قد لا نستطيع أن نحدد بالضبط نوع هذه الشروط.
فليس كل ما يمكن مقارنته بشيء أو حادث ما يظهر في الأحلام على شكل رمز له، كما أننا نجد من ناحية أخرى أن الأحلام لا تستخدم الرمزية لأي شيء كان بل تستخدمها فقط لعناصر خاصة من الأفكار الباطنة؛ أي أن هناك تحديدا من الناحيتين. ويجب علينا أن نسلم كذلك بأننا لا نستطيع في الوقت الحاضر أن نحدد بالضبط معنى الرمز كما نتصوره، فهو يبدو أحيانا كاستعاضة عن شيء أو تمثيل له، بل كثيرا ما يقترب جدا من الإشارة والتلميح. وقد يكون من السهل علينا في بعض الأحيان أن نتبين على الفور المقارنة التي بنيت عليها الرموز ولكن هناك حالات أخرى نحتاج فيها إلى البحث والتدقيق لمعرفة العامل المشترك الذي يدخل في هذه المقارنة المفروضة. وهذا العامل قد يظهر لنا إذا أعدنا النظر مرة أخرى، كما أنه قد يظل محجوبا عنا إلى الأبد وإذا كانت الرموز عبارة عن مقارنة فعلا، فإن مما يستلفت النظر حقا أن هذه المقارنة لا تتضح لنا من عملية الترابط المطلق، وأيضا إن الحالم لا يعرف عنها شيئا وإنما يستخدمها في غير وعي منه، بل إنه ليذهب إلى أكثر من هذا فيأبى أن يعترف بها عندما نوجه نظره إليها. ومن هذا ترون أن العلاقة الرمزية عبارة عن مقارنة من نوع خاص طبيعته غير واضحة لنا تماما، وربما كان في استطاعتنا فيما بعد أن نعثر على بعض الأدلة التي تلقى قليلا من الضوء على هذه الصفة المجهولة.
(يتبع)
محمد جمال الدين حسن