مجلة الرسالة/العدد 638/رسالة الفن
→ نظرات | مجلة الرسالة - العدد 638 رسالة الفن [[مؤلف:|]] |
أشواق إلى الحرية. . . ← |
بتاريخ: 24 - 09 - 1945 |
من الحياة والفن
قصة صورة
للأستاذ نصري عطا الله سوس
يشارك العمل الفني الخالد الحياة في خلودها وعمقها وتجددها، وتعدد الآراء فيها واختلاف وجهات النظر إليها، غير أن العمل الفني يمتاز على الحياة باشتماله على عناصر لا تستمد من الطبيعة الخالقة الموجبة، بل من شخصية الفنان وعبقريته. فالعاطفة الزاخرة التي تحتضن الأكوان، والخيال المتوفز المتقد الذي يبدع من صور الجمال ما لا وجود له في الطبيعة، والعقل النفاذ الذي يعاون العاطفة والخيال. . . كل هذه عناصر إنسانية يشتمل عليها العمل الفني الممتاز ولا وجود لها في الطبيعة - وسر خلوده هو أنه خلاصة فترة من حياة رجل عظيم استطاع أن يسبر من أغوار الحياة ما لم يستطعه الناس، رجل يتيح لهم - بفنه - مشاركته عواطفه وخيالاته وأحلامه. ونحن حين نتأمل عملا فنياً كبيراً نحس أننا في صحبة إنسان كبير يقود خطانا نحو أقاليم شاسعة لم نرها، ويفتح عيوننا على صور من الحق والخير والجمال لم نعرفها من قبل. فالعمل الفني الكبير يفضل الحياة لأنه منبع السرور الإنساني النبيل في كل حين، والحياة تسر حيناً وتحزن أحياناً.
. . . ذلك هو الخاطر الذي جال بنفسي عندما أردت أن اكتب عن (الجيوكانده) أو (موناليزا) أقيم أعمال الفنان الخالد (ليوناردو دافنشي) وأكثرها دلالة على شخصيته ونهجه في الإنتاج.
ولقد كان ليوناردو (1452 - 1519) نجماً لامعاً من نجوم النهضة الأوربية في القرن الخامس عشر، ونستطيع أن ننحي التاريخ جانباً ونقول أنه أحد الأفذاذ القلائل والعبقريات الضخمة في تاريخ البشرية كله، لم يجد معاصره (فاسارس) وصفاً يصفه به إلا قوله أنه قدس وأنه فوق مستوى البشر، وقال عنه نيتشه (إن فيه شيئاً صامتاً أعلى من مستوى الروح الأوربية، وهذه خاصية رجل تكشفت له الحياة عن محيط واسع جداً من الخير والشر) وقال هافلوك إليس: (عندما يلعب خيالنا بفكرة السوبرمان يرد لوناردو على خاط كمثل من أمثلته المتقدمة)
عبر لوناردو مراحل المعرفة البشرية وقد وسعها عقله الكبير المتقد شغفاً بالحياة وكلفا بأسرارها، ووقف عند تخوم المجهول يحدق في ظلامه وخوافيه ويرسل عليه من نور عقله والهام قلبه محاولا ارتياد بعض أراضيه البكر التي لم يحلق فوقها فكر أو يشرئب نحوها فؤاد. . . وكان تلميذ الحياة، الحياة كلها: خافيها وظاهرها، نظر إلى المعرفة البشرية في شتى فروعها وصورها نظرته إلى بعض من كل، لا يجوز الوقوف عنده والاكتفاء به، فكار مصوراً وموسيقياً وعالماً ومهندساً وشاعراً وفيلسوفاً وفي كل حالة كان رائداً مستكشفاً. ودأب الفنان أو المفكر العبقري أن يجعل من عقله وقلبه (حقلا للتجارب). إن الكون العظيم أمامه فلم يعمد إلى معرفته عن طريق أفكار الناس وعواطفهم مهما عظم شأنهم؛ إن به حاجة للحياة فلم لا يعيش ويجرب ويتأمل ويدرك الحقائق عن طريق احساساته ومشاعره وفكره؟ وهكذا كان لوناردو. . .
ولقد كان يؤمن كما آمن سيبنوزا بعده أن الحقيقة والكمال شيء واحد. وقال مرة (إن العبقرية الإنسانية لن تستطيع أن تستنبط شيئاً أكثر بساطة وأكثر وفاء بالغرض من الطبيعة)
وأحرى بمن ينظر إلى الحياة هذه النظرة، أن ينظر إلى الإنسان نفسه نظرة عميقة فاحصة، وجدير بمن يتأمل ذاته ويدرك ما تنطوي عليه النفس من أسرار وما يحتويه القلب من آماد لا يرتادها إلا العباقرة الأفذاذ، إلا يقنع عندما يعمد إلى رسم صورة إنسان بتسجيل الملامح والسمات وما قد يرتسم على صفحة الوجه من انفعالات سطحية عابرة. . . إن الإنسان يولد في الكون الرحب الفسيح وفي فؤاده كون آخر قد يكون أرحب آمادا وأبعد أغواراً من الكون المنظور، ولكنه يعيش في الظلام صادفا عن الكون الذي حوله والكون الذي في نفسه، سادرا في التفاهات معنياً بنوافل الأمور، ولكن هو الذي يستطيع أن يسبر الأغوار لم لا ينتشل من الأعماق بعض المعاني والأسرار التي تحفل بها النفس وتبقى دائماً كالنبع المطمور الذي تمر به الأجيال غير عابئة ولا ترسل له من ينقب عنه ويرفع الأستار. ولقد قال (إن فن التصوير نوع من الإبداع أتخذه وسيلة لتطبيق الأفكار والتأملات الفلسفية على خاصيات الأشكال طبيعية أو بشرية، فرسم صورة لم يكن لديه إلا رحلة استكشاف في مجاهل وخبايا الطبيعة الإنسانية، وفي مثل صوره نطالع القوى والقيم الإنسانية التي قلما نحسها أو نحفل بها لأن حياتنا السطحية الرخيصة لا تستجيشها أو تهزها من رقادها.
ولقد وهب لوناردو حياته كلها لشيئين: الحق يلتمسه من كل طريق ويضني نفسه باحثاً عنه، والجمال ينشده ويرجوه ويتبعه، وهام أشد الهيام بشيئيين هما حركة الحياة الجارية، وبسمات الغيد. وكأنه رأى فيهما معاني تفكيره وتأملاته وأحلامه، أو استبان فيهما رمزا للحياة وما تجيش به من معلوم ومجهول. والمياه الجارية، كالأنهار والبحار، حين ترفرف عليها روح الفنان وتناجيها تقول كثيراً وتفضي بأحاديث طويلة قد يفهمها القلب ولا يفهمها العقل، ذلك لأنها لا تتكلم إلا بلغة الأبد، أنها تلغز وترمز ولا تفصح أبداً.
. . . أنها ساكنة مرة وفي سكونها وداعة، ساهمة مرة، وفي سهومها وجوم وإطراق مثقل بالمعاني، مترنمة في بشاشة وحبور أحياناً، مرغية مزبدة في ثورة وعنف أحياناً أخر - وهي سافرة في الفجر، يتكئ النور الوليد على صدرها مغمغما في شوق وحنان، متلألئة في الضحى تتقبل قبلات الشمس في حبور، باكية في المساء مع الشفق، وقد تتدثر في الليل قناعاً كثيفاً من الظلام، وتتلو صلواتها في رهبة ووجل مما يخبئه الظلام، وقد ترتدي غلالة شفافة من ضوء القمر وتغني جزلة طروبة - وفي كل حال لها حديث، وفي كل مرة لها مناجاة. . . وما أحلى حديثها الحافل بالأحاجي والأسرار!
وبسمات الغيد. . .؟
بسمات العذارى والفتيات فيها خلاصة الحياة كلها عندما تصفو الحياة من الأكدار وتترفع عن التفاهة والدنايا والصغار، لأنه رمز للمرأة في حالة الإقبال والصفاء، وإذا أقبلت المرأة، أقبلت الحياة، وسخت بكل غال نفيس!
ففي الشفاء والوجنات بهجة الربيع ونضرته، وتفتح وروده وأزاهيره، وحرارته الحلوة التي تبعث الحياة من جديد وتشعل الحيوية الراكدة
في العيون تحتشد الأسرار العميقة المتلاطمة التي لا يسبر لها غور. . .
وفيها السحر الذي يستبيننا، ونرى فيه لمحة مما وراء الوجود من خفايا وأسرار، وفيها الحلاوة العذبة التي ترقينا، وفيها القوة الآسرة التي تستبد بنا
ومن معاني الابتسامة الحنان. . .
والحنان آصرة تآلف وامتزاج
وأسمى لحظات العمر عند الفنان - وعند الإنسان عامة - هي تلك التي يخرج فيها عن حدود ذاته ليمتزج بقوة أخرى ويصبح بعضا منها، ويمتلئ خاطره ووجدانه بالمعاني المستمدة من معانيها.
ومن معاني الابتسامة الفرح، والفرح معدن الحياة الأصيل، وهو الإحساس الذي يتوج أعمالنا وأفكارنا عندما يسيران وفق قانون الحياة، وهي دليل السعادة، والسعادة قبلة الحياة!
وفي الابتسامة شعاع من نور من لدن العلي القدير فاطر الحسن وبارئ آياته يشعر الإنسان أنه على مقربة من السماء مصدر الصفاء والضياء إن ابتسامة المرأة - أحياناً - أكبر من المرأة ومن الحياة!
وكان لوناردو لا يرسم صور الأشخاص إلا في الضوء الباهت الخافت عندما تكون السماء غائمة، أو قبيل الغروب حين يمتلئ الجو بالإيحاءات المبهمة والغمغمات الصامتة التي تغلف عواطفنا بسحابة رقيقة من الصوفية الغامضة المشوقة إلى المجهول وتكتسي الوجوه بذلك السر الذي يكسبها سحراً وحلاوة. وكان لا يتعجل ولا يعمد إلى الرسم في كل حين، بل كان ينتظر صابرا تلك اللحظات التي تتفتح فيها بصائرنا ونعيش في عالم أكبر وأحفل بالاحساسات من العالم الذي نعيش فيه عادة، كان ينتظر تلك اللحظات، لحظات الـ وعندئذ لا يبخل بالمجهود ولا يضن بالمشقة حتى إذا كان بعيداً عن مكان عمله. وكثيراً ما كان يقطع المسافات الطويلة ليصل إلى ذلك المكان وليعمل دقائق قليلة فقط! وفي هذه الدقائق كان الفنان يضيف إلى عمله جديدا يعتد به.
ترى لم اختار لوناردو (موناليزا) ليجعل من صورتها رمزاً لذلك اللغز الخالد الذي نسميه المرأة؟
هذا ما لا ندريه.
كانت (ليزا جيرالدين) إحدى بنات الطبقة الممتازة في فلورنسا وقد تزوجها (فرنسسكو دل جيوكندو) عام 1495، ولم تكن على درجة رائعة من الجمال أو على شيء من الامتياز في بيئتها.
وعندما شرع لوناردو في رسم صورتها كانت في ربيعها الرابع والعشرين ولم ينته منها إلا عندما قاربت الثلاثين!
ولعله لم يعتن بعمل من أعماله الفنية مثلما اعتنى بهذه الصور.
وواظبت ليزا على الحضور إلى مرسم الفنان كل هذه السنوات لتجلس أمامه جلستها الخالدة؛ وكان هو يجلب إلى مرسمه الموسيقيين والشعراء ليسمعوها أطرف ألوان الموسيقى وأبدع قصائد الشعراء حتى ينضج وجهها بذلك التعبير العبقري الذي حفظته لنا هذه الصورة الفريدة.
والصورة تمثل ليزا جالسة أمام شرفة رخامية وقد تجردت من كل الحلي والزينة، مرتدي ثوباً بسيطا وعلى رأسها غطاء خفيف شفاف. وقد وضعت يدها اليمنى - وهي أجمل يد رسمت في تاريخ فن التصوير كله - فوق يدها اليسرى ومما يلاحظ خلو عينيها من الأهداب والجفون.
ونرى خلفها منظراً من مناظر الطبيعة في جبال الألب قوامه الصخور والينابيع الجارية - وهذا المنظر في حد ذاته لا يقل حيوية وحرارة عن الصورة نفسها وكأن لوناردو قد أراد أن يجمع كل شيء هامت به روحه في صورة واحدة. وقد وفق، فالصورة فيها تلك البسمة الخالدة. وما توحيه من معان، وفيها المياه الجارية وما تثيره في النفس من احساسات.
وكان لوناردو مشغولا بأعمال أخرى كثيرة إلى جانب صورة (ليزا) ولكن هذه الصورة وحدها كانت تستبد باهتمامه وكان يعود إليها كما يعود التعب المجهد إلى ملاذه الذي يجد فيه الراحة بعد العناء، والسعادة بعد الشقاء، والعزاء بعد الخيبة واليأس.
ولم يفرغ منها إلا بعد خمس سنوات. وقد اعترف أنه لم يفرغ منها تماماً.
ومنذ ذلك الحين (الجيوكانده) نبع وحي وإلهام لا يغيض، فكم تحدث عنها واستوحاها الشعراء والفنانون والكتاب، وكم سجل عنها الأدب والشعر من روائع باقية، وما زالت (ليزا) توحي المعاني والأخيلة إلى عشاقها وعشاق الفن والجمال. . . ولعلها - إذا أبقي عليها الزمن - ستظل مصدراً من أخصب مصادر الوحي والخيال.
ذلك لأن صورة (ليزا) خلاصة عناصر كثيرة: كان لوناردو عندما يجلسها أمامه يستنهض كل احساساتها ويستجيش أنبل عواطفها ومشاعرها وأفكارها عن طريق ما كان يسمعها من موسيقى وشعر.
وأغلب الظن أنه لم يتقيد بالطبيعة تقيداً مطلقاً بل أضاف إلى ملامحها وتقاطيعها شيئاً من عنده ضنت به الطبيعة على (ليزا). والآلهة تحنو دائماً على كل عمل فني كبير فتنفح الفنان بعضا من روحها وتهبه من سرها.
وصورة (ليزا) جمعت هذه العناصر على خير مثال.
أنها ليست صورة امرأة تعيش بعقلها وعواطفها وغرائزها في دنيا الناس الحافلة بالصغائر - أنها امرأة ولكنها ليست كالنساء يستغرق العيش في صورة المادية الخامدة الخاملة كل قوى الحياة في نفسها. أنها صورة امرأة تحررت وخرجت من الوجود الضيق لتعيش في الكون الكبير فاستيقظ كل ما في نفسها من عناصر وملكات، وغدت نفسها مرآة للكون الكبير.
أترى لوناردو أراد أن يجعل منها رمزا لخلاصة ما يعتمل في نفسه من معان، وبدلا من أن يكتب كتابا يضمنه فلسفته رأى أن يرسم صورة ولم يجد خيرا من ملامح (ليزا) وتقاطيعها لإبراز ما تجيش به نفسه الكبيرة من معان وأحاسيس؟ قد يكون. .! فقد كان لوناردو كما قلنا ملاحاً متقحما يجوب بحار الحياة التي لم ترها من قبله عين، وكان يعيش دائماً في المنطقة الدقيقة التي تفصل بين المعلوم والمجهول يفعم قلبه الشوق وحب الاستطلاع ويبهر عقله وعينه ما يتكشف له من عظمة وجلال وجمال.
ولقد أفلح لوناردو في أن يحيط (ليزا) بمثل هذا الجو ويثير في نفسها كل عوامله عن طريق ما كان يسمعها من شعر وموسيقى والنتيجة هي أن ارتسم على وجهها كل معانيه: فالتعبير الذي ينطق به وجهها فيه كثير من اليقظة والحيوية ولكن فيه أيضاً شيء من الدهشة كأنها تحيا حياة غريبة لا تستطيع فهمها ولكنها حياة فاتنة فيها نوع من السحر الخفي. وفي عينيها شيء من الفتور كأنها متعبة، ولكن فيها أيضاً شيء من العزم والمضاء كأنها - رغم التعب - لم تمل، وكم تحتوي هاتان العينان من أفكار غريبة وأحلام آبدة واحساسات رقيقة غامضة.
وكم فيهما من سخرية وترفع، وكم فيهما من الانطواء على النفس ورباطة الجأش كأن صاحبتهما تعيش (فوق المعركة). . .
ذلك بعض ما توحيه الجيوكانده، وهو نفسه ما توحيه حياة لوناردو. ولكم سخر (تيوفيل جوتييه) من المرأة وشخصيتها وجمالها في قصته (مدموازيل دي مويان) ولكنه وقف أمام الجيوكانده وقفة العابد المتأمل وقال: (من أي كوكب وفد ذلك الكائن الغريب ذو النظرة التي تعد باللذات المجهولة وذو التعبير القدسي السخرية؟ إن لوناردو يضفي على أشخاصه طابع سمو يجعلنا نحس بالارتباك في حضرتهم. إن الضوء الخافت في عينيها العميقتين يخفي أسراراً محرمة على الغافلين ولغة شفتيها الساخرتين تلائم الآلهة الذين يعرفون كل شيء ويحتقرون في رفق غلظة البشر.
(أي إصرار مقلق وأية سخرية مترفعة في هاتين العينين الداكنتين وهاتين الشفتين المتموجتين كقوس الحب بعد إطلاق سهمه).
(إن جبينها يشع ذلك الصفو الذي تحسه امرأة موقنة أنها أبدية الجمال، وأنها أبعد شأوا من كل مثل الشعراء والفنانين).
وقال عنها الناقد الإنجليزي ولتر باتر ما معناه (إن في وجهها خلاصة أفكار وتجارب الدنيا: فيه حيوانية اليونان، وشهوانية الرومان، وصوفية العصور الوسطى وما فيها من طموح روحي وعشق خيالي، وفيه ردة الوثنية وخطايا آل بورجيا. أنها أوغل في القدم من الصخور التي تجلس بينها. وكأنها قد ماتت وبعثت عدة مرات وعرفت أسرار القبر وغاصت في البحار العميقة، واحتفظت لنفسها بسرها، وساحت مع تجار الشرق سعياٍ وراء المنسوجات الغريبة. ولقد كانت - مثل ليدا - أما لهيلين الطروادية، ومثل القديسة آن أما لمريم. ولم يكن كل هذا لديها إلا نغمات القيثار والناي وما فعلته بقسماتها وأجفانها ويديها)
تلك هي قصة الجيوكاندة. فيالها من درس احفل بالمعاني من أضخم الكتب! أنها تجعلنا نؤمن بعظمة الإنسان ومجده إذا خلص من الدنايا وشغل نفسه بالمعاني السامية التي تحفل بها الدنيا. . . أنها تعلمنا إلى أي آماد تستطيع أن ترقى المرأة. . . من منا يعيش مع (موناليزا) أياماً أو ساعات ولا يتبدل مثله الأعلى في المرأة والجمال: أنها تسمو بأفكارنا وعواطفنا وتدخل على قلوبنا الفرح وتهز من قوى الحياة في نفوسنا ما يجعلنا نستمر في طعم العيش ونمجد قوى الحياة، وما يلبث أن يهتف في نفوسنا هاتف يقول: لم لا نلتمس في الحياة نفسها ما عثرنا عليه في الفن؟ وهكذا يوجه الفن أبصارنا إلى أعلى ويعلمنا الإحساس بالجمال والتماسه فلا نقنع بما تقنع به النفوس الخاملة المستغلقة.
ولقد آلت هذه الصورة إلى الملك فرنسوا الأول واحتفظ بها في فنتنبلو. ثم نقلت إلى قاعة لويس الرابع عشر في قصر فرساي ثم استقر بها المطاف في متحف اللوفر. وهناك سرقت مرة ثم أعيدت.
وآخر أخبار (الجيوكاندة) أن الهر هتلر قد نقلها إلى قصره الريفي في برختسجادن وأنه - برغم متاعب الحرب والسياسة - يجلس أمامها كل يوم ساعات متأملا مستوحياً ولعلها تلهمه بعض العزاء.
نصري عطا الله سوس