مجلة الرسالة/العدد 714/غروب شمس
→ نقل الأديب | مجلة الرسالة - العدد 714 غروب شمس [[مؤلف:|]] |
الأدب والفن في أسبوع ← |
بتاريخ: 10 - 03 - 1947 |
للأستاذ كامل الصيرفي
(مهداه إلى روح شقيقتي الوحيدة التي رجعت إلى ربها راضية
مرضية).
تركت الدار موحشة الجناب ... ورحت وأنت في شرخ الشباب
دفنتك في التراب وكنت عندي ... أعز الخاطرين على التراب
وأودعت الثرى كنزاً ثميناً ... من الأخلاق والشيم العذاب
وغاب مع السكون الجهم صوت ... على نبراته يغفو اضطرابي
وغيب في ظلام القبر نور ... وخلف لي لهيبا من عذاب
يؤرقني غيابك من حياتي ... وما أقسى مرارات الغياب!
تلمست النجاة فرحت جسما ... طري العود خفاق الإهاب
وعدت إلى لا نفس خفوق ... ولا روح يلطف من مصابي
ولو أني استطعت بذوب قلبي ... فديتك من أعاصير التباب
أنادي بأسمك الغالي، ولكن ... أراك عييت عن رد الجواب
وكنت إذا سكت ملأت نفسي ... بألوان الحديث المستطاب
أنادي. . . والأنين رجيع صوتي ... وأهتف والجواب صدى انتحابي
وتغلبني الدموع. . . وأي صبر ... يقر أمام دمع في انسكاب!
وأي مصيبة نزلت بساحي! ... وأي رزيئة وقفت ببابي!
وما بالهين الخطب افتقادي ... أعز الأقربين إلى انتسابي
فقدتك وافتقدت عزاء نفسي ... وكنت لي العزاء وقد خلا بي!
أراك - وقد أراك الموت حلما - ... بسمت فقد خلصت من العذاب
رؤى الدنيا كواذب خادعات ... وقد صبغت بألوان كذاب
نساق إلى مفاتنها، ونمضي ... مضي المصحرين إلى السراب
ونعشو كالفراش على شعاع ... جحيمي الحرارة واللها نؤمل ما نؤمل ثم تطوى ... مع الأنفاس آمال خوابي
تعللنا بمعسول الأماني ... وتمزج بالتعلة كل صاب
ونأخذ من يد الأيام كأساً ... تداول بالقديم من الشراب
نجرعه وليس لنا سبيل ... إلى الشكوى من الألم المذاب
وتسلبنا الأعز، وليس حرص ... بمانع كفها من الاغتصاب
مضت بالأولين، وسوف تمضي ... بنا وبغيرنا من كل باب
نعيش وحولنا أهل وصحب ... ونحن من الحياة على اغتراب
وما حمل المرارة غير حي ... زواه الموت عن هذا الركاب
يشيع نفسه في كل حين ... وراء الراحلين من الصحاب. .!
شقيقتي العزيزة! لست أدري ... أكنت خيال وهم في عبابي؟!
أسائل موج أيامي أكانت ... ليالينا بها خفق الشهاب؟!
وكنا ناعمين على سبوح ... رخي الريح يمرح في انسياب
يوحدنا الحنان الجم حتى ... كأن رغاب نفسك من رغابي
فلم يعصف برحلتنا خلاف ... ولم نعزف لجاجات الشغاب
ولم يلمم بنفسينا خصام ... ولا خطرات بنا نسيم العتاب
فمالك قد قطعت سراك منها ... وعوجل نجم عمرك باحتجاب؟!
وروع ليلنا الزاهي بفجر ... دميم الوجه مهتوك النقاب
وهبت في الصباح الطلق ريح ... تسوق إليه داكنة السحاب
وزلزت السفينة وهي تمضي ... تشق عباب أمواج غضاب
منكسة الشراع كأن نعشاً ... سرى في اليم ما بين اصطخاب
تمر بها العواصف معولات ... كأن سبيلها أحشاء غاب
وقهقهت المقادر وهي تبدو ... مسلحة بأظفار وناب
فألقى بي الأسى في غير وعي ... شريد الفكر مشدوه الصواب
أجوب الشاطئين غريب دار ... مطلسمة المعالم والشعاب
كأن نسيمها أنفاس جن ... وأن حفيفة صمت اليباب! محا منها البشاشة هول يوم ... أساء إلى مغانيها الرطاب
شقيقتي العزيزة! أي خطب ... بليت به ولم يك في حسابي!
كتاب حياتك اختتمته بلوى ... فكان الرزء خاتمة الكتاب
طويل فصوله سنة وحلم ... سريع الخطو ومضى الوثاب
طواه الموت مخترماً عجولا ... كما يطوى الحديث بالاقتضاب
وكانت قصة القدر المعمي ... وكانت قصة الزمن المحابي
صبرت على متاعبها، وكانت ... شجونك في فؤادي كالحراب. . .
شقيقتي العزيزة! أي ذكرى ... معطرة سمت عن كل عاب!
حديثك في فم الأهلين شهد ... وبعدك عن ديارك كأس صاب
وما عودتني في العيش نأياً ... فكيف وقد رحلت بلا إياب!
ذهبت شهيدة للقاء رب ... كريم الأجر مرجو الثواب
حملت على يديك كتاب طهر ... وعفة خاطر، وتقى شباب
رحلت وأنت باسمة رضاء ... وما خلفت لي إلا اكتئابي
سأمضي بعد موتك في حياتي ... كما يمضي المغامر في الضباب
خلت من كل سلوان وشاهت ... وقد ضاقت بأحزاني رحابي. . .
حسن كامل الصيرفي