الرئيسيةبحث

مجلة الرسالة/العدد 621/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 621/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 621
البريد الأدبي
[[مؤلف:|]]
بتاريخ: 28 - 05 - 1945


التصوير الفني في القرآن

يجب أن أشكر للأستاذ الفاضل عبد اللطيف السبكي المدرس بكلية الشريعة عنايته بنقد كتابي (التصوير الفني في القرآن). ولكن ليس هذا هو الذي يشفع لي في أن اشغل حيزاً من الرسالة!. إنما هو أثار مسألة أساسية في القرآن وفي الطبيعة البشرية. أثار مسألة يوسف في: (ولقد هّمت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه) وهي مسألة تستحق المناقشة:

وقبل أن أتناول هذه المسألة الأساسية أستأذن القراء في سطور للحديث العابر عن المسائل الأخرى التي أثارها الأستاذ

1 - لقد لا حظ أن هناك بضعة نصوص أصابها الخرم عيّن مواضعها. وأنا اشكر له التنبيه، وآسف لوقوعها في الكتاب. وما دام هو قد لاحظها فأنا أرجوه أن يتفضل بإرسال بيان عنها إليّ، لملاحظتها في الطبعة التالية، موفراً علي جهد البحث عنها

2 - ولاحظ أني لم أبدأ عملي بالتسمية (ليرتفع عن نمط الروايات وكتب التسلية)! وأحسب أن هذه إن كانت ضرورية في كل عمل فليست ضرورية في كتابي هذا! إذ ماذا تعني التسمية إلا إثبات التوجه إلى الله بالعمل. فهل كتاب عن القرآن على نمط كتابي في تمجيده من الوجهة الفنية، في حاجة إلى هذا الإثبات الشكلي؟ إنه كله توجه، وطبيعته كلها تسمية، من صفحته الأولى إلى صفحته الأخيرة!

3 - ولا حظ أن ليس بالكتاب دليل في نهايته. وله كل الحق في ملاحظته. ولكن من يعلمه: كم جاهدت لوضع هذا الدليل. وكم وقفت أزمة الورق وضرورات الطباعة بي عما أريد؟

4 - ولاحظ - ولا أدري كيف - أنني أمنّ على الناس بما قدمت، وهو ما عدت إلى الكتاب أبحث عنه فلم أجده. أم لعله يقصد ما ذكرته من أن الاتجاه إلى إدراك الجمال الفني في القرآن على النحو الذي اتجهته لم يكن من نصيب الباحثين في بلاغة القرآن - قدامي ومحدثين - فتلك حقيقة تاريخية لا بد من إثباتها ولا ضير فيها ولا منّ. . . وبقي قوله: (فلا يغمز الأوائل بالتجهيل أو القصور ونحن لا نبني إلا من الحصيات نجمعها من ساحاتهم الواسعة).

فتلك قضية أخالفه فيها فيما يختص بالجمال الفتى في القرآن. لقد أثنيت ما استطعت على رجلين اثنين: عبد القاهر والزمخشري. وعرضت نماذج من حسن فهمهم - المحدود بحدود الزمان - لبعض الجمال الفني في القرآن وهذا كل ما يطلب مني. . . وأحب أن أقول بعد هذا: إنني - فيما يختص بالجمال الفني - لم أبن من حصيات أحد. . . وهذه حقيقة تاريخية كذلك لا أرى أن تقديرنا للقدامى يكفي لإنكارها. ومن الأمانة للبحث العلمي ألا نبخس الناس أشياءهم. . . ولكن من الأمانة كذلك ألا نعطيهم فوق ما يستحقون.

ثم أخلص إلى القضية الأساسية. قضية يوسف:

يتحدث الأستاذ عن تصويري ليوسف بالأستاذ إلى ما ورد عنه في القرآن بأنه الرجل الواعي الحصيف، واستشهادي بإبائه على مراودة امرأة العزيز، وقولي (ومع ذلك لقد كاد يضعف) فيقول:

(وهذا تصوير غير فني لإنسان هيأه ربه للنبوة، وكتب له العصمة من قبل ومن بعد. وأظن الأستاذ منساقاً في هذا وراء ما يقال: من أن يوسف إنسان لم تفارقه نوازع البشرية، فهو يميل كما يميل أي إنسان ويكاد يضعف أي إنسان وأظنه كذلك يحسب الآية في ظاهرها هذا إذ قررت أن المرأة همت به وأن يوسف هم بها، وليسمح لي الأستاذ أن أنبهه إلى أن هذا فهم سطحي غير سديد). . .

وأنا بدوري أحب أن أقول للأستاذ: إنني أخالفه فيما أتجه إليه. وأن هذه قضية مدروسة جيداً عندي - وإن لم أتعرض لها بتوسع في كتابي - لأنها من مباحث كتابي آخر أعده الآن عن (القصة بين التوارة والقرآن). والمجال لا يتسع هنا للتفصيل إلا أن يشاء الأستاذ وقراء الرسالة أن أعرضها كاملة.

ولكن هذا لا يمنع من بضع كلمات:

لقد كنت حريصاً في تعبيري فقلت: (كاد يضعف) ولم أقل إنه ضعف فعلاً. وليس في هذا ما يخالف العصمة في اعتقادي. فالعصمة لا تقتل النوازع البشرية، ولكنها تقيم حولها الحواجز، وتجعل الروادع في النفس أكبر من الدوافع. . . وهذا يكفي

ولقد عصم الله يوسف، فجعله يكافح النوازع البشرية وينتصر عليها في اللجنة التي لا ينتصر فيها إلا أولو العزم. وإن هذا ليكفي ليقال عنه في القرآن: (إنه كان من عبادنا المخلصين).

وغير يوسف أنبياء مخلصون: منهم موسى ويذكر القرآن أنه قتل رجلاً ثم تاب فتاب عليه الله. وداود وسليمان ويذكر القرآن أنهما قد فتنا ثم استغفر وأنابا. . .

فالعصمة النبوية مسألة تحتاج إلى أفق أوسع في النظر إليها. ولست ممن يميلون إلى أنها التجرد من جميع النوازع البشرية وإن كنت أومن بأنها الانتصار على جميع النوازع البشرية.

ونفي الهمّ عن يوسف - بالمعنى الذي يريده الأستاذ - يحتاج إلى تأويل النص الصريح، وأنا أنفر من التأويلات التي لا يدعو إليها إلا الغلو في التخرج. وإن دراستي لطريقة التعبير في القرآن لتبيح لي أن أقول: إن للنص القرآني معنى واحدا في كل حالة. وإن الاحتمالات المختلفة التي يرويها المفسرون للنص الواحد، إنما تتوارى مع شيء من التدقيق ليبرز منها احتمال واحد هو الذي يتفق مع طبيعة التعبير القرآني. وهذه مسألة لا يكفي الفراغ المتاح لشرحها اليوم. فقد أقوم ببيانها بتوسعه إذا وفقت.

على أن هناك عدة احتمالات في موقف يوسف:

1 - فهل العصمة النبوية قبل الرسالة وبعدها؟ أم بعد الرسالة فحسب؟ هذا مبحث طويل.

2 - وهل حادثة يوسف كانت قبل رسالته أم بعدها؟ لا يذكر القرآن عن ذلك شيئاً. ولنا الحق في أن نفهم أنها كانت قبلها. ولا سيما أن التوراة تحدد سنة في هذا الوقت بأنها كانت دون الثلاثين.

3 - ثم ألا يكون سجن يوسف تكفير عن النزعة التي قهرها وعصمه الله منها؟ ليكون بعد ذلك (من عبادنا المخلصين)؟

كل هذا يجوز ولكني لا احب الارتكان إليه، لأن تفسير العصمة على النحو الذي أسلفت يغنينا عن كل هذه الاحتمالات.

للأستاذ الفاضل شكري على ما أتاح من هذا البيان.

سيد قطب

النبي ودائرة المعارف البريطانية لاحظت في الجزء الخامس عشر من دائرة المعارف البريطانية طبعة 1932 اعتباراً من الصفحة 647 في البحث عن حياة منقذ البشرية الأعظم محمد بن عبد الله هذه الجملة في مفتتح الحديث وبالخط البارز ولا يخفى ما يعنيه هذا الوصف الذي لا يليق أن يوصف به ذلك النبي الأمين الذي أضاء بحكمته دياجير الظلمات الحالكة، ورفع لواء العدل على الإنسانية فخلصها من نير العبودية، وفكها من عقال الجهل، وبسط السلام الحق، وآخى بين الناس، وأقر مبدأ المساواة في الحقوق بين الأفراد، وأزال الفوارق بين الطبقات، وبصورة أعم فقد جاء بالحرية للإنسان؛ وهذا أمر اعترف به رجال التاريخ المنصفون من غير المسلمين؛ فما بال دائرة المعارف المذكورة تتجاهل كل ذلك وتصفه بهذا الوصف الذي لم نرها تصف به من يستحقونه أمثال الإسكندر - ونابليون وأضرابهما من الأحكام والمستبدين؟

إن محمداً لم يكن يوماً طاغية ولا مستبداً ولا حاكماً مطلقاً كما يشهد التاريخ بذلك، بل هو الذي علم الناس التسامح وجاء بالحكم الشورى الذي تدرج حتى صار يدعي اليوم بالحكم النيابي أو الديمقراطي.

هذا من جهة ومن الجهة الأخرى فقد وجدت الدائرة المذكورة تمعن في هذا التجاهل فلا تستند إلى كتب التاريخ المهمة بل تستند إلى تاريخ الواقدي الذي تقول عنه إنها لم تجد غيره، ثم هي في الوقت نفسه تطعن في هذا التاريخ وتقارنه ببعض الكتب الغربية الخرافية في أوربا. والواقدي كما يعلم المتتبعون لحوادث التاريخ غير حجة ولا ثقة بالنسبة لغيره من المؤرخين الثقات، هذا بالإضافة إلى أن البحث برغم استناده إلى ذلك التاريخ غير مستوف.

وظاهرة أخرى لاحظتها في هذه الدائرة، وهي أنها عند تعرضها لذكر كبار رجال الإسلام كالخلفاء الأربعة ومشاهير بني أمية والعباسيين وغيرهم تأتي بنبذ مقتضبة عنهم لا تتجاوز بضعة اسطر في حين أنها تكتب الصفحات الطوال عن نابليون وأمثاله وحتى عن رؤساء ووزراء وغيرهم.

هذا عرض موجز لما لاحظته، وقد فكرت طويلاً ثم كتبت منذ أشهر بذلك إلى معالي السيد عبد الرزاق السنهوري بصفته وزيراً لمعارف أكبر أمة إسلامية عرفت واشتهرت بمواقفها المشرفة في الدفاع عن الإسلام وشعوبه، كما فيها أكبر إسلامي يرنو إليه مسلمو الأرض بعين الثقة والأمل ألا وهو الأزهر، وأهبت بمعاليه أن يتفضل ويدرس الموضوع في مرجعه والقيام بالتوسط لدى ناشري الدائرة لحذف ما يتنافى وكرامة من يدين بدينه أكثر من أربعمائة مليون مسلم ثم تزويدهم ببحث واف مستفيض عن حياة الرسول الأعظم وكذلك عن مشاهير رجال الإسلام ليكون جاهزاً ينشر في الطبعة المستقبلة.

وأنا الآن استنهض هم الهيئات المختصة من دينية ومدنية لا في مصر وحدها بل في جميع الأقطار الإسلامية للقيام بواجبهم نحو دينهم ورجال دينهم الذين لولاهم لما كنا اليوم نستنشق عبير الهواء ونطمح إلى حياة موفورة الكرامة ومنزلة رفيعة مرموقة تحت الشمس. ولعلهم إن شاء الله فاعلون.

(البصرة)

أحمد حمد آل صالح

التواءات نفس

من نكد الدنيا على الأدب أن يوجد أديب واحد من أبناء هذا العصر ينزل منزلة المزورين في الأدب يلفق كلاماً يلصقه بغير قائله. ومن سوء طالع هذا الجيل أن يكون فيه كاتب واحد جبان لا يجرؤ على القول الحق والمجاهرة به.

لقد سمعنا بمقالات كان يكتبها أديب يدافع فيها عن الشعر الرمزي مذيلة بإمضاء غيره؛ ولكننا لم نسمع عن حادث في الأدب كحادث التزوير الذي ذكره الدكتور شريف القبج في العدد السابق من الرسالة في الدفاع عن الشاعر شريف القبج في العدد السابق من الرسالة في الدفاع عن شاعر الرمزي بشر فارس.

وعلى الرغم من شناعة هذه الفرية الشائنة التي ألصقها مخلوق مريض النفس بأدبنا العصري ونهضتنا الزاهرة، أحذر الأدباء هذا الانحطاط الخلقي وأهيب بهم مجافاة هؤلاء المرضى بالالتواءات النفسية؛ لأن حكمهم ليس كحكم أصحاب العاهات من عميان ومجذوبين ومبتوري السوق تقزز النفس لمرآهم، بل كحكم مرضى يوبئون المجتمع بجراثيمهم الخلقية وعللهم النفسية، وسنعمل على تطهير المجتمع الأدبي منهم.

حبيب الزحلاوي