مجلة الرسالة/العدد 65/إلى النهر الغاضب
→ مصطفى كمال سيرة حياته | مجلة الرسالة - العدد 65 إلى النهر الغاضب [[مؤلف:|]] |
مدينة الأحرار ← |
بتاريخ: 01 - 10 - 1934 |
للأستاذ محمود الخفيف
غضبتَ فسهدتَ أجفانها ... وزاد هياجك أحزانها
وقد أنِستْك لطيف الأناة ... ضحوك الأسرة ّفتانها
جميل الوفاء شهى الصفاء ... عريق السماحة هتانها
وفاؤك عيد يعم البلاد ... ويغمر بالخير أركانها
تهز الحقول على جانبيك ... ويملأ فيضُك غدرانها
وتذكر مصرُ إذا ما خطرت ... وسال نضارُك، سودانها
فأنت لمصر وريد الحياة ... ولم تر غيرك شريانها
حليم عليك سماة الجلال ... تقابل بالبشر قربانها
وتلقى برفقك في المهرجان ... وجوه البلاد وأعيانها
تود الرياض على شاطئيك ... لو انك تسمع شكرانها
وتهفو الخمائل شوقا إليك ... فتنشر حولك أغضانها
تردد مصر أناشيدها ... وتبدأ باسمك ألحانها
ويطربها منك حلو الخرير ... فترهف للسمع آذانها
فتلقي إليها حديث القرون ... وتحفز للمجد غلمانها
وما نسيت مصر هذا الحديث ... ولا صرفت عنه تحنانها
تجهم وجهك بعد الصفاء ... وروع باسُك سكانها
لبست الجفاء على غرة ... فالم غدرك وجدانها
تركت الكنانة في غمرة ... يهدد سيلك بلدانها
كأنك جيش تخطى الحدود ... وانذر بالموت قطانها
تقيم السدود على ضفتيك ... وتحشد حولك فتيانها
تراقب موجك في حسرة ... تجدد للنفس أشجانها
ولم أر مثل جفاء القلوب ... تفيأت من قبل رضوانها
ولا كالإساءة من راحة ... تعود كفُّك إحس ترفق بمصر فقد نالها ... خطوب تزلزل بنيانها
توالت عليها عجاف السنين ... وأعمى التنابذُ رُعيانها
وذاق بنوها بأوطانهم ... صنوف العذاب وألوانها
ألم تر كيف دهاها الكساد ... وكاد يدمر عمرانها
وكيف توقف فيها النماء ... وأخرجت الأرض ديدانها
فأضحى فتاها كسير الجناح ... كئيب الملامح خزيانها
وجاس الغريب خلال الديار ... قوي المخالب يقظانها
ألم يكف يا نيل هذا الشقاء ... فجئت تضاعف خسرانها؟
تحيرت يا نيل ماذا دهاك ... وأوحى لنفسك طغيانها
اساءك من مصر هذا السكون ... فقمت تحرك شبانها؟
وأوغر صدرك يأسُ البلاد ... فجئت تجدد إيمانها؟
ورحت تكذب ظن الدخيل ... وتوقظ للجد أعوانها
تحركُ وحدك في أمة ... أذل التفرق وحدانها
بلوت بنفسك ماضي البلاد ... وأدركت بالأمس سلطانها
وكيف تناهي إليها النبوغ ... فراحت تعلم جيرانها
تَلَقى من الوغى شتى الفنون ... وترفع في الأرض ميزانها
تدب الحياة على جانبيها ... فتشعر بالعز ولدانها
على البر تحشد أجنادها ... وفي البحر تنصر ربانها
تذكرت (أحمس) يزجي الصفوف ... ويدعو إلى النصر فرسانها
و (رمسيس) يخطر في جنده ... فخور المواكب مزدانها
وانست في مصر عهد الرشاد ... قد شمل العدل أركانها
تَلَقَّى الرسالة في غبطة ... ولو كره الروم إعلانها
تسير إلى الحق منقادة ... إليه وتخلع بهتانها
وتمسي من الأمن في جنة ... وقد كرهت قبلُ حرمانها
أسفت لحاضرها المستكين ... وأنكرت يا نيل خذلانها كرهت هدوءك في أمة ... أطاعت إلى اللهو شيطانها
فجن جنونك يا ابن السماء ... وقمت تنبه وسنانها
ألا فلتقر فقد بايعتك ... وسوف تقدم برهانها
ستحذو مثالك في فعلها ... وتجعل عهدك قرانها
ستنفض عنها غبار القرون ... وتنزع يا نيل أكفانها
محمود الخفيف