الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 649/البَريدُ الأدبيّ

مجلة الرسالة/العدد 649/البَريدُ الأدبيّ

مجلة الرسالة - العدد 649
البَريدُ الأدبيّ
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 10 - 12 - 1945


غرَّها فجرَّها

كتب الأستاذ الكبير محمود أبو ريه يقول إن أديب الجيل الأستاذ مصطفى صادق الرافعي كان يرى - رحمه الله - أن تكون الرواية - جرها شرك - في قول مجنون بني عامر:

كأن القلب ليلة قيل يغدي ... بليلى العامرية أو يراح

قطاة جرها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح

والواقع أن جرها يستقيم معها المعنى وتلائم قول الشاعر - فباتت تجاذبه كما تلائم صورة المشبه، والتحريف بعد هذا يتسع لأن تكون غرها وليدة جرَّها. ومع إجلالي لرأي أستاذنا الرافعي أرى أن غرها رواية صحيحة صريحة وأنها أبرع فيما يقصد إليه الشاعر من التشبيه كما أنها تتفق مع الواقع، لأن العادة جرت أن يوضع في الشرك ما يغر الطائر من حب وغيره فإذا دنا الطائر من الشرك علق به، وهذا العلوق يختلف باختلاف موقع الطائر من الشرك. والشاعر هنا يقول إن الذي علق هو الجناح وهنا تنتهي بنا غرها إلى جرها لأن المعنى والتصوير يقتضيان ذلك.

وغرها حينئذ أنسب لما فيها من المعنى الذي يتصل بنفس الشاعر أولاً وليكون - الجر - مما يلحظ بالذهن ثانياً. وفي هذا من الحسن ما لا يخفى.

أما عزها فيكفي في نقضها مما قاله أستاذنا الرافعي طيب الله ثراه.

محمد العزازي

مدرس بمعهد قنا

إلى الأستاذ حسن أحمد الخطيب

تحية وسلاما: وبعد فقد قرأت في العدد 645 المؤرخ في 12 نوفمبر 1945 من الرسالة الغراء كلمة للأستاذ حسن أحمد الخطيب (من محاسن التشريع الإسلامي) أورد فيها قضية وهي: (أن الربيع بنت النضر لطمت جارية فكسرت ثنيتها، فطلب أهل الجارية القصاص. فأمر رسول الله به، فجاء أخو الربيع أنس بن النضر وكان من خاصة الصحابة فقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنية الربيع، فقال رسول الله: كتاب الله القصاص: فلم يزل أنس يقول لرسول الله حتى جاء أهل الجارية راضين بدفع الأرش فقضى رسول الله به).

هذه هي قضية الأستاذ الفاضل التي لم أكد أقرأها حتى استغربت ذكرها كقضية مسلم بها يحسبها الأستاذ حسنة من محاسن التشريع الإسلامي، إذ أنني أعتقد جازماً بأن هذه القضية مدسوسة في ثنايا قضايا التشريع وهي عنه جد بعيدة، وإذ ليس لرسول الله ﷺ أن يضع حقاً من حقوق الله، والقصاص كما هو معلوم من حقوق الله وليس من حقوق العبد حتى يضعه، وعليه فإن رضاء المعتدي عليه بالأرش أو الدية لا يسقط القصاص عن الجاني.

وقد ذكرتني هذه القضية قضية أخرى مماثلة لها أوردت بحضرة النظام شيخ المعتزلة، وهي أن جارية سرقت فأراد الرسول قطعها، فوضع أهل المسروق حقهم عليها فوضع الرسول القصاص عنها، غير أن النظام كذبها بشدة ونفي صدور هذا الحكم عن الرسول إذ أن القطع كما قلت من حق الله - الحق العام - وليس من حق المسروق منه.

لذلك جئت بكلمتي هذه راجياً تنبيه الأستاذ الخطيب إلى أن استيفاء الأرش أو الدية ورضاء المجني عليه لا يسقط حق القصاص.

(بغداد)

حقوقي

عالم يعض كلباً!!

كان أنحى من أخذ عن الفارسي أبي علي، وأرواهم لشعر شاعر، حتى قال الفارسي يوماً: (ما بقي شئ تحتاج إليه، ولو سرت من الشرٌق إلى الغرب لم تجد أعرف منك بالنحو)

وكان أحسن ما كتب، وأجدره بالتقدير، شرح كتاب سيبويه، إلا أنه غسله، وذلك أن طالباً نازعه في مسألة، فقام مغضباً، وأخذ هذا الشرح، وجعله في إجَّانَةٍ، وصب عليه الماء، وجعل يلطم به الحيطان، ويقول - تعريضاً بالطالب - (لا - والله - لا أجعل أولاد البقالين نحاة.)

وكان مبتلى بقتل الكلاب، وكسر سوقها.

وكان يحضر درسه من الأكابر وعلية القوم من يقدرون فضله، ويغضون عن سقطاته، فاستتم الدرس ذات يوم، وقال فجود، فلما هم القوم بالانصراف استأناهم، وسألهم أن يمضوا معه على خيولهم ففعلوا، وهو سائر على قدميه يأبى أن يركب، فلما بلغوا ما شاء وقف عند إحدى الخرائب، واطل من بعض الكوى، ونظر الجماعة فإذا أستاذهم يواثب كلبا، والكلب يواثبه تارة ويهرب منه أخرى حتى أعياه، فعاونوه، وأمسكوا الكلب. فجعل يعض الكلب عضاً شديدا، والكلب يعوي ويتململ، فما تركه حتى اشتفى

ثم نظر إلى الجماعة وقال: هذا عضني بالأمس، فأردت أن أخالف فيه قول الأول:

شاتمني كلب بني مسمع ... فصنت عنه النفس والعرضا

ولم أجبه لاحتقاري له ... من ذا يعض الكلب إن عضا؟

هأنذا أعض الكلب إن عض!

ذلك هو علي بن عيسى الربعي المتوفى سنة 420هـ

كامل السيد شاهين

حول نشر تراث المعري:

قابلت البيئات الأدبية والفلسفية مشروع - نشر تراث أبي العلاء - مفخرة الفكر العربي - بكل ما يستقبل به العمل الواجب المثمر من حفاوة وتشجيع؛ فلم يعرف التاريخ الإسلامي شخصية دق حسها وعمق تفكيرها واتسع نطاق ذهنها وغزرت معارفها وكثر محصولها من اللغة: فقهاً ونحواً وصرفاً وعروضاً كتلك العبقرية النادرة؛ ولكنه ويا للأسف قد لعبت أيدي الإهمال بهذا الكنز الثمين الحافل فاستتر عن الأعين بعضه ولم يسلم ما تبقى من عبث التشويه والتحريف مما جعل استثمار هذا الإنتاج عسيراً شاقاً؛ فما كاد يذاع نبأ جمع هذا التراث وتنظيمه وتنسيقه وتقديمه نقياً من الشوائب حتى استبشرت النفوس وأثلجت الصدور لبعث أبي العلاء - كما يجب أن يكون في تلك البيئات؛ وتسابقت الآمال للأخذ من مناهل - الشيخ - وقد طهرت مواردها، واشرأبت العيون إلى إنقاذ آثار زعماء الفكر العربي. حتى قال الأستاذ - أحمد أمين بك - يجب أن نعرج على - ابن خلدون - بعد تقديم - أبي العلاء - فانتظرنا طلوع فجر ذلك اليوم الذي نحظى فيه بأولى ثمرات هذا الجهد الخصب؛ واليد التي ستظل أبد الدهر وضاءة ناصعة؛ وبعد لأي أعلن البشير صدور التعريف بأبي العلاء فذهبنا نستبق فما وجدنا إليه سبيلا؛ فعللنا الأنفس بأن لا حاجة ملحة بنا الآن إلى التعريف به؛ فقد كفانا مؤنة ذلك المحدثون؛ ولم نلبث طويلا حتى عاد البشير يعلن قدوم - سقط الزند - ويطنب في جماله وأناقته وإتقانه؛ فلما حاولنا الحصول عليه امتنع علينا ما ابتغيناه؛ وحتى هذا الأستاذ الذي يقوم بتدريس الفلسفة في كلية الآداب يعوزه ما يعوز غيره من مريدي الثقافة العامة. وهذا آخر يدرس الأدب العربي في أحد معاهد الأدب العالية أضناه البحث، وقعد به القنوط؛ فيا ليت شعري إذا عز تراث فيلسوف العرب على أستاذ الفلسفة واستحال تراث هذا الأديب الحجة على أستاذ الأدب، فأي إنسان هان وسهل عليه ذلك الذي بات فوق متناول هؤلاء الأساتذة؟ أغلب الظن أنه هان وسهل؛ بل استذل وصغر على تلك المناضد التي يطرح في زاوية من زواياها غير مكترث به، ولا منظور إليه، ألا ليت الأستاذ - أحمد أمين بك - يعلم أن هذا التراث الذي تبذل في إخراجه الجهود وتنفق الأموال، قد بات فوق متناول الأساتذة المختصين فضلا عن القارئ العادي الذي يجب أن نمده بكل ما من شأنه أن يسمو بفكره ويغذي عواطفه ويقوي خلقه. ألا ليت الدكتور طه يعلم أن سبيل لمعاهد الأدب إلى - أبي العلاء - ألا ليت وزارة المعارف تعلم أن هذا الإنتاج قد غدا لا يعرفه الأساتذة إلا عن طريق التصور والسماع.

محمد عبد الحليم أبو زيد

جائزة ألف جنيه لتيسير الكتابة باللغة العربية

يعلن مجمع فؤاد الأول للغة العربية، أنه قد خصص جائزة مقدارها ألف جنيه تمنح لأحسن اقتراح في تيسير الكتابة العربية على ألا يكون لأعضاء المؤتمر الحق في دخول المسابقة، وقد تحدد آخر أكتوبر سنة 1946 موعداً لقبول المقترحات، وترسل باسم المجمع بعنوانه شارع قصر العيني رقم 110 بالقاهرة. وسيطبع المجمع كل ما قيل حول تيسير الكتابة في مؤتمره الذي انعقد سنة 1944، ويتخذ الوسائل لنشره.

مسابقة فاروق الأول للقصة المصرية

كانت حضرة صاحبة العصمة السيدة الجليلة هدى هانم شعراوي قد تبرعت بجائزتين للقصة المصرية؛ وقد فرغت لجنة الأدب بمجمع فؤاد الأول للغة العربية من الحكم على ما لديها من القصص، فنالت قصة (لقيطة) للأستاذ محمد عبد الحليم عبد الله جائزة قدرها خمسة وثلاثون جنيها، ونالت قصة (في ربيع الحياة) للأستاذ محمد أحمد قمر جائزة قدرها خمسة وعشرون جنيهاً مصرياً

كتاب (أمريكا) لستيفن فنسنت بنيه

إن هذا الكتاب الذي وضعه بالإنجليزية المستر ستيفن فنسنت بنيه، ونقله إلى العربية الأستاذ عبد العزيز عبد المجيد، إنما هو رحلة زمنية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، تسلسلت أحداثه منذ أن وطأت أقدام الأوربيين أرض الدنيا الجديدة، ثم ساير نهضة الوطن الأمريكي من بدء الهجرة العظيمة، إلى عهد الثورة والانفصال عن إنجلترا، وتحدث عن الدستور الأمريكي الأول وما دخله من تعديلات في عهود مختلفة، ثم وصف الجمهورية الناشئة وبناتها، ثم ساق الكلام عن إبراهام لنكولن أحد قادة الحرية في العصر الحديث، وأتى بوصف شائق للحرب الأهلية بين الولايات الشمالية والولايات الجنوبية وما أعقبها من سياسة شاملة للإنشاء والتعمير، ويتصل السياق بالكاتب إلى عهد أمريكا التي يعرفها الناس جميعا، فيجلو صورة فنية رائعة لبلد الصناعة والمال، وأخيرا يتحدث عن ميثاق الأطلنطي والأمل المنشود في عالم ما بعد الحرب.

والكتاب نسيج وحده بين الكتب الموضوعة عن أمريكا، فليس هو كتاب دعاية عمياء تطلع القارئين على تزويقات بلاغية حتى إذا تحسسوها من ناحية الحقيقة لم يجدوها شيئا، وإنما هو سفر يلخص تاريخ أمة، ويصور حياة وطن، ويرسم طريق كفاح. فأمريكا (ليست فردوسا أرضيا، ولا جنة كجنة عدن، ولا هي قد بلغت نهاية الكمال، وقد أخطأت في الماضي في إدارة أمور الداخلية كما أخطأت في الأمور العالمية. ولكنها مع ذلك تتطلع دائما إلى المستقبل، مستقبل يعيش فيه الرجال والنساء أحراراً، يتوافر فيه الغذاء والعمل، وتتوفر فيه الطمأنينة والحرية لبني الإنسان

تلك هي الروح التي تسيطر على الكتاب، وهي وإن كانت لا تنقصها الصراحة الصادقة، إلا أنها مشربة بالاعتداد بالنفس والثقة بمستقبل الأمة والتفاؤل بمصير الإنسانية.

ولا يتناول الكاتب الحديث عن جورج وشنطن دون أن يتملكه - كأمريكي - فيض من الشعور بالزهو والخيلاء بهذا البطل الذي لم يعرفوا كيف يصغرون اسمه تحببا لأن معاني العظمة فيه لم تسمح بمثل هذا التدليل، فهو لم يقبل الرشوة، ولم يأخذ أجراً مقابل قيادته الجيش زهاء سبع سنين، ولم يهن حيال أعدائه وشاطر جنوده الضراء، وكابد معهم تباريح الجوع وأوصاب المرض ولفحات البرد القاسي.

وإذا جاء دور الدستور الأمريكي، عرضه الكاتب على القارئ عرضا لبقا، فإذا هو نصوص لا تحوطها القداسة، ولا يتناهى عنده حبل الأشتراع، وإنما هو مواصفات قانونية مرنة تتكيف حسب الأجيال، وتتبلور وفق أقضية الناس ومشكلاتهم.

وحين يعرض المؤلف مذهب مونرو لا نرى فيه تلك الوثيقة الجافة التي طالما قرأناها في كتب التاريخ والسياسة، وإنما نرى فيها صورة حية من صور الحرية الإنسانية، تلك الحرية التي حفزت ابراهام لنكولن على إلغاء الرقيق وإعلان الحرب على الولايات الجنوبية التي أبت إلا أن يبقى رقيق الأرض على حاله، وكان أن لقي الرئيس الأمريكي نفسه بعد ما تحقق له النصر أو كاد.

فإذا تركنا الجانب السياسي من الكتاب وتلفتنا إلى الجانب الاجتماعي فيه، وجدنا المؤلف يتحدث بصراحة محببة عن الأغنياء الأنانيين الذين لا هم لهم سوى أحتجان الأموال واكتنازها، بيد أنه لا يدع القارئ يمعن في تخيلاته، حتى يبدهه بأسماء أولئك الأثرياء الإنسانيين في بلاد العام سام من أمثال كاربنجي الذي أنفق معظم ثروته ليساعد على إنشاء دور الكتب العامة المجانية ليتيح للفقراء أن يثقفوا أنفسهم، وروكفلر صاحب المؤسسة العظيمة التي عادت أبحاثها في الطب والعلم على الناس جميعا بالخير العميم وغيرهما ممن يضيق دون ذكرهم المقام.

ويختم المؤلف كتابه بقوله إن العلم الأمريكي (يرمز للحرية ويرمز للرجاء، إنه يرمز لحسن الجوار لا للسيادة على الآخرين، إنه يرمز إلى أن يقرر الناس مصيرهم ويحكموا أنفسهم بأنفسهم، إنه يرمز إلى أُناس يحبون السلام، فإذا اعتدى على بلادهم هبوا يقاتلون المعتدين. إنه يرمز لأمة وشعب يؤمنون بالإنسان. ويؤمنون بمستقبل الإنسان، وبالعالم الحر الذي يستطيع الإنسان أن ينشئه)

وبعد، فان هذا العرض الموجز لبعض موضوعات هذا الكتيب الأنيق لا يغني كل الغناء دون قراءته واستيعاب ما فيه من كل شائق وطريف.

منصور جاب الله