مجلة الرسالة/العدد 634/معركة إنسانية خالدة
→ عم يتساءلون؟ | مجلة الرسالة - العدد 634 معركة إنسانية خالدة [[مؤلف:|]] |
الفلسفة الإسلامية المتأخرة ← |
بتاريخ: 27 - 08 - 1945 |
في أفريقيا الشمالية العربية
للأستاذ توفيق محمد الشاوي
لا شك في أن جهاد العرب والمسلمين في سبيل حريتهم وسيادتهم ضد الاستعمار الأوربي في هذا العصر هو معركة من أروع معارك التاريخ وأبقاها أثرا، لا لأنها معركة عنيفة جبارة يصلى نارها ملايين من البشر، ويمتد ميدانها إلى جميع أنحاء الوطن العربي الإسلامي فحسب، ولكن لأنها معركة فذة في أسلحتها، خطيرة في نتائجها وأثارها. أما أسلحة المستعمرين فهي أسلحة فتاكة مادية، لا تقتصر على الجيوش وسلاحها الذي يقتل الأمنيين المسالمين قبل المجاهدين المحاربين، ولكنها تشمل (السياسة) بما تستخدمه من أحط الوسائل في محاربة أخلاق الأمة بالفساد والانحلال، ووحدتها بالتفريق والشقاق، وشجاعتها بالقتل والنفي والسجن والتجويع، وإنسانيتها بمصادرة الحريات وسلب الحقوق وانتهاك الحرمات. وأما هدفهم، فهو السلب المنظم والسرقة الصريحة باسم التعمير والاستقلال، والهدم والإفناء باسم (التمدين) و (الإنشاء).
أما الجانب المشرق في هذه المعركة الخالدة فهو جهاد لعرب والمسلمين وثباتهم في ميدان الشرف والكفاح في سبيل أسمى غاية، في سبيل الحرية الإنسانية وحقوقهم الطبيعية، وفي سبيل المبادئ الإنسانية السامية التي تكفل لهم حقوقهم وحرياتهم. وسلاحنا في ذلك الكفاح هو قوميتنا ومثلنا الروحية العليا التي عوضت عن أسلحتهم المادية أسلحة روحية سامية، هي الإيمان بالحق الذي نكافح من اجله، وحب الموت والتضحية في سبيله، واحتقار للحياة المادية الشهوانية التي تستسيغ الذلة والعبودية، أسلحة قوية سيكون لها النصر برغم طول الكفاح، وشدة البلاء، وكثرة التضحيات.
تأمل هذه الحقائق ناطقة في معركة أفريقيا الشمالية بين العرب والمستعمرين من الفرنسيين والأسبانيين والإيطاليين وأشباههم، وخاصة في الجزائر وشقيقاتها حيث يتكلم الفرنسيون عن (مشكلة) أفريقيا الشمالية، وكلمة (مشكلة) إنما تدل على أزمة حادة تصيب سياستهم الاستعمارية وفشل خطير يهددها، فما الذي أصابهم بهذا الفشل ورماهم بتلك الأزمة؟ لقد صرح أحد زعمائهم في الجمعية الاستشارية بالحقيقة مستورة ملفوفة حين قال (إن مجهو فرنسا الاستعماري تعترضه صعوبات (خطيرة) أهمها الوحدة العربية، والمجاعة! أما الوحدة العربية فتشير إلى القومية العربية بكل خصائصها وأسسها، وخاصة أساسها الروحي وهو الدين بمبادئه ومثله العليا التي يتسلح بها المسلمون في كفاحهم. فأي اعتراف بقوة هذه الأسلحة و (خطورتها) ابلغ من هذا؟ ليس ذلك فقط، ولكن بجانب هذا اعتراف آخر بفشل أسلحتهم الاستعمارية الوحشية التي عبر عنها بكلمة (المجاعة)، لأن المجاعة هي النتيجة الطبيعية للسياسة الاستعمارية الغاشمة، والاعتراف بها ابلغ رد على ما يسمونه السياسة الإنشائية والعمل التمديني الذي قامت به فرنسا والذي انتهى بعد قرن من الزمان بالمجاعة، لأن ليس في حقيقته إلا استغلالا همجيا حقيرا.
ونحن العرب والمسلمون نلمس من هذه الاعترافات بشائر نصرنا في هذه المعركة الإنسانية الخالدة التي ستكون نقطة التحول في الحضارة الإنسانية من المبادئ الأوروبية المادية الاستغلالية الاستعمارية الهمجية، إلى مبادئ قوميتنا وحضارتنا الإسلامية الروحية السامية التي عبر عنها ابلغ تعبير عالم الجزائر ورئيس جمعية علمائها المسلمين بقوله: (أن الأمة الجزائرية يجب عليها بحكم دينها أن تحيا من كل من يساكنها حياة الإحسان والخير والرحمة فتحسن وتطلب بالإحسان، وتبذل الخير والرحمة وتطالب غيرها بالخير والرحمة. وإذا قامت بواجب حيوي مشترك كان من الإنصاف لها أن تتمتع بالحقوق الحيوية المترتبة على ذلك الواجب. وإن تساوي غيرها في الحياة كما ساوته في الواجب، مع الاحتفاظ التام بمقوماتها الطبيعية التي هي: الإسلام والعروبة وشخصيتها كأمة مستقلة، وهذا هو ما تقتضيه قواعد الإنسانية وقوانين العدل والإنصاف، هذا هو أيماننا العميق بمبادئنا الإنسانية السمحاء، وهو الذي سيكفل لنا النصر القريب الحاسم، ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله
توفيق محمد الشاوي
مدرس بكلية الحقوق بجامعة فؤاد