الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 708/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 708/البريد الأدبي

بتاريخ: 27 - 01 - 1947


الكتاب المريب:

مجلة (المقتطف) من المجلات العزيزة على كل مثقف، يعرف تاريخها المجيد، وتقاليدها العلمية النبيلة ولكنها - مع الأسف - تعاني في هذه الأيام أزمة قاتلة من هذه الناحية، كما أنها تحتضر وتوشك على البوار. وذلك من جراء إشراف الأستاذ إسماعيل مظهر عليها، بعد ما كان يشرف عليها من قبل من يعرفون كيف يحافظون على تلك التقاليد.

ولقد كان من أول هذه التقاليد ألا تشتم الناس، وألا تهاتر مهاترات الوريقات الرخيصة، فجاء الأستاذ مظهر يحيد بها عن منهجها، ويقودها إلى الموت الوشيك الذي يأسف له كل من أحبوا هذه المجلة في تاريخها الطويل. أولئك الذين يرجون الله أن يقيض لها من ينتشلها من وهدتها، فلا تصير إلى ما صارت إليه (مجلة العصور) على يد الأستاذ رئيس التحرير!

ولقد سمح الأستاذ مظهر أن ينشر في العدد الأخير من المقتطف شتيمة واطية لجميع من تعرضوا لنقد ذلك الكتاب المريب: (الأغلال) ومن بينهم كاتب هذه السطور. وسواء كان هذا الذي نشر من قلمه، وقد أخزى أن يوقعه، فرمز إلى نفسه بتوقيع (مسلم حر). أو كان بقلم ذلك الرجل المريب صاحب الكتاب - كما يبدو - فإن الأستاذ مظهر هو المسؤول عن تمريغ المقتطف في هذا الوحل.

وكل ما قاله كلام مضحك. وهو منشور في مجلة محتضرة - بفضل رئيس التحرير - فلأعد له نشره في مجلة يقرؤها الناس، فلعل هذا يرضيه، ولعله كذلك يضحك القراء.

قال الرجل المريب أو قال رئيس التحرير:

(وثمة خصم ثالث لهذا الكتاب. وهو رجل يتعاطى صناعة الأدب الصناعي؛ ولكن مقاومته لهذا الكتاب، والأسلوب الذي اختاره للمقاومة، كانا برهانين على براءته من كل صلة بالأدب بكل معانيه ومبانيه).

أفادكم الله يا مولانا!!!

لقد انتهى (سيد قطب)، فما عاد له في عالم الأدب وجود، بعد هذا الكلام المفيد. فلا حول ولا قوة إلا بالله! أما بعد، فذلك الكتاب المريب قد انتهى. واسأل يا مولانا من شئت من الناس، فستعلم صدق هذا الذي أقول. انتهى لا لأنني كتبت عنه كلمة أو أكثر. ولكن لأنني (كشفت) فقط عن مدى (نظافته) وعن جراثيم الفناء فيه!

ولست - بعد هذا - أوافق على إيصال الأذى الشخصي لصاحبه، كما اقترح بعض النجديين والمصريين، فهو وصاحبه أهون من ذلك جدا. وليس الإيذاء الشخصي علاجا وأنا أكره مصادرة حرية الناس الفكرية، ولو كان الذي يكتبونه تفح منه روائح غير نظيفة فالموت الأدبي الذي لقيه الكتاب وصاحبه يكفي، مل لم تثبت على الرجل جريمة أخرى غير نظيفة يتناولها القانون العادي، وإني لأحسبه أحرص من أن يترك أدلة مادية!

أما أنت يا أستاذ مظهر - وأنا أسميك باسمك ولقبك ولا أشير إليك كما أشرت إلى، لأن الأدب الواجب يحتم على الناس المؤدبين ذلك - أما أنت فأنا شديد الرثاء لك.

إنني أعلم تلك العقدة النفسية التي توجهك. إنها عقدة الفشل، الفشل في كل مشروع هممت به. وأنت تعزو إلى رجال الدين تبعة هذا الفشل في حياتك. . . فكل شتم للدين ورجاله يغذي هذه العقيدة فيك. فلا تسأل بعدها إن كان نظيفا أو غير نظيف، محقا أو غير محق. ومن هنا تعصبك لكاتب مريب وكتاب غير نظيف، وأنت في هذا تستحق المرثية، فالكاتب لا يحارب الدين وحده، ولكنه ينعى على كل خلق نظيف، ويسمى الضمير والخلق والمروءة وما إليها (أغلالا)، ثم يهدف إلى إخضاعنا الدائم للمستعمرين. والناس يعرفون من ماضي الرجل وتاريخه ما يخزي، ويعرفون ما لا أستطيع نشره لأنه يقع تحت طائلة القانون، وأنت مندفع مع عقدتك النفسية. فالله يرحمك ويرحم المقتطف والسلام.

سيد قطب

كلمة في بيت:

قرأت كلمة الأستاذ محمد أحمد عيد في عدد الرسالة (707) تصحيحاً لخطأ وقعت فيه في نص قول الشاعر: (فقالت من أي الناس أنت؟ ومن تكن؟) إذ جعلت: (من تكن) استفهاماً وهو شرط، كأنه قال: (ومهما تكن، فإنك راعي صرامة لا يزينها). والبيت بهذا التصحيح أدق معنى وأبلغ في سياقه العاطفة التي أوحت بالشعر. ويكون قولي في شرحه أيضاً خطأ.

وأنا لا أزال أشكر الأخ الكريم على حسن تسديده للمخطئ، وكمال أدبه في دقة القراءة. وقد أحسن إلي من حيث أساء غيره ممن جعلهم الله على مدرجة المثل الذي جرى على لسان الأوائل، والذي وضعوه لمن يضع نفسه حيث لا يستأهل، وهو قولهم: (متى كان حكم الله في كرب النخل!!).

على أني أحب أن أقول قولا آخر أخشى أن يكون له وجه وإن كنت أوثر هنا القول الأول، وهو أن الفعل ككثير من الأفعال التي كثر استعمالها، قد تلعب به العرب لكثرة دورانه على ألسنتها، حتى حذفوا منه الحرف الذي لا يحذف من أمثاله كقولهم (لم يك) في (لم يكن) وهو حرف من نفس الفعل. فلست أرى ما يمنع هذه العرب الجرئية الألسنة، أن تعلب به في الاستفهام في قولك: (من تكون؟) فإنها إذا وقفت عليه كما تقف على قولك: (من تعرف؟) وهي تنوي الرفع، فيكون عندئذ (من تكون؟) فتحذف أضعف أحرفه لالتقاء الساكنين فتقول: (من تكن؟) في الاستفهام أيضاً. وقد فعلت العرب مثل ذلك في وقولك: (لم أبال) فتوهمت الوقف على حرف لا وقف فيه لأن أصله (أبالي) المكسورة اللام من نفس الفعل بعد حذف الياء للجزم، فكانت عندها: (لم أبال) فحذفت الحرف المستضعف في الكلمة وهو ألف العلة وقالت: (لم أٌبل)، واعتمدت ذلك وجرت عليه في غير الوقف.

وكالذي روى عنهم أيضا (رواه سيبويه وغيره) من قولهم (لا أدر) فحذفوا الياء لكثرة استعمالهم له كقولهم: لم أبل ولم يك. قال أبن سيده ونظيره ما حكاه اللحياني عن الكسائي: أقبل يضربه لا بآل، مضموم اللام بلا واو. وقال الأزهري ربما حذفوا الياء من قولهم: (لا أدرِ) في موضع: (لا أدري)، يكتفون بالكسرة منها، كقوله تعالى: (والليل إذا يسرِ) والأصل يسرى. وقال الجوهري بمثل الذي قال به سيبويه أيضا في تأويل الحذف في (لا أدر). وهناك شواهد أخرى لا خير في الإطالة بذكرها.

فهذا رأى عسى أن يكون فيه وجه من الحق، ودلالة على مقطع من مقاطع الصواب. فإن العرب أجرأ على لغتها وأعرف بها وبما ينبغي لها وما لا ينبغي. ولولا ما تبعثر من ذخائر الذاكرة لاعتمدت هذا الرأي بشاهد آخر في هذا الحرف بعينه، كان مر بي فأنسيته. ولعل الأخ يجعل باله إليه عسى أن يجده أو يقع له.

محمود محمد شاكر طريق الهجرة النبوية:

كتب الأستاذ محمد عبد الوهاب فايد في الرسالة الغراء كلمة وجيزة نقل فيها عن (عيون الأثر) و (مجمع الزوائد) أسماء الأماكن والمواضع التي مر بها ذلك الداعي الكريم محمد العظيم عليه الصلاة والتسليم، أثناء هجرته من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة؛ وهو بهذه الكلمة يشارك في تحقيق ذلك المقصد الجليل وهو تحقيق المواضع التاريخية وتحديد مواضعها؛ ولكني ألاحظ أن مجرد سرد هذه السناء في الكتاب أو المقالات، لا يغني كثيرا، فنحن نعرف سلسلة طويلة من هذه الأسماء، ولكنا لو طولبنا بتوضيحها على الخريطة الجغرافية، أو أردنا العثور عليها في مواضعها الحسية، لما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ولذلك أرى فيما يتعلق بتحديد هذه المواضع، ومقابلة أسمائها بمواقعها من البسيطة، أن تنصرف جهود الباحثين والمؤرخين والعارفين إلى تحقيق (المصورات الجغرافية) التي يوضحون عليها مواقع هذه الأسماء، وإلى تنظيم الرحلات العلمية إلى هذه المواقع ليصفوا لنا حاضرها، أو ما أصابها من تغيير بمرور الزمان، وتتابع الحدثان.

ويسرني أن أزف إلى قراء الرسالة الغراء بشرى طيبة، وهي أن الأستاذ المفضل الشيخ محمود السيد الحمصاني - هو مدرس بمدرسة التعاون الإنساني بدمنهور، وقد شاب في سبيل الله والوطن والتاريخ، وضحى بالكثير من ماله وأعصابه قد حقق مواضع القرى والآبار والأماكن التي مر بها النبي ﷺ في هجرته، وأفنى في ذلك سنوات قضاها في الرحلة والبحث والضبط والاستقصاء، ورسم بيده خريطة جليلة مضبوطة سماها (خريطة الهجرة النبوية)؛ وأبان فيها جميع هذه الأماكن، وعلق عليها بقوله: (ليست خريطة الهجرة مجرد شكل يفرح المتأمل لرؤيته، ولكنها إرشاد يوحي بأمجد ذكرى لأكبر حادث في تاريخ البشر، تغير له وجه الأرض بظهور نور الإسلام على سائر الأديان، فما كاد ﷺ يخطو في طريق هجرته حتى بدأت الدنيا تتقلقل، كأنما مر بقدميه على مركز الأرض فحركها، وكانت خطواته تخط في الأرض، ومعانيها تخط في التاريخ، وكانت المسافة بين مكة والمدينة، ومعناها بين الشرق والغرب)!!. . .

وعندي أنه يجب - تقديراً لمجهود الأستاذ محمود الحمصاني، وتشجيعاً لغيره من الباحثين على متابعة التحقيق والضبط - أن تطبع هذه الخريطة، بالملايين، وتوزع على تلاميذ المدارس وطلبة المعاهد، ليستفيدوا منها تاريخيا وجغرافيا، حتى يتسع أفقنا التاريخي، ونحيط علما بأجزاء وطننا الأكبر، وسيرة رسولنا الأعظم.

وبمناسبة هذه الكلمة أذكر أن للأستاذ الحمصاني خريطة ثانية وضح فيها (مناسك الحج)، وخريطة ثالثة وضح فيها مشروعا (لتيسير الحج) عن طريق (رأس بناس) الواقع على ساحل البحر الأحمر، وهو مشروع يجعل الوصول إلى مكة ميسورا في ثلاثة أيام بالسفر الطبيعي، ولذلك المشروع الجليل حديث مفصل قد عرضه صاحبه في مذكرة مطبوعة يرحب بكل من يطلبها منه، فجزى الله العاملين!!. . .

أحمد الشرباصي

المدرس بمعهد الزقازيق الثانوي

من الأستاذ محمود تيمور بك إلى مؤلف (نهاية الطريق):

تحيات خالصة مشفوعة بجزيل الشكر على هديتكم النفيسة (نهاية الطريق) وإني أتقدم إليكم بتهنئتي الصادقة على توفيقكم في هذه المجموعة الفريدة التي راعني فيها طلاوة أسلوبها وما فيه من عذوبة وسلاسة، وما حوته في تضاعيفها من معان طريفة، وخواطر جديرة بالتقدير والإعجاب.

ولا ريب في أنكم بهذه الباكورة الأديبة قد قفزتم قفزة ملحوظة في ميدان الأدب دلت على ما أنتم عليه نبوغ وتفوق في كتابة القصة الحديثة، فأكرر لكم تهنئتي، وأرجو لكم دوام التوفيق، شاكر لكم حسن عواطفكم وجميل التفاتكم.

وتقبلوا خالص مودتي ووافر احترامي.

محمود تيمور