مجلة الرسالة/العدد 66/الكتب
→ القصص | مجلة الرسالة - العدد 66 الكتب [[مؤلف:|]] |
بتاريخ: 08 - 10 - 1934 |
ابنة الشمس
بقلم فرنسيس شفتشي
نشرت مجلة (الرسالة) الغراء في عددها الصادر بتاريخ 24 سبتمبر الماضي نقداً لحضرة الأديب الفاضل (الخفيف) عن روايتي ابنة الشمس. وإني لأتقدّم بمصافحته، راجياً أن يكون ذلك بدء التعارف بيني وبينه، وأرى لزاماً في عنقي أن أشير قبل كل شيء إلى روح النزاهة التي بدت في نقده، وعدم تأثره بأية عوامل في إصداره ذلك النقد، وهو ما أرجو أن يتقبّل عنه مني خالص الشكر، غير أني قد رأيت أن أدفع المآخذ التي أخذها حضرته عليّ بما يأتي:
قال حضرة الناقد المحترم: إن عقدة القصة مهمة، وإنني لم أوفق إلى انتخاب حادثة رئيسية، فهنا بنت أنات تحب بنطاؤر، وهنالك نيفرت تحب مينا، وهذا رئيس الكهان يشترك مع والي مصر في إثارة الشعب ضد الملك، وهذا يعاكر قائد الطليعة يريد أن يكيد للملك.
ولعل حضرة الناقد يوافقني على أن الرواية المسرحية لا يجب أن يكون قوامها حادثة واحدة، ولكن محور واحد تدور عليه الحوادث المختلفة، وإن قليلاً من الإمعان في روايتي يبين للقارئ بسهولة: إن ذلك المحور هو النزاع القائم بين الكهنة والعرش. وأن جميع حوادث الحب والثورات والمظاهر المختلفة، وإنما تشعبت من ذلك الأصل. كما يوضح له أنني لم أحل العقدة التي كان أساسها ذلك النزاع إلا في الفصل الرابع من الرواية، أي في الفصل الأخير.
وقبل ذلك كان لزاماً عليّ أن أحيط العقدة بغموض وإبهام كما يشير حضرة الناقد، حتى يكون المتفرج في شوق إلى معرفة الغاية التي أسير به إليها.
إن الكهنة يتآمرون على العرش، وهم بحاجة إلى شخص يكون آلة في أيديهم، وهذا الشخص يجب أن يكون حاقداً على الملك، وهو قائد طليعته. فيجب إذن إيجاد سبب لذلك الحقد. هذا السبب هو حبه الشديد لنيفرت، وعدم توفيقه في الوصول إليها بسبب أوامر الملك. هذا من جانب واحد، جانب الهجوم - إذا صح هذا التعبير - أما من الجانب الآخر - جانب الدفاع - فقد كان الملك غائباً عن دياره، وحلّت ابنته محله في إدارة شؤون البلاد، وقد اطلعت بواسطة حبيبها بنطاؤر على دسائس الكهنة. فتعاونا معاً على كشف الجريمة واتخاذ التدابير الكفيلة بانتصار رعمسيس.
وبسبب غياب رعمسيس وتنبه الكهنة إلى نفوذ ابنته كانت سياستهم موجهة ضدها، فاخترعوا لذلك قصة الدنس وما تفرع عن ذلك من الحوادث التي ليست في مجموعها إلا إطاراً زاهي اللون لذلك المحور الذي ذكرناه، وهو العامل السياسي، ولو خلت القصة من تلك الزخارف، فلا شك أنها تكون جافة لا يستسيغها القارئ ولا المتفرج، ولاسيما في التراجيديات الكبرى التي تتطلب جهداً وانتباهاً عظيمين. وبراعة المؤلف هي في حسن سبك هذه الحوادث وصبغها بصبغة الأهمية. وإعطائها اللون الذي يجعل لها في نظر المطلع عليها قوة الموضوع الأساسي وعظمته، وفي أن يشعره بأنها متصلة به اتصالاً وثيقاً. وهذا ما توخيته في روايتي. ولقد قال حضرة الناقد في موضع آخر من مقالة: إن كل منظر في الرواية يكاد يكون مستقلاً، فلعلي لا أكون مخطئاً إذا لفت نظر حضرته إلى أن القاعدة الفنية المعمول بها في معظم المآسي العالمية الكبرى هي التي أوحت إليّ السير على هذا النمط الذي أجده معقولاً، فان موضوع القصة يجب أن يقسم تقسيماً عادلاً بين الفصول، بحيث أن الحادثة أو جزء الرواية الذي يتناوله المؤلف في أحد الفصول يجب أن تكون جزئياته كاملة بحثي لا يسدل الستار على شيء أبتر والمتفرج فاغر فاه في انتظار شيء يشعر بلزومه. إن المتفرج يجب أن يشعر إزاء كل جزء من الرواية أنه إزاء رواية كاملة بجميع جزئياتها في دائرة جزء القصة المخصص لذلك الفصل، على أن يربط هذه الحوادث جميعاً بحوادث الفصل التالي للموضوع الأصلي، وهذا بالذات ما فعلته.
أما قول حضرة الناقد أنني جعلت خاتمة المأساة متوقفة على نصيب رعمسيس في الحرب وأن هذا معروف للقارئ. فليسمح لي بأن أقول لحضرته إن المعروف للقارئ عن انتصار رعمسيس لم يتطرق إلى ذهنه بواسطة روايتي إلا في النهاية، ومعرفة القارئ هذا الانتصار من كتب التاريخ لا يقلل من أهمية القصة، بل بالعكس يجعل لها قيمتها التاريخية من حيث أن المؤلف مطالب بالاحتفاظ بروح التاريخ وإثبات الحوادث الكبرى المعروفة. فما يعتبره الناقد عيباً من هذه الناحية هو حجتي في الدفاع عن الرواية. إن المؤلف لا يبالي معرفة الجمهور بحادث تاريخي معين وإنما هو يسير في عمله على حسب ما يقتضيه سياق القصة وحسن سبكها، ومهمة المؤلف هي في إيضاح تلك الحوادث المعروفة وتصويرها بدقة وإلباسها الثوب القشيب الذي يجعل الجمهور يتقبلها بغير عنت ولا نفور. فإذا نجح المؤلف في ذلك فلا شك أن الاستمتاع بالعمل الفني يكون كاملاً.
أما ما يأخذه عليّ حضرة الناقد من سذاجة الحوار في بعض الحوادث فان ذلك كان يتبع روح الأشخاص الذين كنت أتكلم بلسانهم.
أما ما يتعلق برجوع بنطاؤر عن فلسفته بسرعة وانقياد إلى بنت أنات، فأني أوافق الناقد على انهما لم يكونا بصدد موضوع تافه بل بصدد موضوع خطير للغاية، ولكن بنطاؤر كان مدفوعاً بعدة عوامل أظهرناها جميعاً بجلاء تام في سياق القصة، وخلاصتها أنه كان يحب بنت أبات حباً مبرحاً منذ عام، وأنه كان يخالف في قلبه جميع معتقدات الكهنة ويدين بما تدين به حبيبته، وأنه خاف عليها أن يتولى عقيدتها الطاهرة الفساد. هذا فضلاً عن قوة الحجة التي أدلت بها بنت أنات في حضرة الكاهن وثورتها عليه ولين عاطفة بنطاؤر ونفسه الشاعرية الحسّاسة. لقد اجتمع لديه كل ذلك في وقت واحد فسلّم السلاح. على أن ضميره عاد يؤنبه بعد ذلك فكاشف صديقه نبسشت بعد تردد قليل بما يكنه قلبه. ولا غرابة في ذلك فان بنطاؤر ونبسشت صديقان حميمان وكلاهما يعد نفسه أمين سر للآخر وموضع ثقته وملاذه.
وأما أنني جمعت بين التأليف والتمثيل بإشارتي إلى ما ينبغي حدوثه على المسرح فلا أظن في ذلك مايعيبني، ولاسيما أن هذه هي الطريقة المتبعة في كل المسرحيات الحديثة.
هذا ما وجب أن أدفع به المآخذ الموجهة إلى روايتي، فلعلي أكون قد وفقت في بياني، والله سبحانه وتعالى يهدينا جميعاً إلى ما فيه السداد.
فرنسيس شفتشي
همام
قرأت ما كتبه الأخ الأديب (م) عن قصة (همام) في (الرسالة) الغراء، وأشكره على حسن ظنه في تقريظه، وأدبه في نقده، وأرجو أن أكون أكثر إرضاءً له في المستقبل.
وما أريد أن أعقب على شيء من كلمته إلا قوله: (تدور القصة حول محور واحد، ألا وهو حفلات الزواج في عاصمة الأحقاف) والواقع أنها تدور حول العادات السيئة بحضر موت وإصلاحها، ولم يرد وصف حفلة الزواج إلا عرضاً.
ولابد لي من التنبيه على أن البيت (لولا انتصاف الكأس الخ. .) ليس لصاحب القصة، بل هو لصديق له من كبار شعراء الأحقاف، ورد اسمه في القصة تنويهاً بفضله وأدبه.
علي أحمد باكثير