الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 649/العرب

مجلة الرسالة/العدد 649/العرب

بتاريخ: 10 - 12 - 1945


للدكتور جواد علي

للمؤرخين والرواة في تفسير كلمة (العرب) و (عرب) أقوال وروايات لا تخرج أكثرها عن دائرة التفسيرات اللغوية المألوفة في تفسير كل كلمة عويصة وكل أسم من الأسماء القديمة. وعلى أكثر هذه الأقوال طابع التكلف والوضع.

أنت إذا ما أردت نموذجاً من تلك التوضيحات والروايات فاقرأ ما دون عن هذه الكلمة في كتاب (التيجان في ملوك الحميرين) مثلا وهو رواية وهب بن منبه المتوفى بصنعاء حوالي سنة 728 للميلاد وهو إسرائيلي يماني يرجع في الأصل إلى نسب اليهود الفرس ثم أسلم. وإلى الروايات الأخرى المدونة في كتب التاريخ والأدب. ولا يهمنا نحن في هذا الباب البحث عن أسباب تلك التسمية ولا عن الدوافع التي دفعت القوم على وضع تلك القصص والحكايات، وكلها مدونة معروفة؛ وإنما الذي يهمنّا في هذا الفصل هو تاريخ هذه الكلمة والوقت الذي ظهرت فيه.

عرف المستشرقون في جملة ما عرفوه من النصوص القديمة نصاً آشورياً يعود عهده إلى الملك شملنصر الثالث 3.) تحدث فيه الملك عن معركة سميت باسم معركة (قرقر) وهي معركة هامة حدثت في حوالي سنة 853 قبل الميلاد بين الآشوريين وبين حلف من الإمارات والمشيخات التي كانت تكره الآشوريين. وقد ذكر النص في جملة ما ذكره من أسماء الذين انضمُّوا إلى هذا الحلف أسم إمارة عربية أسمها (عريبي) انضم أمير هذه الدويلة العربية إلى الحلفاء وأمدّهم بنحو ألف جمل وبعدد من رجاله الذين قاتلوا الجنود الآشوريين.

أما ذلك الأمير العربي الذي قاتل الآشوريين فكان (جندب) (جنديبو) ولا نعرف اسم أبيه إذ لم يتعرض النص لذلك. والظاهر أنه كان معروفاً عند الآشوريين فلم يجدوا ثمة حاجة تدعوهم إلى ذكر اسم أبيه. وهذا الملك هو أول ملك عربي ولا شك يذكر لأسمه في النصوص التاريخية المدونة في ملوك الشماليين.

وقد تغلب الآشوريين على ما يذكره النص الآشوري على رجال الحلف ونكلوا بهم تنكيلا شديداً ويظهر بصورة عامة من النصوص الآشورية أن العرب كانوا يعاكسون السياسة الآشورية. ويهددون طرق مواصلات هذه الإمبراطورية في مختلف الأوقات والعهود.

وفي عهد الإمبراطورية تغلا تبليسر الثالث اضطر الملك إلى إرسال عدة حملات تأديبية لإخضاع القبائل العربية. والظاهر أنها لم تتمكن من النجاح في مهمتها نجاحاً تاماً حتى اضطرت أخيراً إلى اتباع سياسة استرضاء رؤساء القبائل وشراء قلوبهم بالمال. فانتخبت أحد الأمراء العرب من المعروفين بميلهم إلى الآشوريين ومن المؤيدين لهم وعينته حاكما عاماً وأميراً عليهم.

ولكن القبائل العربية على ما يظهر لم تغير من جفائها بالنسبة إلى الآشوريين ولم تبدل سياستها العدائية نحو هذه الإمبراطورية بدليل ما قام به الملوك الذين جاءوا من بعد هذا الإمبراطور بإرسال حملات على العرب بصورة متوالية.

وقد وردت لفظة (عرب) في هذه النصوص الآشورية بهذه الصور و (عَربُو) و (عُربي) و (عريبي) ولا تزال هذه الكلمة الأخيرة مستعملة في بعض جهات العراق كاسم علم يطلق على الأشخاص. وتطلق كلمة (أعربي) و (عُربي) في العراق على البدوي الذي لم يزل على درجة من البداوة.

وذهب بعض المستشرقين إلى أن المقصود من (عربي) الأعراب أي سكان البادية. وأما البادية التي هي موطن العرب فيطلق الآشوريون عليها (عريبي) وهي الصحراء الواسعة التي تفصل العراق عن الشام والتي تمتد حتى تصل حدود نجد

وهنالك اصطلاح آخر ورد في النصوص الآشورية وهو (ماتو عربتي) ومعنى (ماتو) أرض فيكون معنى ذلك (أرض العرب) وقد وردت هذه التسمية في نص يرجع عهده إلى القرن الثامن قبل المسيح وقد استعمل البابليون هذه الكلمة أيضاً على نحو ما كان يستعملها الآشوريون ثم دخلت الكلمة إلى اللغة الفارسية فاليونانية.

ومن الشعوب القديمة التي كانت على اتصال دائم بالعرب (العبرانيون) فقد كانت بين العرب وبين العبرانيين حدود مشتركة وصلات تجارية قديمة كما كانت بينهم أيام سلم وأيام حروب. لذلك تعرضت النصوص العبرانية لذكر العرب مراراً وتحدثوا عنهم في مناسبات عديدة. تدل لفظة في جميع فروع اللغة السامية على مدلول واحد تقريباً وهو (البداوة) وسكنى الصحراء - (فكانت كلمة عَرَبْ مستعملة في اللغة العبرية القديمة لتدل على أهل العَرَبَةَ الصحراء أي لنوع خاص من قبائل الجزيرة العربية في حين كان لأهل المدن والعمران أسماء أخرى جاءت في كتب اليهود القديمة). وقد وردت هذه التسمية في عدة مواضع من العهد القديم جاءت تارة بمعنى (بداوة) وتارة أخرى بمعنى الفقر والجفاف والخراب والوحشة كالذي يفهم مثلا من الآية الثالثة عشرة من الإصحاح الحادي والعشرين من أشعيا وهي تقبل كلمتي والإنكليزيتين

وجاءت في التوراة فقرة هي وهي من عهود التوراة المتأخرة على رأي هاستنك المختص بأبحاث التوراة وقد فسرت في اللغة اليونانية القديمة بمعنى (بلاد العرب) وأصبحت ترجمة الآية بكاملها باللغة العربية بهذا الصورة (وحي من جهة بلاد العرب وفي الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الدادنيين) وقد خصصت هذه الكلمة في هذه الآية أما قبل ذلك فكانت تعني البداوة والإمعان في العيش في البادية).

وتدل لفظة (عرابة) التي وردت في العهد القديم بصورة التثنية على ما ذكرناه سابقا (عربة) غير أن (ها - عرابة) المسبوقة بأداة تعني الوادي العميق الممتد من جبل الشيخ إلى خليج العقبة وفيه الجولة وبحر الجليل وبحر الملح أو البحر الميت. وقد يختفي هذا الاسم بالغور بين البحر الميت والبحر الأحمر وقد يدل على الغور شمالي البحر الميت.

ولا يعرف على وجه التأكيد ما يقصد من كلمة الواردة في الآية 20 من الإصحاح الثالث من ارميا هل يراد من ذلك (أعرابي) أي أحد الأعراب من سكان البادية أو (عرب). وعلى كل فإنه إن قصد الأول اتجهت الفكرة رأساً إلى (بدوي) وإن قصد الثاني اتجه الفكر إلى عربي من أهل القرى والمدن والأراضي.

ومما يلاحظ أن صيغة هي صيغة آرامية أكثر من كونها صيغة عبرية وأما الجمع وهو ويرد في مواضع من التوراة؛ فأنه أقرب إلى العبرية منه إلى الآرامية. وأما الصورة التي وردت عليها هذه اللفظة في الآية الحادية عشرة من الإصحاح السابع عشر من أخبار الأيام الثاني فأنها غير أصلية على ما يظهر لأنها صيغة غير مألوفة (عربان)

إن أول من أستخدم كلمة (عراب) كاسم علم في العهد القديم على وجه التأكيد هو النبي ارميا وتقع نبوءته بين 626 - 586 قبل الميلاد إذ جاء ومعناها (وكل ملوك العرب) وأما العبارة - فأنها شرح صرف لما تقدم لأجل التوضيح ولا قيمة معنوية لها غير ذلك؛ فمعنى كلمة إذاً (العرب) ولا شك من أن قصد النبي راميا من تعبيره (وكل ملوك العرب) أمراء ومشائخ العرب الذين كانوا يسكنون في البلاد العربية الشمالية وفي صحراء بادية الشام.

ويشك هاستنك في أن مقصود النبي من (العرب) قبيلة معينة أو جماعة معلومة تختلف عن القبائل والجماعات الأخرى من العرب بعض الاختلاف. والظاهر أن النبي ارميا لم يكن يحيط علماً بالقبائل البدوية وهي كثيرة وبالفروع التي تشعبت منها. وكيف يحيط النبي علماً بها ولم تكن لدى الإسرائيليين معلومات صحيحة واضحة حتى ذلك العهد عن العرب. وكل ما كانوا يعرفونه عن العرب لم يكن إلا من قبيل المعلومات الابتدائية الغامضة المبهمة.

والحق أن العبرانيين لم يتصلوا بالعرب اتصالا تاماً ولم يكونوا لهم فكرة واضحة عن القبائل العربية إلا بعد تدهور القبائل الإسماعيلية (اشماغيل) وإلا بعد ضعف المدنيين والعماليق (العمالقة). حينئذ اتصل العرب بالإسرائيليين اتصالا مباشراً وعندئذ احتك الإسرائيليون بالعرب احتكاكا شديداً في خلال أيام السلم وفي أثناء أيام الحروب.

ومهما يكن من شئ فان هنالك صعوبات كبيرة تاريخية في تعيين مدلول كلمة (عريب) الواردة في العهد القديم هل تعني (البداوة) أو تعني البلاد العربية كلها أو جزاً معينا من الأجزاء التي سكن فيها هذا الشعب؟ ولما ذكر النبي ارميا الأسماء التي ذكرت مع هذه الكلمة لم يرتب الأسماء ترتيباً جغرافيا منتظماً فبعد أن ذكر (عريب) و (كل اللفيف) قال: (وكل ملوك أرض عوص، وكل ملوك أرض فلسطين، واشقلوة وغزة وعقرون وبقية أشدود وادوم وموآب وبني عمون وكل ملوك صور وكل ملوك صيدون وملوك الجزائر التي في عبر البحر وردان ويتماء وبوز وكل مقصوصي الشعر مستديراً وكل ملوك العرب وكل ملوك اللفيف الساكنين في البرية).

ترى مما تقدم أن من الصعب تعيين المكان الذي سكنه العرب بالضبط. وقد ترجم مارتن لوثر (وكل ملوك العرب) بترجمة تختلف قليلاً في المعنى فقال (وكل ملوك الذين في البلاد العربية) فقصد البلاد العربية لا الشعب العربي كشعب (أعراب) ونجد هذا الالتباس في الترجمات الأوربية أو ومنذ القرن الثالث قبل المسيح أصبحت كلمة (عرب) نوعا ما عامة تطلق على مختلف القبائل التي انتشرت في شبه الجزيرة فأطلقت على العرب الذين كانوا يجاورون (الكوشين) وهم (الأحباش) على أكثر الاحتمالات وذكرت قبيلة جشم أو في مجموعة القبائل العربية أشار إلى ذلك (نحميا) في ذكرياته. وهذه القبيلة هي من القبائل الشمالية.

ومما يجب التنويه عنه هو أن لفظ (عرب) مهما قيل فيه فإنه لا يعني ما يعنيه في الوقت الحاضر من شعب واحد كان يسكن شبه الجزيرة برمتها بل كان يشمل نوعاً خاصاً من القبائل وهي القبائل التي كانت تتنقل في البادية من مكان إلى مكان طلباً للكلا والماء ومنابت الأعشاب).

(وأما ما يقال في المعاجم العربية من أن هناك فرقاً بين كلمتي عربي وأعرابي وتخصيص الأولى بسكان المدن والثانية بسكان البادية فلم يحدث إلا في عصور قريبة من ظهور الإسلام. أما قبل ذلك فلم يكن هناك فرق مطلقاً، بل كان كل من الكلمتين يدل على سكان البادية فحسب: أما سكان المدن والأمصار فكانوا ينسبون إلى قبائلهم أو يعرفون بمناطقهم).

ويقال بأن (بني قديم) ' الواردة في العهد القديم والتي تعني (أبناء الشرق) أو (الشرقيين) يقصد منها القبائل العربية التي كانت تسكن شرق فلسطين أو حوالي البحر الميت. ولعلها القبائل التي كان يطلق عليها أسم (القبائل الإسماعيلية) ويقول أحد المستشرقين وهو إيوالد بأنه (قدموني) ترادف (بني قديم) ' وهي تسمية عامة تطلق على جميع القبائل التي انحدرت من نسل (قطورة) زوجة إبراهيم على حد تعبير نسّابي اليهودي

وأما الأراضي التي أقام فيها العرب وحلوا بها فقد أطلق عليها الآشوريون والبابليون (ماتوا أربائي) ومعناها (أرض العرب) وقد انتقلت هذه التسمية من البابليين إلى الفرس ومن الفرس إلى الكتبة اليونانيين.

وعرف هؤلاء الكتبة شيئاً من أحوال العرب دونت في كتبهم؛ وذكر في مثلا أسم عربي اشترك مع من اشترك في معركة (سلاميس) وذكر هيرودوتس شيئاً لا بأس به عن العرب وعن البلاد العربية وعلى الأخص العرب الذين كانوا في المنطقة الواقعة بين سوريا ومصر أي في صحراء سينا وفي المناطق المتصلة بهذه الصحراء والتي كانت لها روابط وصلات بالعبرانيين.

وأطلق اكسنوفان أسم على نفس المنطقة التي سمّاها داريوس ويعنون بها الصحراء التي تفصل أرض بابل عن منطقة وهي نفس المنطقة التي ظل الكتبة السريان المتأخرون يطلقون عليها أسم وقد استوطنت في هذه المنطقة قبائل عربية كثيرة.

وقسم كتبة اليونانيين البلاد العربية ومعناها (العربية) إلى أقسام مثل (العربية السعيدة) و (العربية الصخرية) و (العربية الصحراوية) وأقسام أخرى مثل

وعرف العرب بتسمية أخرى هي وهي تسمية شاعت بين الكتبة اليونانيين. ويستفاد مما كتبه بطليموس أن (السرسانيين) كانوا يقيمون في منطقة شبه جزيرة سيناء وأنهم كانوا من أتباع الإمبراطورية الرومانية وأنهم كانوا يتعرضون للقوافل التجارية ويأخذون المكوس الفاحشة من القوافل التي كانت تمر بأراضيهم.

وأطلق الآراميون على العرب أسم ونجد هذه اللفظة في المناظرة (الديالوك) التي كتبها أحد تلاميذ برديصان حوالي سنة 210 للميلاد. وقد شاعت هذه اللفظة وأصبحت تطلق على العرب عامة منذ هذا الوقت لدى السريانيين واليونانيين. ثم انتقلت إلى اليونانيين فبقية الشعوب الأوربية.

وأما لفظة فالظاهر أنها مأخوذة كلمة (طي) وهي أسم القبيلة المشهورة التي كانت تسكن شمال نجد ثم ارتحلت إلى البادية الشمالية وإلى مختلف أنحاء شبه الجزيرة. وقد اكتسبت هذه القبيلة شهرة واسعة وخافتها الشعوب المجاورة حتى أطلقوا على جميع القبائل العربية لفظة من باب إطلاق الجزء على الكل.

وهكذا شاعت هذه الكلمة وغطت ما دونها من كلمات. فأطلق الآراميون في العصور المسيحية لفظة على العرب ونقل الفرس هذه الكلمة بصورة محرفة تحريفاً يلائم لغتهم فقالوا (تاجك) أو وفي العهد الأخير

قد خافت الشعوب التي تاخمت قبيلة طي منها كثيراً والظاهر أنها كانت قوية شديدة المراس فقد أجمع الكتبة من يونان وسريان أنها كانت على جانب عظيم من الغلظة والخشونة وأنها كانت بدوية. ويقول يوحنا العمودي بأن أكثر قبيلة لا يعرفون الخبز.

أما النصوص القديمة التي عثر عليها في البلاد العربية الجنوبية فلم تذكر سوى كلمة (أعراب) ومعناها البدو والقبائل المتنقلة على نحو ما جاء في القرآن الكريم. وقد كان السبأيون والحميريون يميزون بين الحضر من أهل المدينة وبين سكنة البادية وهم (الأعراب).

فكانوا يسمون الحضر بأسماء الأماكن التي يسكنونها أو بأسماء أجدادهم وقبائلهم فيقولون (بنو فلان). وأما سكنة البادية فكانوا يطلقون عليهم بصورة عامة (أعراب) وينسبونهم إلى المحل الذي يقيمون فيه فيقولون (أعراب تهامة) و (أعراب مأرب) وما شابه ذلك.

وبالنظر إلى عدم العثور على نصوص غربية قديمة كثيرة نستطيع بواسطتها معرفة آراء العرب أنفسهم في هذه التسميات فإننا لا نستطيع إبداء رأي حاسم فيما ذكرناه من تسميات أطلقها الأجانب على العرب. وعلى كل فإن هذه التسميات على ما يظهر كانت خاصة بعرب الشمال الذين كانا بطبيعة الحال على اتصال مباشر بتلك الشعوب الغربية. فهي علامات فارقة كانت تميز تلك القبائل عن القبائل السامية الأخرى.

إن القبائل البدوية والقبائل التي هي على شئ من حياة البداوة لا تعرف عادة من معاني القومية والجنسية إلا معنى القومية القبلية. فالقبيلة في نظر البدوي هي الحكومة وهي القومية وهي الجنس وهي كل شئ. والأرض التي تقيم فيها القبيلة هي الوطن يرتبط به ما دامت القبيلة فيه فإذا انتقلت القبيلة إلى أرض أخرى كانت الأرض الجديدة هي الوطن الجديد الذي يدافع عنه ويجود بنفسه في سبيله. ورابطة القبيلة هي الجنسية الوحيدة فيما بين القبائل وهي التابعية. وعلى قدر منزلة القبيلة تكون منزلة التابعية وقوة نفوذها في عالم القبائل السياسي.

وعلى الرغم من اشتباك القبائل في وحدة الجنس ووحدة الأصل فإنها لم تكن تشعر في معاملاتها الخاصة هذا الشعور. فكانت تنظر الواحدة إلى الأخرى نظرتها إلى شعب غريب فتتحارب وتتقاتل فيما بينها وترتبط مع الأجانب وتحارب معهم ضد قبيلة أخرى من أبناء جنسها. ولكن ضرورة التنقل من مكان إلى مكان أجبرت القبائل العربية على تكوين حلف فيما بينها وعلى الارتباط برباط العصبية. فصار هنالك حلف القبائل

وهذا الشعور هو الذي ألف بين القبائل وجعلها كتلة قوية تصد عادية المعتدين. فظهر امرؤ القيس بن عمرو الذي ورد ذكره في حجر نمارة النفيس في الجنوب الشرقي من دمشق والمؤرخ في عام 238 للميلاد الموافق ليوم 7 بكسلول من سنة 223.

إن نص النمارة هو أول نص عربي يشير إلى ملك (ملك العرب كلهم والذي حاز التاج وملك الأسدين ونزاراً وملوكهم وهزم مذحجاً وجاء إلى نزجي (أو بزجي) في جبح نجران مدينة شمر وملك معداً ونزل بنَّية الشعوب ووكله الفرس والروم فلم يبلغ ملك مبلغه.

يظهر من كل ما تقدم أن كلمة عرب و (العرب) لم تطلق في العصور التي تقدمت المسيح على العرب عامة وإنما كانت كلمات تدل على قبيلة معينة هي قبيلة شمالية. وأما عرب الجنوب فكانوا يسمون (معونيم) مثلا أي معنين أو سبئين ثم حميرين وقبائل أخرى. واستعملت (عريب) عند العبرانيين للدلالة على البداوة: وكذلك استعملت عند عرب الجنوب.

والظاهر أن كلمة (العرب) كجنسية تشمل جميع سكان شبه الجزيرة العربية لم تظهر إلا قبل الإسلام بزمن يظهر أنه لم يكن طويلا يمكن أن يعود إلى القرن الثالث أو الرابع للمسيح. ولم تطلق هذه الكلمة على سكان بلاد العرب الجنوبية الذين كانوا يختلفون في أنسابهم عن عرب الشمال ولذلك فرق النسابون بين الجماعتين.

جواد علي