الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 724/من وراء السور الحديدي

مجلة الرسالة/العدد 724/من وراء السور الحديدي

بتاريخ: 19 - 05 - 1947


جامعة عربيةأماتحاد فرنسي؟

للأستاذ عبد الهادي الشرايبي

يتحدث الرأي العام الفرنسي حكومة وشعبا، وفي صحفه ومجتمعاته عن الاتحاد الفرنسي الذي أحدثه الدستور الجديد وحار في كيفية تطبيقه على بلدان ما وراء البحار. كأنما يحاول بذلك أن يسدل الستار على تاريخ الاستعمار القائم المظلم، ليبدله بلون أخر قد يكون اشد هولا وأشنع عاقبة.

إن نقطة الضعف في هذا القرار هي أنه لم يحترم إرادة هذه الشعوب ولم يستشيرها ليأخذ رأيها بالموافقة أو الرفض، حتى إذا شرع في تطبيقه كان مبنيا على أساس متين، واستطاع أن يؤتى ثماره المطلوبة. على أن الحكومة الفرنسية، فيما يظهر، كانت أعمق تفكيرا، فلم تقدم على اتخاذ هذا القرار إلا بعد أن خير الرأي العام في البلاد، وخرجت مقتنعة بغرام شعوبها بالحكم الفرنسي، وهيامها بكل ما يقدمه إليها الدول الفرنسية، وما (تضحي) به في سبيل سعادتها وتطورها من مال ورجال وعتاد!

أما الشعب المغربي فإنه بدوره يزداد كل يوما أيماناً بفوائد هذا (الاتحاد الفرنسي) وما سيجره إليه في مستقبل الأيام من خير ورفاهية ونعيم. خصوصا بعد (حوادث الدار البيضاء) التي تركت السنة الناس تسبح بحمد الإدارة الفرنسية، وحسن تصرفها، وسداد موقفها، فقد فتحت هذه الحوادث الأعين، وعرفت الناس مزايا الدخول في (الاتحاد الفرنسي) عن طيب خاطر، وأنهم سيعيشون في عهده في ضلال الأمن الطمأنينة والسعادة والسلام! أن هذا الحدث الجديد الذي يراد ربط مصيرنا به، يتطلب منا أن نقف عنده قليلا وندرسه على ضوء التفكير السليم، والمنطق الصحيح. فالشعب المغربي، ككثير من الشعوب الإسلامية العربية التي أريد لها أن تسمى (شعوب فرنسا ما وراء البحار) هو الآن في مفترق الطريق. وإمامة: أن يختار الانضمام إلى جامعة الدول العربية أو الاندماج في (الاتحاد الفرنسي) وشعوب فرنسا ما وراء البحار.

أما جامعة الدول العربية فتربطنا بها، أو تربطها بنا، روابط متينة راسخة الأعراق الأصول، كونها مختلف العوامل النفسية، والتاريخية، والجغرافية، على ممر العص والأحقاب وجمعتنا بها عوامل لا انفصام لها ولا يمكن أن تعمل بها يد الدهر، مهما كانت قاسية: فالدين واحد، وهو الذي جمع الهندي والمغربي ويوغسلافي في صعيد واحد، وهو الذي وجههم جميعا إلى قبلة واحدة ووحدهم في عقيدة واحدة. والتاريخ قد جمعنا في السراء، فتنعمنا بأيام عزه وازدهاره، كما تحملنا آلامه واقتسمنا مرائره وشدائده.

أما الوضع الجغرافي فإنما هو سلسة واحدة متصلة الحلقات ابتدعتها يد الآلة متماسكة البناء. ممتدة من ضفاف البحر الأحمر إلى شواطئ المحيط الأطلسي، وهي وضعية اقتصادية وسياسية ممتازة قلما ظفرت بها أمةمن أمم الأرض.

أما العوامل النفسية التي كونها القرآن، ومتنت عراها تعاليم الإسلام، وصهرتها حوادث الأيام، فإننا نلمس آثارها في كل يوم، ونشاهد نتائجها عند كل حادث، فوقائع فلسطين، ومعارك الهند الصيني والهند الهولندية، تدمى قلوب المغاربة، كحوادث المغرب، والدار البيضاء عند شعوب الشرق الأدنى والأقصى. وقد نشا عن هذه العوامل الكثيرة المختلفة، عوامل سياسية ربطت مصير الأمم العربية بعضها ببعض، وجعلت سعادة البعض منها متوقفة على سعادة الكل، بحيث لا يطمئن لإحداها خاطر، ولا يقر لها قرار، ومهما نالت من أسباب السيادة والعزة، إذا كان البعض الآخر لا يزال أنينه يتردد صداه في انتحاء المعمورة، تحت وطأة الاستعمار الثقيلة.

هذه طائفة من الأسباب التي تربطنا بجامعة الأمم العربية، وتجعل مصيرنا مرتبطاً بمصير أخواتنا الشقيقات، بلاد الشرق العزيزة، فلنقالآن نظرة أخرى على ما يمكن أن يربطنا بالاتحاد الفرنسي من أسباب وما يمكن أن يجمعنا به من علائق ومصالح.

أما صلاتنا بهذا الاتحاد، أو بالأحرى، بالدولة المبتكرة له، فتبتدئ منذ نيف وثلاثين سنة. وإن نظرة عجلي على هذه الفترة من تاريخنا القومي كافية لبيان ما هية هذا الاتحاد، وشرح الأسس التي يراد بناءة عليها. فهي فترة مهولة، مليئة بالنار والدم والحديد، وبمعارك وحروب، وسجون ومناف، وأنواع من الإرهاق والعسف، لم يشهد لها التاريخ مثيلا حتى في العصور التي تسمى (مظلمة)!

هذه نظرة قصيرة على كلا الاتجاهين، وعلى الطريقين المقترحين أمامنا. فما الذي يختاره الشعب المغربي من ذلك: سبيل (الجامعة العربية) أم سبيل (الاتحاد الفرنسي) الجديد؟ لقد تفضل جلالة مولانا الملك، ترجمان الأمة الصادق، ولسانها الناطق، فأجاب عن هذا السؤال الذي يختلج في صدر كل مغربي، وقلب كل عربي في تصريحه الأخير لرجال الصحافة قبيل مغادرته لمدينة طنجة. قال جلالة الملك المحبوب:

(. . . ومن جهة أخرى، فإن المغرب يحرص أشد الحرص على تمتين صلات الود مع جميع البلاد التي حاربت من اجل الحرية، ولا تزال تواصل الكفاح في سبيل نجاح قضيتها، أن المغرب ليأمل بكل ما أوتي من قوة، أن ينال حقوقه كاملة. ومن الواضح الجلي أن المغرب بلد عربي، مرتبط مع بقية بلاد الشرق العربي بروابط قوية متينة، وإنه يرغب في أن تتقوى هذه الروابط يوما بعد يوم، خصوصا منذ أن أصبحت (الجامعة العربية) تلعب دورا هاما في السياسة العالمية. وأننا لمقتنعون بأن الصلات الثقافية ستساهم بقسط وافر في تحقيق هذا الاتحاد. وهذه هي الأسباب التي تحدو بنا إلى إنشاء مؤسسات للتعليم العالي لإنارة عقول الشعب المغربي، تكون برامجها مستمدة من برامج التعليم في جامعات القاهرة والشام ولبنان والعراق.

إن همنا الأكبر منذ اعتلائنا العرش المغربي هو أن نمنح رعايانا نعمة التمتع بالحقوق الديموقراطية التي يصبون أليها. وأن أملنا أن أملنا القوي في الحصول على هدفنا الأسمى الذي سنواصل السعي لإدراكه).

هذه تصريحات جلالة الملك المفدى لرجال الصحافة الأجنبية. وهي كما ترى - قد حددت الاتجاه، وكانت القول الفصل في هذه المسألة التي أثارت مخاوف وشكوكا، سرعان ما انقشعت وتبخرت في مهاب الرياح. فما على شعبنا العزيز، إلا أن يقتفي الطريق التي اختطها له جلالة العاهل العظيم، والرائد الخبير، ويسير على النهج الذي سنه له. واضح المعالم، موفق الخطى.

المغرب الأقصى

عبد الهادي الشرايبي