الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 690/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 690/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 690
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 23 - 09 - 1946


جوائز فؤاد الأول وفاروق الأول:

صدر مرسوم ملكي بإنشاء جوائز فؤاد الأول وجوائز فاروق الأول، وهذا نصه بعد الديباجة:

1 - تنشأ ثلاث جوائز سنوية تسمى جوائز فؤاد الاول، وتكون كل منها 1000 جنيه مصري، وتمنح لصاحب احسن عمل أو إنتاج في الآداب والقانون والعلوم.

2 - تنشأ ثلاث جوائز سنوية تسمى جوائز فاروق الأول قيمة كل منها 1000 جنيه مصري تمنحها وزارة المعارف العمومية لصاحب احسن عمل أو إنتاج في فرع من الفروع الرئيسية للعلوم.

3 - يكون منح الجوائز المنصوص عليها في المادتين الأولى والثانية وفقا للشروط الملحقة بهذا المرسوم.

4 - على وزير المعارف العمومية تنفيذ هذا المرسوم الذي يعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.

شروط منح الجوائز

وورد في الملحق المشار إليه في المرسوم عن شروط منح هذه الجوائز أنها تمنح سنويا للمصريين عن إنتاجهم في الموضوعات الآتية: الآداب، القانون، العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية، علوم الحياة (البيولوجيا)، العلوم الكيميائية، العلوم الجيولوجية.

وتشمل جائزة الآداب: الآداب البحتة مثل الأدب القصصي، الأدب التصويري، الأدب الاجتماعي، الشعر، البحوث الأدبية (النقد، البحوث اللغوية، الدراسات الإسلامية الأدبية) والتاريخ والجغرافيا، والفلسفة والآثار.

وتشمل جائزة القانون: القانون الخاص، ويشمل القانون المدني والقانون التجاري وأوضاع التقاضي، والعلوم الجنائية، وتشمل القانون الجنائي والإجراءات الجنائية وعلم الإجرام. القانون العام، ويشمل القانون الإداري والقانون الدستوري والقانون الدولي. وتشمل جوائز العلوم: العلوم الطبيعية والرياضية والفلكية مثل علم الطبيعة التجريبي وعلم الطبيعة النظري والعلوم الإحصائية وعلم طبيعة الأجرام السماوية (الاستروفيزيقا) والهيدوليك والميكانيكا والكهرباء وعلوم الحياة مثل النبات والحيوان والفسيولوجيا والطفيليات والتشريح البشري والحيواني والطب وفروعه والأحياء المائية والعلوم الكيميائية مثل الكيمياء العضوية وغير العضوية والكيمياء الحيوية والتغذية، والعلوم الجيولوجية وتشمل علم الطبيعيات الأرضية (الجيوفيزيقا).

وتؤلف لهذه الجوائز لجنة دائمة مكونة من وزير المعارف رئيسا، وستة أعضاء يمثلون الفروع المختلفة، ويكون تعينهم بمرسوم، ومدة عضويتهم ثلاث سنوات قابلة للتجديد.

وتختار اللجنة الدائمة في كل عام لجاناً لفحص الإنتاج المقدم في كل مادة، ويجوز أن يختار لهذه اللجان بعض أعضاء اللجنة الدائمة، ويكون تعيين أعضاء هذه اللجان بقرار يصدر من وزير المعارف، ويمنح أعضاء لجان الفحص مكافآت يحددها وزير المعارف. هذا، ويعلن سنويا عن مسابقة في كل من المواد الست المذكورة في البند الأول، ويخصص لكل منها جائزة مقدارها 1000 جنيه مصري، وللمؤلف أن يتقدم بإنتاجه إلى المسابقة بنفسه، أو أن تتقدم به بعض الجهات أو الهيئات العلمية والأدبية، ومع هذا فيصح للجنة الدائمة المنصوص عنها في البند الخامس أن تدخل في المسابقة من تلقاء نفسها التآليف التي ترى أنها جديرة بالنظر، ولو لم يتقدم بها المؤلف، أو من يقوم مقامه.

وتحدد اللجنة الدائمة في كل عام فرعا أو أكثر من الآداب والقانون والعلوم تخصص للإنتاج فيها جوائز العام، وتعلن عن ذلك قبل الموعد المحدد لتقديم المؤلفات بستة شهور على الأقل.

ويشترط في الإنتاج الذي يقدم في المسابقة في كل عام ما يأتي:

أن يكون ذا قيمة علمية أو فنية ممتازة تظهر فيه دقة البحث والابتكار، وتهدف خاصة إلى ما يفيد مصر والإنتاج القومي.

وأن يكون قد سبق نشره ولم يمضي على نشره أول مرة أكثر من خمس سنوات من تاريخ الإعلان.

وأن يكون باللغة العربية الفصحى.

ولا يجوز التقدم من جديد بإنتاج سبق تقديمه.

ويقدم الإنتاج لنيل جوائز فؤاد الأول قبل اليوم الأول من شهر يناير من كل عام.

ولنيل جوائز فاروق الأول قبل اليوم الأول من شهر أكتوبر من كل عام.

وتمنح الجائزة كاملة لأحسن إنتاج يقدم في موضوع المسابقة. ومع ذلك فيجوز - إذا رأت اللجنة أن إنتاجين متقاربين ولا يمتاز أحدهما عن الآخر امتيازا ظاهرا - أن تقسم الجائزة بينهما بالتساوي، ولا يجوز بحال من الأحوال أن تقسم الجائزة إلى أكثر من ذلك.

ويجوز للجنة أن توصي بأن يوفد إلى الخارج على نفقة الدولة من يدل إنتاجه على امتياز ظاهر، سواء ممن نالوا الجوائز أو لم ينالوها، وذلك تمكينا له من الاتصال بالمعاهد العلمية أو الهيئات العالية لاستكمال البحث أو الاستزادة منه.

وإذا لم تمنح الجائزة المقررة للمسابقة في مادة من المواد في عام ما استبقيت إلى العام الذي يليه. وفي هذه الحالة يعلن عن المسابقة في الفرع الذي خصصت له جائزة العام مع الفرع الآخر.

ويجوز أن يتقدم شخص واحد بأكثر من إنتاج في سنة واحدة.

هذا ويحدد وزير المعارف الفروع التي تخصص للإنتاج فيها جوائز سنة 1947، ويحدد موعد الإعلان عنها وموعد تقديم الإنتاج.

أبو شأس الشاعر:

نقل الأديب شكري محمود أحمد (في عدد الرسالة 688) بضع مقطوعات من شعر أبي شأس، من مسالك الأبصار لابن فضل الله العمري، والديارات للشابشتي، ووجد بعضها منسوبا إلى أبي نواس في ديوانه، فتسرع الأديب شكري وادعى إن أبا شأس هذا هو أبو نواس نفسه، وان الناسخ صحف هذا الاسم (أبا نواس) فصيره (أبا شاس)، وان ابن فضل الله العمري، واحمد زكي باشا، وحبيب الزيات، لم يفطنوا لهذا التصحيف، وقال انه لم يعثر له على ذكر في أي مصدر آخر. .

ولو رجع الأديب إلى مظان أسماء الشعراء لتحقق أن هناك شعراء يكنون بأبي شأس، منهم أبو شأس التميمي وأبو شأس الطبري، المذكوران في (معجم الشعراء للمرزباني) المطبوع بالقاهرة.

وهنالك شعراء يتسمون بشأس، منهم شأس بن نهار بن الأسود بن عبد القيس، وهو الممزق العبدي الشاعر المشهور، على ما في تاج العروس شرح القاموس، وقد ذكره الامدي في كتابه (المؤتلف والمختلف) المطبوع مع (معجم الشعراء) وأورد له شعرا.

وأما نسبة بعض الأبيات إلى أبى نواس ايضا، فهذا يقع كثيرا، فكم من شعر لشعراء مشهورين مفيقين نراه منسوبا إلى غيرهم تعمدا أو خطأ.

زكي الحافظ الفيومي

الإمام الواعظ أحمد الغزالي:

نشر الأستاذ علي سامي النشار مدرس الفلسفة بجامعة فاروق بحثا قيما عن أحمد الغزالي في مجلة الأزهر جزء ثلاثة مجلد أربع عشر - وقد صرح في آخره بعدم عثوره على مؤلف له بقوله: (وليس بين أيدينا أيضا كتب بأحمد الغزالي لتبين لنا عقيدته. . .).

وإني قد عثرت أخيرا على مؤلف صغير الحجم للإمام المذكور - ضمن مجموعة لأبى حامد يسمى (كتاب التجريد في كلمة التوحيد) يحتوي على فصول صغيرة غير مرقومة، وكلها شروح وتعليقات على كلمة التوحيد - لا اله إلا الله - وتمتاز هذه الفصول على تنوعها بغلبة الوعظ عليها، ومزجها بالكتاب الكريم والسنة النبوية والحكم المأثورة.

وهي تدل على تبحر الشيخ وعلو كعبه. إذ أن في هذه الفصول تحقيقات صوفية وخواطر ربانية وأسرارا روحية!

ولعل في نقل فقرات من فصول هذا الكتاب ما ينير الطريق لمن يريد البحث عن عقيدة الإمام. جاء في مقدمة كتابه:

قال الشيخ الأجل جمال الإسلام أحمد بن محمد بن محمد الغزالي رحمة الله عليه في الحديث الصحيح والنقل الوارد الصحيح عن سيد البشر محمد المصطفى ﷺ قال ذلك خبرا عن الله تعالى: لا اله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي. قال الشيخ الإمام رحمة الله عليه لا اله إلا الله هي الحصن الأكبر وهي علم التوحيد؛ من تحصن بحصنها فقد حصل سعادة الأبد ونعيم السرمد، ومن تخلف عن التحصن بها فقد حصل شقاوة الأبد وعذاب السرمد. ومهما تكن هذه الكلمة حصنا دائرا على دائرة قلبك وروحها نقطة تلك الدائرة وسلطانها حارسا يمنع نفسك وهواك وشيطانك من الدخول إلى تلك النقطة فأنت خارج الحصن ومجرد قولك لا يزن مثقال ذرة، ولا يعدل جناح بعوضة.

فأنظر ما هو نصيبك من هذه الكلمة فإن كان نصيبك روحها ومعناها (أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه) وهو نصيب سيد الخلائق محمد ﷺ ومائة ألف نبي ونيف وعشرين ألف نبي فقد حزت ذخر الكونين وفزت بسعادة الدارين. . . الخ.

وفي الفصل الثالث إذا قلت لا اله إلا الله إن كان مسكنها منك اللسان لا ثمرة لها في القلب فأنت منافق، وان كان مسكنها منك القلب فأنت مؤمن، وان كان مسكنها منك الروح فأنت عاشق، وان كان مسكنها منك السر فأنت مكاشف. فالإيمان الأول إيمان العوام والثاني إيمان الخواص والثالث إيمان خواص الخواص. . . الخ

وفي الفصل الحادي عشر افتح بصر بصيرتك فانه ليس في الوجود شيء إلا وهو يقول لا اله إلا الله (وان من شيء إلا يسبح بحمده (الآية) يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض) يدل بوجوده على موجده وبخلقه على خالقه. . .

وفي الفصل الخامس عشر: اجعل رأس مال بضاعتك التوحيد، وملاذ أمرك التجريد، واجعل غناك افتقارك وعزك انكسارك، وذكرك شعارك، ومحبتك دثارك، وتقواك إزارك، فإن كنت مفتقرا إلى زاد وراحلة وخفير فأجعل زادك الافتقار، ومطيتك الانكسار، وخفيرك الاذكار، وانيسك المحبة ومقصد سفرك القربة. فإن ربحت فقد ربحت. . . الخ.

وفي الفصل السابع عشر: متى تتنبه من سنة غفلتك، وتصحو من خمار سكرتك؛ فتفهم ما تذكر وتعلم ما تقول، أمرت بالفهم ثم بالذكر، وأمرت بالعلم ثم بالقول فما لم تعلم لا تقل وما لم تفهم لا تذكر. إذا قلت لا اله إلا الله وأنت غافل القلب غائب الفهم ساهي السر فلست بذاكر (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون) إذا ذكرته فلتكن كلك قلبا، وإذا نطقت به فلتكن كلك لسانا، وإذا سمعت فلتكن كلك سمعا؛ وإلا فأنت تضرب في حديد بارد:

إذا ذكرتك كاد الشوق يقتلني ... وغفلتي عنك أحزان وأوجاع

فصار كلي قلوبا فيك واعية ... للسقم فيها وللآلام إسراع

وفي الفصل السادس والعشرين: اعلم أن شجرة لا اله إلا الله شجرة السعادة فإن غرستها في منبت التصديق وسقيتها من ماء الإخلاص وراعيتها بالعمل الصالح رسخت عروقها وثبت ساقها واخضرت اوراقها، واينعت ثمارها وتضاعف أكلها. . . الخ.

وفي الفصل الثلاثين: أعرف عبدي؛ خلقت الأشياء كلها من أجلك وخلقتك من اجلي فاشتغلت بالنعمة عن المنعم وبالعطاء عن المعطي. فما أديت شكر نعمته ولا راعيت حرمة عطاءه، كل نعمة شغلتك عني فهي نقمة، وكل عطية الهتك عني فهي بلية. . . الخ.

وفي الفصل الحادي والثلاثين: عبدي أنا الذي افعل ما أشاء واحكم ما اريد؛ اعطي لا لباعث، وامنع لا لحادث، واسعد لا لعلة، واخلق لا لقلة، وابتلي بالشكر لا لحاجة، وقد خلت الأحدية وتقدست الصمدية عن البواعث العلل، لو كانت الإرادة هي عن باعث لكان محمولا، ولو كانت عن حادث لكان معلولا وليس بمحمول ولا معلول؛ بل خالق البواعث والعلل (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون).

وفي الفصل الثاني والثلاثين: عبدي ليس في الوجود إلا أنا فلا تشتغل إلا بي ولا تقبل إلا علي إن حصلت لك فقد حصل كل شيء وان فتك فقد فات كل شيء. . . الخ.

على أن عقيدة الشيخ الواعظ فياحة كالعطر؛ شذاها في ثنايا كتابه الصغير، ويؤيد هذا قول الأستاذ انه تبحر في علوم الشريعة ثم دخل طريق القوم عن دراية، وقد عهد إليه أخوه بالتدريس في النظامية؛ كما يدل على سمو رتبته في الطريق ما قاله في أخيه عندما سئل عنه. كل هذه دلائل على سلامة عقيدة الشيخ من كل زيغ.

وفي الحق إن هذا الواعظ الصوفي صنو أخيه، وان كان اقل منه شهرة. يعرف ذلك كل من سلك طريق القوم، وكل ميسر لما خلق له!

هذه كلمة ما أردت بها إلا وجه الحق. وفقنا الله جميعا للصواب.

(شطانوف)

محمد منصور خضر

اللائحة الداخلية لمجلة الأزهر:

تألفت في يوم الأربعاء 24 من أبريل سنة 1946 لجنة لوضع نظام لمجلة الأزهر برياسة صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر مصطفى عبد الرزاق شيخ الجامع الأزهر وقررت ما يلي:

أولا - تنظيم مجلة الأزهر بحيث تصلح لحمل رسالة الجامع الأزهر والتعبير عنها اكمل تعبير.

ثانيا - أن تكون المجلة من غزارة المادة وتنوع البحوث بحيث تشغل الاتجاهات الثقافية والإصلاحية للجامع الأزهر.

ثالثا - أن يكون لها ملحق يكتب بلغة أجنبية في موضوع يهم من لا يعرف العربية من المسلمين وغيرهم أو يشتمل على طبعة مستقلة لبعض المخطوطات العربية القيمة أو لما يظهر في المجلة من بحوث.

رابعا - أن تظهر المجلة في نحو مائة صفحة في أول كل شهر عربي ما عدا شهري الحر الشديد، وتكون سنتها عشرة اشهر. ورأت اللجنة أن تحدد أغراض المجلة والموضوعات التي تنشر فيها على النحو التالي:

أغراض المجلة هي: الدفاع عن الإسلام وبيان فضائله والتعبير عن مساهمة الأزهر في العناية بالدراسات الإسلامية عناية إنشائية وتكون حلقة اتصال بين الأزهر وسائر الجامعات والمعاهد العلمية من جهة، وبين الأزهر والرأي العام المثقف من جهة اخرى، وتكون أداة تعليم للأزهريين وأداة توجيه ديني وإصلاحي للمسلمين.

القصص

التجربة. . .

للأستاذ نجاتي صدقي

رآها تسير في بوليفار غامبيتا بباريس، وبرفقتها رجل سمين مترهل يكبرها بعشرين حولا على وجه التقريب، فظنها ابنته. . . ومما عزز فيه هذا الظن أن الرجل كان يسير إلى جانبها بخطوات آلية متئدة. . . في حين أن الفتاة كانت كتلة من النشاط والحيوية. . . وتسير وكأنها تقوم بحركات من الرقص الإيقاعي. . . وكان الهواء يعبث بشعرها الذهبي فيتطاير السنة هي أشبه بألسنة اللهيب. . . أما عيناها المتقدتان فكانتا لا تفتآن تتطلعان هنا وهناك.

ولما وقع نظرها عليه ابتسمت له، وظلت تتطلع فيه حتى صار خلفها، ثم أدارت رأسها نحوه ثلاث مرات. . . أما هو فقد آنسته عنايتها هذه به، فتتبع أثرها إلى أن ولجت مع الرجل فندقا صغيرا، ويبدوان الفتاة أحست أن الفتى قد اقتفى أثرها مستجيبا لندائها، فالتفتت إلى الوراء وهي تعبر عتبة الفندق وأومأت له برأسها، فأدرك بأن عليه أن ينتظر.

وبعد عشر دقائق نفرت الفتاة من الفندق، فاقترب منها الفتى، وصافحها كما لو أنه ربي وإياها. . . وصافحته هي كما لو انه عزيز على قلبها كان غائبا فأتى. . . وسارا جنبا إلى جنب. . . ثم بادرها الكلام بقوله:

أظن أنكما لستما من باريس؟

كلا، نحن من النورماندي.

ويلوح لي انه والدك. . . أليس كذلك؟

كلا إنه زوجي. . .

ماذا. . . زوجك؟. . . أنت فتاة يانعة يافعة وهو رجل يكبرك جدا، وسمين، ومترهل، وعديم الحيوية، فكيف قبلت به بعلا لك؟

كنت جاهلة ولم افقه معنى الزواج فوقعت في احبولة، وزوجت به. . . والآن أفقت إلى نفسي. . . فرأيت أنني في واد، وفتى أحلامي في واد آخر.

ولم أتيتما إلى باريس؟

لأنني أردت المجيء إلى مدينة النور هذه، مدينة اللهو والحب الاعمى، فطالما طالعت في الصحف الباريسية إعلانات وأخبارا مثيرة، فصممت على أن آتي إلى باريس بأية وسيلة كانت لأمتع نفسي بملاذها. . . ولأختبر آثامها ولوفي أيام قلائل!. . . فاختلقت المرض.

اعترت الفتى الدهشة من مسلك هذه الفتاة الجامحة. . . ففكر في أن يردعها عن غيها، ولكن الشيطان شدد عليه الوطأة، وزين له الإثم الذي هي تسعى إليه. . . فقال لها مبتسما: أبمأذونية أنت في هذه الساعة؟

قالت - أستحصلت على أذن من زوجي لمدة أربع ساعات لازور صديقة لي هنا، فالساعة الآن الخامسة، وعلي أن أعود إلى الفندق في تمام الساعة التاسعة مساء.

حملق الفتى في وجهها، وحملقت في وجهه، وشد على يدها وشدت على يده، فتأبط ذراعها وسارا في (بوليفار غامبيتا الطويل. . . ثم راح يسرد لها منهاجه لاستغلال هذه الساعات المعدودات على اكمل وجه، وقال - نذهب الآن إلى جامع باريس، فنأكل كبابا وبقلاوة، ثم نذهب إلى مقهى فنحتسي بعض المشروب، ثم نزور دار السينما. . . ثم نعرج على فندق لأخذ شيء ما. . . ثم نعود إلى فندقك في تمام الساعة التاسعة، أتوافقين؟

جدا. . . جدا. . . انه لمنهج ممتع.

يالها من أويقات عذبة سنقضيها معا في باريس.

هذا جل ما أتمناه. . . فأنت الطبيب الذي أسعى إليه. . .

أستمكثان طويلا في عاصمة النور؟. . .

ثلاثة أيام فقط.

شيء مؤسف حقا!

لماذا؟

أتسألين لماذا أيضا. . . انه ليشق علي أن أفارق هذا الجمال، وهذا الصبا، بمثل هذه السرعة.

أيهمك أمري بعد انقضاء هذه الأيام الثلاثة؟

احتار الفتى بما يجيب. . . أيقول لها انه لا يهتم بأمرها، فربما تعتبر ذلك إهانة لها وتنفر منه، أم يقول لها بأن أمرها يهمه جدا، فتعتبر ذلك إطراء، وترضى عليه؟. . . وبعد تردد قليل قال:

يهمني أمرك جدا يا عزيزتي. . . وثقي بأنني لن أنساك ما دمت على قيد الحياة، وسأراسلك دائما. بل سأبذل أقصى جهدي لكي أزورك في بلدك، كوني عند حسن ظنك بي. . .

وما إن سمعت الفتاة هذا الكلام حتى امتقع وجهها. وانطوت على نفسها، وهي تفكر في أمر غامض. . . وكان لسان حالها يقول:

هل ارتكاب الإثم في باريس يتطلب حبا؟. . . إنني لم آت إلى عاصمة اللهو والملذات لكي أجد لي زوجا ثانيا. . . إنني لا أود شخصا ليراسلني ويتتبعني من مكان إلى آخر. . . إنني تصورت اللذة الباريسية بمثابة كأس من الخمرة يحتسى على عجل، وينتهي الأمر أما وان هذه اللذة ستسبب لي متاعب ومراسلات ومطاردات فهذا ما لا أريده البتة.

ولما مرا بكنيسة في حيّ (مون مارتر) قالت الفتاة:

أتأذن لي بالدخول إلى الكنيسة قليلا؟. . .

فأنتفض الفتى، وقال - أتريدين الصلاة؟!.

قالت - اجل. . . لخمس دقائق فقط. . . انتظرني عند باب الكنيسة، كما انتظرتني عند باب الفندق.

مضت خمس دقائق، فصارت عشرا، وخمس عشرة. . . فانزعج الفتى ودخل الكنيسة فرأى في طرفها الأيمن جماعة من النسوة الضالات، والرجال الضالين، وأمامهم قسيس يتلو عليهم فقرات من الإصحاح الرابع لرسالة يعقوب فيقول:

(أيها الزناة والزواني!. . . أما تعلمون إن محبة العالم عداوة الله. . . قاوموا إبليس فيهرب منكم. . . اقتربوا إلى الله فيقترب إليكم. . . نقُّوا أيديكم أيها الخطاة، وطهروا قلوبكم يا ذوي الرأيين، اكتئبوا ونوحوا وابكوا. . . ليتحول ضحككم إلى نواح، وفرحكم إلى غم. . . اتضعوا قدام الرب فيرفعكم).

أندس الفتى بين هذا الرهط من الناس باحثا عن فتاته، إلا انه لم ير لها أثرا. . . ثم أجال نظره في أرجاء الكنيسة، فلمح أن لها بابا اخر، فأشتبه بأن الفتاة أخطأت المخرج، فلحق بها. . . وإذ بلغ الباب وجده قسيسا يحاول إغلاقه فاستوقفه بلطف وقال له: عم مساء أيها الأب!

عم مساء يا بني.

أبانا. . . ألم تر فتاة خرجت من هذا الباب قبل دقائق معدودات. . . وهي تلبس قبعة قش واسعة الأطراف، مطوقة بشريط اخضر ينتهي بباقة صغيرة من الورد؟. . .

فأشاح القس بوجهه عن الفتى، وقطب حاجبيه. . . ثم قال:

أهذا أنت؟. . . اذهب في سبيلك يا بني. . . ولا تسخر نفسك لتجارب الشيطان. . . اجل. . . رايتها، واعترفت!. . . واغلق باب الكنيسة في وجهه. . .

نجاتي صدقي