الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 659/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 659/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 659
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 18 - 02 - 1946


الأمير شكيب أرسلان والنشاشيبي:

أضيف هذه (الحاشية) إلى الحديث عن (أبي بكر الخوارزمي) في (الرسالة) الغراء 657، القسم 25 (في إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب):

يطلع العلامة الأستاذ أمير البيان الأمير شكيب أرسلان على خطبة النشاشيبي (كلمة في اللغة العربية)، فيبعث إليه بهذا الكتاب:

أخي العلامة الأستاذ:

أهنيك بهذه الخطبة في محاسن اللغة العربية، لا بل أهنئ هذه اللغة الشريفة بك، وأرجو لها من خير الحافظين بقاءك. كتبت إلى مصر بأن يرسلوا لك نسخة من (حاضر العالم الإسلامي)، وعليك أن تسدل عليه ذيل الستر، لأنه كتب وأنا أجوب في الأقطار، ومن قطار إلى قطار، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

(مرسين 8 حزيران 1925) شكيب أرسلان

وينشر الأمير - بعد الكتاب - مقالة بليغة في مجلة (الزهراء) الغراء، منها قوله:

(قرأت هذه الخطبة أولاً في الجرائد، وفتنت بها، وأعجبت بما حوته من جزالة لفظ، وبلاغة معنى، وسداد حجة. ثم أهديت إليّ في كتاب نفيس الطبع، بهج المنظر، لم أر أليق منه قالباً لتلك الروح العالية، ولا أبدع صدفة لهاتيك الدرّة الغالية. فمذ الآن أقول: إنه كتاب مع وجازته قد زخر عبابه، ومع قلة قراطيسه قد قرطس نشابه. . .

ولتهنأ العربية بهذا النصير قليل النظير، والعاشق الساهر الليالي في رعي نجوم التحقيق والتنقير. ومع أني هجرت الشعر لم أملك نفسي أن قلت:

قد قالت اللغة الفصحى بغربتها ... قد أحسن الله إسعافي ب (إسعاف)

هو المجيب لمن قد بات ينشده ... أنصر أخاك لدى ظلم وأس عافى)

ولما قرأ النشاشيبي تلك الحواشي العظيمة في (حاضر العالم الإسلامي). أرسل إلى الأمير بكتاب جاء فيه:

(ذكرتني هذه الحواشي بقولين لإمامين: قيل لأبي بكر الخوارزمي عند موته: منتهى! قال: النظر في حواشي الكتب. وقال أستاذ الدنيا جار الله: الزيت مخ الزيتون؛ والحواشي مخخة المتون).

فبعث الأمير إلى النشاشيبي بهذا الكتاب:

أخي الأستاذ الأجل:

شفيت غليلي بهذين الشاهدين اللذين جئت لي بهما على فائدة الحواشي، ومن كان يقدر أن يأتي بهم غيرك؟ لله درك! وقد أتممت تحبير كتاب اسمه (أناتول فرانس في مباذله)، يحتوي ترجمة كتاب لكاتب سره (بروسون)، وخلاصة آخر لصديقه (سيغور)، وتلخيص لتأبين أدباء فرانسة (لفرنس) يوم وفاته. ولما كان من الأعلام الكثيرة وسائل الفلسفية والاجتماعية والأدبية ما لا بد من تفسيره على القارئ الشرقي على فهم الكتاب، فقد جاءت في هذا التأليف أيضاً حواش، إن لم تكن على نسبة حواشي (حاضر العالم الإسلامي)، فهي حواش لا بأس بها، وما كان أسرعني إلى تأييد وجهتي في (الحواشي) إلى نقل كلام ذينك الإمامين عن الأستاذ محقق النشاشيبي، ولعمري لو أنجدتني بجيش مجر ومال دثر، ما أحسست فضل تلك النجدة كما أحسست بها عندما قرأت ذينك الشاهدين. . .

(مرسين 24 تموز 1925) شكيب أرسلان

مد الله في عمر الأمير، وأعز به دولة الأدب!

(السهمي)

تهجم على التخطئة (السلام عليكم):

إلى أخي البصام:

السلام عليكم ورحمة الله، وبعد فقد رأيتك تستغرب هذه التحية المباركة التي يهديها الرجل إلى أخيه، واُتاك هذا الاستغراب من أن قوماً زعموا أن (القاعدة) هي أن نبتدئ الكتاب بـ (سلام عليك أو عليكم)، بدون (ال) التعريف، فإذا جاء الختام قلنا: (السلام عليك أو عليكم). . . وأن بدء الكتاب بقولنا (السلام عليكم) خطأ شائع في هذه الأيام!! الخ. واستدللت بقول الله تعالى في كتابه الكريم: (سلام عليكم طبتم. . .) وقوله سبحانه: (سلام قوم منكرون) في أكثر من ثلاثين موضعاً على وجوه مختلفة. وصدق الله الذي يقول في سورة مريم: (والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا) ب (ال) التعريف، وصدق الله الذي يقول في سورة طه لموسى وهرون: (فأتياه فقولا إنا رسولا ربك فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك والسلام على من اتبع الهدى) بـ (ال) التعريف أيضا. فلا تستغرب يا سيدي!

ولا تستغرب أيها السيد الكريم إذا علمت أن أهل القبلة جميعا كانوا، ولا يزالون، وسيظلون إلى آخر الدهر، يقول الرجل منهم إذا انتهى من سجوده وقعد للتشهد: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته). ولا تستغرب إذا أنت قرأت في صحيح البخاري في باب (ما يتخير من الدعاء بعد التشهد ليس بواجب): (حدثنا مسدّد، قال حدثنا يحيى، عن الأعمش، حدثني شقيق، عن عبد الله قال: كنا إذا كنا مع النبي ﷺ في الصلاة قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان. فقال النبي ﷺ: لا تقولوا، السلام على الله، فإن الله هو السلام، ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين - فإنكم إذا قلتم أصاب كل عبد في السماء، أو بين الأرض والسماء - أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو). وكذلك في باب (التشهد في الآخرة) من صحيح البخاري

ولا تستغرب يا سيدي أيضا إذا مر بك وأنت تقرأ في مسند أحمد بن حنبل ج4 ص439 من حديث عمران بن حصين: (أن رجلا جاء إلى النبي ﷺ فقال: السلام عليكم، فرد، ثم جلس فقال (يعني رسول الله): عشر. ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد، ثم جلس، فقال: عشرون. ثم جاء آخر فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد، ثم جلس، فقال: ثلاثون). أقول: يعني رسول الله ﷺ: عشر حسنات، وعشرين حسنة، وثلاثين حسنة. وكل ذلك ب (ال) التعريف أيضا.

ولا تستغرب يا سيدي إذا رأيت في مادة (سلم) من لسان العرب: (ويقال السلام عليكم، وسلام عليكم، وسلام، بحذف عليكم. ولم يرد في القرآن غالباً إلا منكراً. . فأما في تشهد الصلاة، فيقال فيه معرفاً ومنكراً. . . وكانوا يستحسنون أن يقولوا في الأول: سلام عليكم، وفي الآخر: السلام عليكم، وتكون الألف واللام للعهد، يعني السلام الأول). ومن هنا أتى من لا يحسن العربية، وقل اطلاعه على كتبها وفقهها. والاستحسان هنا منصّب على ما كان في التشهد. فإنه كما ترى، عني بالأول، ما كان في التشهد، وبالآخر السلام الذي يخرج به من الصلاة. وهذا شيء قال به بعض فقهائنا وأئمتنا استحسانا من عند أنفسهم أو مما رووا.

ولا تستغرب يا سيدي إذا وقفت يوماً على قول الأخفش: (ومن العرب من يقول: سلام عليكم، ومنهم من يقول: السلام عليكم. فالذين ألحقوا الألف واللام حملوه على المعهود، والذين لم يلحقوه حملوه على غير المعهود). ثم عاد فقال: (وفيهم من يقول: سلام عليكم، فلا ينوّن)؛ ثم ذكر العلة فقال: (حمل ذلك على وجهين: أحدهما حذف الزيادة من الكلمة كما يحذف الأصل على نحو (لم يك)؛ والآخر أنه لما كثر استعمال هذه الكلمة، وفيها الألف واللام، حذفا لكثرة الاستعمال، كما حذفا من اللهم فقالوا: لهمّ). وكأنه جعل (السلام عليكم بالتعريف هي الأصل الذي كثر استعماله).

فلا تستغرب إذا نظرت فرأيت أن الذي جاء في مقالتي ليس خطأ ولا مجاراة على خطأ. ولا تستغرب إذا أنا قلت لك: إن أدعياء اللغة إنما يؤتون من سوء التقدير لما يقرءون، ومما انطوت عليه قلوبهم من حب التعالم على الناس بشيء يدعونه ويلتمسون له الحجة، حتى ما يدرك أحدهم فرق ما بين (سلام عليك) و (سلام) و (سلاماً)، كما جاءت في كتاب الله في أكثر من ثلاثين موضعاً، وبين ما جاء في كتاب الله أيضا من قوله: (والسلام على من اتبع الهدى)، وقول رسول الله الذي تلقاه المسلمون عنه في تشهد الصلاة وفي التحية.

واعلم يا سيدي أني قنعت لك ولنفسي وللناس بالنقل مجرداً، ولم أتبعه ببيان الفروق في المعاني، وما ينبغي وما لا ينبغي، ولا تحريت لك ولا للناس أن ألج بهم موالج في دقيق العربية وغامضها تدل على أن من نقلت أنت عنه هذا القول قد تمحل وتهجم على ما لا علم به، وعلى ما لا يحسنه ولا يجيده!

فلا يغررك التبجح بالعلم، ولا تقنع من المتحذلقين بما يسمونه (القاعدة)، فلعلها باطل مزور، وكذب مختلق، واجتراء على العربية هي من سوأته براء، ولعل دليلهم يكون هو الدليل على بطلان ما يزعمون كما رأيت. وفي هذا مقنع وهدى.

والسلام عليكم ورحمة الله

محمود محمد شاكر