الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 640/هذا العالم المتغير

مجلة الرسالة/العدد 640/هذا العالم المتغير

مجلة الرسالة - العدد 640
هذا العالم المتغير
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 08 - 10 - 1945


كثرة الأكل قد تسبب السرطان

للأستاذ فوزي الشتوي

منذ 3000 عام

يفتك مرض السرطان بستين في المائة من ضحاياه في أرقى الأمم التي بعلاجه ودراسته. أما في مصر فلا يعرف عدد المصابين إلا الله. فإن لم يكن الطبيب على شيء من البراعة فربما اعتبره نوعاً من الأورام. تستطيع أن تتعقب المرض إلى 3000 سنة، ومع ذلك فما يقال عنه من الفروض والتخمينات، برغم ما يبذل من المال لدراسته، وبرغم الإخصائيين الذين وقفوا حياتهم وخبرتهم لكشف سره

فإن أردت أن تعرف مدى سبر غور العلم لطلاسمه، فلست أجد أوفق مما كتب الدكتور هارولد رش مدير معهد أبحاث السرطان في إحدى كليات الطب بأمريكا حين قال: (ليس لدينا علاج محقق للسرطان. وليس في جعبتنا واحد يفكر في تنفيذه وإن كنا نتوق إلى ما يضئ لنا الطريق، وكل عملنا يتجه إلى دراسة المظاهر الأساسية والعوامل التي يحتمل أن تغير مجراه)

(ومع هذا فقد ظفر بتقدم واسع شامل، فعرفنا عدة وسائل لإحداث السرطان في المعمل في أي وقت نشاء، وعرفنا أيضاً بعض التحولات التي تطرأ على أنسجة الجسم العادية حين تصاب بالسرطان)

يبدأ كرأس الدبوس

وليس معنى هذا أن الطب يقف أمامه مكتوف اليدين، فأربعين في المائة من مرضاه تعالج بالعمليات الجراحية وبأشعة إكس وبالراديوم وبغير هذه العلاجات يقضي بالموت على كل المصابين به، فهو ذلك المرض الغريب الذي يبدأ بورم صغير كرأس الدبوس، ثم ينمو ويتشعب وينتشر حتى يفسد الجسم كله؛ ويتفق الأطباء والجراحون على أنه كلما بكر المريض بعلاجه كان النجاح أكثر ضماناً

أما سر التبكير فيرجع غالباً إلى طبيعة المرض الذي يتكون من خلايا حية تختلف عن الخلايا العادية في أنها حرة طليقة لا يحد من نموها أي ضغط. وعندما توجد خلية سرطان في جسم الإنسان أو الحيوان فإنها تنقسم وتتوالد في سرعة فائقة لا تحدها أية عقبة. فإن كثر عدد الخلايا وكبر حجمها انقسمت وسبحت شظاياها في جسم العائل لتكون كل منها مستعمرتها الخاصة، وعندئذ يتعذر على الطبيب إجراء العلاج

فما هي الخلية السرطانية؟

سؤال يعز على العلم الجواب عنه، وكل ما يقول إنها أصغر من أن يراها المجهر. ويواصل العلم جهوده ليعرف هذه النكبة التي لا يراها المجهر، وليدرك كيف تتكون في الجسم

وتنقسم دراسة السرطان في إحدى الهيئات التي وقفت جهودها ومالها على إزاحة الغطاء عنه إلى ثلاث شعب:

أولا: تأثير الغذاء على السرطان في نموه أو عرقلته

وثانيا: تأثير التهيج المزمن على تكوين السرطان

ثالثا: خواص الخلية السرطانية

وفي عام 1940 بدأ العلماء يدرسون الصلة بين التغذية وتكوين الخلايا السرطانية على الفيران، فلاحظوا ظهور أورامها في حالات كثيرة في الفيران التي يحتوي غذاؤها على نسبة كبيرة من الدهن

ولكي يحددوا بالضبط تأثير التغذية على قابلية الفيران للإصابة بالمرض أحضر العلماء بضع مئات من الفيران وقسموها إلى فريقين فيعطي الفريق الأول غذاء يولد نسبة مرتفعة من الوحدات الحرارية (يتحول كل غذاء يتناوله الكائن الحي إلى وحدات حرارية هي في الواقع الوقود الذي يسير أجهزته تختلف القيمة الحرارية باختلاف ألوان الطعام)

حذار التهم:

ويعطي الفريق الثاني وجبات غذائية مماثلة لوجبات النوع الأول، ولكن كميتها الحرارية تبلغ ثلثي وجبات الفريق الأول. وكان الفريقان يعرضان للأشعة فوق البنفسجية للإسراع في تكوين الخلايا السرطانية وتحديد مؤثراتها وبعد تسعة شهور من التجارب أجري الكشف الطبي على الفيران، فوجدت الأورام السرطانية منتشرة في الفريق الأول بنسبة 86 % ووجدت في الفريق الثاني بنسبة 7 % فقط

ويقول الدكتور روش إن هذه النتيجة تتفق مع أبحاث الهيئات الأخرى، إذ ظهرت الإصابات السرطانية في صدر الفيران التي تتغذى بكميات مطلقة بنسبة 67 %، ولكنها لم تظهر بتاتاً في الفيران المحدودة الوحدات الحرارية في الغذاء.

ويعلل هذه النتيجة بقوله: (عندما يحتفظ الجسم بمستوى مرتفع من الغذاء، فإنه يتيح الفرصة للخلايا السرطانية الكامنة لكي تظهر وتنمو، بخلاف حالات قلة الغذاء التي تعد غير مناسبة لبدء حالة التورم السرطاني ولا تعطيها الفرصة لكي تبدأ عملها، وبمجرد ظهور الخلايا السرطانية وبدئها عملها، فإن قلة الغذاء أو كثرته عديمة القيمة ولا تحد من نشاطها وتكاثرها). ولا يدل نجاح هذه التجارب على الفيران أنها ستؤدي إلى ذات النتيجة في الإنسان، ولكن الدكتور روش يرى ما يؤيد هذه النظرية في ارتفاع نسبة إصابة الإنسان بالسرطان في المناطق الوافرة التغذية وبين الأشخاص الثقيلي الوزن والأكولين

تأثير الفيتامينات

وتجري الآن التجارب لمعرفة تأثير الفيتامينات من حيث القلة والكثرة على الخلايا السرطانية. كما يجرون تجارب التهيج المزمن، ويفحصون تأثيره على ظهور عوارض هذا المرض. والمعروف أنه توجد علاقة بين تكوين الخلايا السرطانية وبين التهيج

ودلت التجارب الأخيرة على أن التهيج لا يؤدي إلى إحداث السرطان إلا إذا حدث في المناطق التي تحتوي على خلايا سرطانية كامنة

ويفهم من التجارب التي أجريت على السرطان أن عدة عوامل متباينة تلعب دورها في نشوئه، فالتهم وحده لا يسببه، ولكن هناك أفراد لديهم استعداد للإصابة به. وهو كامن فيهم سواء بالوراثة أو بعوامل أخرى لا تزال مجهولة، والإكثار من الأكل عند أولئك الناس يعطي المرض فرصة الظهور

تثبيت المرض والخلاصة التي وصل إليها الباحثون في لكشف عن أسرار هذا المرض الخبيث أنه يحتاج إلى عدة عوامل متباينة متآزرة، تعمل كلها في وقت واحد، فالنهم يجب أن يصحبه الاستعداد للمرض. والتهيج يجب أن يحدث في أجزاء بها خلايا كامنة، وبغير هذا التعقيد فإن هذا المرض كان جديراً بأن يبيد العالم كله منذ زمن بعيد.

ونجح العلماء أيضاً في الوصول إلى علاج لسرطان الجلد، إذ وفق الدكتور موهز إلى ربط العلاج الكيميائي بالجراحة، فأمكنه أن يثبت المرض في بقعته فلا يزوغ من بين الجراح عندما يحاول إزالته بمشرطه كما هي العادة، فالسرطان من الأمراض التي يعز على الأطباء حصرها لكثرة حركته

وخير نصيحة يوجهها الدكتور روش إلى الناس ليتقوا هذا المرض الخبيث المجهول الأصل والنشأة: (أن نكون سليمي البنية، نقتصر على طعامنا الضروري، مبتعدين عن التهيج، على لأن لا ننسى فحص أجسامنا فحصاً تاماً في كل فترة

فوزي الشتوي