الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 676/التطورات السياسية في الشرق الأقصى

مجلة الرسالة/العدد 676/التطورات السياسية في الشرق الأقصى

مجلة الرسالة - العدد 676
التطورات السياسية في الشرق الأقصى
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 17 - 06 - 1946


للأستاذ محمد جنيدي

تمخضت الحرب العالمية الثانية في الشرق الأقصى عن ظهور الجمهورية في جزائر الهند الشرقية المعروفة في القاموس السياسي الحديث باسم ولكي يدرك القارئ مدى مدلول استعمال هذه الكلمة - حديثا وقديما - نقدم له تعريفاً أولياً عن الوضع الطبيعي والسياسي للجزائر الإندونيسية، كما ذكره علماء التاريخ والجغرافيا.

الوضع الطبيعي:

قرر علماء التاريخ والجغرافيا أن الشعوب الأسيوية المنتشرة في جزر المحيط الهادي والمحيط الهندي، وفي شواطئهما الطويلة تفرعت من أصل واحد، هو الأصل الإندونيسي، الذي وجد في هذه الجزائر قبل ميلاد المسيح عليه السلام بخمسة آلاف سنة! وبنوا تقريرهم على الحقائق الثابتة للصفات واللغات والسمات التي تنسجم عليها هذه الشعوب في حياتها الحاضرة فعرفوا بلدانها بكلمة جامعة هي وهي كلمتان ركبتان تركيباً مزجياً هي بمعنى الهند والثانية بمعنى الجزائر في اللغة اليونانية. وتشمل إندونيسيا الجزر والبلدان الواقعة في شرق وجنوب آسيا، وهي:

1 - جزر الفلبين. 2 - تايلاند (سيام). 3 - أنام (الهند الصينية). 4 - بورما. 5 - ملايا. 6 - جزائر الهند الشرقية - جاوا، سومطرة، بورينو - سليبيس.

وأشهر حاصلاتها الزراعية: الأرز، قصب السكر، السمسم، البن، الشاي، الخان، القطن، البردي، النارنج، الكينا، المطاط، الكاكاو، النيلة، الأناناس، الفوفل، القات، الفلفل،

وأكثر معادنها المستخرجة: الذهب، الفضة، الفحم الحجري، النفط، القصدير، الألمنيوم، الحديد.

وأشهر حيواناتها: الجاموس، البقر، الخيل، الغنم.

إما جوها فمعتدل: إذ تهب عليها الرياح من المحيطين، والأمطار تتساقط عليها دوماً، حتى جعلتها زمردة خضراء في الشرق الأقصى!. . .

الوضع السياسي: لما بدأ الاستعمار الغربي للشرق في القرن السابع عشر، شرعت حكومات إسبانيا والبرتغال وهولندا وإنكلترا في الفتح الاقتصادي للشرق الأقصى، فإنشاء شركات تجارية تنقل المحصولات الزراعية الإندونيسية. من الشرق إلى الغرب، عن طريق الشرق الأوسط ورأس الرجاء الصالح. وكانت التوابل الإندونيسية أهم الصادرات من الشرق الأقصى لأوروبا. ولما تمكنت الشركات الأوروبية من السيطرة على الحياة الاقتصادية للشرق الأقصى، اندفعت حكوماتها إلى ميدان السياسة الاستعمارية وفرضت سيادتها على البلدان الإندونيسية، بعد قتال ومعارك عنيفة؛ ففي هذا الظرف كانت في إندونيسيا حكومة إسلامية مركزها مدينة ديمك بجزيرة جاوة، وحكومات أخرى في سومطرة وبورنيو وملايا والجزر الأخرى.

فالدولة الأسبانية استعمرت الفلبين التي تبلغ مساحتها 114000ميل مربع، والدولة الفرنسية استعمرت (أنام) التي تبلغ مساحتها 281000 ميل مربع، وإنكلترا استعمرت (بورما وملايا) اللتين تبلغ مساحتهما 262000 ميل مربع لبورما، 36000 ميل مربع لملايا. وجاوة وسومطرة وبورنيو استعمرتها هولندا، وتبلغ مساحتها 731000 ميل مربع. أما تايلاند فقد حافظت على استقلالها.

وتطلق كلمة (إندونيسيا) في العصر الحديث على المستعمرة الهولندية سابقا التي أشهرها الجزائر الآتية:

جاوة، سومطرة، بورنيو، سلبيس، غينيا الجديدة، جزائر الملوك، بالي، مادورا، بنكا، بليتون، سمباوة، تيمور، فلوريس، وتبلغ مساحتها 731 ألف ميل مربع، وعدد سكانها 75 مليون نسمة.

ففي هذه الجزائر ظهرت الجمهورية الحديثة، التي هي أول حكومة جمهورية في الشرق الأقصى. وسنتابع الآن البحث عن التطورات السياسية التي حدثت في إندونيسيا منذ فجر القرن العشرين حتى عام 1935، ليقف القارئ العربي على أهم الحركات الاستقلالية التي قام بها الشعب الأندونيسي، خلال خمسة وأربعين عاما.

لقد تأثر الشعب الإندونيسي بنتائج الحرب اليابانية الروسية في عام 1904، وزاد تأثره قوة الدعايات اليابانية الشهيرة، بدعوة الشرق إلى ضم صفوفه للقضاء على الاستعمار الغربي.

فكان انفجار القنبلة الأولى (الشرق للشرقيين) التي حفزت الشعوب الشرقية لمقاومة الاستعمار الغربي يهدر في المحيط الشرقي فيرتجف الغرب له، ويزيد في تقوية مركزه. وفي 20 مايو سنه 1908 نهضت إندونيسيا الكبرى نهضة قوية مركزها على أسس علمية حديثة. فقد أنشأ طلبة كلية الطب برئاسة الدكتور وحيدن بمدينة جاكرتا جمعية أو النزعة الفاضلة للمقاصد الآتية:

1 - السعي لاستقلال إندونيسيا السياسي.

2 - العمل لنشر الثقافة العالية.

3 - العمل لإصلاح الحالة الاقتصادية.

وفي شهر أكتوبر عام 1908 عقدت الجمعية أول مؤتمراتها. فبلغ عدد الأعضاء 000، 10 عضو، وهذا رقم يدل على قبول الشعب لمقاصد الجمعية.

كان أكثر المنتسبين للجمعية طلبة المدارس والكليات العالية وأبناء الأسر الراقية، وانتشرت فروعها في أنحاء إندونيسيا. تسعى لتحقيق مقاصد الجمعية، واشهر من قاموا بالدعاية للجمعية الدكتور لشلومو الذي اصبح في عام 1936 زعيما لحزب إندونيسيا الكبرى وشكري أمينوتو الذي اصبح في عام 1912 زعيما لحزب (الرابطة الإسلامية). وتعتبر جمعية (بودي أوتومو) الحجر الأساسي للأحزاب الوطنية، والدعامة الأولى في صرح النهضة الإندونيسية الحديثة.

استطاعت جمعية بودي أوتومو إثارة الروح القومية، وإشعال نار الحماسة في نفوس الإندونيسيين. فأصبحت إندونيسيا أتونا يتقد، وفي 10 سبتمبر سنة 1912 ظهر في المسرح السياسي - الهولندي الإندونيسي - حزب سياسي له سلطته الدينية وقوته القومية، هو حزب برئاسة شكري أمينوتو لتنفيذ الخطط الآتية:

1 - العمل لتحرير إندونيسيا السياسي التام.

2 - الدفاع عن الإسلام.

3 - توسيع نطاق التعلم، وإصلاح الحالة الزراعية والاقتصادية.

وفي عام 1916 بلغ عدد أعضائه ثلاثة ملايين عضو. أما فروعه فمنتشرة في المدن والقرى، وللحزب أقسام عليا رئيسية هي: التشريع، والقضاء، والتنفيذ. وأقسام أخرى للشباب والرجال والمرأة والفتاة، والتعليم، والمالية، والصحافة , والنشر والرياضة، والاقتصاد، ودائرة كبيرة للتحكيم.

وأبرز أعضاء الحزب: مستر أغوس سالم، وهو وكيل الحزب، كان قنصلا للمفوضية الهولندية بمكة قبل نشوء الحرب العالمية الأولى، ثم استقال واشتغل بالسياسة في حزب الرابطة الإسلامية. وفي عام 1923 مثل نقابات العمال الإندونيسيين بجنيف. وفي العهد الحاضر يتولى منصب وكالة وزارة الخارجية للجمهورية الإندونيسية. وفي عام 1921 انتخب عضوا في المجلس النيابي في دورته الثانية عن حزبه.

وفي 6 سبتمبر 1912 أنشأ الدكتور دويزديكر والدكتور شفتو ماعون كسومو والبروفيسور كي هاجر ديوانتارا حزب أو الحزب الأندولندي، قابلا أعضاؤه من الهولنديين ما داموا ولدوا في إندونيسيا. والحزب يسعى لاستقلال إندونيسيا. وفي عام 1913 نفت الحكومة الهولندية زعماء الحزب إلى الجزر الإندونيسية البعيدة عن المجتمعات المتحركة الحية. ثم في عام 1914 نفتهم جميعا إلى هولندا مراعاة لمركزهم الاجتماعي لدى الشعب. وبهذا العمل، قضت السلطة الهولندية على الحزب.

وفي مايو عام 1914 أسس المستر سنفليت الهولندي الحزب الاشتراكي الديموقراطي مع بعض زملائه الهولنديين ممن تشبعوا بالأفكار التي حملها المستر سنفليت من أوربا. وهي الأفكار الاشتراكية الحديثة، ولخشية السلطة الهولندية من انتشار الروح الشيوعية في المجتمع الإندونيسي حلت الحزب الاشتراكي الديموقراطي، وأرجعت إلى هولندا بعض زعمائه. أما سنفليت فمكث في إندونيسيا.

ومبادئ الحزب الاشتراكي الديموقراطي، القضاء على الرأسمالية الدولية، وإنشاء قوة شعبية اشتراكية، تمكن إندونيسيا التحرر من الاستعمار الهولندي الذي يؤيده الإمبريالية العالمية.

وفي سبتمبر عام 1914 أنشأ بعض الزعماء الإندونيسيين حزب أشهرهم رادين أوتو اسكندر ديناتا. وكان الحزب يرمي إلى إيجاد رابطة شعبية مكونة من كبار الموظفين والتجار والصحفيين والأسر الراقية، لتقود الشعب إلى ميدان الجهاد لتحرير إندونيسيا من السيطرة الهولندية. وفي عام 1917 ظهر في جزيرة سومطرة حزب أو (رابطة سومطرة) قاصداً إلى توحيد الجبهات الشعبية في جزيرة سومطرة للعمل متحدا في حقل الميدان السياسي لمقاومة الاستعمار.

ولما نشبت الحرب العالمية الأولى قدمت الأحزاب السياسية الوطنية مذكرة إلى الحكومة الهولندية بإنشاء حكومة إندونيسية وبرلمان، فوعدت السلطة الهولندية الأحزاب السياسية بإنشاء مجلس نيابي بعد أن تضع الحرب أوزارها. وفي مايو 1918 افتتح المجلس النيابي جلسته الأولى، فجاء مخيبا لآمال الوطنيين، إذ كانوا يرمون إلى إنشاء برلمان وحكومة وطنية. وانتخب أعضاؤه من الإندونيسيين وعددهم ثلاثون عضوا، ومن الهولنديين وعددهم خمسة وعشرون عضوا، ومن الشرقيين خمسة أعضاء. ودلل هذا الانتخاب على أن هذا المجلس ليس مجلساً نيابيا أندونيسيا؛ بل هو مجلس هولندي، فما نسبة ثلاثين عضوا من سبعين مليون نسمة؟!. . إنها نسبة تتضاءل جدا أمام هذه الأرقام الهائلة!

(البقية في العدد القادم)

محمد جنيدي