مجلة الرسالة/العدد 670/الزواج والمرأة
→ الكتب | مجلة الرسالة - العدد 670 الزواج والمرأة [[مؤلف:|]] |
محمد عبده ← |
بتاريخ: 06 - 05 - 1946 |
للأستاذ أحمد حسين
لفضيلة الأستاذ محمود أبو العيون
أهدي إلى الكاتب الألمعي الأستاذ أحمد حسين كتابه (الزواج والمرأة) ولقد قرأته بإمعان وتأمل فرأيته قد عرض لمسألة المرأة من نواح كثيرة موضع جدل ونقاش عنيف بين كتاب الاجتماع في العصر الحديث - عرض لنظرية الداعين إلى محاربة الغريزة الجنسية وتعطيل عملها في الحياة ولنظرية الدعوة إلى الإباحة الجنسية إطلاقاً وخطرها على الأمن والسلام. . . وعرض بإسهاب للدولة والأسرة، وأن الأسرة أوفق للمجتمع الصحيح ولنظرية التسوية بين الرجل والمرأة في الوظيفة، ولمسألة الزواج والأمومة، هل فيهما غض من شأن المرأة، ثم عرض للمرأة وحقوقها في الإسلام، وللبحث في السفور والحجاب وللشروط اللازمة لنجاح الحياة الزوجية
وفي الحق إن عرض الأستاذ لتلك النظريات والبحوث كان عرضاً شيقاً بديعاً وفي أسلوب رائع حكيم وأدب رفيع ومنطق سليم؛ ومما بهرني وأخذ في نفسي ما أثبته بالأدلة من الكتاب والسنة من حقوق المرأة في الإسلام مما لم يتوفر مثله للمرأة الغربية التي تحررت من القيود والأوضاع.
بقى أنه عرض في ختام كتابه لمسألة تعدد الزوجات والطلاق في الإسلام، ووددت لو كان قلم الأستاذ قد بلغ نهاية الشوط مجلياً، ولكنه للأسف حاول ربط آيتي العدل في النكاح: (وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة، ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم)، ليصل من ذلك إلى ما قصد إليه، وهو وجوب الاكتفاء بزوجة واحدة، وأن القرآن ذهب في رأيه إلى حد كاد يلغي معه هذا الحق (تعدد الزوجات) أصلاً، ولكن الربط الذي فهمه وقرره غير صحيح، فإن معنى العدل في الآية الأولى كما فسره فقهاء المذاهب جميعاً العدل في النفقة وفي المبيت، والعدل في الآية الثانية قصد به العدل المطلق، وهو يشمل المحبة والميل، وهذا ليس في استطاعة الإنسان مما لا يصح التكليف به، ولهذا أتبع الله ذلك بقوله: (فلا تميلوا كل الميل)، فقال ﷺ ما معناه: (اللهم إني قد عدلت فيما أملك فاغفر لي فيما تملك وما لا أملك)، أي العدل في المحبة، وقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام كان يحب بعض نسائه أكثر من البعض الآخر، وقد مرض مرة فكان يحمل من بيت إلى بيت استيفاء للعدل في المبيت بين أزواجه، فأستأذن نساءه في أن يتمرض في بيت عائشة فأذن له.
فالعدل في الآيتين ليس واحداً، والتوفيق بينهما ما قلناه، كما هو ظاهر واضح، وللأستاذ العظيم رأي في تعدد الزوجات غلا فيه عن أكثر القائلين بتقييده فهو يرى منع التعدد إطلاقاً ولأي سبب من الأسباب، وغيره يرى منع التعدد لعاجز عن الإنفاق على أكثر من واحدة فحسب.
ورأينا في تعدد الزوجات معروف وهو الإباحة المطلقة وفي تقييده شر مستطير. . . بعض هذا الشر يمس الأخلاق والآداب وبعضه يمس ناحية الاجتماع، والكلام في ذلك كثير لا تحتمله هذه العجالة العابرة.
أما الطلاق فله فيه رأي، وهو اشتراطه أن يقع في ساحة القضاء. . . فهو بهذا الشرط قيد حقاً ثابتاً منحه الشارع الحكيم للإنسان وأعطاه الحرية الكاملة أن يطلق حينما يشاء - واستحب أن يتقدم ذلك بعث حكم من أهل الزوج وحكم من أهل الزوجة (إن يريد إصلاحاً يوفق الله بينهما) ولكن الأستاذ على أي حال كان أيسر من غيره ممن رأى تقييد الطلاق بقيود لم تكن مشروعة في كتاب الله ولا سنة رسوله فهم يدينون من طلق بغير إذن القاضي ويرون تغريمه وحبسه بل الحكم عليه بالتعويض لمطلقته.
ولقد كتبنا في هذا الموضع ووفيناه حقه وأدرك جمهور المسلمين ما ينجم عن تعدد الزوجات وعن تقييد الطلاق من الشرور مما يهدد نظام المجتمع ويفسد قدسية الأخلاق.
وبعد فأننا نثني الثناء الجم على الأستاذ الجليل أحمد حسين لجهوده المشكورة التي بذلها في هذه البحوث القيمة ونظرياته السليمة، وندعو الله سبحانه وتعالى أن يكثر من أمثاله العاملين المجاهدين.