مجلة الرسالة/العدد 660/مراكش
→ حرية الرأي | مجلة الرسالة - العدد 660 مراكش [[مؤلف:|]] |
قصة الذرة: ← |
بتاريخ: 25 - 02 - 1946 |
هل تصبح معتركا دولياً؟
لباحث فاضل
نقلت الأخبار أخيراً تصريحاً أدلى به مستر تشرشل في نيويورك قال فيه (يجب أن تكون ميناء الدار البيضاء أو مدينة مراكش مركز قوات الأمم المتحدة) وقد سبق لوكالة الأخبار الأمريكية (يونايتد بريس) أن نشرت منذ بضعة شهور نقلاً عن مصدر مسؤول بأن مداولات تجري بين الحكومتين الإنكليزية والأمريكية في شأن ترشيح مدينة طنجة كمركز لقوات الأمم المتحدة، وزادت الوكالات الأخبارية بأن نفس الدوائر الأمريكية والإنجليزية تبدي قلقاً وتتساءل فيما إذا كان وجود جيش احتلال بمراكش تابع لواحد من أعضاء المؤسسة الدولية ليس من شأنه أن يعرقل أعمال المؤسسة أحياناً أو يضايقها على الأقل.
وقد احتج الجنرال ديجول على هذه الأخبار، ولكن أي تكذيب لم يصدر في شأنهما لا من الولايات المتحدة ولا من إنجلترا، وكانت بعض المصادر الفرنسية المطلعة ترى أن إذاعة كهذه في الوقت الذي سافر فيه جلالة ملك مراكش إلى باريس إجابة لدعوة ديجول ربما كان له مدلول خاص في العرف السياسي.
وقد جاء مؤتمر طنجة الذي انعقد في شهر أغسطس الماضي وانفصل في الواقع على غير شيء على أمل أن ينعقد بعد ستة شهور دليلاً على أن مراكش لغم دائم في السياسة الدولية، فقد صرحت روسيا بأن الدستور الذي يربطها بمراكش هو عقد الجزيرة الخضراء الذي أمضته سنة 1909 ولذلك فهي ترى أن الاتحاد السوفيتي غير ملزم بأن يرتبط بأية تصفية أو تعهد أو اتفاق في شأن مراكش أمضى بعد ذلك بدون مشاركته.
ولعل القراء يذكرون أن اتفاقية الجزيرة الخضراء التي تشير لها الروسيا هي اتفاقية دولية تقوم على مبادئ:
(أ) استقلال مراكش
(ب) وحدة الإقليم المراكشي
(جـ) سياسة الباب المفتوح من الوجهة الاقتصادية.
ولا نعرف بالضبط إلى أي حد ستساعد الظروف روسيا على الاستفادة من هذا الأساس الذي وضعته لسياستها في مراكش والذي قد يؤيده الشعب المراكشي المقدام على ما نظن إذا وجد فيه ضماناً لاستقلاله ووسيلة لتحريره من استعمار الفرنسيين الرجعي.
وإذا كان الأنجلو ساكسون لا يستطيعون أن يبقوا مكتوفي الأيدي وخاصة الأمريكيين حتى تنفذ روسيا خطتها في مراكش ويصبح بذلك البحر الأبيض بحيرة روسية والنفوذ الأمريكي تحت رحمة القوات السوفياتية المرابطة بالدار البيضاء واجادير فمن المحقق أيضا أن الأنجلو سكسون لا يستطيعون أن يدافعوا عن الوضعية الحالية التي تعيش فيها مراكش تحت السيادة الفرنسية والإسبانية.
وذلك لثلاثة أسباب:
(أ) لأن فرنسا وإسبانيا دولتان ضعيفتان لا يمكن التعويل عليهما مطلقاً في فرض حياد مراكش حتى لا يستغلها قوة عظمى ضد قوة عظمى أخرى لدى وقوع اعتداء ما.
(ب) لأن وجود فرنسا وإسبانيا بمراكش يعتبر كوجود الأعضاء الفزيولوجية الزائدة في الجسم الحي، أي كنتيجة باقية لسياسة سرية بائدة تغيرت عليها مقتضيات الأحوال ولا سيما بعد التصريح الروسي الذي لا يعترف بأي اتفاق أو تعهد وقع بعد 1909 وفي مقدمة العقود التي لا تعترف بها روسيا عقد 30 مارس 1912 الذي حول مراكش عملياً إلى مقاطعة فرنسية خالصة في صورة حماية.
(جـ) لأن حالة جديدة تكونت في البلاد العربية بسبب فكرة الجامعة العربية التي تستند على أساس دبلوماسي واضح ومعترف به، وهذه الجامعة تعتبر مراكش امتداداً طبيعياً لها ولذلك للأسباب نفسها التي تعتبر بها مصر مثلاً ولبنان وسوريا امتداداً طبيعياً لها، ففصلها عنها - بالنظر لشعور المراكشيين - قد يمهد الجو لجعل (اللغم المراكشي) أكثر حدة ويفتح الشهية للمتآمرين، ولاسيما وفرنسا قد فشلت في استمالة قلوب المراكشيين إليها وأصبحت الأحزاب السياسية هناك بعد أن تألفت في كتلة واحدة هي حزب الاستقلال تحرك الرأي العام بمشيئتها ساعية به لتحرير البلاد وحمل فرنسا على التصريح بإلغاء الحماية المفروضة، ويعتبر جلالة ملك مراكش على ما يقال من المؤيدين لهذه الاتجاهات التحريرية. ويظهر للإنسان خطورة الحالة من الآن عندما يرى في صحافة اليمين الفرنسية من حين لحين قلقاً على مستقبل الحماية وضغطاً على حكومة فرنسا بأن تبدل المندوب السامي الحالي بجنرال حازم يضبط الأمور ويزود بأوسع السلطات.
لهذه الأسباب نرى أن الأنجلو سكسون لا يستطيعون أن يدافعوا عن الوضعية الحاضرة في مراكش وهم في الحقيقة من الخاسرين فيها، فماذا إذاً سيكون موقفهم وماذا سيكون عمل روسيا بعد أن أعلنت موقفها أولاً وأكدته بصفة غير مباشرة في قضية طرابلس. . .
من الصعب التكهن بالأمر، ولكننا متحققون بأن مسألتها ستوضع تقريباً بنفس الحدة التي وضعت بها مسألة اليونان والمضايق التركية وسوريا ولبنان.
(باريس)
(خبير)