مجلة الرسالة/العدد 682/الكتب
→ البريد الأدبي | مجلة الرسالة - العدد 682 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 29 - 07 - 1946 |
(كتب وشخصيات)
تأليف الأستاذ سيد قطب
للأستاذ أحمد فؤاد الأهواني
قال لي: الأستاذ سيد قطب سأهدي إليك كتابي الأخير (كتب وشخصيات) على أن تستبقي قراءته إلى ما بعد عودتك إلى القاهرة، فلا ينبغي أن يشغلك عن الاستمتاع بهواء البحر القراءة والاطلاع. غير أني خالفته في نصيحته، فقرأته وهو يزيد على ثلاثمائة وخمسين صفحة
ولم تكن هذه الصحبة شاقة أو مملة، إذ أن فصول الكتاب منوعة حتى كأنك تتنقل من بستان إلى بستان أو من زهر إلى زهر. وليس غريبا أن تشبه الأدب بالأزاهير. فهو حقا زهر الفكر.
تحدث عن وظيفة النقد وأصوله، ثم انتقل إلى عالم الشعر ووقف عند العقاد الشاعر، ثم رحل إلى عالم القصة والرواية فطرق أبواب القصاص والروائيين، وحلب طرائقهم، ونفذ إلى صفحات نفوسهم. طه حسين، توفيق الحكيم، المازني، عزيز أباظة، خليل هنداوي، نجيب محفوظ، عادل كامل، محمود تيمور، يحي حقي، السحار. ثم طاف بالنفس والعالم فتحدث عن البيادر لميخائيل نعيمه، وأومن بالإنسان لخلاف، وسندباد عصري لحسين فوزي، والعناصر النفسية في سياسة العرب لشفيق جبري.
وانتقل بعد ذلك إلى البحوث والدراسات، فكتب عن عبد القادر حمزة وأنطون الجميل والزيات وعلي أدهم، واختتم الكتاب بالكلام عن التراجم والتاريخ موازنا بين العقاد وهيكل وطه، وبين المازني وعبد الرحمن صدقي وعبد الحليم عباس، وبين كرد علي وطه الراوي.
فأنت ترى أن العنوان موافق لمضمون الكتاب: استعراض لكثير من الكتب، وتحليل لشخصيات أصحابها.
والكتاب ظل لصاحبه، وفيض لنفسه، وهل يوجد كتاب بغير كاتب؟. وفي الحق إن شخصية الكاتب هي مفتاح الكتاب، وفهمها يبعث في أوصاله الحياة، والذين يتحدث عنهم الأستاذ سيد قطب من الأحياء، نعرفهم بأشخاص ونراهم ونتحدث إليهم، ونسمع عنهم، وأكبر الظن أنهم جميعا من أصدقاء الأستاذ سيد قطب، أو على الأقل اتصل ببعضهم صلة شخصية، تيسر له النفاذ منهم إلى الأعماق ودراسته لكتبهم، فكان الأولى أن يجعل العنوان (شخصيات وكتب) لولا رنين الإيقاع.
وكتاب الأستاذ سيد قطب محقق الفائدة، لأنه يعرض رأيه في صدق وقوة ونفاذ. والأصح أن أقول انه يعرض شعوره وإحساسه بدلا من رأيه لأن مسائل الأدب، شعرا كانت أم قصصا أم دراسات تحليلية، إنما تدرك بالذوق والشعور لا بالمنطق والعقل، ولو أن الفصل التام بين العقل والعاطفة مستحيل.
وهنا قد يختلف القارئ مع الأستاذ سيد قطب في أحكامه، فيرجع كاتبا على كاتب، أو يعجب بشاعر دون شاعر. وقد تتفق مع المؤلف في إعجابه ولكنك تجهل سبب الإعجاب، فيقدم لك العلة والميزان. ومن الواضح أن سيد قطب يعجب بالأستاذ عباس العقاد ويقدمه على السواء. وسوف تعرف علة هذا الإعجاب عندما تقرأ الكتاب.
وللأستاذ العقاد شعر جيد تذوقته عندما عرض بعضه سيد قطب. وتسألني لماذا تتذوق هذا الشعر من قبل، فأقول إنني أرهب الشعر، ولا أقدم على قراءته. ولقد يزيد عجبك إذا عرفت أنني كنت أقرض الشعر وأنا صبي صغير في الحادية عشر من عمري، حين كنت بالسنة الأولى بالمدارس الثانوية، ثم غفر الله لمدرسي اللغة العربية الذين قتلوا في نفسي هذه الموهبة، بل صرفوني حتى عن قراءته بما كانوا يختارونه لنا من شعر سقيم لا يحسنون الدخول إليه والاحتفال به. وأذكر أن الأستاذ الزيات ذهب هذا المذهب في كتاب (دفاع عن البلاغة) فأرجع بعد الناشئين عن الكتابة البليغة إلى المعلمين. ومن الإنصاف أن أذكر طه حسين بالخبر في هذه المناسبة فقد حضرت عليه درسا في الأدب العربي بالجامعة المصرية سنة 1925 كان يشرح فيه معلقة النابغة الذبياني، فكان المدرس الوحيد الذي دفعني إلى تغير رأيي في الشعر العربي. ولكن عاما واحدا لم يكن كافيا لتخلص لي ذوق الشعر، فظللت حتى الآن منصرفا عنه لا أحفظ إلا الأبيات القليلة، ولا أستطيع الانقطاع إلى قصيدة بتمامها.
فمن الخير لشبابنا أن يقرءوا كتب النقد لتبصرهم بالجيد من الأدب الحديث حتى يسيروا على هدى وبصيرة فلا يضلوا الطريق
وليس في نقد الأستاذ سيد قطب للأدباء والشعراء والكتاب الذين تعرض لهم عنف أو قسوة أو اعتداء. بل لا على العكس من ذلك، تحليل هادىء، وتقدير صحيح، وميزان أقرب إلى الاعتدال فيه تشجيع ورفق. وهذه هي وظيفة النقد، لا يبتغي أن يقسو الناقد حتى يتهم بالتحيز والهوى، أو يسرف في التحية ويغمض العين عن المساوئ والعيوب وكذلك لا يجب أن يغضب الكاتب إذا انتقدت آثار، لأنها أصبحت ملك الجمهور، بل نقدها دليل على أنها شيء مذكور.
وهنا أحب أن أخالف الأستاذ سيد قطب في بعض أحكامه ولن يكون هذا الخلاف في ميدان الشعر بطبيعة الحال لأني أجهله.
أخالفه مثلا في تقديره لقصة قنديل أم هاشم من قلم يحي حقي، ليست القصة تحت يدي الآن، وقد قرأتها حين ظهورها في سلسلة اقرأ، وأذكر أنها تعجبني، ولا أزال أذكر الأسباب: منها أن الموضوع مطروق، ومع ذلك فليس هذا سببا لضعف القصة إذا أحسن صاحبها تصويرها، وقدم إليك السياق في جمال وإبداع يعوضك عن عمق الفكرة وأصالة الموضوع. والأفكار الخالدة هي تلك التي تكشف عن النواحي الإنسانية العامة الصالحة للحياة في كل زمان وفي كل بيئة. وليس في قنديل أم هاشم ذلك التحليل العميق للنفس البشرية، حتى إذا نقلت القصة إلى لغة أجنبية نالت الإعجاب. ويبدوا أن صداقة الأستاذ سيد قطب للمؤلف هي التي دفعته إلى تشجيعه، ومن آيات هذه الصداقة أنه يقول عنه. أوه! يحي حقي! أين كانت كل هذه الغيبة الطويلة؟ وفيم هذا الاختفاء العجيب.
نرجو أن يعود يحي حقي إلى الميدان، فالقصاص عندنا قليلون.
ونرجو أن يتابع الأستاذ سيد قطب نقداته فهو حقا من خيرة النقاد في مصر.
أحمد فؤاد الأهواني