مجلة الرسالة/العدد 696/الحركة الفكرية في العصور الحديثة
→ على هامش النقد: | مجلة الرسالة - العدد 696 الحركة الفكرية في العصور الحديثة [[مؤلف:|]] |
الأدب في سير أعلامه: ← |
بتاريخ: 04 - 11 - 1946 |
للأستاذ رفيق التميمي
1 - الحركة الأدبية:
لقد ظهر في أوائل القرن السابع عشر ثلاثة من كبار الأدباء كانوا النجم اللامع في سماء الأدب العالمي الأوربي وهم شكسبير وسرفنتس، ولوب دي فيغا. والأول شاعر الإنكليز الأشهر. أما الثاني والثالث فقد ظهرا في أسبانيا.
والحركة الأدبية في فرنسا لم تتبوأ مكانتها الرفيعة إلا اعتباراً من انتهاء الثلث الأول من القرن السابع عشر.
لقد ظهر في إنكلترا خلال القرن السابع عشر رجلان عظيمان هما شكسبير وملتن. أما شكسبير فقد تبؤ مكانته الأدبية الرفيعة في عصر الملكة اليصابات، وظل يغذي الأدب الإنكليزي بإثارة الخالدة في أيام الملك جيمس الأول. ويقول أساتذة الأدب العالمي انه ليس بين الشعراء المتقدمين والمتأخرين من ابرز مثله معارف واسعة في جميع أدوار الحياة وأطوارها، ولا أبدى سواه مثل اطلاعه على ظواهرها واسرارها؛ فقد كتب في موضوعات يدخل فيها كل وجه من وجوهها. وبحث في كل مطلب من مطالبها، وكان في جميع هذه الأبحاث أستاذاً كبيراً وحكيماً وخبيراً حتى يكاد الناس اليوم لا يعمدون إلى درس موضوع منها ما لم يساقوا بطبيعة الحال إلى درسه في مخلفات شكسبير، فهو كراوية لا مضارع له، أما كشاعر فلا يذكر بجانب اسمه إلا واحد أو اثنان، وكفيلسوف حكيم لا تكاد تفكر في معضلة حيوية إلا تراه قد طرقها وحلها، ولا تطلب مطلباً إلا تجده بين كنوز التي لا تحصى ولا تثمن.
والألمان أول من ترجم شكسبير إلى لغة أجنبية وقام نقاد كبار منهم يوضحون مزاياه الرائعة ومراميه السامية حتى انفتحت أعين العالم على معينه الفياض فاخذوا يغترفون منه ما لذ وطاب؛ وهكذا تحول اعظم شاعر في إنكلترا إلى اعظم شاعر في العالم كما يقول علماء الأدب.
ولشكسبير أثار خالدة: منها الزوبعة وحلم ليلة في منتصف الصيف ومكبث وروميو وجوليت وهملت وتاجر البندقية والبطل وقد ترجمت هذه الكتب باللغة العربية.
وظهر في أيام الملك شارل الثاني شاعر كبير هو ملتن، وقد كان على المذهب البيوريتاني وألف باللاتينية بعد إعدام الملك شارل الأول كتاباً دافع فيه عن العدالة في قتل الملك. فلما عاد آل استوارت إلى عرش إنكلترا اضطر ملتن إلى أن يعتزل العالم أربع عشرة سنة، وفي خلال ذلك وضع في عزلته وعماه قصائده الخالدات الأثنتي عشرة وهي التي سماها الفردوس المفقود والفردوس المردود.
ونبغ في أيام ملتن أديب بيوريتاني آخر هو يوحنا بنبان كان سجن بعد عودة آل استورات اثنتي عشرة سنة لأنه لم يكن على المذهب الانجليكاني، وفى وحشة سجنه وضع كتابا سماه (سياحة المسيحي) وهو من اعجب الرمزيات - في الأدب الإنجليزي.
وفي خلال القرن الثامن عشر ازداد عدد الكتاب والشعراء والروائيين والمؤرخين. ولا شك أن لظهور طائفة من أمهات الجرائد والمجلات الإنكليزية حينئذ علاقة كبرى بذلك الازدهار الأدبي والعلمي نذكر هنا على سبيل المثال (أدباء البحيرات) الذين خلدوا جمال الطبيعة في أشعارهم، والروائي الذائع الصيت (ولتر اسكوت) وبه يبدأ الدور الإبداعي في الأدب الإنكليزي، وجون كيتس، والمؤرخ ادورد جيبن. وظهر في ألمانيا خلال القرن الثامن عشر الكاتب الكلاسيكي (كلوبستوك)، والاديب (وايلند) والروائي (لسينغ) و (هردير)، وكان هؤلاء الأدباء ينقلون عن الأدب الفرنسي ويقلدون المؤلفين فيه.
وفي الثلث الأخير من القرن الثامن عشر نشأ في ألمانيا طراز جديد للتأليف بفضل أدباء عظام يأتي في مقدمتهم لسينغ، وغوته، وشيلر. وقد وضع هؤلاء منهاجاً جديداً يختلف عن المنهاج الكلاسيكي الذي كان شائعاً آنئذ في فرنسا، وسمي هذا الدور في الأدب الألماني بدور العاصفة أو الهجوم.
لقد اتجهت عناية هؤلاء الأدباء الكبار إلى تحسين أداء المعاني التي تثير العواطف دون الالتفات إلى إرضاء الناس بإجادة معاني الكلام وتنميق العبارات، وفي خلال هذه الحركة الأدبية الجديدة بات الكتاب والشعراء والأدباء ينطقون بما توحيه إليهم أفكارهم ومشاعرهم وينتقون من الحوادث اليومية مواضيع لكتاباتهم. فإذا اختاروا حادثاً قديماً فانهم يجعلون رجاله من بين الألمان القدماء المعاصرين أمثال وليم تل وولنشتين، وقد انصرف همهم إلى أن يكتبوا بلغة يفهمها الناس ويألفها القراء، وبذلك اصبحوا يخاطبون سواد الشعب ولا يعنون أبناء الطبقة الممتازة.
وكان نابليون وصف غوته، أحد رجال المذهب الأدبي المتقدم ذكره، بأنه رجل، وهو في الحقيقة رجل عبقري استطاع أن يستغل مواهبه الرفيعة، وان يسمو في أعماله وأدبه إلى الذروة، ويطلق العنان لتفكيره فيذهب في مختلف الشعاب، ويبلغ به أقصى الأغراض. وامتاز غوته بعقله الخصب وإحساسه المتقد وخياله الخصب الواسع، وكان يستوحي من حياته الطويلة التي كادت تمتد إلى قرن كامل كل العظات الجسام التي حفلت بها، ويستخلص من حوادثها دروساً جليلة في الفن والأدب والفلسفة والاجتماع، ومن آثاره الخالدة (فاوست) و (آلام فرتر).
وظهر في فرنسا خلال القرن السابع عشر من الكتاب والروائيين العظام (كورناي) و (ديكارت) واضع الفلسفة الحديثة و (بسكال) المعجزة في الرياضيات، وعدو اليسوعيين. وظهر في النصف الأخير من القرن المذكور الروائي الكبير (موليار) والشاعر (بوالو) والروائي العظيم (راشيل) وواضع الأمثال الشعرية الخلابة (لافونتين)، و (بوسويه) الواعظ ببلاط الملك لويس الرابع عشر، و (لابروبار) الروائي والوصاف للأخلاق والآداب المعاصرة، و (فنلون) الأسقف والكاتب. ولقد اتصف هؤلاء الكتاب والأدباء والشعراء بمعرفتهم التامة لنوابغ اليونان والرومان وبتقليدهم إياهم في جميع آثارهم الخالدة التي ازدان بها الأدب الفرنسي الحديث.
وفي بدء القرن التاسع عشر أخذت مبادئ الحركة الأدبية الجديدة تنتشر في ألمانيا على يد كبار الأدباء وفي مقدمتهم غوتة، وشيلر، ولسينغ، وسميت تلك الحركة بالمذهب الإبداعي (الرومانيتك)، ومع أن هذا المذهب كان دون المذهب الكلاسيكي كما لا فإن الألمان وجدوه العب بالألباب، وأكثر تأثيراً في العواطف واقرب إلى طبيعة القارئ واستقبلوا بالإعجاب والتقدير.
وما لبث المذهب الأدبي الجديد أن انتشرت مبادئه وقواعده في سائر البلاد الأوربية وبات البيان الألماني نموذجا لكتاب أوربا منذ بداءة القرن التاسع عشر. وقد رفع لواء المذهب الإبداعي الجديد في ألمانيا كل من شليكل، وتيك، وبرنتانو وهموفمان، وحينما كانت ألمانيا ترزح تحت السيطرة الفرنسية أيام عظمة نابليون ألف فريق من الشباب المتحمسين جمعية (ألمانيا الفتاة) واخذوا ينشرن مبادئهم القويمة بمختلف الطرق وينبهون بني قومهم إلى وجوب تخليص وطنهم من الحكم الأجنبي، ودعم هذه الحركة الوطنية فريق من الأدباء والشعراء ووضعوا لذلك مؤلفات قيمة، ويأتي في مقدمة هؤلاء من الأدباء: (غوتزكو) و (لوبه) و (بورن) و (هنري هين) و (شنكندورف).
وفي أواخر القرن الثامن عشر دخلت مبادئ المذهب الإبداعي إلى إنكلترا غير أنها لم تكن في بادئ الأمر إلا عبارة عن (بدعة مخالفة للشعر المألوف) كما كانوا يقولون عنها. فحاول بعض الشعراء نظم القصائد والأشعار باللغة العامية واحيوا ما كاد يندرس من قصائد العصور المتوسطة.
وظهر في الربع الأول من القرن التاسع عشر الشاعران الغنائيان (بايرون، وشيلي) الأرستقراطيان وأضافا إلى الأدب الإنكليزي صفحات خالدة من الشعر الرقيق، ومات الاثنان في سن الشباب. وذهب الأول ضحية الحمى في مدينة (ميسو لونكي) حين ذهب إليها ليشارك الثوار اليونان في ثوراتهم ضد الدولة العثمانية، وكان بايرون لا يبحث في شعرة إلا عن نفسه، وقد فصل فيه مغامراته وآلامه وملذاته وغرامه وحقدة وشدة شغفة بالابتعاد عن الناس وضجره من الحياة، واحتقر بوقاحة أبناء الطبقة البورجوازية.
وامتاز الكاتب الكبير (ولتر سكوت) برواياته التاريخية التي نالت إعجاب الجمهور وتقديره، وأما (تشارلز ديكنز) فلم يعن بالحوادث التاريخية في رواياته بل انصرف بكليته إلى وصف الظروف والبيئة الاجتماعية التي وقعت قصصه فيها فجاءت كتبه مرآة صافية انعكست فيها أخلاق القوم وميولهم وعاداتهم وبرع الكاتب الفكه (ثكري) في دقة الوصف وقوة التعبير في كتابيه: أغنياء الجيل، ومعرض الأباطيل
وامتاز النصف الثاني عشر بوفرة الإنتاج الأدبي واتصاله الوثيق بالفنون الجميلة، وظهر من الأدباء والشعراء في إنكلترا من كان له باع طويل في الرسم والنحت مثل: روسني الرسام، ووليم موريس النقاش، وجون رسكين الذي مثل عصره خير تمثيل بكتاباته التي تزخر بحماسة غير مفتعلة، وبلاغة ساحرة، وامتاز رسكين بتفكير سليم مكنه من أن يتناول اعقد الأمور واخطر المواضيع في الأخلاق والاجتماع، ويناقشها بسهولة عجيبة، وقد اشتهر أسلوبه بالبهجة والرشاقة رغم طول الجملة في كتاباته وتزاحم الأدلة والبراهين فيها، وقد كان لرسكين اعمق الأثر في ترقية الفنون الجميلة وتنسيق الجهود الرامية إلى تدعيم الأخلاق وتقويتها.
وخلف راسكين في ترقيه الفنون والأدب في انكلترة طائفة من الشعراء والفلاسفة والرسامين وكتاب القصص ومنهم (مريديث) و (رديارد كبلينغ) و (أتش. جي. ويلز)، وامتاز مريديث بدقة الملاحظة وإتقان التحليل النفسي؛ أما كبلينغ فقد سجل في كتبه عظمة الشعب البريطاني وقوة تفكيره، ومتانة خلقة وسلامة ذوقه. ورمى ويلز بمؤلفاته المختلفة الأدبية والاجتماعية إلى وجوب القيام بإصلاحات عميقة في حياة الأمم الاجتماعية والسياسية.
واشهر من ألف روايات تمثيلية (أوسكار وايلد) و (برنارد شو). وانصرف وايلد إلى وضع روايات هزلية امتازت بشدة الحوار والتعمق في البحث والنقد إلا انه اغضب طائفة كبيرة من الشعب بنقده اللاذع ومجونه. أما برنارد شو الايرلندي الاشتراكي المتطرف فقد ادخل إلى مسارح إنكلترا روايات هزلية ذات طابع خاص فلسفي، وانصرف بكليته إلى نقد المجتمع المعاصر نقداً لاذعاً وإلى وصف النواحي العوجاء فيه وصفاً مؤثراً طالب فيه بوجوب القيام بإصلاح اجتماعي عاجل. ويحمل كتبه كلها طابعاً اشتراكياً متطرفاً.
وفي خلال القرن الثامن عشر ظهر في فرنسا عدد من الكتاب البارعين سموا أنفسهم فلاسفة على انهم لم يبدوا رأياً جديداً في القضايا التي كانت محط نظر رجال الفلاسفة وإنما صوبوا أنظارهم إلى المسائل العلمية فدرسوا العقائد والسنن القائمة في عصرهم. وكانوا إذا ظهر لهم منها ما يخالف العقل طفقوا يحملون عليها بأقلامهم ويفضحون معايبها. فهم والحالة هذه كانوا منشئين أكثر منهم فلاسفة.
وكانت الهيئة الاجتماعية يومئذ في بلاد أوربا قائمة على دعائم متشابهة هي السلطة المطلقة للحكومة، وكان الشعب قد اعتاد على الطاعة للملوك، وكانوا يقولون أن سلطة الملك مستمدة من الله تعالى فللملك حق الحكم وعلى شعبة واجب الطاعة وهكذا كان شأن المؤمنين مع الكنيسة سواء أكانوا في البلاد البروتستنتية أم الكاثوليكية؛ فلقد كان من حقوق الكهنة تقرير العقائد الواجب اتباعها وتعيين الاحتفالات وكانوا لا يطيقون أن يكون في الدولة الواحدة أكثر من مذهب واحد، وكانت الكنيسة تتعاون مع حكومة الملك المستبد في تنفيذ المبادئ المتقدم ذكرها فكانت الحكومة تقتص من الهراطقة، وتوجب على الشعب إطاعة الكنيسة، وقد جعل الكهنة مقابل ذلك إطاعة الملك فرضاً دينياً لا يجوز إغفاله.
وقام فريقان من الفلاسفة المصلحين في فرنسا: الأول في النصف الأول من القرن الثامن عشر وقوامه فولتير ومنتسكيو، والجيل الثاني في النصف الأخير من ذلك القرن وقوامه جان جاك روسو، ودريدرو، وجماعة العلماء المعروفين برجال الموسوعة.
أما منتسكيو وفولتير: فكلاهما من أهل الطبقة العليا، وكان فولتير عدو الأديان الموضوعة ولا يعترف إلا بالدين الطبيعي القائل بوجود الله وخلود النفس. وقد بشر بالتساهل ودافع عنه في جميع كتبه وطالب بديانة خالية من العقائد والرموز والأسرار، ومقتصرة على تعاليم أدبية واجتماعية شعبية، وقلما خاض فولتير في مسائل الحكومة، وكان تلاميذه الكثيرون يبتعدون عن السياسة ويكتفون بمهاجمة الكهنة وأنظمة الكنيسة تحت عنوان العقل أو الإنسانية.
أما منتسكيو فقد وضع مبدأ توزيع السلطات وهي التشريعية والقضائية والتنفيذية وحض على فصل هذه السلطات بعضها عن بعض ليتسنى للشعب حكومة عادلة، ودافع منتسكيو عن مبدأ استخدام النبلاء في مناصب الدولة وعن عدالة توزيع الضرائب على جميع أفراد الشعب بلا استثناء، ووجوب إلغاء التعذيب والعقوبات القاسية واحترام حرية الفرد.
وكان كتاب الجيل الثاني يعتنقون مبادئ ثورية ويحرضون الشعب على نقض التشكيلات الاجتماعية والسياسية والدينية القائمة، وكان روسو يعتبر أن الإنسان صالح بالطبع إلا أن التشكيلات الاجتماعية القائمة في عصره قد حرمته من خيرات الطبيعية وان حق التملك جائر، وأن الحكومة أكثر جوراً لأنها تستبد بالناس وتنشر بينهم مبادئ شريرة؛ فيجب والحالة هذه القضاء على التشكيلات الاجتماعية القائمة وإبادة حق التملك والحكومة المستبدة ثم الرجوع إلى الطبيعة ليتفق الناس حينئذ على شكل من أشكال الحكومة يستحسنه الجميع ويساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات، ويستعاض به عن سلطة الملك بسلطة الشعب ويصبح الوطنيون كلهم سواء، تخول الحكومة التي يختارها المواطنون السلطة المطلقة لتدير وتنمي ثروة البلاد وتنتشر العلوم وتشرف على مبادئ الدين ومعابده. وقد فصل روسو هذه المبادئ الثورية في كتابه الشهير (العقد الاجتماعي). وحينما كان روسو ينشر تعاليمه كان الأستاذ (ديدرو) ينشر موسوعته الشهيرة، وقد جمع فيها خلاصة المعارف الإنسانية بعنوان الانسيكلوبيديا، واشترك في تأليفها جماعة من رجال الأدب والعلم والفلسفة، وهي في ثمانية وعشرين مجلدا ضخماً انتشرت في جميع أنحاء أوربا، ونقلت معها أفكار الفلاسفة الإصلاحيين في إصلاح المجتمع من الوجهات السياسية والدينية والاجتماعية والأدبية.
وانتشر المذهب الإبداعي بفرنسا في أيام نابليون، وذلك بفضل الأديبة مدام دي ستايل التي كانت تنشر مقالات متتابعة عن الحركة الأدبية الجديدة في ألمانيا.
وفي أوائل التاسع عشر ظهر الكاتب الفرنسي العبقري (شاتوبريان) فغذى الأدب الفرنسي بمؤلفاته القيمة التي حافظ فيها على قواعد المذهب الكلاسيكي إلا انه اقتبس مادتها من الكتب الدينية والحياة العصرية خلافا لما كان متبعا في العصور السابقة.
وحين نبغ شاعر فرنسا الأكبر فيكتور هوغو انتشرت مبادئ المذهب الإبداعي التي تحض على تنويع مادة الكتابة، وعلى نقل مؤلفات الكتاب الكبار في الأمم الأجنبية إلى اللغة الفرنسية. وامتاز الابداعيون عن سواهم بالبحث عن الفرد إلى جانب مجموع الأمة وانصرفوا إلى التوسع في وصف المناظر والأشخاص والأشياء وصفاً دقيقاً حتى باتت كتاباتهم كأنها مرآة صافية انعكست فيها ما كان يقع تحت بصر الكتاب من الأمور والمناظر المختلفة.
وحمل لواء هذا المذهب الجديد من الأدباء والشعراء لامارتين وفيكتور هوغو، وجورج ساند. ثم تبعتهم طائفة كبيرة من الشبان، وحين نشر فيكتور هوغو روايته (كرومول) اعتبرت مقدمتها بمثابة منهج للمذهب الإبداعي. واخذ الكتاب يخاطبون الشعب بلغته الدارجة دون أن يتحروا الأسلوب العالي في الإنشاء وبات الابداعيون يعرفون بأنهم يرمون فيما يكتبونه إلي جعل فن الكتابة أكثر وضوحا واقرب إلى مباهج الطبيعة ومناظرها الجميلة بخلاف مبادئ المذهب المدرسي (الكلاسيكي) الجافة المملة.
وفي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر قام فريق من الكتاب يناهضون الإبداعيين ويدعون الدفاع عن الحقيقة وعن الطبيعة كما هي دون طلاء أو تزويق، ثم انصرفوا إلي وصف مشاهد الحياة المختلفة وصفاً دقيقاً مع إسهاب في ذكر الجزئيات وقد دعي أرباب المذاهب بالواقعيين الطبيعيين واتصفوا بدقة التعبير ووفرة المفردات اللغوية وجمال الأسلوب. ومن اشهر هؤلاء الكتاب (غستاف فلوبير) و (الكونت دي ليل) و (اميل زولا).
وفي فجر القرن العشرين ظهرت طائفة من الأدباء والكتاب والشعراء في مختلف الممالك أسدت للبشرية خدمات قيمة في تنويع الأدب العالمي وزخرفته. ومن هؤلاء الأديب الفرنسي بيارلوتي الذي وصف البلاد الحارة والشرقية احسن وصف، والروائي النرويجي (ايبسن) الذي درس جهود الأمم الراقية التي تستهدف هدم الأوهام والتقاليد البالية والقضاء على العوائد السخيفة.
وامتاز بأدب القصة كتاب روسيون أشهرهم (تولستوي) و (دستويفسكي). وظهر في السنين الأخيرة مذهب جديد في الأدب هو المذهب الرمزي وقد أهمل اتباعه القيود البيانية القديمة، ونهجوا مناهج جديدة في النثر والشعر اعتقدوا إنها أخف وقعاً في النفوس وارق بياناً واحكم أعراباً عن مختلف المشاعر والأحاسيس، وترأس هذه الحركة الأدبية بفرنسا الأديب (ملارميه) ثم تبعه كل من (بودلير) و (فرلين).
رفيق التميمي