مجلة الرسالة/العدد 632/النظام الزراعي في بلاد السوفييت
→ عم يتساءلون؟ | مجلة الرسالة - العدد 632 النظام الزراعي في بلاد السوفييت [[مؤلف:|]] |
الشرق كما يراه الغرب ← |
بتاريخ: 13 - 08 - 1945 |
للدكتور محمد مأمون عبد السلام
بقية ما نشر في العدد الماضي
المزارع التجمعية
كان تسعة أعشار الروسيين إلى عهد قريب فلاحين، وفي سنة 1941 كان الثلثان من سكان الروسيا السوفيتية يعيشون في القرى، وكان أكثر من نصف السكان يعيشون على فلاحة الأرض، فالزراعة في روسيا كما في غيرها من البلاد سبيل للحياة لا وسيلة للعيش فقط كما يقول بذلك بافلوفسكي المؤرخ الزراعي الروسي، وقد استمرت الزراعة في الروسيا وسيلة لعيش ملايين من الخلق وسبيلا لحياتهم، أما الحياة الصناعية فإنها لا تزال وسيلة إضافية
وكان الفلاح الروسي قبل الثورة عبدا مسخرا لطبقة النبلاء والأشراف، فحرره السوفيت ووضعوه على قدم المساواة بسكان البنادر، ولا يزال الفلاح الروسي العمود الفقري للهيكل الاقتصادي السوفيتي، فهو الذي يدفع نحو ثلاثة أسباع مصروفات الدولة غير ما يدفعه من الضرائب غير المباشرة، وقد ضمنت له الحكومة مقابل ذلك حقوقه كاملة في نظام المزارع التجمعية التي هو عضة فيها، وفتحت له أبواب الفرص على مصراعيها لتثقيف نفسه وأولاده وأبعدت عنه مشاق العمل الجسماني المضني في الزراعة بإدخال الزراعة الآلية الحديثة ونظمت له الإدارة تنظيما جعله يستفيد من أوقات فراغه الكثيرة بالثقافة الريفية العامة والتعليم الزراعي. والفلاح في نظر السوفييت عامل كعامل المصنع لا يختلف عنه في شيء إلا في كونه يعمل في الهواء الطلق على نظام حساب القطعة فيختلف ما يتقاضاه من الأجر باختلاف مقدرته على الإنتاج.
وغرض السوفييت من إلغاء الزراعة الفردية التي كانت من خصائص النظام القديم القيصري وتحويلها إلى النظام الزراعي التجمعي هو أن تجول المزارع إلى مجموعة من مصانع زراعية يعمل فيها العمال تحت قبة السماء. وهذا النظام الجديد إنما هو وليد عبقرية مبتدعة لأنه نظام يجمع بين قوة الفردية ومزايا الاشتراكية، وهو نظام غير ث في تفاصيله لأنه يتكيف حسب نتيجة التجارب والتعلم من الأخطاء طبقا للعقيدة السوفيتية المشهورة المحببة إليهم. وقد استفاد السوفييت من المفعول السحري للألقاب على عقول الجمهور فاستبدلوا بألقاب الفلاحين التي كانت تشعرهم بالمهانة والتحقير أخرى ترفع نفسيتهم وتشعرهم بعزة النفس والأنفة؛ فسموا (كلاف الخنازير) باسم (خبير الخنازير) ولقبت زوجته (باللبانة) وسمحوا لها بالالتحاق بالمجموعة النسوية في المزرعة التجمعية. ويعتبر السوفييت المزارع التجمعية في حرفة الزراعة كاتحادات العمال في الصناعة؛ فهي عبارة عن هيئة تنظيم الفلاحين وتوحدهم لمصلحتهم؛ وهي فضلا عن كونها هيئة تعاونية للإنتاج فإنها تعمل في الوقت نفسه لمصلحة أعضائها من الفلاحين فتزودهم بإعانات أثناء مرضهم، وبمعاشات عند بلوغهم السن، وبالتعليم المجاني وتنظيم ساعات فراغهم من حيث الانتفاع بها في النوادي والرحلات والساحات، وتحصل لهم على خدمات خاصة من الحكومة كتعليم الأطفال والعناية بصحتهم وإنشاء مدارس الحضانة ورياض الأطفال وبيوت المسامحات وإعطائهم إجازات سنوية أسبوعين في السنة بأجر كامل والقيام بجميع التأمينات لهم مجانا. ولا يشتغل الفلاح في هذه المزارع التجمعية أكثر من ثماني ساعات في اليوم.
أشكال المزارع التجمعية
والمزارع التجمعية على ثلاثة أشكال، أبسطها ما كان عبارة عن شركة لزراعة الأرض أو رعي الماشية وتربيتها كما هو موجود فعلا في مناطق البدو في جمهورية قازقستان وفي بعض مناطق شمال القوقاز.
وأعقدها هي المزارع الشيوعية الكاملة التي تكون فيها الأرض والآلات والماشية وكافة المنشئات مندمجة في بعضها البعض ومشاعا بين أعضائها فيعيش الكل فيها معيشة شيوعية في مبان شيوعية ويأكلون من مطبخ واحد وفي غرفة طعام واحدة، وليس لأحد منهم شيء خاص يمتلكه لنفسه اللهم إلا حوائجه الشخصية. ولا يزيد عدد هذه المزارع الشيوعية المطلقة عن 1 % من المجموع الكلي للمزارع التجمعية. أما النوع الثالث وهو يكون الأغلبية الساحقة من المزارع التجمعية فهو المسمى (كلهوز) وفيها يحتفظ الأعضاء بمساكنهم الخاصة لكل عائلة بيتها وقطعة أرض ملحقة به لتزرعها العائلة لحسابها ولتربي فيها الدواجن والحيوانات الصغيرة لا يشاركهم فيها أحد؛ وبذلك تحافظ كل عائلة على استقلالها في معيشتها. أما ما يتبقى من أرض المزرعة وحيواناتها فتستغل على المشاع فيعطى كل فرد حقه من الإنتاج حسب مقدار عمله. وفي هذا النوع الأخير من المزارع التجمعية تظهر فردية المزارع وشخصيته ومقدرته على أوضحها. ويسمي السوفييت هذا النوع من المزارع التجمعية باسم (كلهوز) ومعناه بالروسية منشأة أو مزرعة اقتصادية تجمعية، ويدل هذا التعريف على أن المزارع التجمعية ملك للدولة ولكن لأعضائها حق الانتفاع الدائم بها في حدود قيامهم بالالتزامات التي يحتمها عليهم الدستور والقانون.
وقد بدأ عهد المزارع التجمعية في سنة 1929 ولم يمض عليه ثلاث سنوات إلا وأصبح 61 5 % من الأراضي الروسية مزارع تجمعية وفي سنة 1938 ارتفعت هذه النسبة إلى 3 99 % إذ بلغ عدد المزارع التجمعية في جمهوريات الاتحاد السوفيتي 000 242 مزرعة. وقد أصبحت بلاد السوفييت في بدء هذه الحرب أكثر بلاد العالم مساحة في الأراضي الزراعية وأعظمها تقدما في وسائل الزراعة الآلية الحديثة وذلك بفضل نظام الزراعة التجمعية. كما ازدادت بفضله مساحة ما يخص العائلة من أرض الزراعة من نحو 17 فدانا في المتوسط في العهد القيصري (مع مراعاة أن نحو 50 % من فلاحي ذلك العهد لم يخص العائلة الواحدة منهم أكثر من 2 , 5 إلى 5 فدادين) إلى متوسط 48 فدانا في عهد المزارع التجمعية وإلى نحو 120 فدانا في بعض المناطق مثل سيبريا العربية.
وتختلف مساحة مزرعة الكلهوز كثيرا من منطقة لأخرى، فتبلغ مساحة الأرض المزروعة فيها أقل من 600 فدان في المناطق الشمالية وفي روسيا البيضاء والقوقاز وآسيا الوسطى الإسلامية. وتزيد عن 1300 فدان في أوكرانيا وتبلغ نحو ستة آلاف فدان أو أكثر في حوض الفولجا. وعلى العموم تبلغ مساحتها في المتوسط نحو 1600 فدان. ومتوسط عدد بيوتها أي عائلتها 95 بيتا ولكنها تكون أقل من خمسين بيتا في الشرق الأقصى والمناطق الشمالية النائية و133 في أوكرانيا و152 في شمال القوقاز
وقد زادت مساحة الأراضي المزروعة في بلاد الاتحاد السوفيتي بفضل هذا النظام بمقدار 11 مليون فدان في سنة 1940 عما كانت عليه في العهد القيصري في سنة 1913 وهذه الزيادة تشمل نحو 40 مليون فدان من الغلال ونحو 18 مليون فدان محصولات صناعية ونحو 15 مليون فدان بطاطس وأكثر من 38 مليون فدان من محصولات العلف.
ويتراوح عدد بيوت (أي عائلات) المزرعة التجمعية الواحدة بين 50 بيتا في الشرق الأقصى والمناطق الشمالية النائية و133 بيتا في أوكرانيا و152 بيتا في شمال القوقاز. ولكن متوسطها كان قبل هذه الحرب 78 بيتا وعدد أعضائها 342 شخصا منهم 149 من العمال الشغالين الذين لا يقل عمر الواحد منهم عن 16 سنة
ويعمل عمال المزارع التجمعية في نظام يشبه نظام عمال المصانع؛ فمواعيدهم محددة، ولكل فرقة رئيسها. ويعاقب المذنب بعقوبات تتناسب مع جرمه وذلك طبقا لأوامر الحكومة الصادرة في أبريل سنة 1938 التي تنص على أن أي عامل ذكرا كان أو أنثى يرتكب ما يخل بالنظام الداخلي للمزرعة يعاقب بالتوبيخ العلني أو بالتشهير بكتابة اسمه على السبورة السوداء. أو بتغريمه، أو بإنزاله إلى عمل أدنى من عمله، أو بتشغيله مدة معينة بدون أجر، أو بالطرد من المزرعة بعد موافقة جمعيتها العمومية بأغلبية ثلثي الأعضاء
وتقبل المزارع التجمعية النساء في عضويتها على قدم المساواة مع الرجال على أن يقمن بالعمل الذي يتفق مع طبيعتهن وأن يرتقين كما يرتقي الرجال وأن تقبض المرأة أجرها بنفسها، فترتب على إعطاء الحرية للمرأة الفلاحة الروسية عدم تقييدها بقيود المعيشة المنزلية فأنشئت من جراء ذلك المطاعم العامة الشيوعية والمغاسل العامة وبيوت الحضانة ومعاهد الأطفال للعناية بهم أثناء عمل أمهاتهم في النهار وأنشئت مدارس للأولاد الأكبر سناً.
وتدفع المزارع التجمعية ضريبة دخل للحكومة. ولكن الضريبة الحقيقية هي ما يعود على الخزانة من البيع الجبري لمحصولاتها ومنتجاتها. والواقع أن الفلاح الروسي يدفع الآن ضريبة مباشرة للحكومة بين 15 % و18 % من مجموع محصولاته عدا الضريبة غير المباشرة التي يدفعها بالنسبة لاستهلاكه. وتجبي الحكومة الضريبة المباشرة عينا فترتب على ذلك أن أنشأت الحكومة أهراء للغلال التي تجبيها ليس لها مثيل في العالم. ولا يمكن لأي دولة غير شيوعية أو اشتراكية أن تشيد مثلها. وأقامت الحكومة السوفيتية وسائل ومصانع للانتفاع بالمحصولات المختلفة الأخرى التي تجبيها عينا كالألبان مثلا؛ فأنشأت مصانع هائلة للألبان ومشتقاتها في مناطق تربية الماشية ومصانع السكر في مناطق زراعة البنجر وهلم جرا.
من هذا يتضح لنا أن نظام الزراعة التجمعية يتطلب دقة فائقة وعناية للانتفاع بمحصولات البلاد على أكمل وجه وتوزيعها توزيعا اقتصاديا يعود بالنفع على كل فرد من أفراد الأمة. كما إنه يمكن البلاد من الانتفاع بفضلات المحصولات انتفاعا علميا. والدليل على ذلك أن قومسارية الأغذية تنتفع بفضلات المحصولات إلى أقصى حد في صناعة الأغذية فتحسنت بسبب ذلك حالة الأغذية في المدن بعد سنة 1933.
ولا جدال في أن جباية الحكومة ضريبة عينية من اللبن عن كل بقرة قد أدى إلى اهتمام الفلاحين بتحسين البقر الحلوب وإيجاد عشرات منه أكثر إدرارا. كما أن ازدياد حاجة الزراعة إلى الأسمدة أدى إلى الإكثار من الماشية والى إنشاء مصانع الأسمدة الكيميائية على نطاق واسع.
وقد أدت طريقة دفع الأجور على حساب القطعة إلى تسابق الفلاحين في العمل ومباراتهم في ابتداع الوسائل الكفيلة بسرعة إنجازه وإتقانه فزادت غلة المحصولات في كثير من الحالات زيادة مدهشة
وقد أقام السوفييت في سنة 169 - 40 معرضا زراعيا عاما في موسكو استعرضوا فيه أوجه نشاط المزارع التجمعية وإنتاجها ودرجة تقدم الحياة الاجتماعية فيها فاتضح منه جليا أن المزرعة التجمعية وحدة زراعية نموذجية للإنتاج كاملة بعمالها وآلاتها الزراعية ومبانيها ومواشيها فهي تضم كل مستحدث في الفنون الزراعية مما يسهل العمل لعمالها ويجلب الراحة والهناء والسعادة والرخاء والصحة لهم. وقد بلغ عدد حظائر تربية الماشية التابعة للمزارع التجمعية عند بدء الغزو الألماني لبلاد السوفييت 618000 حظيرة تحوي نحو 18 مليون من حيوانات الفصيلة البقرية و7 ملايين خنزير و33 مليون من الغنم والماعز. وفي كل مزرعة مهندس زراعي وخبير للتقاوي وخبير لتربية الماشية وطبيب بيطري وخبير لفلاحة البساتين وميكانيكيين، وقد بلغ عدد المتخصصين تخصصا علميا في فروع الزراعة المختلفة في المزارع التجمعية ببلاد السوفييت 322000 من مهندسين زراعيين وخبراء في شتى شؤون الزراعة وبيطريين
وليس أدل على نجاح نظام المزارع التجمعية مما وصل إليه رخاء أعضائها. فقد وصل دخل الفلاح السنوي في بعض المزارع التجمعية إلى 2400 روبل علاوة على ثلاثة أرادب مصرية وثلث أردب من القمح و600 رطل من الخضروات و300 رطل من البطاطس و300 لتر من الخمر بخلاف ما يحصل عليه من مزرعته الخاصة الملحقة ببيته وما يكسبه من إيوائه في بيته للنزلاء الذين يفدون إلى الريف طلبا للنزهة والراحة.
ومما يدل على رخاء الفلاحين في المزارع التجمعية نوع البضائع التي تعرض في المخازن التعاونية في القرية مثل: الجوارب والأحذية وأحمر الشفاه، واسطوانات الجراموفون، وساعات الحائط، والدراجات، والراديوات وغير ذلك من الكماليات التي لم يسبق للفلاح الروسي أن تمتع بها من قبل.
ويرجع رخاء الفلاح السوفيتي إلى عدة عوامل أخرى نذكر منها زيادة مساحة الأراضي الزراعية بالنسبة لعدد السكان، وزراعة محصولات أخرى أكثر ربحا، وزيادة المنتجات الحيوانية، وتحسن التسويق، ونظام الأسواق، وازدياد الدخل من موارد غير زراعية، ونقص أثمان البضائع المصنوعة مقدرة على أساس أثمان المحصولات الزراعية، ونقص الضريبة المفروضة على الفلاح وتخلصه من أثقال الربا وإيجارات الأرض والوصول إلى طريقة تقلل الفقد في المحصولات في عمليات الضم والدراس والتخزين وغيرها فقد أمكنهم باستعمال آلة الضم والدراس المزدوجة أن يقللوا الفقد في محصول الحبوب بنسبة قد تصل إلى 33 % في القمح
وقد أثرى الفلاحون في المناطق الشمالية الوسطى من إنشاء مصانع الألبان، ومن زراعة الخضروات والبطاطس والمحصولات الصناعية. كما أنهم قد استفادوا من امتداد منطقة زراعة القمح شمالا في أراضي كانت تعتبر في الماضي غير صالحة لإنتاج المحصولات الغذائية
ويدل ما تخطه أقلام الكتاب السوفيتيين على أن الفلاح الروسي قد أصبح سيد نفسه له حق التمتع بما تنتجه عبقريته ويداه لا يشاركه في إنتاجه أحد. فقد كتب بوريسوف عن الفلاح وهو يخاطب القديس نقولا العجائبي: (لمن أيها القديس العزيز يجب أن تكون الأرض والحقول والقرى) فأجابه القديس نقولا: (إليكم يا اخوتي وإلى أبنائكم، نعم إليكم دون غيركم).
ويقول الكتاب الروسي بلسان رجل المستقبل وهو يخاطب الشعب: (أنا لا أتكلم إليكم عن الجنة وعدكم بها المسيح بل أكلمكم عن جنة الدنيا التي هي للجميع ما عدا ضعفاء النفوس)
ويقول الكتاب بلسان الفلاحين الروسيين: (نحن الذين لم نكن شيئا فأصبحنا الآن كل شيء). ويقولون أيضاً: (الأرستقراطية الحديثة هي أرستقراطية العمال المهرة الفنيين، فهؤلاء هم الذين يجب أن يتمتعوا بحقهم من الراحة والرياضة والتعليم والعناية بهم وبأطفالهم).
محطات الجرارات والآلات
رأى السوفييت أن تقدم الزراعة ووصولها إلى الذروة العليا التي يرمون إليها لا يتم في بلادهم المتسعة الأرجاء الفسيحة السهول بغير استعمال الآلات الزراعية والميكانيكية الحديثة، ولذلك أنشأت الحكومة نظام محطات الجرارات والآلات الزراعية
وتتوقف طبيعة المحطة على نوع المحصول الأساسي لكل منطقة سواء كان من الغلال أو القطن أو بنجر السكر أو غير ذلك. ولما بدأت الحكومة السوفيتية التحول الجبري في سنة 1930 من الزراعة الفردية إلى النظام التجمعي كان في الروسيا 158 محطة من هذه المحطات ملكا للحكومة و479 محطة تعاونية وكان عدد الجرارات في الروسيا أربعين ألف جرارة صالحة للأعمال الزراعية منها عشرة آلاف جرارة تابعة محطات الآلات الزراعية الحكومية، وهي صالحة لفلاحة المزارع التجمعية التي أنشئت في البلاد حديثا.
ومن الدوافع الأساسية التي حدث بالسوفييت إلى تعميم نظام المزارع التجمعية هو جعل الزراعة بالآلات الميكانيكية الحديثة ممكنة واقتصادية، ولذلك أنفقوا ملايين الجنيهات في بناء مصانع إنتاج هذه الآلات التي خرجت من طور التجربة إلى الإنتاج في نهاية سنة 1933 إذ كان لديها مائة ألف جرارة. وجميع هذه المحطات حكومية تؤدي جميع ما يطلب منها من العمليات الزراعية في المزارع التجمعية التي أصبحت تعتمد عليها في ذلك فهي تقوم بالحرث والضم والحصاد والدراس وغير ذلك مقابل نسبة مئوية من محصول المزرعة تتراوح بين 10 - 20 % حسب قلة المحصول أو وفرته.
وقد كان نصف العمل الزراعي قبل الهجوم الألماني في الحرب الأخيرة يؤديه الخيل والنصف الآخر تؤديه الآلات. وقد بلغ عدد الخيول في المزارع التجمعية 5 8 مليون حصان بمتوسط 250 حصانا للمزرعة، ولكل حصان 29 فدانا، ولكل مائة فدان من الأرض الزراعية 12 عاملاً زراعياً عضواً في المزرعة التجمعية. وفي سنة 1935 أصبحت محطات الآلات الزراعية تخدم نحو ثلاث أرباع المساحة المزروعة في الاتحاد السوفيتي.
وقد بلغ عدد محطات الآلات الزراعية في بلاد السوفييت في سنة 1940 مقدار 6980 محطة تجمعت نحو 5 , 94 % من الأراضي المزروعة بالمزارع التجمعية، وقد وفرت بعملها عمل 11 مليون عامل. وقد بلغ عدد الجرارات في سنة 1940 في الزراعة السوفيتية 523000 جرارة وآلات الضم والدراس المزدوجة 128000. وقد تمكن السوفييت بفضل محطات الآلات أن يدربوا في المدة بين سنة 1933 - 1940 عدد 60208 ميكانيكي و106302 رؤساء فرق سواق الجرارات و117 و365 و2 سواق جرارات و562 و305 سواق لآلات الضم والدراس و268 و161 و2 مساعد سواق و196323 ميكانيكي لآلات الضم والدراس و207216 سواق أتوموبيل، وقد التحق كثير من هؤلاء بالفرق الميكانيكية في الجيش السوفيتي خلال هذه الحرب وكانوا من أقوى العوامل في النصر
والسبب في تركيز الآلات الميكانيكية الزراعية في محطات هو سبب اقتصادي، لأن إدارة هذه الآلات وصيانتها تتطلب خبرة ومهارة خاصة لا تتوفر إلا في أناس يتخصصون لها ويكونون خاضعين لسلطة واحدة مكلفة بهذا العمل ومسؤولة عنه في كل منطقة زراعية ويكون في متناولها كل وسائل إصلاح الآلات وصيانتها، وهذا من مستلزمات الاقتصاد في المال والوقت والمجهود. وإشراف الحكومة الأشراف الكلي الكامل على كافة الأعمال الزراعية في البلاد لأن هذه المحطات ملك للحكومة وهي التي تقوم بجميع العمليات الزراعية في كافة البلاد مقابل جزء معين من المحصول يذهب طبعا إلى الحكومة.
ونقطة الضعف الوحيدة في نظام محطات الآلات هي تأثر زراعة المنطقة تأثراً يتمشى مع سوء إدارة محطة الآلات في المنطقة.
وجميع سائقي الجرارات وميكانيكي الآلات المزدوجة للضم والدراس هم غالبا من الأعضاء العاملين في المزرعة التجميعية تدربهم محطة الآلات ليقوموا بالعمل في اشتداد الموسم، وبهذه الطريقة تمكنت حكومة السوفيت من غرس العقلية الميكانيكية في الفلاح الروسي الذي أخذ ينظر إلى جرارته نظرة صوفية لأن عليها رزقه كما ينظر الفلاح المصري إلى ماشيته. وقد علمت التجارب حكومة السوفيت أن من الأفضل لها اتباع سياسة المكافأة لكل عمل حسن يقوم به العامل بدلا من التهديد عن كل عمل رديء يقوم به ولكنها لا تغفل في الوقت نفسه عن معاقبة المهمل والمخطئ والمذنب في كل ما يعرض زراعة الدولة للخطر. ففي نهاية السنة يمنح مدير المحطة رؤساء العمل فيها مكافآت تتراوح من شهر إلى ثلاثة شهور ماهية إذا كانوا قد نفذوا مشروعهم وكان محصول المزرعة التي اشتغلوا بآلاتهم فيها قد وصل إلى معدله أو زاد عنه.
الدكتور محمد مأمون عبد السلام
وكيل قسم النباتات بوزارة الزراعة المصرية