مجلة الرسالة/العدد 685/الشريعة الإسلامية ومبادئ التشريع الحديث
→ من لغو الصيف | مجلة الرسالة - العدد 685 الشريعة الإسلامية ومبادئ التشريع الحديث [[مؤلف:|]] |
صور من العصر العباسي: ← |
بتاريخ: 19 - 08 - 1946 |
للأستاذ حسن أحمد الخطيب
إن كل قانون في العصر الحاضر يدعى واضعوه كفالته للعدالة، وتحقيقه لسعادة الأفراد والأمم، وأنه جاء وفق ما تقضي به عوامل التقدم والارتقاء - لا يمكن أن يعدو في أغراضه المقاصد الآتية:
1 - تحقيق العدالة والمساواة بين الأفراد والجماعات.
2 - جلب المصالح ودرء الفساد.
3 - قيامه بمطالب الأمة وحاجاتها، ومواءمته لميولها وفطرتها والعصر الذي يطبق فيه.
4 - مرونته ويسره وسهولة تطبيقه.
وأنت إذا نظرت بعين التدبر والحكمة - بعد تقصي قواعد الشريعة الإسلامية وأصولها، والبحث فيما خلفه المجتهدون الإسلاميون من أحكام الفروع الملائمة لعصورهم - لم ترتب أقل ارتياب في تحقيق الشريعة الإسلامية هذه المقاصد، وإنها وصلت في سموها وعدالتها وسماحتها إلى أبعد غاية.
وما ظهر نقصه من أحكام بعض الفروع في المعاملات وغيرها ليس بعيب راجع إلى شريعة الإسلام، وإنما هو راجع إلى المسلمين الذين لم يقم علمائهم بما يجب عليهم من الاجتهاد في كل عصر حتى تجئ أحكام الفروع والوقائع الاجتهادية ملائمة للأمة، ولما جد من الأحداث والشئون.
كذلك ما قيل: إن الحدود في الشريعة قاسية لا تتفق مع روح التشريع الحديث قد فندناه ودحضناه بالبرهان وبما دلت عليه التجربة والوقائع والمشاهدات، وذلك فيما كتبناه بالعددين 681، 682 من الرسالة في مقال (شريعة الكمال والخلود).
أما الشرائع الحديثة فهي - وإن اشتملت على مبادئ نقر بسمو كثير منها، ونعترف بدقة وضعها، وعلى أحكام يراد بها تحقيق العدالة، وإجراءات نظامية دقيقة - لم تستطع أن تقضي على كثير من الشرور والآثام التي تنخر عظام الأمم، وتنشر فيها كثيراً من الأمراض الاجتماعية والخلقية:
فقد أحلت الربا في أكثر حالاته، وهو الذي يوغر صدور بعض طبقات الأمة على بعض، وينتزع الشفقة والرحمة من القلوب، ويدع طوائف الأمة متحاربة ومتباغضة.
وأباحت شرب المسكرات، وهي جناية على المال والعقل والأهل والذرية.
وليس فيها ما يقي الأعراض من الجناية عليها: فامتهنت الكرامات وكثر اللقطاء، وشاع في الأرض الفساد كذلك خلت من الزواجر التي تحول بين المجتمع وبين مفاسد الميسر والقمار.
وقد يحتجون لإباحة بعض هذه المنكرات باحترام الحرية الشخصية، وما دروا أن هذه الحرية قررها الإسلام على ألا يساء استعمالها، وألا يكون فيها ضرر على الأفراد أو المجتمع (وهذا هو شأن الحرية الصحيحة الجديرة بالرعاية والتقدير).
ومما لا شك فيه أن هذه الجرائم التي أشرنا إليها مفاسدها لا تقتصر على مقترفيها، بل تشملهم ورهطهم، وقد تتعداهم إلى المجتمع والأمة.
من أجل هذا حظرت شريعة الإسلام تلك ألمنا كير، وأعدت كل أمة تأخذ بأحكامها لحياة اجتماعية يسودها التقدم والنهوض، وتنتفي فيها ذرائع الفساد وأسبابه، وتتوافر فيها العزة والكرامة والمنعة، وتلك الحياة الخليقة بخير أمة أخرجت للناس.
حسن أحمد الخطيب