مجلة الرسالة/العدد 680/نقل الأديب
→ تعالوا نكفر بالمدينة! | مجلة الرسالة - العدد 680 نقل الأديب [[مؤلف:|]] |
من حياة اليونان القدماء وطرائف أحاديثهم: ← |
بتاريخ: 15 - 07 - 1946 |
للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي
796 - ما أكثر العبر واقل الاعتبار
شرح النهج لابن أبي الحديد:
(ما أكثر العبر واقل الاعتبار) ما أوجز هذه الكلمة، وما اعظم فائدتها ولا ريب أن العبر كثيرة جدا بل كل شيء في الوجود فيه عبرة. ولا ريب في أن المعتبرين فيها قليلون، وان الناس قد غلب عليهم الجهد والهوى، وأرداهم حب الدنيا، وأسكرهم خمرها، وان اليقين في الأصل ضعيف عندهم، ولولا ضعفه لكانت أحوالهم غير هذه الأحوال.
797 - ما خلا لذة الهوى والسلافة
في (نفح الطيب):
قال الوشاح المحسن أبو الحسن المريني: بينما أنا اشرب مع ندمائي بازاء الرصافة (في قرطبة) إذا إنسان رث الهيئة، مجفو الطلعة قد جاء فجلس معنا. فقلنا: ما هذا الأقدام على الجلوس معنا دون سابق معرفة فقال: لا تعجلوا علي، ثم فكر قليلا أنشدنا:
أسقنيها إزاء قصر الرصافه ... واعتبر في مآل أمر الخلافة
وانظر الأفق كيف بدل أرضا ... كي يطيل اللبيب فيه اعترافه
ويرى أن كل ما هو فيه ... من نعيم وعز آمر سخافة
كل شيء رايته غير شيء ... ما خلا لذة الهوى والسلافة
قال المريني: فقبلت راسه، وقلت له: بالله من تكون؟ فقال: قاسم بن عبود الرياحي الذي يزعم الناس انه موسوس احمق، فقلت له: ما هذا شعر أحمق، وان العقلاء لتعجز عنه، فبالله إلا ما تممت مسرتنا بمؤانستك ومنادمتك وإنشاد طرف أشعارك، فنادم وانشد وما زلنا معه في طيبة عيش إلى أن ودعناه وهو يتلاطم مع الحيطان سكرا، ويقول: اللهم غفرا
798 - بين ملك وعالم
قال ياقوت: لما خرج عضد الدولة لقتال عز الدولة بختيار ابن معز الدولة، دخل عليه أبو علي الفارسي فقال له: ما رأيك في صحبتنا.
فقال له أنا من رجال الدعاء، لا في رجال اللقاء، فخار الله للملك في عزيمته، وانجح قصده في نهضته، وجعل العافية زاده، والظفر تجاهه والملائكة أنصاره ثم أنشده:
ودعته حيث لا تودعه ... نفسي ولكنها تسير معه
ثم تولى وفي الفؤاد له ... ضيق محل وفي الدموع سعه
فقال له عضد الدولة: بارك الله فيك، فإني واثق بطاعتك وأتيقن صفاء طويتك. وقد أنشدنا بعض أشياخنا بفارس:
قالوا له إذ سار أحبابه ... فبدلوه البعد بالقرب
والله ما شطت نوى ظاعن ... سار من العين إلى القلب
فدعا له أبو علي وقال: أيأذن مولانا في نقل هذين البيتين، فأذن فاستملاهما منه.
799 - لا. . .
كان يعقوب الكندي بخيلا وكان يقول: من شرف البخل انك تقول للسائل: لا ورأسك إلى فوق، ومن ذل العطاء انك تقول: (نعم) وأنت برأسك إلى أسفل.
في (الكنز المدفون): وصف بعض النبلاء بخيلا فقال: هو جلم (أي مقص) من حيث جئته وجدت (لا)
800 - بل أنت كما قال في هذه القصيدة
قال: ابن جني: حدثني المتنبي قال: حدثني فلان الهاشمي من جران بمصر قال: أحدثك بظريفة: كتبت إلى امرأتي بحران كتابا تمثلت فيه ببيتك وهو:
بم التعلل لا أهل ولا وطن ... ولا نديم ولا كاس ولا سكن
فأجابتني عن الكتاب وقالت: ما كنت (والله) كما ذكرت في هذا البيت، بل أنت كما قال الشاعر في هذه القصيدة:
سهرت بعد رحيلي وحشة لكم ... ثم استمر مريري وارعوى الوسن
801 - ما جمعته أنت في بيت واحد
حدث بعض آل نوبخت قال: جاء النظام يوما فسألنا عن منزل أبي نؤاس فقلنا له: انه يسكن تلك الغرفة، وأمانا إلى غرفة كان ينزلها وكان له غلام اسود قال: فاستأذن عليه وقال له أنشدني قولك:
تركت مني قليلا ... من القليل أقلا
يكاد لا يتجزأ ... اقل في اللفظ من لا
فانشده فقال له النظام: أنت اشعر الناس في هذا المعنى، والجزء الذي لا يتجزأ منذ دهرنا الأطول نخوض فيه ما خرج لنا فيه من القول ما جمعته أنت في بيت واحد.
802 - أقول له اسكت
أنشد ابن الجوزي في بعض مجالسه وعظه:
أصبحت الطف من مر النسيم سرى ... على رياض يكاد الوهم يؤلمني
في كل معنى لطيف اجتلى قدحا ... وكل ناطقة في الكون تطربني
فقام إليه شخص وقصد العبث به فقال: يا مولانا قولك وكل ناطقة في الكون تطربني فإن كان الناطق حمارا؟
فقال له الشيخ: أقول له: اسكت يا حمار.
803 - لا تقل ذلك فانك أميرنا
قال بعض الأمراء لجنده: يا كلاب!
فقال أحدهم: لا تقل ذلك فانك أميرنا. . .
804 - الحق رحمة الله عليه!
كتاب عين الأدب والسياسة، وزين الحسب والرياسة لعلي ابن هذيل:
إن الحق والباطل اصطحبا في سفر، فمشيا إلى الليل، فلما نزلا قال الباطل للحق: اذهب فاتنا بشيء نفطر عليه. فذهب الحق فلم يجد شيئا من حله فرجع، فقال له الباطل: اجلس حتى آتيك، فذهب فلم يلبث إلا يسيرا حتى جاء بشيء، فقال للحق: كل. فقال: ما أراه من حلة ولست بآكله. فقال له الباطل: بعثتك لتأتيني بشيء فلم تجد شيئا، فلما ذهبت أنا وجئت بما نفطر عليه حرمته علي، فنازعه فوثب الباطل على الحق فقتله ثم قال: إن أهل الحق قد علموا انه خرج معي، ولا بد لهم أن يطلبوني به، فعمد إلى حطب فجمعه ثم اضطرم عليه النار حتى صار رمادا ثم ذهب وتركه فجاء أهل الحق فقالوا: ما فعل الحق؟ قال: لا علم لي به، فقالوا: خرج معك، فقال: نعم، ولا ادري ما فعل. فخرج أهل الحق يطلبونه حتى وقفوا على الموضع الذي أحرقه فيه الباطل، فقالوا: هذا رماد الحق، وهذا موضع ناره، فجمعوا رماده، وصنعوه مدادا يكتبون به.
فهذا ما بقي من الحق، بعينه فقد ذهب. . .