مجلة الرسالة/العدد 651/من وحي المرأة
→ رأي جديد في: | مجلة الرسالة - العدد 651 من وحي المرأة [[مؤلف:|]] |
إلى موعد 31 ديسمبر سنة 1944 ← |
بتاريخ: 24 - 12 - 1945 |
الورد الأحمر
للأستاذ عبد الرحمن صدقي
هو الورد، لا يجلو النواظرَ كالورد ... له حمرة القاني من الدم في الخدِ
أُطالع منه كلَّ حمراء غضة ... ترفٌ بما ضمت من الماء والوقد
فتضحك لي الدنيا ويُسفر نورها ... وينجاب عنها كل أدجن مُربدّ
ويسكر حسّي بالصبابة والصبا ... وأستاف حولي مثل رائحة الخلد
كذلك كان الورد، والورد لم يزل ... على عهده، ما حالَ وردٌ عن العهد
فيا تعسَ نفسي اليوم ما بالها انطوت ... على سلوةٍ عنه وباتت على زهد
تُجانبه عيني، فما امتدّ لحظها ... إلى باقةٍ إلا أشاحته عن قصد
أوسّع من حملاقها وهو مُغْرَق ... أٌغيّض فيه الدمعَ منفرط العقد
وأنجو كأن الورد ألسنة اللظى ... وبي مثل مس النار من شدة الوجد
هو الورد، إلا أنه اليومَ باقتي ... إلى حبيَ الغالي المغيَّب في اللحد
إلى زوجتي بالحس والروح والحجى ... وصنوىَ من دون النساء ومُعتدّي
أحجّ إليها أحمل الورد زاهياً ... كما كنت أغشى دارها خاطبَ الود
وسيان في الحالْين وردٌ وباقة ... ولكنّ هول الخطب في الخاطب المُهدي
فيا بُعْدَ بين الخاطبيْن: مؤمِّلٌ ... سعيد، ومشؤوم الهوى عاثر الجد
وإني لأسعى كل حين لقبرها ... على قدِمي رسْف المكبّل في القيد
أشُقّ على نفسي كما هان حسنها ... وبات رهين الترب والحجر الصلد
وأكرمها أن أطرق القبر راكباً ... وإن كنتُ مهدود القوى قاصر الجهد
وآبَى على الأهلين حمل تحيتي ... فأحمل طول الدرب باقتها وحدي
إذا استشرفتْ عيني المقابرَ ثار بي ... حنين، فَحَثْحَثْتُ الخُطى طائرَ الوخد
وأٌجهش كالمشتاق حان لقاؤه ... لمن ذاق في أحضانها كجَنَي الشهد
وأٌفضي إلى المثَوى أضمّ رخامه ... وأوسعه لثماً كمستقدح الزند
فيلقي رخامُ القبر ضمّيَ جافياً ... صليباً، ويجزي حرَّ لثمَي بالبَرْد وأنظر للورد الجنيَّ نثرتُه ... هنا كدم القربان في المعبد العِدّ
فأرجو لو أن الرمز كان حقيقة ... وأنى قربان الحبيبة لو يجدي
وألمس معنى الورد يُهدَى احمراره ... لمعروقة الأجلاد شاحبة الجلد
فأبكي لها منزوفةً جفْ عودها ... وما كان أجرَى الماء في عودها الملد
وأبكي لوردً كان في الخد واللَّمَى ... وقد كان أندى الورد طراً على كبدي
تمر بي الساعات ما إن أحسّها ... فهذا الحِمَى أَلغى الزمان على الحد
أُطيل مقامي عازبَ الرشد ذاهلا ... فإن غربت شمس الضحى ثاب لي رشدي
فأمضِي وشمس الغرب حمراءٌ وردةٌ ... وقد نَفَضَتْ فوق المقابر كالورد
عبد الرحمن صدقي