مجلة الرسالة/العدد 717/محاضرات في التفسير
→ الأدب في سير أعلامه: | مجلة الرسالة - العدد 717 محاضرات في التفسير [[مؤلف:|]] |
نقل الأديب ← |
بتاريخ: 31 - 03 - 1947 |
للأستاذ علي العماري
تحتفل قاعة المحاضرات بدار الحكمة في يوم الأربعاء من كل أسبوع بنخبة ممتازة من رجال العلم والأدب في القاهرة يستمعون إلى أحاديث في تفسير القرآن الكريم يلقبها طائفة من العلماء الأعلام، سمعنا منهم إلى الآن فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الوهاب خلاف والدكتور عبد الوهاب عزام بك والأستاذ عبد الوهاب حمودة، ومع إنهم أسمعونا الطيب المعجب، وطالعونا بأساليب جديدة في تأويل الآيات وفهمها وتفهيمها، ومع إننا نحب أن نسمعهم كثيراً إلا إننا مع ذلك نحب أن نسمع غيرهم من كبار المشتغلي بدراسة القرآن الكريم، فإننا اليوم في حاجة إلى الإطلاع على أكثر من أسلوب في هذا التفسير خصوصاً وقد زاد تنبه الأذهان إلى ضرورة وضع تفسير جديد سهل المأخذ قريب التناول خالياً من تلك الأساطير التي ملأ بها المفسرون كتبهم، وليس القول في قلة جدوى هذه التفاسير، وعدم غنائها من مواليد هذا العصر ولكنه قديم، فقد أنحى بعض العلماء الفضلاء عليها باللائمة، ومن هؤلاء إمام البلاغة الشيخ عبد القاهر الجزجاني فقد قال في كتابه دلائل الإعجاز (ومن عادة قوم ممن يتعاطى التفسير بغير علم أن توهموا أبداً في الألفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل إنها على ظواهرها فيفسدوا المعنى بذلك ويبطلوا الغرض ويمنعوا أنفسهم والسامع منهم العلم بموضوع البلاغة وبمكان الشرف، وناهيك بهم إذا هم أخذوا في ذكر الوجوه وجعلوا يكثرون في غير طائل. هناك ترى ما شئت من باب جهل قد فتحوه، وزند ضلالة قد قدحوا به. ونسأل الله تعالى العصمة والتوفيق).
ونحن اليوم أكثر معرفة بهذه الأبواب المفتوحة من الجهل في بعض التفاسير، وأشد حاجة إلى أسس جديدة صحيحة غير هذه الأسس القديمة، وهذه المحاضرات تبشر ببداية حسنة، ففيها من دقة الفهم، وجمال العرض والبعد عن الفضول ما يجعلنا نؤمل أن تكون خطوة أولى في سبيل وضع هذا التفسير المرتقب، ويا حبذا لو قام المشرفون على تنظيم هذه المحاضرات بطبعها حتى تذيع وتنتشر ويعم بها النفع.
وقد استمعت في آخر مرة إلى فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الوهاب خلاف يفسر الآيات الأولى من سورة آل عمران، وقد أعجبت به إعجاباً ملأ نفسي، غي إني كنت أود أن أناقشه في بعض ما عرض له، وقد لقيته بعد المحاضرة فاعتذر بأنه متعب فرأيت عرضها على صفحات الرسالة الغراء، ذكر الأستاذ - كغيره - إن القرآن اشتمل على كثير من السنن الكونية، ولست أريد أن أخالف عليه في هذا، وأن أعيد ما قاله جماعة من كبار العلماء وفندوا به هذه النظرة إلى القرآن فلكل وجهة، وقال إن القرآن صريح في الدلالة على هذه الحركة وذكر قوله تعالى (وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون) وربما تعجب معي كيف ذهب على المحاضر - وهو رجل فاضل - موضع هذه الآية من القرآن، ولكن هذا يدلنا أكبر الدلالة على استيلاء النقص على جملة البشر، والعرب يقولون في أمثالهم (قد يكبو الجواد). هذه الآية في سورة النمل تصور حالة من أحوال يوم القيامة (يوم يكون الناس كالفراش المبثوث، وتكون الجبال كالعهن المنفوش) وكما قال تعالى في سورة الكهف (ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً) جاءت هذه الآية في هذا السياق (ونفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، وكل أتوه داخرين، وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون) فليس بخاف أن الآية تذكر حالة من أحوال ذلك اليوم وليس فيها أية إشارة إلى حال الجبال في الدنيا وقد بدا لبعض من ناقشته في هذا الأمر إن قول الله تعالى (صنع الله الذي أتقن كل شيء) فيه دليل على إنه هذه الرؤية مما يكون في الدنيا وإليه ما قاله الإمام الزمخشري في تفسيره الكشاف (صنع الله. يريد به الإثابة والمعاقبة، وجعل هذا الصنع من جملة الأشياء التي أتقنها وأتى بها على الحكمة والصواب حيث قال (الذي أتقن كل شيء) يعني إن مقابلته الحسنة بالثواب، والسيئة بالعقاب من جملة إحكامه للأشياء، وإتقانه لها، وإجرائه لها على قضايا الحكمة إنه عالم بما يفعل العباد وبما يستوجبون عليه فيكافئهم على حسب ذلك).
على العماري