مجلة الرسالة/العدد 642/في إرشاد الأريب
→ بركة (الإمام). . .! | مجلة الرسالة - العدد 642 في إرشاد الأريب [[مؤلف:|]] |
قصة: ← |
بتاريخ: 22 - 10 - 1945 |
إلى معرفة الأديب
للأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي
- 13 -
ج 18 ص 39: قال محمد بن بركات السعيدي يخاطب أبا القاسم هبة الله بن علي بن مسعود بن ثابت البوصيري الأنصاري:
فله أوامر من حجاه حكيمة ... وله زواجر من نهاه
يقظان من فهم لكل فضيلة ... بنباهة جلت عن الأشباه
علامة ما مشكل مستبهم ... خاف عن الإفهام عن أساه
وجاء في الشرح: هكذا بالأصل وترى الشطرين الثانيين من البيتين الأول والثالث ليسا بالتامين إذ الأبيات من بحر الكامل.
قلت: وله زواجر من نهاه نواه:
علامة ما مشكل مستبهم ... خاف عن الإفهام - عنه بساه
ج 19 ص 301
وكنت كذئب السوء لما رأى دما ... بصاحبه يوماً أحال على الدم
قلت: في اللسان والتاج: تقول: هذا رجل سوء بالإضافة وتدخل عليه الألف واللام فتقول: هذا رجل السوء، قال الفرزدق بالفتح والإضافة: (وكنت كذئب السوء. أبيت) ولا يقال: هذا رجل السوء بالضم لأن السوء بالضم اسم للضر وسوء الحال. وإنما يضاف إلى المصدر الذي هو فعله كما يقال رجل الضرب والطعن فيقوم مقام قولك: رجل ضراب وطعان، فلهذا جاز أن يقال رجل السوء بالفتح، ولم يجز أن يقال: هذا رجل السوء بالضم. والسوء مصدر سؤته أسوأه سوءاً، وأما السوء فاسم الفعل.
قلت: ولبيت الفرزدق قصة، إن صحت فقد حرمه الله إياه؛ ففي أغاني أبي الفرج: عن الوليد بن هشام عن أبيه قال: أنشدني الفرزدق وحماد الراوية حاضر (وكنت كذئب السوء) فقال له حماد: آنت تقوله؟ قال: نعم، قال: ليس الأمر كذلك، هذا لرجل من أهل اليمن، قال: ومن يعلم هذا غيرك أفأردت أن أتركه وقد نحلنيه الناس ورووه لي لأنك تعلمه وحدك، ويجهله الناس جميعاً غيرك.
ج 1 ص 213:. . . والذي يأخذه من السلطان ينفقه في أهل طرسوس (المجاهدين).
قلت: في معجم البلدان: بفتح أوله وثانيه ولا يجوز سكون الراء إلا في ضرورة الشعر لأن فعلول ليس من أبنيتهم.
قلت: قال المتنبي وقد سكن ضرورة:
صدق المخبر عنك، دونك وصفه، ... من بالعراق يراك في طرْسوسا
قال لي الأديب الكبير الأستاذ شفيق جبري: (من بالعراق يراك في طرسوسا) هذا (شهود البعيد) الذي ابتدعه هؤلاء العفاريت في هذا الزمان أو كما قال.
ج 19 ص 149: وله (لمظفر بن إبراهيم العيلاني):
يا نائما أسهرني حبُّهُ ... وعائداً أمرضني طبُّهْ
وخادعا رقّ لحبي له ... كلامه وقسا قلبه
قلنا على حسنك عيني جنت ... جثماني الناحل ما ذنبه؟
قلت: إما (حبهْ وطبُّهْ) والبيت مصرع. وإما (حبهُ وطبهُ وقلبهُ وذنبهُ).
وعجز البيت الثاني هو (كلامه لي وقسا قلبه) والشعر من بحر السريع.
ج 16 ص 34: وجمع براوات الأقلام فيكتب بها تعاويذ للحمى وعسر الولادة فتعرف بركتها.
قلت: بروات أو برايات. في مستدرك التاج. البروة نحاتة القلم والعود والصابون ونحو ذلك. وفي اللسان: البراية النحاتة وما بريت من العود.
ج 5 ص 199: (أسامة بن مرشد بن منقذ):
نافقت دهري فوجهي ضاحك جذل ... طلق وقلبي كئيب مكمد باك
وراحة القلب في الشكوى ولذَّتُها ... لو أمكنت لا تساوي ذلة الشاكي
قلت: (في الشكوى ولذتها).
ج 18 ص 123: كان للرواسي (محمد بن الحسن) امرأة من أهل النيل، تزوجها بالكوفة وانتقلت إليه من النيل وشرطت عليه أنها تلم بأهلها في كل مدة، فكانت لا تقيم عنده إلا القليل، ثم يحتاج إلى إخراجها وردها، فمل ذلك منها وفارقها وقال فيها:
بانت لمن تهوى حمولُ ... فأسفت في أثر الحمولٍ
اتبعتهم عينا عليهم ... ما تفيق من الهمول
ثم أرعويت كما ارعوى ... عنها المسائل للطلول
لاحت مخائل خُلفِها ... وخلافُها دون القبول
ملَّت وأبدت جفوة ... لا تركنَنَّ إلى ملولِ
قلت: بانت لمن تهوى حمولٌ:
لاحت مخايل خلفِها ... وخلافِها دون القبول
ج 16 ص 249:. . . لكن الحوادث قلما توافقه، والأيام تماسكه في ذلك وتضايقه. وظني بأن الله سوف يريك.
وجاء في الشرح: تماسكه: تشاحه وتظلمه.
قلت: (وظني بأن الله سوف يديل) الأساس: أدال الله بني فلان من عدوهم: جعل الكرة لهم عليه. وفي الصحاح: الأدالة الغلبة، اللهم أدلني على فلان وانصرني عليه، و (تماسكه): تشاكسه.
ج 18 ص 144: وكان شليمة أولا مع العلوي صاحب الزنج ثم صار إلى بغداد.
وجاء في الشرح: (الزنج) بضم الزاي مشددة: قرية من قرى نيسابور.
قلت: الزنج بفتح الزاي وكسرها - الجيل المعروف، والعلوي المذكور هو على بن محمد الثائر على العباسيين في خلافة المعتمد.
ذكره أبو العلاء في (رسالة الغفران) فقال:
(وأما العلوي البصري فذكر بعض الناس أنه كان قبل خروجه يذكر أنه من عبد القيس ثم من أنمار، وكان اسمه أحمد فلما خرج تسمى عليا، والكذب كثير جم، وتلك الأبيات المنسوبة إليه مشهورة وهي:
أيا حرفة الزمني، ألمّ بك الردى ... أما لي خلاص منك والشمل جامع؟
لئن قنعت نفسي بتعليم صبية ... يد الهر إني بالمذلة قانع
وهل يرضين حر بتعليم صبية ... وقد ظن أن الرزق في الأرض واسع وما أمنع أن يكون حمله حب الحطام على أن غرق في بحر طام).
وقد صيغ في (النهج) في (صاحب الزنج) هذا القول:
(يا أحنف، كأني به سار الجيش الذي لا يكون له غبار ولا لجب، ولا قعقعة لجم ولا حمحمة خيل، يثيرون الأرض بأقدامهم كأنها أقدام النعام (قال الشريف الرضي أبو الحسن رحمه الله تعالى يومي بذلك إلى صاحب الزنج ثم قال عليه السلام) ويل لسكككم العامرة والدور المزخرفة التي لها أجنحة كأجنحة النسور وخراطيم كخراطيم الفيلة من أولئك الذين لا يندب قتيلهم، ولا يفقد غائبهم. . .).
قال ابن أبي الحديد في شرحه:
قوله لا يندب قتيلهم ليس يريد به من يقتلونه بل القتيل منهم لأن أكثر الزنج الذين أشار إليهم كانوا لدهاقين البصرة وبناتها، ولم يكونوا ذوى زوجات وأولاد بل كانوا على هيئة الشطار عزاباً فلا نادبة لهم. وقوله ولا يفقد غائبهم يريد به كثرتهم وأنهم كلما قتل منهم قتيل سد مسده غيره فلا يظهر أثر فقده. فأما صاحب الزنج هذا فإنه ظهر في فرأت البصرة في سنة (255) رجل زعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) فتبعه الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ في البصرة. وأكثر الناس يقدحون في نسبه وخصوصاً الطالبيين. وجمهور النسابين اتفقوا على أنه من عبد القيس وأنه علي بن محمد بن عبد الرحيم وأمه أسدية. ومن الناس من يطعن في دينه ويرميه بالزندقة والألحاد، وهذا هو الظاهر من أمره لأنه كان متشاغلا في بدايته بالتنجيم والسحر والاسطربالات. وكان حسن الشعر مطبوعا عليه، فصيح اللهجة، بعيد الهمة، تسمو نفسه إلى معالي الأمور، ولا يجد إليها سبيلاً، ومن شعره:
وإذا تنازعني أقول لها قرى ... موت يريحك أو صعود المنبر
ما قد قُضي سيكون فاصطبري له ... ولك الأمان من الذي لم يقدر
ومنه:
إني وقومي في أنساب قومهم ... كمسجد الخيف في بحبوحة الخيف
ما عُلّق السيف منا بابن عاشرة ... إلا وعزمته أمضى من السيف
وكانت بينه وبين عمال السلطان وقواده حروب عظيمة ووقعات كثيرة، وكانت سجالا تارة له وتارة عليه، وهو في أكثرها المستظهر عليهم. وكثرت أموال الزنج والغنائم التي حووها من البلاد والنواحي، وعظم أمرهم، وأهم الناس شأنهم، وعظم على المعتمد وأخيه أبي أحمد خطبهم، واقتسموا الدنيا فكان علي بن محمد الناجم صاحب الزنج وإمامهم مقيما بنهر أبي الخصيب قد بنى مدينة عظيمة سماها (المختارة) وحصنها بالخنادق. واجتمع إليه فيها من الناس ما لا ينتهي العدد والحصر إليه رغبة ورهبة، وصارت مدينة تضاهي سامرا وبغداد، وتزيد عليهما، وأمراؤه وقواده بالبصرة وأعمالها يجبون الخراج على عادة السلطان لما كانت البصرة في يده إلى أن دخلت سنة (267) وقد عظم الخطب وجل، وخيف على ملك بني العباس أن يذهب وينقرض، فلم يجد أبو أحمد الموفق وهو طلحة بن المتوكل على الله بدا من التوجه بنفسه ومباشرته هذا الأمر الجلل برأيه وتدبيره وحضوره معارك الحرب. وكان أبو أحمد هو الخليفة في المعنى وإنما المعتمد صورة خالية من معاني الخلافة لا أمر له ولا نهي ولا حل ولا عقد، وأبو أحمد هو الذي يرتب الوزراء والكتاب، ويقود القواد، ويقطع الأقطاع، ولا يراجع المعتمد في شيء من الأمور أصلا. وبحق ما سمى المنصور الثاني، ولولا قيامه في حرب الزنج لانقرض ملك أهل بيته ولكن الله ثبته لما يريد من بقاء هذه الدولة).
وكان (صاحب الزنج) مشعوذاً كبيراً. روى الطبري في تاريخه:
ذكر محمد بن الحسن أن محمد بن سمعان حدثه أن (صاحب الزنج) قال في بعض أيامه لقد عرضت على النبوة فأبيتها. فقيل له: ولم ذاك؟ قال: إن لها أعباء خفت ألا أطيق حملها. . .
وذكر عنه أنه كان يقول: أوتيت في تلك الأيام آيات من آيات إمامتي ظاهرة للناس، منها أني لقيت سوراً من القرآن لا أحفظها فجرى بها لساني في ساعة واحدة، منها (سبحان والكهف وصاد) ومن ذلك أني ألقيت نفسي على فراشي، فجعلت أفكر في الموضع الذي أقصد له وأجعل مقامي به إذ نبت بي البادية، وضقت بسوء طاعة أهلها، فأظلتني سحابة فبرقت ورعدت، واتصل صوت الرعد منها بسمعي، فخوطبت فيه، فقيل: اقصد البصرة، فقلت لأصحابي وهم يكنفونني إني أمرت بصوت هذا الرعد بالمصير إلى البصرة. . .
وجاءه رجل يهودي خيبري يقال له (ماندويه) فقبل يده، وسجد له - زعم شكراً لرؤيته إياه - ثم سأله عن مسائل كثيرة فأجابه عنها، فزعم أنه يجد صفته في التوراة، وأنه يرى القتال معه، وسأله عن علامات في بدنه، فذكر أنه عرفها فيه. فأقام معه ليلته تلك يحادثه. . .
لما كان في شوال من هذه السنة (207) أزمع الخبيث على جمع أصحابه للهجوم على أهل البصرة، والجد في خرابها، وكان قد نظر في حساب النجوم، ووقف على انكساف القمر ليلة الثلاثاء لأربع عشرة ليلة تخلو من الشهر، فذكر عن محمد بن الحسن بن سهل أنه قال: سمعته يقول. اجتهدت في الدعاء على أهل البصرة، وابتهلت إلى الله في تعجيل خرابها، فخوطبت فقيل لي: إنما البصرة خبزة لك تأكلها من جوانبها، فإذا انكسر نصف الرغيف خربت البصرة فأولت انكسار نصف الرغيف انكساف القمر المتوقع في هذه الأيام، وما أخلق أمر البصرة أن يكون بعده.
قال محمد بن الحسن: ولما أخرب الخائن البصرة وانتهى إليه عظيم ما فعل أصحابه سمعته يقول: دعوت على أهل البصرة في غداة اليوم الذي دخلها أصحابي، واجتهدت في الدعاء، وسجدت، وجعلت أدعو في سجودي، فرفعت إلى البصرة فرأيتها ورأيت أصحابي يقاتلون فيها، ورأيت بين السماء والأرض رجلا واقفاً في الهواء قد خفض يده اليسرى ورفع يده اليمنى يريد قلب البصرة بأهلها، فعلمت أن الملائكة تولت إخرابها دون أصحابي، ولو كان أصحابي تولوا ذلك لما بلغوا هذا الأمر العظيم الذي يحكي عنها. وإن الملائكة لتنصرني وتؤيدني في حربي، وتثبت من ضعف قلبه من أصحابي. . .
قال الطبري: وكان خروج صاحب الزنج في يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان سنة (255) وقتل يوم السبت لليلتين خلتا من صفر سنة (270) فكانت أيامه من لدن خروجه إلى اليوم الذي قتل فيه أربع عشرة سنة وأربعة أشهر وستة أيام. وكان دخوله الأهواز لثلاث عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة (256) وكان دخوله البصرة وقتله أهلها وإحراقه لثلاث عشرة ليلة بقيت من شوال سنة (257).
قلت: ومما قاله ابن الرومي في خطب البصرة في ميميته المشهورة:
ذاد عن مقلتي لذيذ المنام ... شغلُها عنه بالدموع السجام
أي نوم من بعد ما حل بالبصرة ... ما حل من هنات عظام
أي نوم من بعد ما انتهك الزنج ... جهاراً محارم الإسلام دخلوها كأنهم قطع الليل ... إذا راح مدلهم الظلام
كم أب قد رأى عزيز بنيه ... وهو يُعلى بصارم صمصام
كم رضيع هناك قد فطموه ... بشبا السيف قبل حين الفطام
ما تذكرت ما أتى الزنج إلا ... أضرم القلب أيما إضرام
رب بيت هناك قد أخربوه ... كان مأوى الضعاف والأيتام
رب قصر هناك قد دخلوه ... كان من قبل ذاك صعب المرام
عرّجا صاحبيَّ بالبصرة الزهراء ... تعريج مذنف ذي سقام
فاسألاها ولا جواب لديها ... لسؤال ومن لها بالكلام
أين تلك القصور والدور فيها ... أين ذاك البنيان ذو الأحكام
بدلت تلكم القصور تلالا ... من رماد ومن تراب ركام
بل ألِمَا بساحة المسجد الجامع ... إن كنتما ذوي إلمام
فاسألاه ولا جواب لديه ... أين عبّاده الطوال القيام؟
انفروا أيها الكرام خفافا ... وثقالا إلى العبيد الطغام
صدقوا ظن اخوة أملوكم ... ورجوكم لنوبة الأيام
إن قعدتم عن اللعين فأنتم ... شركاء اللعين في الآثام
وقال البحتري في مدح الموفق:
وما كان يدري صاحب الزنج أنه ... إذا أبطرته غفلة العيش صاحبه
وكان شفاء صلبه لو تألفت ... له جثة يُريٍ بها العين صالبه
تعجل عنه رأسه وتخلفت ... لطيبتها أوصاله ومناكبه
جبابرة الأرض استكانت لضربة ... أرت قائمَ النهج الذي ذاق ناكبه
محمد إسعاف النشاشيبي