الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 712/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة/العدد 712/الأدب والفن في أسبوع

بتاريخ: 24 - 02 - 1947


مؤتمراتنا الثقافية

وافقت وزارة الخارجية اللبنانية على ما قررته اللجنة الثقافية بجامعة الدول العربية من عقد مؤتمر ثقافي بلبنان في فصل الصيف المقبل، وهذا هو المؤتمر الثاني من نوعه، فقد سبق أن عقد المؤتمر الأول بدمشق في العام الماضي على ما أذكر.

وكذلك وافقت الحكومة اللبنانية على عقد مؤتمر الصحافة العربية بلبنان في الصيف المقبل على أن تتكفل بنفقات المؤتمر والمؤتمرين.

والذي يعنينا من هذا أن نسجل هذه الظاهرة الطيبة التي تؤدي إلى توثيق التعاون الثقافي بين الأقطار العربية، وإذا ضممنا إلى هذا ما يجري كل عام من عقد مؤتمر عربي للمحامين، وآخر للأطباء ازداد تقديرنا لهذه الظاهرة الطيبة، وتفاءلنا بذلك الشعور العميم الذي هو ثمرة من ثمرات اليقظة الفكرية، ودعامة من دعامات الجامعة العربية. فإن اللغة العربية لا شك أقوى مقومات الجنسية العربية، وهي الأساس لما يتفرع عنها من مقومات الدين والتقاليد والتاريخ والاختلاط بين أبناء العروبة في شتى الأقطار، ونحن إذ نبارك هذه المؤتمرات ونحث على التوسع فيها نرجو أن تكون سريعة الأثر والتأثير، وأن لا تطاول الزمن فيما تهدف إليه من المقاصد والغايات، وأن لا تتناول الأمور على الوضع الذي يجري في اللجان الحكومية، فإننا كما هو معلوم في عصر السرعة الخاطفة، فلا سبيل إلى السير إلا بالقفز والتوثب، والجرأة والإقدام. .

في ذكرى الأفغاني

منذ شهرين أهبنا بأبناء الشرق العربي ورجال الجامعة العربية أن ينهضوا للاحتفال بذكرى باعث الشرق المغفور له السيد جمال الدين الأفغاني بمناسبة مرور خمسين عاما على وفاته، وقلنا إن أقل ما يجب في هذا الشأن أن يحتشد أبناء الشرق العربي في إقامة مهرجان لذلك الرجل يستمر أسبوعا على أن تتولى رعاية هذا المهرجان الجامعة العربية وتشارك فيه سائر الجمعيات العلمية والهيئات الثقافية. قلنا هذا منذ شهرين ولم يبق على يوم الذكرى إلا أيام، وكل ما تحركت له الهمم أن تألفت لجنة من حضرات السادة: محمد علي علوبة باشا والدكتور عبد الوهاب عزام بك والشيخ محمود شلتوت ومحمد صلاح الدين بك وعزيز خانكي وإسماعيل مظهر ومحمد خالد للاحتفال بهذه الذكرى، على أن هذه اللجنة لم تحدد برنامجها بعد.

ونحن إذ نشكر لهؤلاء السادة غيرتهم ووفاءهم نعود فنسأل: وأين الجامعة العربية، وأين الأزهر، وأين جامعتا فؤاد وفاروق، وأين جمعية الشبان المسلمين، وجمعية الإخوان المسلمين، وأين المجمع العلمي العربي في دمشق والجماعات التي لولا الأفغاني لما كانت ولما تيقظت الضمائر لإقامتها إلى اليوم؟!

أن الشرق العربي في موقف هو أشد ما يكون حاجة فيه إلى التذكير بالأفغاني وبتعاليمه في الحرية والإباء والنضال عن الكرامة، ونحن إذ نذكر الأفغاني لا نكبره، فقد استوفى مكانته من تقدير التاريخ، ولكنا نكبر أنفسنا، وندل على أننا أوفياء نقدر الجميل لصاحبه، ونعرف فضل آبائنا فيما أسدوا إلينا وأجدوا علينا.

وآسفاه! لقد كانت آخر صيحة للأفغاني في حياته تلك الصيحة الأليمة اليائسة إذ يقول: (إن المسلمين قد سقطت هممهم ونامت عزائمهم، وماتت خواطرهم، وقام شيء واحد فيهم، وهو شهواتهم). فهل لا تزال هذه الصيحة كلمة حق، وهل لنا أن نلقي بها في وجه أولئك الجاحدين الناسين، إننا والله نرجو أن لا يكون ذلك.

لغة. . . وأسلوب!

طالعت هذا الأسبوع في مجلة أدبية تصدر في بيروت مقالا لأديب بعنوان (عودة بتهوفن) استهله بقوله:

(عند الشاطئ المغناج، وفي المنحنى البعيد، وخلف تلك الخواطر والخيالات. . . أصابع بتهوفن. . .)

(في عيون سمار الليالي، ومهج السكارى الشاعرين، وحلق العصافير، وبحات النهور، وندب القصب. اختلاجات ودوسات بتهوفن. . .)

(في حرير النسمات، ومجاري العبرات، يقطن بتهوفن ليستحم في كل عين ويجفف جسمه في كل جفن ورمش. . .)

والمقال كله من هذا القبيل، حروف عربية وكلمات عربية أيضا، ولكنك لا شك حائر معي في فهم هذه اللغة وفقه هذا الأسلوب.

وأنا رجل والحمد لله قد درست العربية، ووقفت عليها حياتي، واستوفيت ما كتبه علماء البلاغة والنقد في فهم الأساليب، وإدراك أسرارها، ولكني أشهد الله عاجز كل العجز عن فهم هذا الأسلوب المعجز، الذي لا أول له يعرف، ولا آخر له يوصف. . . فيا ضيعة العمر والجهد، إذ أجدني بعد طول ما بذلت وأفنيت عاجزا عن فهم مقال في صحيفة أدبية. . .

ولا أكتم القارئ أني سألت صديقا لبقا أن يعينني على فهم هذا الأسلوب، فقال لي الصديق الماكر: حسبك يا أخي فإنه أسلوب الصم البكم، وفيه ما يسميه البلاغيون (بمراعاة النظير) فقد كان بتهوفن على ما يروون أصم وكانت كل عبقريته في اللحن، فكان من براعة الكاتب أن تحدث عنه بهذا الأسلوب الأصم الملحون. . .

هذا ما قاله الصديق والعهدة عليه، ولكني والله ما زلت حائرا في فهم هذا الأسلوب (المعجز) الذي يكتب به إخواننا الذين يعيشون في (تل من الخواطر والخيالات).

وآخر بريطاني!

في الأسبوعين الماضيين وصل إلى مصر مسيو ديهاميل الأديب الفرنسي الكبير كما عرف القراء مما كتبنا عنه وقام بإلقاء سلسلة من المحاضرات في الأحاديث عن الثقافة الفرنسية وما أدت من خدمات للشرق العربي، ثم طار في نهاية الأسبوع الماضي إلى الجزائر لإتمام رحلته في أداء مهمته. وفي هذا الأسبوع وصل إلى مصر الأديب الإنجليزي الكبير مستر ريموند مورتا يمر لإلقاء سلسلة من المحاضرات في القاهرة والإسكندرية وأسيوط عن الأدب في العصر الفكتوري، وعن الرواية في الأدب الإنجليزي الحديث، ويقولون إنه بعد أن يفرغ من أداء هذه المهمة سيطير هو الآخر إلى قبرص لإلقاء سلسلة محاضرات هناك. .

وأنا أعرف أن الأدب لا وطن له، وأن مودة الفن والثقافة أكبر وأعظم من أن يحدها وضع جغرافي، ولكني أعتقد أيضاً أن القارئ لا يطيق أن يلقى بالا لأديب يبغضه ويمقته، ولا شك أن هؤلاء الدعاة الذين يتوافدون علينا لتزجية الأحاديث الأدبية والثقافية يقدرون هذا، ويقدرون أننا في موقف نضال عن حريتنا وكرامتنا التي يأبى الاستعمار الإنجليزي والفرنسي إلا تقييدها وإذلالها، فليس من المعقول أن يطربنا الأديب الإنجليزي الكبير بأحاديث الأدب في العصر الفكتوري، والرواية في الأدب الإنجليزي الحديث. لأن أحاديث مستر بيفن الاستعمارية لم تترك لذلك مكانا في قلوبنا وعواطفنا. .

أجل! لقد كنا نود أن نستمع لأحاديث الكاتب الإنجليزي الكبير، ولكن الاستعمار الإنجليزي قد سد آذاننا، فليس الذنب ذنبنا.

(الجاحظ)