مجلة الرسالة/العدد 7/مشروع تعاون الشباب
→ مجمع البحور | مجلة الرسالة - العدد 7 مشروع تعاون الشباب [[مؤلف:|]] |
في الأدب العربي ← |
بتاريخ: 15 - 04 - 1933 |
صيحة من قلب الشباب لإنقاذ الشباب
للأستاذ حافظ محمود
في الوقت الذي يزاحم القنوط آمال الشباب في ساحة العمل والنشاط قد ارتفع صوت ينادي الشبان إلى الخلاص مما أحاق بحياتهم العملية من ضغط وإرهاق، يقول لهم أن في يد الشباب معجزة الثروة الطائلة إذا هم ادخروا من أموالهم المتواضعة بضعة قروش تحتسب لهم أساساً للمساهمة في إنشاء شركات مصرية صناعية تزيد في كسبهم ناحية لن تزيدهم الأيام إلا سعة وتجديدا.
ذلك هو مشروع تعاون الشباب الذي يتقدم إلى شباب الأمة المصرية بهذه الفكرة الناضجة، يفصل لهم رءوس الأموال تفصيلا، يستطيع كل فتى وكل فتاة إلى الاشتراك فيه سبيلا. فخمسة قروش ما أسهل توفيرها في كل شهر مرة واحدة لمن أراد، وأكثر من مرة واحدة للقادرين!
فحسبنا من المصريين واحد في المائة من تعدادهم يؤمنون بتنفيذ هذه الفكرة. إن واحداً في المائة من خمسة عشر مليونا مصريا إذا ادخروا خمسة قروش لكل منهم شهرياً اجتمع لنا في عام واحد تسعون ألفا من الجنيهات. وهو مبلغ يحسب في تاريخنا الاقتصادي الناشئ بالشيء الكثير. فأنت حين تراجع تاريخ إنشاء بنك مصر وتعلم أنه قام أول ما قام على ثمانين ألفا فقط لا بد واجد من نفسك بعد هذا إحساسا طيبا نحو هذه التسعين ألفا من الجنيهات التي يستطيع شبان المدن المصرية وحدهم أن يدخروها في سنة واحدة من بقايا نفقاتهم النثرية في غير عنت ولا إرهاق.
أن الحركة الاقتصادية هي ميزة العصر الحاضر على كل العصور، ومن الأمثلة التي تساق في هذا البحث أن مصر تستورد سنويا من الخارج بما يقرب من المليون جنيه غرائر (زكائب) خشنة ساذجة، مع مصلحة التجارة والصناعة بعد درسها لصناعة الغرائر علميا قد تبينت إننا نستطيع أن ننشئ بتسعين ألفا من الجنيهات أو يزيد قليلا هذا المصنع العظيم الذي يغنينا عن بذل مليون أو ملايين بضرورة التكرار سنويا للمصانع الخارجية.
هذا كله إنما يقوم دليلا قويا على صلاح الدعوة التي يدعوها (مشروع تعاون الشباب) لفتح آفاق جديدة يرتادها شبان مصر في حياة الأعمال الحرة، ويزيد فخرهم فيها أنهم هم المنشئون، وهم العاملون، وهم الذي يفيدون ويستفيدون.
ذلك أن القائمين بدراسة هذا المشروع وتنفيذه فكروا أول ما فكروا ألا تكون قروش الشباب هبة أو عطاء، فليس العطاء من تاريخ الاقتصاد في شيء، إنما جعلت هذه القروش الخمسة التي يكرر الشباب المصري ادخارها لمشروع تعاون الشباب وسيلة ميسورة تنتهي بالجميع إلى أن يصبحوا مساهمين في الشركات التي ينشئونها بأموالهم. فيكونون قد أنشئوا للصناعة في مصر منشآت جديدة من ناحية، وفتحوا لأنفسهم طريقاً إلى الربح من ناحية ثانية. وزادوا على هذا وهذا أنهم يبذرون بما يعملون بذور النزعة الاقتصادية المنتجة في أرض البلاد.
فأنت ترى أن الفكرة في هذا المشروع لم تكن وليدة رأي عارض أو تقليد أصم. إنما هي فكرة ولدتها حاجة الحياة المصرية إلى كثير من المنافذ التي تنفذ منها جهود الشباب إلى ما يهيأ لهذه الشبيبة المصرية مستقبلا أكثر رخاء ورغداً، وأنت ترى في تضاعيف هذه الفكرة نزوعا إلى تحقيق الديمقراطية الاقتصادية إذ تفتح وسائل المشروع أبواب المساهمة في تأسيس الشركات والمصانع أمام أصحاب خمسات القروش كما تفتحها أمام أصحاب الآلاف أو الملايين، وهي نزعة علمية صالحة جديرة بالتقدير والاعتبار.
كان هذا المشروع فكرة، ثم انقلبت الفكرة صوتا ينادي شباب مصر إلى العمل في سبيل مستقبلهم ومستقبل بلادهم. والواقع أن في مصر مشكلة يصح أن تسمى مشكلة الشباب، وأن هذا المشروع حل من أوفق الحلول لهذه المشكلة الضخمة فأولئك الألوف الذين تخرجهم المدارس كل سنة إلى أين يذهبون بما تسلحوا من علوم وفنون؟ لقد ضاقت سبل الرزق عن أن تسد حاجاتهم، وعز على أوليائهم والأغنياء من أهلهم أن يضحوا في سبيلهم، وحقت عليهم التجربة القاسية التي سيخرجون منها إما ظافرين بمعنى سام من معاني الرجولة التي تعرف قيمة الاعتماد على نفسها، وإما حاملين أثقال الخيبة التي لا رجولة فيها.
لم يبق أمام الشبيبة المصرية إلا أن تعنى بمستقبلها: تدبر له الأمر وتنفذ ما فيه بناؤه، بناء يقوم على أسس مادية ثابتة لا تتعرض لها أيدي الآخرين. ولعل مشروع تعاون الشباب هذا هو الترجمة الحرفية لهذا كله، فهو محاولة مرضية في خلق شيء لمستقبل الشباب بجهود الشباب وماله من قليل المال وكثير النشاط. وربما كان حتما لزاما على إخواننا الشبان أن يوجهوا جهودهم في تنفيذ هذا المشروع على الوجه الذي يحقق آمالهم أملا فأملا ليثبت لهم في سجل الأيام أنهم عرفوا واجبهم فأدوه، وآمنوا بحقهم فسعوا إليه.
أما وسائل التنفيذ لهذا المشروع فقد أحسن أو يحسن القائمون به تنظيمها، فلكل خمسة قروش تودع لحساب المشروع (كوبون) مرقوم بالرقم المسلسل، مختوم بالخاتم المسجل، ممضي إمضاء رسمية. وهذه الكوبونات التي يتقاضاها المساهمون في هذا المشروع تودع قيمتها أو أثمانها لحساب المشروع في بنك مصر إيداعاً ليس فيه صرف ولا حل إلا يوم تنعقد الجمعية العمومية للجان المشروع بعد ستة أشهر، فتحصى المجموع عدداً وتقرر ما ينشأ به من صناعة ومن يقوم على الإنشاء من الأعضاء الأخصائيين البارزين. يومئذ تأذن الجمعية لثلاثة من الرؤساء أن ينفقوا على عملية التأسيس بحساب معلوم تحت رقابة مسؤولة.
هذه وسيلة من وسائل النجاح للمشروع يزيد عليها أن القائمين بعملية التوزيع في ذاتها ليسوا فتية غير مسؤولين، إنما هم أعضاء لجان في وزارات الحكومة ومصالحها ومدارسها يشرف عليها رؤساء من أكبر الرؤساء. وهم يشتركون في المسئولية عن كل ما يوزعون حفظاً وضماناً لما يجمعون.
أما المال الذي يجمع فهو مضمون في خزائن بنك مصر، وأما ملكيته فهي لأصحاب خمسات القروش أنفسهم تعود عليهم أرباحه يوم تنشأ الشركة ويكونون فيها مساهمين، وأما نوع الصناعة التي تؤسس بمال المشروع هذا فمتروك أمرها لقيمة رأس المال الذي يمكن جمعه وتوفيره لهذه الغايات كلها التي يسعى إليها المشروع من إنشاء صناعات وطنية إلى فتح أبواب جديدة للرزق. فلجنة المشروع تضع نصب أعينها إذن غرضين: صناعة لا مزاحمة فيها للمواطنين، ومصانع يتطلب العمل فيها أكبر عدد ممكن من أيدي الشباب المواطنين.
إن كل غرض من هذين الغرضين اللذين يسعى إليهما مشروع تعاون الشباب جدير بعطف الأمة وتقديرها، وإذا كان قلب الأمة موزعا في قلوب الشباب فما أحرى هذه القلوب أن تنصت إلى نداء (تعاون الشباب) ثم تجاوبه بالإقبال والبذل والعمل في سبيل الحرية التي تلمس بالأيدي ويحس بها الأفراد جميعاً.