الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 720/تفسير الأحلام

مجلة الرسالة/العدد 720/تفسير الأحلام

بتاريخ: 21 - 04 - 1947

3 - تفسير الأحلام

للعلامة سجموند فرويد

سلسلة محاضرات ألقاها في فينا

للأستاذ محمد جمال الدين حسن

والآن فلنستخدم تعرفين جديدين كان يحق لنا أن نستخدمهما من قبل. لنطلق كلمة (المحتوى الظاهر للحلم) على الحلم كما يرويه صاحبه. ولنطلق كلمة (المحتوى الباطن للحلم) على المعنى الخفي الذي نصل إليه عن طريق الأفكار المترابطة. ولننظر بعد ذلك في العلاقة التي بين المحتوى الظاهر والمحتوى الباطن في الأمثلة السابقة. نرى في المثال (1) أن المحتوى الظاهر للعنصر الذي اختبرناه من الحلم عبارة عن جزء صغير من المحتوى الباطن، ولكنه جزء قائم بذاته أي أن قطعة صغيرة من بناء عقلي ضخم في منطقة اللا شعور قد استطاعت أن تتخذ طريقها إلى المحتوى الظاهر. وقد تبدو هذه القطعة في أحيان أخرى على هيئة إشارة أو تلميح إلى شيء مجهول. ومهمة التفسير هي العمل على إتمام هذا البناء العقلي الذي تنتمي إليه تلك القطعة أو ترمز إليه تلك الإشارة. أما في المثال (ب) فإننا نعثر على علاقة من نوع جديد. فالمحتوى الظاهر ليس تحريفاً للمحتوى الباطن بالقدر الذي هو تمثيل له، ولكنه تمثيل بصري، أي أن الأفكار والكلمات في المحتوى الباطن يستعاض عنها بصورة بصرية في المحتوى الظاهر

والآن هل في استطاعتكم أن تقدموا في شجاعة على تفسير حلم تام بأكمله؟ دعوني أقص عليكم حلماً غير غامض تماماً ولكنه على أية حال يعطينا فكرة واضحة عن خواص الأحلام، ولنر إن كنا أصبحنا معدين لهذا العمل أم لا؟

رأت سيدة متزوجة منذ بضع سنوات الحلم الآتي: (رأت نفسها كأنما في أحد المسارح مع زوجها بينما كان نصف القاعة تقريباً خالياً من النظارة. وقد أخبرها زوجها أن صديقتها (أليس) وخطيبها قد أرادا الحضور، ولكنهما لم يجدا غير أماكن رديئة، ثلاثة مقاعد بفلورن ونصف، ولذا رفضا بالطبع شراءها. وقد أجابت السيدة إنهما في رأيها لم يخسرا كثيراً بعدم الحضور).

كان أول شيء روته السيدة التي رأت هذا الحلم أن هناك إشارة في المحتوى الظاهر إلى السبب الحقيقي الذي أدى إلى هذا الحلم؛ فقد أخبرها زوجها فعلا في اليوم السابق أن جارتها (أليس) التي تقاربها في العمر قد تمت خطوبتها وقد جاء الحلم كرد فعل لهذه الأخبار. والآن كيف تفسر خلو نصف القاعة من النظارة؟ تقول الحالمة إن هذا العنصر يشير إلى حادثة حقيقية وقعت لها في الأسبوع الماضي. فقد أرادت السيدة أن تشاهد إحدى المسرحيات فحجزت المقاعد مقدماً مما اضطرها إلى دفع مبلغ إضافي في نظير الحجز. ولكنها عندما ذهبت إلى المسرح رأت أن تسرعها بالحجز كان من غير محله، لأن ناحية بأكملها من القاعة كانت خالية تقريباً. فلم يكن هناك داع إذاً للعجلة، وكان في استطاعتها لو تمهلت أن تشتري التذاكر ليلة التمثيل، وقد اتخذ زوجها هذه الحادثة مدعاة للتسلية والتفكه على حسابها مما أحنقها. والآن كيف نفسر الفلورن والنصف؟ يشير هذا العنصر إلى مادة غير المادة السابقة ولكنه كذلك يرجع إلى أخبار تلقتها الحالمة في اليوم السابق. فقد تلقت أخت زوجها مبلغاً وقدره 150 فلورن من زوجها على سبيل الهدية فأسرعت كالطائشة بالذهاب إلى محل لبيع الحلي حيث أنفقت المبلغ كله في شراء قطعة من الحلي. أما عن العدد ثلاثة (ثلاثة مقاعد) فلم تستطع الحالمة أن تعطينا فكرة عنه اللهم إلا أن الفتاة المخطوبة (أليس) كانت تصغرها بثلاثة شهور فقط بينما هي متزوجة منذ عشر سنوات. أما عن الجزء الغير معقول في الحلم وهو أنها اشترت ثلاث تذاكر لشخصين فقط، فلم تستطيع الحالمة أن تفسره لنا أو تعطينا أية معلومات أو أفكار أخرى بعد ذلك.

ومع هذا فقد استطعنا أن نحصل من هذه الأفكار القليلة التي أعطتنا إياها على المادة اللازمة للكشف عن المحتوى الباطن للحلم. فمما يلفت النظر أن هناك دائماً إشارة إلى الوقت في مواضع مختلفة من رواية السيدة فهي تشتري تذاكر المسرح (مبكرا) وتشتريها على (عجل) مما يضطرها إلى دفع مبلغ إضافي. وكذلك أخت زوجها قد عجلت بالذهاب إلى بائع الحلي لتشتري حلية بالمبلغ الذي معها كأنما هي تخشى أن (تفقد شيئاً) فإذا ربطنا بين هذه النقاط وبين الأسباب التي أدت إلى هذا الحلم (أي الأخبار التي تقلها السيدة من أن صديقتها التي تصغرها في العمر بثلاثة شهور فقط قد استطاعت مع هذا أن تحصل الآن على زوج صالح) وبين النقد الذي يتمثل في الخشونة التي استخدمتها في اتهام أخت زوجها بالحماقة والطيش لتهورها؛ فأننا نستطيع أن نحصل على التركيب الآتي للمحتوى الباطن الذي جاء المحتوى الظاهر بديلا محرفاً له: -

لقد كان من (الحماقة) أني تسرعت هكذا بالزواج فها هي أليس تضرب لي المثل على أنه كان من استطاعتي أنا أيضاً أن أجد لي زوجا فيما بعد. (التسرع ممثل بتصرفها في شراء التذاكر وبتصرف أختها في شراء الحلي. أما الزواج فممثل بالذهاب إلى المسرح). هذه هي الفكرة الرئيسية. وقد نستطيع أن نتابع التحليل، ولكن في ثقة أقل لأن التحليل في مثل هذه الحالات يحتاج إلى أن يدعم برواية السيدة الحالمة نفسها، فنقول (ولقد كان في استطاعتي أن أعثر بنفس المبلغ على زوج أفضل مائة مرة) (150 فلورن تساوي مائة مرة الفلورن والنصف). فإن استعضنا عن المال الرديئة والحلي تمثل الزوج. ولقد كنا نود لو كان في استطاعتنا أن نرى صلة بين الثلاث تذاكر والزوج، ولكن معلوماتنا للآن لا تؤهلنا لمثل هذه المعرفة. والذي استطعنا أن نعرفه فقط هو أن الحلم يمثل إنقاصاً لقدر زوجها وأسفاً على زواجها المبكر.

أظن أننا سنكون أقرب إلى العجب والارتباك منا إلى الاقتناع بهذه النتيجة التي وصلنا إليها في محاولتنا الأولى لتفسير الأحلام. فهناك أفكار كثيرة تفرض نفسها علينا بالقوة قبل أن نكون على استعداد بعد لتلقيها. وعلى هذا أرى أن نشرع على الفور في البحث عن النقط التي قد نجد فيها مادة جديدة من المعرفة: -

أولا: نلاحظ أن أهم ما في المحتوى الباطن هو عنصر التسرع والعجلة، ولكن المحتوى الظاهر على العكس لا أثر فيه لهذه الصفة بالمرة، ولولا التحليل لما داخلنا الشك مطلقاً في أن هذه الصفة تلعب أي دور. وعلى هذا يبدو لنا أنه من الجائز أن النقطة الرئيسية التي تدور حولها الأفكار اللاشعورية قد لا يوجد لها أثر إطلاقاً في المحتوى الظاهر.

ثانياً: لاحظنا أن هناك ارتباطاً لا معنى له بين الأفكار في المحتوى الظاهر (ثلاثة تذاكر لشخصين) كما أننا لاحظنا أن المحتوى الباطن يحتوي على الفكرة (لقد كان من الحماقة أن أتزوج مبكراً) ألا نستطيع أن نستنتج من ذلك أن الفكرة (لقد كان من الحماقة) قد استعيض عنها في المحتوى الظاهر بإدخال عنصر تافه لا معنى له في الحلم؟

ثالثاً: نلاحظ أن العلاقة بين المحتوى الظاهر والمحتوى الباطن ليست من النوع البسيط الذي يحل فيه المحتوى الظاهر محل المحتوى الباطن دائماً. وإنما هي من النوع المركب الذي يجوز فيه أن يمثل المحتوى الظاهر عدداً من المحتويات الباطنية أو بالعكس يستعاض عن المحتوى الباطن بعدد من المحتويات الظاهرة.

أما بالنسبة إلى المعنى الإجمالي للحلم فقد اعترفت السيدة فعلا بالتفسير ولكنها عجبت له؛ فهي لم تكن على علم بأنها تحمل لزوجها مثل هذا الشعور بالاحتقار، بل لم تدر ما الداعي بالمرة للحط من قدره بهذا الشكل. ومعنى ذلك أنه مازال أمامنا كثير من المعميات لا نعلم عنها شيئاً، وعلى هذا أظن أننا لسنا معدين بعد الإعداد الكافي لتفسير حلم كامل وأننا مازلنا في حاجة أولا إلى كثير من الاستعداد والمعرفة.

محمد جمال الدين حسن