الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 694/الشرع الإسلامي وعلماء الفرنج

مجلة الرسالة/العدد 694/الشرع الإسلامي وعلماء الفرنج

مجلة الرسالة - العدد 694
الشرع الإسلامي وعلماء الفرنج
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 21 - 10 - 1946


للأستاذ مصطفى محمد حسين

(كتب الفرنج كثيراً عن الشرع الإسلامي وعن النبي العربي ﷺ، وفي ما كتبوه الغث والسمين، والحالي والعاطل، والحق والباطل، ولكن العصر الأخير أنصف الإسلام كثيراً بالقياس إلى العصور الخوالي، كما يستبين من الأقوال التي أنقلها ولو عني المسلمون بدعاية منظمة للإسلام لصححوا أباطيل كثيرة وبددوا أوهاماً كثيرة تتعلق بهم وبدينهم، ولاهتدى إلى الإسلام جم غفير يؤثرون تأثيراً شديداً في مجرى السياسة العامة).

قال كارليل: في الإسلام خلة أراها من أشرف الخلال وأجلها، وهي التسوية بين الناس، وهذا يدل على أصدق النظر وأصوب الرأي، فنفس المؤمن راجحة بجميع دول الأرض، والناس في الإسلام سواء. والإسلام لا يكتفي بجعل الصدقة سنة محبوبة بل يجعلها فرضاً حتماً على كل مسلم، وقاعدة من قواعد الإسلام، ثم يقدرها بالنسبة إلى ثروة الرجل، فتكون جزءاً من أربعين من الثروة تعطى إلى الفقراء والمساكين والمنكوبين. جميل ولله كل هذا، وما هو إلا صوت الإنسانية، صوت الرحمة والإخاء والمساواة يصيح من فؤاد ذلك الرجل ابن القفار والصحراء (ﷺ).

وقال الدكتور انسباتو الإيطالي في كتاب: (الإسلام وسياسة الحلفاء) الذي نشره سنة 1919: إن الكرم العلمي والصدقة الفكرية صفتان من صفات الإسلام شأنهما أن تجعلا الأمة العاملة بهذا الدين أهلا لأن تبلغ من الحضارة ذروتها العليا.

لما كان الأستاذ أمين الريحاني في السفينة الشراعية على ساحل جزيرة البحرين قاصداً ساحل الإحساء أثقل الهواء جفنه فنام قليلا، ثم أيقظه صوت الملاحين، وهم إذ ذاك يشتغلون في قلب الشراع طوعاً للريح ويرددون: (صلي على النبي) فقال الريحاني في كتابه (ملوك العرب) يصف أثر ذلك في نفسه: وربك أيها القارئ ما سمعت في أنغام الليل على المياه أطرب منها، إلا أن يكون صوت المؤذن في الخليج وهو يؤذن الفجر، ليس في صلوات الأمم كلها أدعى منه إلى الورع والخشوع، وقل فيها ما هو أجمل وقعاً في النفس من صلاة الملاح في ظل الشراع.

اجتمع الأستاذ محمد لطفي جمعة مع السيد توفيق البكري، بعد عودته من مستشفى بيروت إلى القاهرة، ودار بينهما حديث نشره المقطم، ومما قال فيه: وجاء على لساني عرضاً ذكر برتلميه سانت هيلير فقال السيد: بعد أن تنتهي من حديثك سأذكر عبارة تاريخية تنسب إلى سانت هيلير. فتكلمت وأسهبت، ولكن السيد لم ينس وعده فلما انتهيت قال لي:

قال سانت هيلير في تاريخ النبي محمد الذي ألفه باللغة الفرنسية إنه كان يشك في صدق النبي في رسالته حتى قرأ في جميع السير أنه لما نزلت آية الحفظ ووعد الله نبيه بأنه سيتولى حراسته (والله يعصمك من الناس). بادر محمد إلى صرف حراسه، والمرء لا يكذب على نفسه ولا يخدعها؛ فلو كان لهذا الوحي مصدر غير الله لأبقى محمد على حرسه.

وقالت مسز سررجني نائدو الشاعرة الهندوسية: لقد دعا الإسلام قبل اليوم بثلاثة عشر قرناً إلى المساواة والأخوة، وقد أسس الإسلام أول جمهورية كان القانون الإلهي رائدها، والفقير والغني سواء فيها، ولا شك مطلقاً أنه يأتي يوم يبتلع الإسلام فيه جميع الأديان.

وقال شبي شميل: إن في القرآن أحوالا اجتماعية عامة، حتى في أمر النساء فأنه كلفهن بأن يكن محجوبات عن الريب والفواحش، وأوجب على الرجل أن يتزوج بواحدة عند عدم إمكان العدل، وأن القرآن فتح أمام البشر أبواب العمل للدنيا والآخرة، ولترقية الروح والجسد، بعد أن أوصد غيره من الأديان تلك الأبواب فقصر وظيفة البشرية على الزهد والتخلي عن هذا العالم الفاني.

وقال هنري دي شامبون مدير (ريفوبارلمنتير) الفرنسية: لولا انتصار جيش (شارل مارتل) الهمجي على تقدم العرب في فرنسة لما وقعت فرنسة في ظلمات القرون الوسطى ولما أصيبت بفظائعها ولا كابدت المذابح الأهلية الناشئة عن التعصب الديني والمذهبي. ولولا ذلك الانتصار البربري على العرب لنجت أسبانيا من وصمة محاكم التفتيش، ولولا ذلك لما تأخر سير المدنية ثمانية قرون، ونحن مدينون للشعوب العربية بكل محامد حضارتنا في العلم والفن والصناعة؛ مع أننا نزعم اليوم أن لنا حق السيطرة على تلك الشعوب العريقة في الفضائل. وحسبها أنها كانت مثال الكمال البشري مدة ثمانية قرون، بينما كنا يومئذ مثال الهمجية، وإنه لكذب وافتراء ما ندعيه من أن الزمان قد أختلف، وأنهم صاروا يمثلون اليوم ما كنا نمثله نحن فيما مضى.

وقال المؤرخ ولز الإنجليزي كبير كتاب إنجلترا: كان النبي محمد زراعياً وطبيباً وقانونياً وقائداً، وأقرأ ما جاء في أحاديثه تتحقق صدق ما أقول، ويكفي أن قوله المأثور: (نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع) هو الأساس الذي بني عليه علم الصحة، ولم يستطع الأطباء على كثرتهم ومهاراتهم أن يأتوا بنصيحة أثمن من هذه. وقال إن محمداً هو الذي استطاع في مدة وجيزة لا تقل عن ربع قرن أن يكتسح دولتين من أعظم دول العالم وأن يقلب التاريخ رأسا على عقب، وأن يكبح جماح أمة اتخذت من الصحراء المحرقة سكنا لها واشتهرت بالشجاعة ورباطة الجأش والأخذ بالثأر واتباع آثار آبائها، ولم تستطع الدولة الرمانية أن تغلب الأمة العربية على أمرها. فمن الذي يشك أن القوة الخارقة للمادة التي استطاع بها محمد أن يقهر خصومه هي من عند الله.

وقال غوستاف لوبون: يستعيد العالم الإسلامي اليوم من قوته ما يضطر أوربة إلى أن تطأطأ له رأسها.

وقال المؤرخ الفرنسي لافيس: كان محمد مشهوراً بالصدق منذ صباه حتى كان يلقب بالأمين. . الخ.

وقال غود فزوا دمبومبين وبلاتونوف في (تاريخ العالم): غاية ما نقدر أن نجزم به هو تبرئة محمد من الكذب والمرض، وإنما كان محمد ذا مواهب إلهية عليا ساد بها أبناء عصره، وهي رباطة الجأش وطهارة القلب وجاذبية الشمائل ونفوذ الكلمة وأنه كان عابداً عظيماً، وأنه كان يجمع بين حرارة الاعتقاد بالرسالة التي هو مأمور بها من جانب الحق تعالى، وبين ملكة الأعمال الدنيوية ومعرفة استخدام الوسائل اللازمة لنجاح تلك الرسالة.

وقال غروسه صاحب (مدنيات الشرق): كان محمداً لما قام بهذه الدعوة شاباً كريماً مملوءاً حماسة لكل قضية شريفة، وكان أرفع جداً من الوسط الذي كان يعيش فيه، وقد كان العرب يوم دعاهم إلى الله منغمسين في الوثنية وعبادة الحجارة، فعزم على نقلهم من تلك الوثنية إلى التوحيد الخالص البحت، وكانوا يفنون في الفوضى وقتال بعضهم بعضاً، فأراد أن يؤسس لهم حكومة ديمقراطية موحدة، وكانت لهم عادات وأوابد وحشية تقرب من الهمجية، فأراد أن يلطف أخلاقهم، ويهذب من خشونتهم. . . الخ.

وقال الأستاذ منوته أستاذ اللغات الشرقية في جامعة جنيف في كتابه (محمد والقرآن): أما محمد فكان كريم الأخلاق حسن العشرة عذب الحديث صحيح الحكم صادق اللفظ، وقد كانت الصفات الغالبة عليه هي صحة الحكم، وصراحة اللفظ، والإقناع التام بما يعمله ويقوله. . . إن طبيعة محمد الدينة تدهش كل باحث مدقق نزيه المقصد بم يتجلى فيها من شدة الإخلاص، فقد كان مصلحاً دينياً ذا عقيدة راسخة، ولم يقم إلا بعد أن تأمل كثيراً وبلغ سن الكمال بهاتيك الدعوة العظيمة التي جعلته من اسطع أنوار الإنسانية في الدين. . . ولقد جهل كثر من الناس محمداً وبخسوه حقه. . . ولقد منع القرآن الذبائح البشرية والخمر والميسر، وكان لهذه الإصلاحات تأثير غير متناه في الخلق، بحيث ينبغي أن يعد محمد في صف أعاظم المحسنين للبشرية. . . إن حكمة الصلاة خمس مرات في اليوم هي إبقاء الإنسان من الصباح إلى المساء تحت تأثير الديانة ليكون دائماً بعيداً عن الشر. وحكمة الصيام تعويد المؤمن غلبة شهوات الجسم، وزيادة القوة الروحية في الإنسان. وحكمة الحج هي توطيد الإخاء بين المؤمنين وتمكين الوحدة العربية فهذا هو البناء العظيم الذي وضع محمد أساسه، وثبت وما يزال ثابتاً إزاء عواصف الدهور الدهارير.

وقال ولز: إن ديانة محمد كان فيها روح حقيقية من العطف والكرم والإخاء، وكانت بسيطة مفهومة سائغة، وكانت ملأ بمكارم الأخلاق وعلو النفس والمعالي التي يشغف بها أهل البادية.

وقال العلامة هيار أستاذ الألسن الشرقية في باريس في كتابه (تاريخ العرب): اتفقت الأخبار على أن محمداً كان في الدرجة العليا من شرف النفس، وكان يلقب بالأمين، أي الرجل الثقة المعتمد عليه إلى أقصى حد، أي كان المثل الأعلى في الاستقامة.

مصطفى محمد حسين