مجلة الرسالة/العدد 725/القصص
→ الكتب | مجلة الرسالة - العدد 725 القصص [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 26 - 05 - 1947 |
المترو
للقصصي النمساوي أيرفين ريجر
كان الحر لافحا خانقاً عندما توقف شاب وفتاة وسط الساحة الكبيرة في (محطة الشرق) بباريس يطلقان حولهما نظرات قلقة حائرة. كان من السهل إدراك أنهما أجنبيان قدما إلى باريس من بعيد، وأنهما فلاحان كما تدل عليه ملابسهما. كانا بولنديين مهاجرين قدما إلى باريس ليبحثا عن عمل في فرنسا
كان الإعياء يبدو عليهما من أثر الرحلة الطويلة. وكانت الفتاة شاحبة اللون تحيط عينيها الوضاءتين هالات سود. ولكن نظرتها كانت تنم عن الاستسلام المطلق والثقة العمياء بالشاب القوي العريض المنكبين
ووضع الشاب الأمتعة التي كان يحملها كلها وحده. ثم أخرج ببطيء من جيبه الداخلي محفظة كبيرة من الجلد وجذب منها ورقة قدمها لأحد المارين الذي ألقى عليها نظرة عاجلة وقال (متروبورت دو كلينيا نكور) ولم يفهم الشاب الأجنبي وسار وراء المار ورفيقته وراءه يستوضحه فأجاب بنفس العبارة
وعرض الشاب نفس الورقة على شيخ قصير القامة يحمل منظارا. ولاحظ العجوز أن الشاب والفتاة أجنبيان يبدو عليهما الوجل والاضطراب فأشار إليهما بمتابعته ففعلا ونزلا وراءه السلم الذي يوصل إلى ممر طويل تحت الأرض كتب على مدخله عبارة (مترو) وبعد خطوات رأيا لافتة كتبت عليها عبارة (متروبورت دو كلينيا نكور)
واشترى العجوز تذكرتين وناولهما للشاب مبتسما وسار في سبيله. وتقدم (بوجدان) يحمل الأمتعة نحو الممر تتبعه (تيريز). لم يكن السير سهلا فقد كان يخرج من تحت الأرض هواء ساخن يخنقها، وكانت الممرات تتقاطع تملؤها الجموع الإنسانية الحاشدة. لذا كان يحدث من لحظة إلى أخرى أن يفصل بين بوجدان وتيريز بالرغم منهما بعض المارين المسرعين في طريقهم. وكان بوجدان يخترق الجموع بجسمه المارد كباخرة عاتية لا تعبأ بما يعترضها من الأمواج. أما تيريز فكانت تجري وراءه بقدر ما تستطيع. وعندما وصلا إلى نهاية السلم وجدا أمامها أفريزا تمتد تحته قضبان حديدية وسط ظلام دامس. ما أغرب هذا العالم الذي يجري تحت الأرض! وعبر بوجدان بابا وتوقف قطار كهربائي يحمل معه صوتاً أشبه بصوت الرعد. ثم فتح أبوابه وألقى إلى خارجه جموعا إنسانية أخرى وفي نفس اللحظة أغلق باب الافريز صاداً عن المرور تيريز التي كانت تجاهد الزحام بكل قواها دون جدوى؛ فاضطرت أن تنتظر على السلم مع مئات غيرها. وأصابها الذعر حين رأت بوجدان مدفوعا بمجهود نافد الصبر يدخل عربة القطار دون أن ينظر حوله. فصرخت صرخة تمزق القلب (بوجدان! بوجدان!) وفي نفس الوقت أغلقت جميع أبواب القطار ثم دوى صوت صفارة تبعها في الحال تحرك القطار الذي انزلق كالسهم في النفق الأسود المظلم.
بقيت تيريز وحدها يحيط بها جمهور متباين الوجوه، يتكلم لغة لا تفهمها، وامتلأ الرصيف بالخلق يضحكون ويمزحون ولا يأبه أحد لها. ووصل قطار جديد يشبه تماما ذلك الذي ركبه بوجدان منذ دقيقتين وفغرت الأبواب أفواهها واندفعت الجموع. ما العمل؟ هل تنتظر؟ هل تتبع الجموع في يسرها؟ وبغير وعي انساقت تيريز مع الحشود الإنسانية في طريقها كما فعل بوجدان. وبدأت رحلتها في أنحاء باريس تحت الأرض دون أن تعرف إلى أين تذهب. كانت واقفة وسط عربة القطار الذي يخترق الظلام نحو المجهول. أين بوجدان؟ هل هناك أمل في العثور عليه؟ وتملكها الخوف. إلى أين يقودها ذلك القطار الذي يجري في الظلام كالصاعقة، ودار رأسها ولم تعد تستطيع احتمال هذا القلق وهذه الوحدة. ووقف القطار فنزلت منه كمجنونة وسارت يدفعها هذا ويرتطم بها ذاك صاعدة سلما لا ينتهي. ثم أنعشها هواء ناعم ووضحت أمامها الوجوه وعادت إليها الحرية. كانت لا تصدق عينيها. أهي في حلم؟ ما هذه الأضواء العديدة الصارخة؟ ما هذه الموسيقى؟ وجدت نفسها في شارع على جانبيه منازل عالية. تصطف تحتها المطاعم والمقاهي الزاهية بالأنوار. المكتظة بالناس المرحين في ثياب العيد.
ماذا يريد منها هذا الشاب؟ لقد مس ذراعها فرفعت رأسها ونظرت إليه بدهشة أضحكته. إنه يتكلم تلك اللغة الأجنبية. ولاحظت أن صوته ناعم رقيق برغم أنها لم تفهم كلمة واحدة مما تفوه به، وهزت رأسها وافتر ثغرها عن ابتسامة اعتذار أضاءت وجهها المبلل بالدموع. وأدرك (رونيه) أنها جميلة وهو ينظر إلى خصلة الشعر الذهبية التي تبرز من تحت المنديل الذي يمتص شعرها. وأدرك أنها أجنبية وربما كانت ألمانية. لقد تعلم بضع كلمات ألمانية أثناء اعتقاله مدة الحرب فجمع شتات ذاكرته ووجه إليها عبارة صغيرة آتت ثمرها فقد كانت في وطنها بولونيا تعيش قرب الحدود الألمانية. ما أسعد أن يجد المرء في هذه البلدة القريبة شخصاً يركن إليه ويضع فيه ثقته! لقد فتحت له قلبها وقصت عليه كيف أن والديها لم يقبلا الإنصات إلى حديثها عن بوجدان فهربت معه إلى خارج وطنها، وكيف أنها قدمت فرنسا تبحث عن عمل. وكيف فقدته في محطة المترو وهي قاب قوسين أو أدنى من هدفها. كان يجب أن تأكل الفتاة شيئاً لتسترد قواها فذهبا إلى أحد المطاعم المحيطة بهما وجلسا في الشرفة يحيط بهما جمهور كبير يأكل أشهى الطعام ويشرب أفخر الشراب، كانت تيريز قد جففت دموعها ولكنها كانت خجلة من ملابسها المتواضعة وسط هذا الجمع المتأنق الفاتن، لقد أخذ بوجدان معه جميع ملابسها ونقودها. كانت تنظر إلى رونيه مذهولة لفرط ظرفه ورقته اللذين لم تر لهما نظيراً. وأراد رونيه أن يهدئ من روعها ويرفه عنها فقال:
هذه هي مونمارتر، هي من أبهى أحياء باريس، واليوم يوم عيد. إنك سعيدة الحظ بوصولك إلى باريس في هذا اليوم. يوم 14 يوليو. انظري كيف يضحك الناس وكيف يرقصون. إنها ليلة الحرية.
واستحوذت على تيريز عاطفة جديدة. عاطفة حب الحياة. وتملكها رغبة في الاستقلال والتحرر ولم تشعر طول حياتها بمثلها، كانت كأنها تريد أن تقبل كل هذه الجماهير التي لا تعرفها.
ومرت الشهور والأعوام ولم يعد بوجدان جاورونسكي. لقد اشتغل عاملا في المناجم في بلدة مارل لي مين بإقليم بادوكاليه، وكان إذا ما حل المساء وذهب إلى الحانة وأمامه كأس النبيذ قص على رفاقه ذلك الحادث الغريب الذي فقد به تيريز في المترو يوم وصولهما إلى باريس وأن بحثه عنها ذهب كله أدراج الرياح فلم يرها منذ ذلك اليوم. كان يقول:
لقد تبعتني مغلقة العينين. كانت طوع بناني. مطلقة الثقة بي. وهذا ما يجعل الأمر مرعباً. لم يكن معها فلس واحد. كان معي كل أوراقها، وكل ملابسها.
وأجاب عامل كان النبيذ قد أدفأه قليلا:
نعم! وباريس مدينة خطرة! لا ترقب الخير لفتاتك! وتظاهر بوجدان بعدم السماع ثم قال:
لقد جبت كل مكان في باريس. لم أترك شارعاً ولا ميداناً لم ابحث فيه. وبعد بضعة أيام ابتدأت تنفذ نقودي وتتلف أحذيتي ولم يكن لدى أصدقائي عمل يعهدون إلي به. وكانت المشكلة الكبرى مشكلة اللغة وعندئذ جمعت ما تبقى معي من النقود وسافرت إلى مارل مع رفيقين، وما بقس بعد ذلك تعرفونه.
ومر الزمان وبوجدان يعيش في مارل لي مين، يحيا حياة العزلة والهدوء لا يشرب كثيراً ولا يمرح إلا قليلا. كان لا يعبأ بأي شئ منذ فقد تيريز. وإذا كانت ذكراها لا تفارقه وطيفها لا يبرح خياله، فإنه كان يذهب بين وقت وآخر إلى المنزل رقم 13 حيث تقيم بائعات اللذة؛ وإن مغامرته مع (ألين) لا دخل فيها للهوى والغرام لقد كانت سيئة الخلق ولكنها كانت تصلح له جواربه. كان لا يحب غير تيريز. كان يعرف ذلك ويعرف أنه لن يحب غيرها. ومن أجلها يتحمل هذه الحياة المريرة الخطرة في المنجم. من أجلها يدخر النقود. إذ سوف يراها يوماً من الأيام ولا يريد أن يبدو أمامها بمظهر المتسول. سوف يقدم إليها أوفر الاعتذار فقد وهبته كل شئ وأساء هو استخدام ما منحته إياه من ثقة. سيبحث دون ملل أو وهن.
في ذلك الوقت كانت تيريز تحيا حياة دعة في باريس. كانت منذ وقت طويل زوجة رونيه ولها منه طفلان: جورج وأخته الصغيرة اتينيت. ومع ذلك لم تنس الليلة الرهيبة، وهل يمكن أن تنساها؟ هل للسعادة أو الراحة أن تمحو هذه الذكرى الدفينة؟ كانت تيريز دائماً مع رونيه زوجة أو على الأصح صديقة مخلصة، ولو أن ذلك لم يكن بالأمر الهين. كان واجباً عليها قبل كل شئ أن تنسى عاداتها وأن تكتسب عادات جديدة وأن تتعلم لغة أجنبية. وسرعان ما أصبحت الفتاة القادمة من صميم الريف باريسية بغير صعوبة. كان ذلك واجباً بعد أن قطع عليها سبيل التقهقر. فقد ولى بوجدان وفصل بينهما وبين منزل والديها. فوالدها لن يغتفر لها هربها. وقريتها تضمر لها السخط والحنق.
وعاشت تيريز نموذجاً للزوجة المقتصدة المدبرة. كانت أكبر عون لزوجها، تساعده في كل أعماله حتى صارا يأملان بأن يكون لديهما بعد ست سنوات سيارة. وبعد عشرين سنة منزل صغير ذو حديقة تقوم هي بزرع الخضراوات فيها كما كانت تفعل في أوائل شبابها قبل تلك الساعة الرهيبة التي جعلت من حياتها حياتين مختلفتين تماماً.
ومرت عشر سنين منذ الفراق الاضطراري وتيريز تحتفظ دائماً بسر غريب. وفي بعض الأيام تدفعها قوة داخلية إلى الاقتراب - دون أن يعلم أحد - من المكان الذي اختفى فيه صديقها فجأة. كانت تقاوم هذه القوة المجنونة بكثير من الفوز أحياناً. بيد أنها كثيراً ما كانت تضعف وعندئذ تقفز إلى أول سيارة تصادفها مسرعة إلى محطة الشرق كمسافرة كاد يفوتها القطار. فتعبر الردهة الواسعة - باحثة في كل مكان على مقربة من السلم المشئوم. وتنتظر صابرة رغم أنها واثقة من أنه سوف لا يأتي أيضاً هذه المرة كما فعل في المرات السابقة. وفجأة تفيق من جنونها وتعود إلى الواقع. فتقفل راجعة إلى منزلها يغمرها الخجل.
وفي ذات ليلة من ليالي الصيف الحارة عاودتها (الأزمة) كما كانت تسميها بصورة قوية جارفة لم تعهد مثلها من قبل. أحست بأنها تكاد تختنق. بأنه ينتظرها. وأنها ليست مخدوعة هذه المرة فعليها أن تهرول إليه. نزلت إلى الشارع وكان الليل قد أسدل أستاره واتجهت إلى محطة المترو المجاورة للمنزل مخترقة الجموع كمجنونة. ووصلت إلى محطة الشرق. أين هو؟ هل تبحث عنه على الأفاريز الداخلية أم عند شباك التذاكر كما فعلت مراراً دون جدوى؟ وارتبكت عيناها وصعبت عليها الرؤية وظلت هكذا نصف ساعة يدفعها المارون من كل جانب وتخنقها أحاديثهم وأنفاسهم الساخنة. وبلغ ذعرها أوجه حين سمعت صوتاً يناديها وشيئاً يمسك بذراعها. كانت أصابع من حديد! من يكون هذا الوقح؟ واستدارت بسرعة فرأت بوجدان. هل هو حقاً؟ وغشى عينيها حجاب قاتم السواد. وصرخت
وعندما عادت إلى رشدها وجدت نفسها مستلقية على أريكة من القطيفة الحمراء. لقد حملها بوجدان إلى مقهى صغير أمام المحطة. كانت القاعة ذات المرايا العديدة خالية من الناس إذ جلسوا جميعاً في الشرفة يستنشقون الهواء الرطب. وبلل بوجدان جبهة تيريز بالماء البارد وطلب لها فنجاناً من القهوة. وأخيراً فتحت تيريز عينيها ونظر إليها متأملا. وانفرجت شفتاه بحركة عصبية فلمعت أسنانه الكبيرة تحت شاربه. لم تغيره السنون. أما هي فقد أصبحت شيئاً آخر، لقد أصبحت سيدة وقورة حسنة الهندام. كان ينظر إليها معجبا بقبعتها المصنوعة من الخوص الأزرق التي تطفر من تحتها خصلة من الشعر الأصفر الذهبي. وبسترتها الجميلة وقفازها الجلدي وجوربها الحريري الشفاف وحذائها اللامع. من الذي اشترى لها أو منحها كل هذه الأشياء الجميلة؟ وأفسد هذا الخاطر سعادته العظمى برهة من الزمن ولكن السرور غمره ثانية. فقد عادت وعاد كل منهما للآخر من جديد. وليس في الوجود قوة تستطيع أن تفصل بينهما
وكما تحطم الأمواج المكبوتة زمانا طويلا ما يعترضها من سدود، كذلك انفجر بوجدان شارحاً همومه وآلامه، واصفا أمله وثقته اللذين لازماه طول عشر سنين.
وبلغ التأثر أقصاه بتيريز وانسابت دمعة على خدها ونظرت إليه فأدركت أنه كبر في العمر. لقد فقد شعره بهجته، ووجه ما كان عليه من إشراق في الزمن السالف، ثم يداه المجعدتان! ما أبغضهما إليها الآن بعد أن كانت فيما مضى ترتعش لمجرد لمساتها. وبرغم كل هذا فهاهي تجد تدريجياً على ذلك الوجه الخشن الذي أفلت منه الشباب (بوجدان) الأيام الماضية. تجد القسمات التي أحبتها والتي ستحبها دائماً.
ومرت الساعات دون أن يشعرا. كانا يضحكان ويتمازحان. وفجأة ارتجفت تيريز وألقت نظرة على ساعتها. لقد بلغت الساعة التاسعة وعاد رونيه إلى المنزل منذ وقت طويل ولا بد أنه قلق لتأخرها. وأحست تيريز بوخز ضميرها حين تذكرت أن (اتينيت) لا تنام إلا إذا طبعت على شفتيها قبلة الليل. ووقفت دفعة واحدة وقالت:
- الوقت متأخر. هلم بنا!
فأجاب بوجدان بهدوء:
- هيا بنا يا تيريز. تعالي نأخذ أمتعتي من مخزن المحطة فهنالك أيضاً كل حاجاتك.
ثم نظر إليها وقال بلهجة الانتصار:
- سنقضي هذه الليلة في باريس القذرة. ولكن غداً صباحاً سنعود في أول قطار إلى وطننا. سأشتري حقلا صغيراً ونعيش في هدوء.
ووقفا على باب المقهى ونظرت إلى يديه المنهكتين وكأنها تريد تقبيلهما وقالت:
- بوجدان إنك لا تزال كما كنت عنيداً ونحن لم نعد صغاراً. ماذا كان يحدث لو لم تكن وجدتني؟.
- ما أعجب هذا السؤال؟ لو لم أكن وجدتك؟ هذا محال. كنت أنفق كل نقودي أثناء بضعة أيام في هذه المدينة اللعينة.
ورفعت رأسها وقد علاها الرعب ناظرة إلى وجهه المتهجم وقالت:
ثم ماذا؟
ثم ماذا؟ لا أدري، فحتى لو أردت العودة إلى المنجم فسوف لا أجد عملا. لقد استغنوا عن جميع العمال البولونيين بسبب الكساد. وأخيراً هناك الفرقة الأجنبية.
وعربا معاً متشابكي اليدين ميدان المحطة الواسع المزدحم. كان بوجدان يسير متردداً ينقاد وراءها كطفل في هذه المدينة التي يكرهها والتي تحبها هي. باريس التي جعلت منها السنون وطناً لها. باريس التي تحتمل مرارتها وتفهم عظمتها. إن بوجدان هو الشباب والوطن والحب ولكن الأعوام علمتها شيئاً آخر وهو الواجب. فهي تستطيع أن تهجر رونيه ولكن ماذا تصنع بطفليها؟ إنهما فلذات كبدها.
ووصلا إلى الساحة الكبرى، إلى نفس المكان الذي قابلا فيه منذ عشر سنوات ذلك السيد العجوز اللطيف المعشر بالقرب من سلم المترو. كانت تيريز تندم في تلك اللحظة لأن كِلا الرجلين كان طيباً، فليتها كانت تكره أحدهما. ولم يكن أمامها لحظة واحدة لتضيعها. وخاطرت تيريز وكذبت على الرجل الذي تحبه وقالت:
بوجدان! اذهب وأحضر أمتعتنا. إني أنتظرك هنا، واستدار بوجدان بسرعة وابتعد بخطواته الواسعة الحاسمة التي كانت تحبها فيه وقت شبابها. كانت تتبعه بنظراتها وفي استطاعتها أن تناديه أو تلحق به. واختفى بوجدان. كان أمامها دقيقتان قبل أن يعود. واقتربت - وكأن قوة خفية تدفعها - من السلم الذي يقود إلى تحت الأرض حيث فقدت بوجدان منذ عشر سنوات ووضعت قدمها على أول درجات السلم واندفعت مع الجموع ممزقة القلب ولكن ثابتة الجنان، ممزقة الرابطة التي كانت لا تزال تربطها ببوجدان أثناء أحلامها.
ولم تره بعد ذلك أبداً. . .