مجلة الرسالة/العدد 656/من محاسن التشريع الإسلامي
→ بمناسبة عيد الجهاد الوطني: | مجلة الرسالة - العدد 656 من محاسن التشريع الإسلامي [[مؤلف:|]] |
توماس هوبز ← |
بتاريخ: 28 - 01 - 1946 |
للأستاذ حسن أحمد الخطيب
- 12 -
الدعوة إلى الخير
إن من أعظم مزايا الشريعة الإسلامية، وأبرز محاسنها - إرشادها إلى أعظم وسيلة لإصلاح المجتمع، وتنقيته من أدراك الشر والفساد، وخير أداة لإصلاح الأفراد والجماعات، وتحقيق التضافر والتعاون الاجتماعي - تلك هي الدعوة إلى الخير؛ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو من فروض الكفاية، إذا قام به بعض الأمة سقط عن الباقين، وإذا لم يقم به أحد أثموا جميعاً ووقعوا في حوب كبير، ولم يكن فرض عين فلم يجب عليهم أجمعين لما ينبئ عنه قوله عز وجلّ: (وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)، ولأنه من عظائم الأمور وعزائمها التي لا يضطلع بها ولا يتولاها إلا من هو أهل لها - والأهلية تتحقق بشروط: منها العلم بالأحكام، ومراتب الاحتساب، وطرق إقامة هذا الواجب، ومعرفة الأحوال المختلفة وما يناسب كل حالة، فإن من لا يعلم ذلك قد يأمر بمنكر، وينهي عن معروف، ويغلظ في مقام اللين، ويلين في موضع الغلظة، وينكر على من لا يزيده الإنكار إلا تمادياً وإصراراً - كما يشترط في الوجوب التمكن من القيام به، غير أن الأمر بالمعروف يكون واجباً ومندوباً - على حسب المأمور به - أما النهي عن المنكر فهو واجب في كل حال لأن جميع ما أنكره الشرع حرام.
وإنما وجب ذلك لأن صلاح الأمة في أمر دينها ودنياها، ونفي الفساد عن الأرض، وتقليل الشرور والآثام - لا يكون إلا بأداء هذا الواجب، فإن الظالمين والمفسدين ومرتكبي الآثام إذا تركوا وشأنهم - من غير نكير - استشرى داؤهم وتفاقم شرهم، وكثر سوادهم، فتقع الأمة في بلاء عظيم وسوء لا مرد له، وتبوء بسخط من الله وعذاب، وذلك هو الخسران المبين.
والأصل في ذلك ما ورد في الكتاب والسنة من تلك النصوص التي جمعت بين القوة والكثرة في الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - قال الله تعالى: (ولتكن منكم أمةُ يدعونَ إلى الخيرٍ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون).
ولأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - من أعظم الواجبات وأبعدها أثراً في إصلاح المجتمع - مدح الله به المؤمنات كما مدح به المؤمنين، وجعله من صفات الرجال والنساء معاً، وقرنه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وبطاعة الله ورسوله، فقال: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله).
وجعل الله - جلت حكمته - قيام الأمة بهذا الواجب دليلاً على تمكن الخير من نفسها، ورسوخ خلق الإصلاح فيها فقال: (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، بل أنبأنا - جل شأنه - أن من أسباب استحقاق بعض الأمم اللعنة أنهم كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه: (لعن الله الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون).
وقال ﷺ: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). وسئل عليه صلوات الله وسلامه عن خير الناس، فقال: آمرهم بالمعروف، وأنهاهم عن المنكر، وأتقاهم لله، وأوصلهم للرحم)، بل روى عنه أنه جعل الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر خليفة الله ورسوله في الأرض، فقال: (من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة رسوله، وخليفة كتابه).
وقد ورد في الحديث ما يدل على أن سنة الله في الأمة التي فرطت في هذا الواجب - أن يسومها سوء العذاب، وألا يتقبل دعاء خيارها إذا سكتوا عن منكراتها، فقد روى عنه - صلوات الله وسلامه عليه: (لتأمرون بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليسلطن الله عليكم شراركم، ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم). وقال عليّ رضي الله عنه: (أفضل الجهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن شنئ الفاسقين وغضب الله - غضب الله له).
ولتقصيرنا في أداء هذا الواجب - ظهر فينا الفساد الذي جنى على كثير من آدابنا الاجتماعية، وعاداتنا المرضية، وأخلاقنا الإسلامية، فمتى نثوب إلى رشدنا، وننفذ أحكام شريعتنا؟!! ومتى ينجم فينا رجال أشداء على الباطل والظلم ليحيوا ما اندثر من السنن القويم، ويجددوا ما رثّ من حبل الدين المتين؟!!، اللهم جدّد عزائمنا، وابعث فينا مشبوب الهمم لإحياء مجد الإسلام ووصاياه وأحكامه، وهيئ لنا من أمرنا رشدا
حسن أحمد الخطيب