مجلة الرسالة/العدد 708/رحم الله أُودلْف هتلر!
→ ../ | مجلة الرسالة - العدد 708 رحم الله أُودلْف هتلر! [[مؤلف:|]] |
مصر هي السودان ← |
بتاريخ: 27 - 01 - 1947 |
رب يوم بكيت فيه فلما=صرت في غيره بكيت عليه!
كان هتلر - سقى الله ضريحه إن كان له ضريح - رجلا صحيح النية صريح الرأي يقول لنفسه المكروبة بعدما أجال النظر في معاهدة فرساي: تحن جياع وفي رءوسنا الفكر، وفي صدورنا العلم، وفي أيدينا العمل؛ والآخرون شِباع وفي رءوسهم المكر، وفي صدورهم الحقد، وفي أيديهم السرقة؛ فما الذي أجاع العالم وأشبع الجاهل، وأفقر العامل وأغنى المحتال؟
وفي ساعة من ساعات التجلي، وفي حانة من حانات (ميونيخ) ألقى عليه الجواب أن الذي أسغب هنا وأتخم هناك، إنما هو رأس المال! ورأس المال لفظ معناه اليهود وسماسرتهم من هذه الطفيليات التي تعيش على دم المجتمع كما يعيش البعوض والقمل على دماء الناس. فإذا قطعت (رءوس الأموال) قطعت الألسنة التي تكذب، والأيدي التي تسرق، والأسباب التي تفرق. وعلى ذلك حكم المرحوم بالإعدام على وايزمان ورينو وتشرشل! ولو شاء ربك السلام للأرض والوئام للناس نقض هذا الحكم رزفلت واستالين. ولكنه لأمر يريده قضى أن يشنق القاضي ويطلق المجرم! ولو كان في قدر الله أن يكون هتلر قاضي (نورمبرج) لما كان لفلسطين قضية، ولا للسودان مشكلة، ولا في شمال أفريقيا مأساة، ولا في الهند الصينية مجزرة.
مَن هؤلاء الملقون بجثثهم على موارد المسلمين في مراكش والجزائر وتونس وطرابلس، يخضمون أرزقهم خضم الخنازير، ويحتلون بلدانهم احتلال الصراصير، ويفسدون أخلاقهم إفساد الأرضة، ومَن هؤلاء الوالغون في النيل الطهور من منبعه إلى مصبه، يسممونه بالجراثيم، ويكدرونه بالشوائب، ويتحرشون على أهله التماسيح والأفاعي؟ ومن هؤلاء الجاثمون على صدور العرب في فلسطين والعراق، يبيحون العدو ذمارهم، ويمنحون الغريب ديارهم، ويتصرفون في شؤونهم تصرف القيم السفيه؟
هم الفرنسيون طلقاء الحلفاء وعتقاء القدَر الذين يزعمون أنهم أعلنوا حقوق الإنسان، وأقاموا صروح الحضارة، وعبدوا طرق الثقافة، وورثوا اليونان في الآداب والرومان في القوانين وهم الإنجليز أموات دنكرك وأحياء العلمين وصنائع الحظ الذين لا يزالون يتبجحون بأنهم رسل الحرية وجنود الديمقراطية ومنقذو العالم من طغيان نابليون وغليوم وهتلر.
فليت شعري متى تنكشف أغشية الغرور عن قلوب هؤلاء المساكين فيعلموا أنهم لم ينتصروا، وأن خصومهم النازيين لم يكسروا؛ إنما انتصر الضمير الإنساني فلن يجوز عليه خداع، وانهزم الروح الاستعماري فلن يغني عنه بعد ذلك دفاع!
وما أجدر الذي يتنكر اليوم لمصر الكريمة أن يعرف أن الفلك لا يجري بأمره، وأن البحر مهما ارتفع مده فلا بد من جزره!!
أحمد حسن الزيات