مجلة الرسالة/العدد 668/الأزهر في مفترق الطرق
→ يوم عظيم لسورية العظيمة! | مجلة الرسالة - العدد 668 الأزهر في مفترق الطرق [[مؤلف:|]] |
بطون جائعة وأموال ضائعة ← |
بتاريخ: 22 - 04 - 1946 |
كان للاقتراح الذي عرضناه على مشيخة الأزهر ووزارة المعارف لحل مشكلة الأزهر رجع واحد في مختلف البيئات هو المشايعة على الأصل فيه والاتفاق على الغاية منه. والأصل فيه توحيد التعليم الابتدائي والثانوي بين أبناء الأمة؛ فلا يكون الفرق بين المتوجهين إلى الدين أو إلى اللغة، إلا كالفرق بين المتوجهين إلى الحقوق أو إلى الطب. والغاية منه تجديد الأزهر ليساير الزمن، وتنظيمه ليزامل الجامعة، فيخرج للعالم العربي كله رجالا للدين وعلومه أو للغة وفنونها يكون لهم ما للجامعيين من فضيلة المشاركة ومزية الإخصاء. إنما كان الاختلاف في مدد الدراسة، أو عدد الكليات، أو حفظ القرآن من المناهج، أو تصفية الحال القائمة، وهو اختلاف في الفروع لا في الأصل، وفي الوسائل لا في الغاية. والذي يعنينا الآن أن يقبل القائمون على أمر الأزهر هذا الاقتراح. فإذا قبلوه أمكن المختصين والمفكرين يومئذ أن يديروا الرأي فيه فيفصلوا المجمل ويكملوا الناقص.
على أن أخوف ما أخافه على هذا الاقتراح أن يطول استئذانه على المكاتب الرسمية حتى ينسى، أو تحول بعض الحوائل النفسية دون النظر فيه حتى يهمل. والشائع الذي يثبته الواقع أن الرأي أو الأمر إذا لم يدل عليه إلحاح الضرورة، أو يدفع إليه ضغط الحوادث، لا يخطره أحد بباله مهما كان أثره في سياسة الدولة أو خطره على حياة الأمة. والأمر من قبل ومن بعد إنما يعني شباب الأزهر، فإذا تركوه رهن الطوارق أو جعلوه في أيدي المقادير، ظلوا كما كانوا: طلابا من غير علم، أو علماء من غير عمل.
الأزهر يقف الآن في مفترق الطرق، ولا يذهب به إلى الأمام إلا طريق واحد، فإذا ضله رجع إلى الوراء أو خبط في مجاهل الأرض لا يصيب غرضا ولا يبلغ غاية. والنتيجة الحتمية لهذه الحال أن ينتقل معنى الأزهر إلى الجامعة ويبقى لفظه المبارك حيث كان. ومن بوادر هذا الانتقال المعنوي انضمام دار العلوم إلى جامعة فؤاد الأول؛ فإن معنى ذلك الانضمام سلب الاختصاص اللغوي من الأزهر. ولن يجدي على كلية اللغة العربية ما يعدونها اليوم من التسوية بينها وبين دار العلوم في معهد التربية؛ فإن دار العلوم ستفيد من نفوذ الجامعة ونظمها ما يوسعها ويعمقها حتى تستوعب شؤون العربية وآدابها استيعابا لا يترك وراءه فضلة.
بقي الاختصاص الديني للأزهر، والكلام في سلبه حديث قديم لا يزال يتردد على أفو ذوي الرأي كلما فكروا في توحيد القضاء الأهلي والشرعي والمختلط؛ فهم يشيرون بأن تتعمق كلية الحقوق في تدريس الشريعة ليستطيع المتخرجون فيها أن يكونوا قضاة أو محامين في الدوائر التي ستنشأ للأحوال الشخصية في كل محكمة أهلية، شأنهم في ذلك شأن زملائهم في الدوائر المدنية والتجارية والجزائية.
أما أصول الدين فقد فكرت كلية الآداب - وأظنها لا تزال تفكر - في أن تنشئ لها معهداً أو كلية تدرسها على المنهج الجامعي في التقصي والاستيعاب والموازنة. فإذا أصبح تراث الأزهر نهباً مقسماً بين كليات دار العلوم والحقوق والآداب، وأضفت إلى ذلك أن التعليم الابتدائي والثانوي سيكون كله بالمجان - والمجانية ميزة الأزهر - شككت في أن يتقدم بعد ذلك اليوم إلى المعاهد الدينية طالب يريد أن يتعلم ليعيش.
الأمر إذن جد؛ وجده أخطر من أن يعالج بالتهوين أو التسكين أو المطل. وليس من الإخلاص للأزهر أن نقول إن علوم الدين والدنيا فيه، وأن له من جلالة الأثر في نفوس المسلمين ما يقيه ويكفيه؛ فإن (المجاورة) بمعناها الموروث عهد قد انقضى، والتعبد بدراسة الفقه للفقه تقليد قد مضى؛ وانتقال القيادة العالمية اليوم إلى رجال العلم الخالص أمر يبعث على طول التفكير في إعداد النشء لمجابهة الحياة بأنظمتها المتنوعة وأسلحتها الجديدة. والكلمة الآن للشباب من الأساتذة والطلاب، فإلى هؤلاء وهؤلاء نسوق الحديث. والحزم الجدير بأهل الذكر أن ينضجوا الرأي في هذا الاقتراح قبل أن يجاوزوا (منعرج اللوى)، فإني لأخشى ألا يتبينوا وجه الرشد فيه إلا بعد ذهاب الفرصة وزوال القدرة. وإن فيمن يفاخر بهم الأزهر من أمثال الأساتذة: شلتوت وعرفة والجبالي والغمراوي ودراز وأبي العيون والمراغي والمدني والبهي والصعيدي، من نربأ بهم أن يتركوا جامعتهم القديمة العظيمة في مهب الأعاصير تزلزل أركانها وتهدد كيانها، وقصارى ما يملكون لها دعاء لا يصنع معجزة، أو بكاء لا يدفع مضرة!
أحمد حسن الزيات